الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَوُضِعَ الكِتابُ﴾ . قَدْ قَدَّمْنا إيضاحَهُ بِالآياتِ القُرْآنِيَّةِ، في سُورَةِ الكَهْفِ، في الكَلامِ عَلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَوُضِعَ الكِتابُ فَتَرى المُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمّا فِيهِ﴾ [الكهف: ٤٩] وفي سُورَةِ بَنِي إسْرائِيلَ في الكَلامِ عَلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ القِيامَةِ كِتابًا يَلْقاهُ مَنشُورًا﴾ [الإسراء: ١٣] .
* * *
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ والشُّهَداءِ وقُضِيَ بَيْنَهم بِالحَقِّ وهم لا يُظْلَمُونَ﴾ ﴿وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ﴾ . اخْتَلَفَ العُلَماءُ في المُرادِ بِالشُّهَداءِ في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ، فَقالَ بَعْضُهم: هُمُ الحَفَظَةُ مِنَ المَلائِكَةِ الَّذِينَ كانُوا يُحْصُونَ أعْمالَهم في الدُّنْيا، واسْتَدَلَّ مَن قالَ هَذا بِقَوْلِهِ تَعالى ﴿وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وشَهِيدٌ﴾ [ق: ٢١] .
وَقالَ بَعْضُ العُلَماءِ: الشُّهَداءُ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ ﷺ، يَشْهَدُونَ عَلى الأُمَمِ، كَما قالَ تَعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْناكم أُمَّةً وسَطًا لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلى النّاسِ ويَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكم شَهِيدًا﴾ . (p-٣٦٨)وَقِيلَ: الشُّهَداءُ الَّذِينَ قُتِلُوا في سَبِيلِ اللَّهِ، وأظْهَرُ الأقْوالِ في الآيَةِ عِنْدِي، أنَّ الشُّهَداءَ هُمُ الرُّسُلُ مِنَ البَشَرِ، الَّذِينَ أُرْسِلُوا إلى الأُمَمِ، لِأنَّهُ لا يَقْضِي بَيْنَ الأُمَّةِ حَتّى يَأْتِيَ رَسُولُها، كَما صَرَّحَ تَعالى بِذَلِكَ في سُورَةِ يُونُسَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإذا جاءَ رَسُولُهم قُضِيَ بَيْنَهم بِالقِسْطِ وهم لا يُظْلَمُونَ﴾ [يونس: ٤٧] فَصَرَّحَ جَلَّ وعَلا بِأنَّهُ يَسْألُ الرُّسُلَ عَمّا أجابَتْهم بِهِ أُمَمُهم، كَما قالَ تَعالى: ﴿يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ماذا أُجِبْتُمْ﴾ [المائدة: ١٠٩] وقالَ تَعالى: ﴿فَلَنَسْألَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إلَيْهِمْ ولَنَسْألَنَّ المُرْسَلِينَ﴾ [الأعراف: ٦] وقَدْ يُشِيرُ إلى ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَكَيْفَ إذا جِئْنا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وجِئْنا بِكَ عَلى هَؤُلاءِ شَهِيدًا﴾ [النساء: ٤١] لِأنَّ كَوْنَهُ ﷺ هو الشَّهِيدُ عَلى هَؤُلاءِ الَّذِينَ هم أُمَّتُهُ، يَدُلُّ عَلى أنَّ الشَّهِيدَ عَلى كُلِّ أُمَّةٍ هو رَسُولُها.
وَقَدْ بَيَّنَ تَعالى أنَّ الشَّهِيدَ عَلى كُلِّ أُمَّةٍ مِن أنْفُسِ الأُمَّةِ، فَدَلَّ عَلى أنَّهُ لَيْسَ مِنَ المَلائِكَةِ، وذَلِكَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَيَوْمَ نَبْعَثُ في كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِن أنْفُسِهِمْ﴾ [النحل: ٨٩] والرُّسُلُ مِن أنْفُسِ الأُمَمِ كَما قالَ تَعالى في نَبِيِّنا مُحَمَّدٍ ﷺ:
﴿لَقَدْ جاءَكم رَسُولٌ مِن أنْفُسِكُمْ﴾ [التوبة: ١٢٨] . وقالَ تَعالى: ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلى المُؤْمِنِينَ إذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِن أنْفُسِهِمْ﴾ الآيَةَ [آل عمران: ١٦٤] .
والمُسَوِّغُ لِلْإيجازِ بِحَذْفِ الفاعِلِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ﴾ [الزمر: ٦٩] هو أنَّهُ مِنَ المَعْلُومِ الَّذِي لا نِزاعَ فِيهِ، أنَّهُ لا يَقْدِرُ عَلى المَجِيءِ بِهِمْ إلّا اللَّهُ وحْدَهُ جَلَّ وعَلا.
وَقَرَأ هَذا الحَرْفَ عامَّةُ السَّبْعَةِ غَيْرُ الكِسائِيِّ وهِشامٍ عَنِ ابْنِ عامِرٍ، وجِيءَ بِكَسْرِ الجِيمِ كَسْرَةٍ خالِصَةٍ.
وَقَرَأهُ الكِسائِيِّ وهِشامٌ عَنِ ابْنِ عامِرٍ بِإشْمامِ الكَسْرَةِ الضَّمِّ.
وَإنَّما كانَ الإشْمامُ هُنا جائِزًا، والكَسْرُ جائِزًا، لِأنَّهُ لا يَحْصُلُ في الآيَةِ البَتَّةَ، لَبْسٌ بَيْنَ المَبْنِيِّ لِلْفاعِلِ، والمَبْنِيِّ لِلْمَفْعُولِ، إذْ مِنَ المَعْلُومِ أنَّ قَوْلَهُ هُنا: وجِيءَ مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ ولا يَحْتَمِلُ البِناءَ لِلْفاعِلِ بِوَجْهٍ، وما كانَ كَذَلِكَ جازَ فِيهِ الكَسْرُ الخالِصُ وإشْمامُ الكَسْرَةِ الضَّمَّ كَما أشارَ لَهُ في الخُلاصَةِ بِقَوْلِهِ:
؎واكْسِرْ أوْ أشْمِمْ فا ثُلاثِيٍّ أُعِلْ عَيْنًا وضُمَّ حاءَ كَبُوعَ فاحْتُمِلْ
(p-٣٦٩)أمّا إذا أسْنَدَ ذَلِكَ الفِعْلَ إلى ضَمِيرِ الرَّفْعِ المُتَّصِلِ، فَإنَّ ذَلِكَ قَدْ يُؤَدِّي إلى اللَّبْسِ، فَيُشْتَبَهُ المَبْنِيُّ لِلْمَفْعُولِ، بِالمَبْنِيِّ لِلْفاعِلِ، فَيَجِبُ حِينَئِذٍ اجْتِنابُ الشَّكْلِ الَّذِي يُوجِبُ اللَّبْسَ، والإتْيانَ بِما يُزِيلُ اللَّبْسَ مِن شَكْلٍ أوْ إشْمامٍ كَما أشارَ لَهُ في الخُلاصَةِ بِقَوْلِهِ:
؎وَإنْ بِشَكْلٍ خِيفَ لَبْسٌ يُجْتَنَبْ
وَمِن أمْثِلَةِ ذَلِكَ قَوْلُ الشّاعِرِ، وقَدْ أنْشَدَهُ صاحِبُ اللِّسانِ:
؎وَإنِّي عَلى المَوْلى وإنْ قَلَّ نَفْعُهُ ∗∗∗ دُفُوعٌ إذا ما ضُمْتُ غَيْرُ صَبُورِ
فَقَوْلُهُ: ضُمْتُ أصْلُهُ ضِيمْتُ بِالبِناءِ لِلْمَفْعُولِ فَيَجِبُ الإشْمامُ أوِ الضَّمُّ؛ لِأنَّ الكَسْرَ الخالِصَ يَجْعَلُهُ مُحِتَمِلًا لِلْبِناءِ لِلْفاعِلِ كَبِعْتُ وسِرْتُ. وقَوْلُ جَرِيرٍ يَرْثِي المَرّارَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أبِي بَكْرَةَ:
؎وَأقُولُ مِن جَزَعٍ وقَدْ فُتْنا بِهِ ∗∗∗ ودُمُوعُ عَيْنِي في الرِّداءِ غِزارُ
؎لِلدّافِنِينَ أخا المَكارِمِ والنَّدا ∗∗∗ لِلَّهِ ما ضُمِنَتْ بِكَ الأحْجارُ
أصْلُهُ فُوتْنا بِالبِناءِ لِلْمَفْعُولِ فَيَجِبُ الكَسْرُ أوِ الإشْمامُ؛ لِأنَّ الضَّمَّ الخالِصَ يَجْعَلُهُ مُحْتَمِلًا لِلْبِناءِ لِلْفاعِلِ، كَقُلْنا وقُمْنا.
{"ayah":"وَأَشۡرَقَتِ ٱلۡأَرۡضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ ٱلۡكِتَـٰبُ وَجِا۟یۤءَ بِٱلنَّبِیِّـۧنَ وَٱلشُّهَدَاۤءِ وَقُضِیَ بَیۡنَهُم بِٱلۡحَقِّ وَهُمۡ لَا یُظۡلَمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق