الباحث القرآني

﴿وقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ماذا أنْزَلَ رَبُّكم قالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أحْسَنُوا في هَذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ ولَدارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ ولَنِعْمَ دارُ المُتَّقِينَ﴾ ﴿جَنّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها تَجْرِي مِن تَحْتِها الأنْهارُ لَهم فِيها ما يَشاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ المُتَّقِينَ﴾ ﴿الَّذِينَ تَتَوَفّاهُمُ المَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إلّا أنْ تَأْتِيَهُمُ المَلائِكَةُ أوْ يَأْتِيَ أمْرُ رَبِّكَ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ ولَكِنْ كانُوا أنْفُسَهم يَظْلِمُونَ﴾ ﴿فَأصابَهم سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا وحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ ﴿وقالَ الَّذِينَ أشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ ما عَبَدْنا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَحْنُ ولا آباؤُنا ولا حَرَّمْنا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلى الرُّسُلِ إلّا البَلاغُ المُبِينُ﴾ ﴿ولَقَدْ بَعَثْنا في كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ واجْتَنِبُوا الطّاغُوتَ فَمِنهم مَن هَدى اللَّهُ ومِنهم مَن حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا في الأرْضِ فانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ المُكَذِّبِينَ﴾ ﴿إنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهم فَإنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَن يُضِلُّ وما لَهم مِن ناصِرِينَ﴾ ﴿وأقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَن يَمُوتُ بَلى وعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا ولَكِنَّ أكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ ﴿لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ ولِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أنَّهم كانُوا كاذِبِينَ﴾ ﴿إنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إذا أرَدْناهُ أنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ ﴿والَّذِينَ هاجَرُوا في اللَّهِ مِن بَعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهم في الدُّنْيا حَسَنَةً ولَأجْرُ الآخِرَةِ أكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ﴾ ﴿الَّذِينَ صَبَرُوا وعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ ﴿وما أرْسَلْنا مِن قَبْلِكَ إلّا رِجالًا نُوحِي إلَيْهِمْ فاسْألُوا أهْلَ الذِّكْرِ إنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: ٤٣] ﴿بِالبَيِّناتِ والزُّبُرِ وأنْزَلْنا إلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ ما نُزِّلَ إلَيْهِمْ ولَعَلَّهم يَتَفَكَّرُونَ﴾ [النحل: ٤٤] ﴿أفَأمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الأرْضَ أوْ يَأْتِيَهُمُ العَذابُ مِن حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ﴾ [النحل: ٤٥] ﴿أوْ يَأْخُذَهم في تَقَلُّبِهِمْ فَما هم بِمُعْجِزِينَ﴾ [النحل: ٤٦] ﴿أوْ يَأْخُذَهم عَلى تَخَوُّفٍ فَإنَّ رَبَّكم لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [النحل: ٤٧] ﴿أوَلَمْ يَرَوْا إلى ما خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ عَنِ اليَمِينِ والشَّمائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وهم داخِرُونَ﴾ [النحل: ٤٨] خَسَفَ المَكانُ يَخْسِفُ خُسُوفًا: ذَهَبَ، وخَسَفَهُ اللَّهُ: يُرِيدُ أذْهَبَهُ في الأرْضِ بِهِ. دَخَرَ دُخُورًا: تَصاغَرَ، وفَعَلَ ما يُؤْمَرُ شاءَ أوْ أبى. فَقالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: تَواضَعَ. قالَ ذُو الرُّمَّةِ: ؎فَلَمْ يَبْقَ إلّا داخِرٌ في مَجْلِسٍ ومُنْجَحِرٌ في غَيْرِ أرْضِكَ في جُحْرِ ﴿وقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ماذا أنْزَلَ رَبُّكم قالُوا خَيْرًا لِلَّذِينَ أحْسَنُوا في هَذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ ولَدارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ ولَنِعْمَ دارُ المُتَّقِينَ﴾ ﴿جَنّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها تَجْرِي مِن تَحْتِها الأنْهارُ لَهم فِيها ما يَشاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ المُتَّقِينَ﴾ ﴿الَّذِينَ تَتَوَفّاهُمُ المَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾: تَقَدَّمَ إعْرابُ: ماذا، إلّا أنَّهُ إذا كانَتْ (ذا) مَوْصُولَةً لَمْ يَكُنِ الجَوابُ عَلى وفْقِ السُّؤالِ، لِكَوْنِ (ماذا) مُبْتَدَأً وخَبَرًا، أوِ الجَوابُ نَصْبٌ، وهو جائِزٌ، ولَكِنَّ المُطابَقَةَ في الإعْرابِ أحْسَنُ. وقَرَأ الجُمْهُورُ: خَيْرًا، بِالنَّصْبِ، أيْ: أنْزَلَ خَيْرًا. قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: (فَإنْ قُلْتَ): لِمْ نَصَبَ هَذا، ورَفَعَ الأوَّلَ ؟ (قُلْتُ): فَصْلًا بَيْنَ جَوابِ المُقِرِّ وجَوابِ الجاحِدِ، يَعْنِي: أنَّ هَؤُلاءِ لَمّا سُئِلُوا: لَمْ يَتَلَعْثَمُوا وأطْبَقُوا الجَوابَ عَلى السُّؤالِ مَكْشُوفًا مَفْعُولًا لِلْإنْزالِ؛ فَقالُوا: خَيْرًا، وأُولَئِكَ عَدَلُوا بِالجَوابِ عَنِ السُّؤالِ؛ فَقالُوا: هو أساطِيرُ الأوَّلِينَ، ولَيْسَ مِنَ الإنْزالِ في شَيْءٍ؛ انْتَهى. وقَرَأ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ: خَيْرٌ، بِالرَّفْعِ، أيِ: المُنَزَّلُ (p-٤٨٨)فَتُطابِقُ هَذِهِ القِراءَةُ تَأْوِيلَ مَن جَعَلَ (إذا) مَوْصُولَةً، ولا تُطابِقُ مَن جَعَلَ (ماذا) مَنصُوبَةً، لِاخْتِلافِهِما في الإعْرابِ، وإنْ كانَ الِاخْتِلافُ جائِزًا كَما ذَكَرْنا. ورُوِيَ أنَّ أحْياءَ العَرَبِ كانُوا يَبْعَثُونَ أيّامَ المَواسِمِ مَن يَأْتِيهِمْ بِخَبَرِ النَّبِيِّ ﷺ فَإذا جاءَ الوَفْدُ كَفَّهُ المُقْتَسِمُونَ وأمَرَهُ بِالِانْصِرافِ، وقالُوا: إنْ لَمْ تَلْقَهُ كانَ خَيْرًا لَكَ؛ فَيَقُولُ: أنا شَرُّ وافِدٍ إنْ رَجَعْتُ إلى قَوْمِي دُونَ أنْ أسْتَطْلِعَ أمْرَ مُحَمَّدٍ ﷺ وأراهُ، فَيَلْقى أصْحابَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَيُخْبِرُونَهُ بِصِدْقِهِ، وأنَّهُ نَبِيٌّ مَبْعُوثٌ، فَهُمُ الَّذِينَ قالُوا خَيْرًا. والظّاهِرُ أنَّ قَوْلَهُ: لِلَّذِينَ، مُنْدَرِجٌ تَحْتَ القَوْلِ، وهو تَفْسِيرٌ لِلْخَيْرِ الَّذِي أنْزَلَ اللَّهُ في الوَحْيِ: أنَّ مَن أحْسَنَ في الدُّنْيا بِالطّاعَةِ فَلَهُ حَسَنَةٌ في الدُّنْيا ونَعِيمٌ في الآخِرَةِ بِدُخُولِ الجَنَّةِ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: لِلَّذِينِ أحْسَنُوا وما بَعْدَهُ بَدَلٌ مِن خَيْرٍ، حِكايَةً لِقَوْلِ الَّذِينَ اتَّقَوْا، أيْ: قالُوا هَذا القَوْلَ، فَقَدَّمَ عَلَيْهِ تَسْمِيَتَهُ خَيْرًا ثُمَّ حَكاهُ؛ انْتَهى. وقالَتْ فِرْقَةٌ: هو ابْتِداءُ كَلامٍ مِنَ اللَّهِ تَعالى، مَقْطُوعٌ مِمّا قَبْلَهُ، وهو بِالمَعْنى وعْدٌ مُتَّصِلٌ بِذِكْرِ إحْسانِ المُتَّقِينَ في مَقالَتِهِمْ. ومَعْنى حَسَنَةٍ مُكافَأةٌ في الدُّنْيا بِإحْسانِهِمْ، ولَهم في الآخِرَةِ ما هو خَيْرٌ مِنها. ولَمّا ذَكَرَ حالَ الكُفّارِ في الدُّنْيا والآخِرَةِ ذَكَرَ حالَ المُؤْمِنِينَ في الدّارَيْنِ، والظّاهِرُ أنَّ المَخْصُوصَ بِالمَدْحِ هو جَنّاتُ عَدْنٍ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ولَنِعْمَ دارُ المُتَّقِينَ دارُ الآخِرَةِ، فَحَذَفَ المُخَصَّصَ بِالمَدْحِ لِتَقَدُّمِ ذِكْرِهِ، وجَنّاتُ عَدْنٍ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ؛ انْتَهى. وقالَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ: وقَبْلَهُما الزَّجّاجُ وابْنُ الأنْبارِيِّ، وجَوَّزُوا أنْ يَكُونَ ﴿جَنّاتُ عَدْنٍ﴾ مُبْتَدَأً، والخَبَرُ (يَدْخُلُونَها) . وقَرَأ زَيْدُ بْنُ ثابِتٍ وأبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ (جَنّاتِ عَدْنٍ) بِالنَّصْبِ عَلى الِاشْتِغالِ، أيْ: يَدْخُلُونَ جَنّاتِ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها، وهَذِهِ القِراءَةُ تُقَوِّي إعْرابَ ﴿جَنّاتُ عَدْنٍ﴾ بِالرَّفْعِ أنَّهُ مُبْتَدَأٌ، و(يَدْخُلُونَها) الخَبَرُ. وقَرَأ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ: ولَنِعْمَتُ دارِ، بِتاءٍ مَضْمُومَةٍ، ودارٍ مَخْفُوضٌ بِالإضافَةِ، فَيَكُونُ (نِعْمَتْ) مُبْتَدَأً و(جَنّاتٌ) الخَبَرَ. وقَرَأ السُّلَمِيُّ: تَدْخُلُونَها، بِتاءِ الخِطابِ. وقَرَأ إسْماعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ نافِعٍ: يَدْخُلُونَها، بِياءٍ عَلى الغَيْبَةِ، والفِعْلُ مَبْنِيٌّ لِلْمَفْعُولِ، ورُوِيَتْ عَنْ أبِي جَعْفَرٍ وشَيْبَةَ: تَجْرِي. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: في مَوْضِعِ الحالِ، وقالَ الحَوْفِيُّ: في مَوْضِعِ نَعْتٍ لِجَنّاتٌ؛ انْتَهى. فَكانَ ابْنُ عَطِيَّةَ لَحَظَ كَوْنَ جَنّاتُ عَدْنٍ مَعْرِفَةً، والحَوْفِيُّ لَحَظَ كَوْنَها نَكِرَةً، وذَلِكَ عَلى الخِلافِ في عَدْنٍ هَلْ هي عَلَمٌ ؟ أوْ نَكِرَةٌ بِمَعْنى إقامَةٍ ؟ والكافُ في مَوْضِعِ نَصْبٍ نَعْتًا لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ، أيْ: جَزاءٌ مِثْلُ جَزاءِ الَّذِينَ أحْسَنُوا؛ يَجْزِي وطَيِّبِينَ: حالٌ مِن مَفْعُولِ تَتَوَفّاهم، والمَعْنى: أنَّهم صالِحُو الأحْوالِ مُسْتَعِدُّونَ لِلْمَوْتِ والطِّيبِ الَّذِي لا خَبَثَ فِيهِ، ومِنهُ: ﴿طِبْتُمْ فادْخُلُوها خالِدِينَ﴾ [الزمر: ٧٣] . وقالَ أبُو مُعاذٍ: طَيِّبِينَ: طاهِرِينَ مِنَ الشُّكْرِ بِالكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ. وقِيلَ: طَيِّبِينَ سَهْلَةٌ وفاتُهم لا صُعُوبَةَ فِيها ولا ألَمَ، بِخِلافِ ما يَقْبِضُ رُوحَ الكافِرِ والمُخْلِطِ. وقِيلَ: طَيِّبَةٌ نُفُوسُهم بِالرُّجُوعِ إلى اللَّهِ تَعالى، وقِيلَ: زاكِيَةٌ أفْعالُهم وأقْوالُهم، وقِيلَ: صالِحِينَ، وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: طاهِرِينَ مِن ظُلْمِ أنْفُسِهِمْ بِالكُفْرِ والمَعاصِي، لِأنَّهُ في مُقابَلَةِ ظالِمِي أنْفُسِهِمْ. ويَقُولُونَ نُصِبَ عَلى الحالِ مِنَ المَلائِكَةِ، وتَسْلِيمُ المَلائِكَةِ عَلَيْهِمْ بِشارَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعالى، وفي هَذا المَعْنى أحادِيثُ صِحاحٌ. وقَوْلُهُ: ﴿هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾ [البقرة: ٢]، هو وقْتُ قَبْضِ أرْواحِهِمْ، قالَهُ: ابْنُ مَسْعُودٍ، ومُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ، ومُجاهِدٌ. والأكْثَرُونَ جَعَلُوا التَّبْشِيرَ بِالجَنَّةِ دُخُولًا مَجازًا. وقالَ مُقاتِلٌ والحَسَنُ: عِنْدَ دُخُولِ الجَنَّةِ وهو قَوْلُ خَزَنَةِ الجَنَّةِ لَهم في الآخِرَةِ: ﴿سَلامٌ عَلَيْكم بِما صَبَرْتُمْ فَنَعِمَ عُقْبى الدّارِ﴾ [الرعد: ٢٤] . فَعَلى هَذا القَوْلِ يَكُونُ يَقُولُونَ حالًا مُقَدَّرَةً، ولا يَكُونُ القَوْلُ وقْتَ التَّوَفِّي. وعَلى هَذا يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ الَّذِينَ مُبْتَدَأً، والخَبَرُ يَقُولُونَ، والمَعْنى: يَقُولُونَ لَهم سَلامٌ عَلَيْكم. ويَدُلُّ لِهَذا القَوْلِ قَوْلُهُمُ: ادْخُلُوا الجَنَّةَ، ووَقْتَ المَوْتِ لا يُقالُ لَهُمُ ادْخُلُوا الجَنَّةَ، فالتَّوَفِّي هُنا تَوَفِّي المَلائِكَةِ لَهم وقْتَ الحَشْرِ. وقَوْلُهُ: ﴿بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ ظاهِرُهُ في دُخُولِ الجَنَّةِ (p-٤٨٩)بِالعَمَلِ الصّالِحِ. ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إلّا أنْ تَأْتِيَهُمُ المَلائِكَةُ أوْ يَأْتِيَ أمْرُ رَبِّكَ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ ولَكِنْ كانُوا أنْفُسَهم يَظْلِمُونَ﴾ ﴿فَأصابَهم سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا وحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾ ﴿وقالَ الَّذِينَ أشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ ما عَبَدْنا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَحْنُ ولا آباؤُنا ولا حَرَّمْنا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلى الرُّسُلِ إلّا البَلاغُ المُبِينُ﴾: مُناسَبَةُ هَذِهِ الآيَةِ لِما قَبْلَها أنَّهُ تَعالى لَمّا ذَكَرَ طَعْنَ الكُفّارِ في القُرْآنِ بِقَوْلِهِمْ: أساطِيرُ الأوَّلِينَ، ثُمَّ أتْبَعَ ذَلِكَ بِوَعِيدِهِمْ وتَهْدِيدِهِمْ، ثُمَّ تَوَعَّدَ مَن وصَفَ القُرْآنُ بِالخَيْرِيَّةِ بَيَّنَ أنَّ أُولَئِكَ الكَفَرَةَ لا يَرْتَدِعُونَ عَنْ حالِهِمْ إلّا أنْ تَأْتِيَهُمُ المَلائِكَةُ بِالتَّهْدِيدِ، أوْ أمْرِ اللَّهِ بِعَذابِ الِاسْتِئْصالِ. وقَرَأ حَمْزَةُ والكِسائِيُّ: يَأْتِيهِمْ، بِالياءِ، وهي قِراءَةُ ابْنِ وثّابٍ، وطَلْحَةَ، والأعْمَشِ، وباقِي السَّبْعَةِ بِالتّاءِ عَلى تَأْنِيثِ الجَمْعِ، وإتْيانِ المَلائِكَةِ لِقَبْضِ الأرْواحِ، وهم ظالِمُو أنْفُسِهِمْ، وأمْرُ رَبِّكَ العَذابُ المُسْتَأْصِلُ أوِ القِيامَةُ. والكافُ في مَوْضِعِ نَصْبٍ، أيْ: مِثْلُ فِعْلِهِمْ في انْتِظارِ المَلائِكَةِ أوامِرَ اللَّهِ فِعْلُ الكُفّارِ الَّذِينَ يُقَدِّمُونَهم. وقِيلَ: مِثْلُ فِعْلِهِمْ في الكُفْرِ والدَّيْمُومَةِ عَلَيْهِ فَعَلَ مُتَقَدِّمُوهم مِنَ الكُفّارِ. وقِيلَ: فَعَلَ هُنا كِنايَةٌ عَنِ اغْتِرارِهِمْ، كَأنَّهُ قِيلَ: مِثْلُ اغْتِرارِهِمْ بِاسْتِبْطاءِ العَذابِ اغْتَرَّ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ، والظّاهِرُ القَوْلُ الأوَّلُ لِدَلالَةِ: هَلْ يَنْظُرُونَ عَلَيْهِ، وما ظَلَمَهُمُ اللَّهُ بِإهْلاكِهِمْ ولَكِنْ كانُوا أنْفُسَهم يَظْلِمُونَ بِكُفْرِهِمْ وتَكْذِيبِهِمُ الَّذِي أوْجَبَ لَهُمُ العَذْابَ في الدُّنْيا والآخِرَةِ. وقَوْلُهُ: فَأصابَهم: مَعْطُوفٌ عَلى فَعَلَ، وما ظَلَمَهُمُ اعْتِراضٌ. وسَيِّئاتُ: عُقُوباتُ كُفْرِهِمْ. وحاقَ بِهِمْ أحاطَ بِهِمْ جَزاءَ اسْتِهْزائِهِمْ. وقالَ الَّذِينَ أشْرَكُوا، تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ مِثْلِ هَذِهِ الآيَةِ في آخِرِ الأنْعامِ، فَأغْنى عَنِ الكَلامِ في هَذا. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: هُنا يَعْنِي أنَّهم أشْرَكُوا بِاللَّهِ وحَرَّمُوا ما أحَلَّ مِنَ البَحِيرَةِ والسّائِبَةِ وغَيْرِهِما، ثُمَّ نَسَبُوا فِعْلَهم إلى اللَّهِ، وقالُوا: لَوْ شاءَ اللَّهُ لَمْ نَفْعَلْ، وهَذا مَذْهَبُ المُجَبِّرَةِ بِعَيْنِهِ. كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ، أيْ: أشْرَكُوا وحَرَّمُوا حَلالَ اللَّهِ، فَلَمّا نُبِّهُوا عَلى قُبْحِ فِعْلِهِمْ وأشْرَكُوا عَلى رَبِّهِمْ، فَهَلْ عَلى الرُّسُلِ إلّا أنْ يُبَلِّغُوا الحَقَّ، وأنَّ اللَّهَ لا يَشاءُ الشِّرْكَ والمَعاصِيَ بِالبَيانِ والبُرْهانِ، ويَطَّلِعُوا عَلى بُطْلانِ الشِّرْكِ وقُبْحِهِ، وبَراءَةِ اللَّهِ مِن أفْعالِ العِبادِ، وأنَّهم فاعِلُوها بِقَصْدِهِمْ وإرادَتِهِمْ واخْتِيارِهِمْ، واللَّهُ تَعالى باعِثُهم عَلى جَمِيلِها، ومُوَفِّقُهم لَهُ وزاجِرُهم عَنْ قَبِيحِها ومُوعِدُهم عَلَيْهِ؛ انْتَهى. وهو عَلى طَرِيقَةِ الِاعْتِزالِ. وهَذا القَوْلُ صادِرٌ مِمَّنْ أقَرَّ بِوُجُودِ البارِي تَعالى وهُمُ الأكْثَرُونَ، أوْ مِمَّنْ لا يَقُولُ بِوُجُودِهِ. فَعَلى تَقْدِيرٍ أنَّ الرَّبَّ الَّذِي يَعْبُدُهُ مُحَمَّدٌ ﷺ ويَصِفُهُ بِالعِلْمِ والقُدْرَةِ يَعْلَمُ حالَنا، وهَذا جِدالٌ مِن أيِّ الصِّنْفَيْنِ كانَ لَيْسَ فِيهِ اسْتِهْزاءٌ. وقالَ الزَّجّاجُ: قالُوا ذَلِكَ عَلى سَبِيلِ الِاسْتِهْزاءِ، ومِنَ المُطابَقَةِ الَّتِي أنْكَرَتْ مُطابَقَةَ الأدِلَّةِ لِإقامَةِ الحُجَّةِ مِن مَذْهَبِ خَصْمِها مُسْتَهْزِئَةً في ذَلِكَ. (p-٤٩٠)﴿ولَقَدْ بَعَثْنا في كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ واجْتَنِبُوا الطّاغُوتَ فَمِنهم مَن هَدى اللَّهُ ومِنهم مَن حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا في الأرْضِ فانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ المُكَذِّبِينَ﴾ ﴿إنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهم فَإنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَن يُضِلُّ وما لَهم مِن ناصِرِينَ﴾ ﴿وأقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَن يَمُوتُ بَلى وعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا ولَكِنَّ أكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ ﴿لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ ولِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أنَّهم كانُوا كاذِبِينَ﴾: قالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: ولَقَدْ أمَدَّ إبْطالَ قَدْرِ السُّوءِ ومِشْيَةِ الشَّرِّ بِأنَّهُ ما مِن أُمَّةٍ إلّا وقَدْ بُعِثَ فِيهِمْ رَسُولًا يَأْمُرُهم بِالخَيْرِ الَّذِي هو الإيمانُ وعِبادَةُ اللَّهِ واجْتِنابِ الشَّرِّ الَّذِي هو الطّاغُوتُ ﴿فَمِنهم مَن هَدى اللَّهُ﴾، أيْ لَطَفَ بِهِ، لِأنَّهُ عَرَفَهُ مِن أهْلِ اللُّطْفِ، ﴿ومِنهم مَن حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ﴾، أيْ ثَبَتَ عَلَيْهِ الخِذْلانُ والشِّرْكُ مِنَ اللُّطْفِ، لِأنَّهُ عَرَفَهُ مُصَمَّمًا عَلى الكُفْرِ لا يَأْتِي مِنهُ خَيْرٌ. ﴿فَسِيرُوا في الأرْضِ فانْظُرُوا﴾ ما فَعَلْتُ بِالمُكَذِّبِينَ حَتّى لا تَبْقى لَكم شُبْهَةٌ وإنِّي لا أُقَدِّرُ الشَّرَّ ولا أشاؤُهُ، حَيْثُ أفْعَلُ ما أفْعَلُ بِالأشْرارِ؛ انْتَهى. وهو عَلى طَرِيقَةِ الِاعْتِزالِ. ولَمّا قالَ: ﴿فَهَلْ عَلى الرُّسُلِ إلّا البَلاغُ المُبِينُ﴾، بَيَّنَ ذَلِكَ هُنا بِأنَّهُ بَعَثَ الرُّسُلَ بِعِبادَتِهِ وتَجَنُّبِ عِبادَةِ غَيْرِهِ، فَمِنهم مَنِ اعْتَبَرَ فَهَداهُ اللَّهُ، ومِنهم مَن أعْرَضَ وكَفَرَ، ثُمَّ أحالَهم في مَعْرِفَةِ ذَلِكَ عَلى السَّيْرِ في الأرْضِ واسْتِقْراءِ الأُمَمِ، والوُقُوفِ عَلى عَذابِ الكافِرِينَ المُكَذِّبِينَ، ثُمَّ خاطَبَ نَبِيَّهُ وأعْلَمَهُ أنَّ مَن حَتَّمَ عَلَيْهِ بِالضَّلالَةِ لا يُجْدِي فِيهِ الحِرْصُ عَلى هِدايَتِهِ. وقَرَأ النَّخَعِيُّ: وإنْ، بِزِيادَة واوٍ وهو والحَسَنُ، وأبُو حَيْوَةَ: تَحْرَصْ، بِفَتْحِ الرّاءِ مُضارِعُ، حَرِصَ بِكَسْرِها، وهي لُغَةٌ. وقَرَأ الجُمْهُورُ، بِالكَسْرِ مُضارِعُ حَرَصَ، بِالفَتْحِ، وهي لُغَةُ الحِجازِ. وقَرَأ الحَرَمِيّانِ، والعَرَبِيّانِ، والحَسَنُ، والأعْرَجُ، ومُجاهِدٌ، وشَيْبَةُ، وشِبْلٌ، ومُزاحِمٌ الخُراسانِيُّ، والعُطارِدِيُّ، وابْنُ سِيرِينَ: لا يُهْدى، مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، ومَن مَفْعُولٌ لَمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ. والفاعِلُ في (يُضِلُّ) ضَمِيرُ اللَّهِ والعائِدُ عَلى (مَن) مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: مَن يُضِلُّهُ اللَّهُ. وقَرَأ الكُوفِيُّونَ، وابْنُ مَسْعُودٍ، وابْنُ المُسَيَّبَ، وجَماعَةٌ: يَهْدِي، مَبْنِيًّا لِلْفاعِلِ. والظّاهِرُ أنَّ في يَهْدِي ضَمِيرًا يَعُودُ عَلى اللَّهِ، ومَن: مَفْعُولٌ، وعَلى ما حَكى الفَرّاءُ أنَّ (هَدى) يَأْتِي بِمَعْنى اهْتَدى يَكُونُ لازِمًا، والفاعِلُ (مَن)، أيْ لا يَهْتَدِي مَن يُضِلُّهُ اللَّهُ. وقَرَأتْ فِرْقَةٌ مِنهم عَبْدُ اللَّهِ: لا يَهِدِي، بِفَتْحِ الياءِ وكَسْرِ الهاءِ والدّالِ. كَذا قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ، ويَعْنِي: وتَشْدِيدُ الدّالِ وأصْلُهُ يَهْتَدِي، فَأُدْغِمَ، كَقَوْلِكَ في: يَخْتَصِمُ يَخْصِمُ. وقَرَأتْ فِرْقَةٌ: يَهْدِي، بِضَمِّ الياءِ وكَسْرِ الدّالِ، قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وهي ضَعِيفَةٌ؛ انْتَهى. وإذا ثَبَتَ أنَّ (هَدى) لازِمٌ بِمَعْنى اهْتَدى لَمْ تَكُنْ ضَعِيفَةً، لِأنَّهُ أدْخَلَ عَلى اللّازِمِ هَمْزَةَ التَّعْدِيَةِ، فالمَعْنى: لا يَجْعَلُ مُهْتَدِيًّا مَن أضَلَّهُ، وفي مُصْحَفِ أُبَيٍّ: لا هادِيَ لِمَن أضَلَّ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وفي قِراءَةِ أُبِيٍّ: فَإنَّ اللَّهَ لا هادِيَ لِمَن يُضِلُّ ولِمَن أضَلَّ. وقُرِئَ: يَضِلُّ، بِفَتْحِ الياءِ، وقالَ أيْضًا: حَرِصَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلى إيمانِ قُرَيْشٍ، وعَرَّفَهُ أنَّهم مَن قِسْمِ مَن حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ، وأنَّهُ لا يَهْدِي مَن يُضِلُّ، أيْ: لا يَلْطُفُ بِمَن يَخْذُلُ لِأنَّهُ عَبَثٌ، واللَّهُ تَعالى مُتَعالٍ عَنِ العَبَثِ، لِأنَّهُ مِن قَبِيلِ القَبائِحِ الَّتِي لا تَجُوزُ عَلَيْهِ؛ انْتَهى. وهو عَلى طَرِيقَةِ الِاعْتِزالِ. والضَّمِيرُ في (لَهم) عائِدٌ عَلى مَعْنى (مَن)، والضَّمِيرُ في وأقْسَمُوا عائِدٌ عَلى كُفّارِ قُرَيْشٍ. وعَنْ أبِي العالِيَةِ: نَزَلَتْ في رَجُلٍ مِنَ المُسْلِمِينَ تَقاضى دَيْنًا عَلى رَجُلٍ مِنَ المُشْرِكِينَ، فَكانَ فِيما تَكَلَّمَ بِهِ المُسْلِمُ الَّذِي ادَّخَرَهُ بَعْدَ المَوْتِ فَقالَ المُشْرِكُ، وأنْكَرَ أنَّكَ تُبْعَثُ بَعْدَ المَوْتِ، وأقْسَمُ بِاللَّهِ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَن يَمُوتُ، بَلى رَدَّ عَلَيْهِ ما نَفاهُ، وأكَّدَهُ بِالقَسَمِ، والتَّقْدِيرُ: بَلى يَبْعَثُهُ. وانْتَصَبَ وعْدًا وحَقًّا عَلى أنَّهُما مَصْدَرانِ مُؤَكِّدانِ لِما دَلَّ عَلَيْهِ (بَلى) مِن تَقْدِيرِ المَحْذُوفِ الَّذِي هو يَبْعَثُهُ. وقالَ الحَوْفِيُّ: حَقًّا: نَعْتٌ لِـ (وعْدًا) . وقَرَأ الضَّحّاكُ: بَلى وعْدٌ حَقٌّ، والتَّقْدِيرُ: بَعْثُهم وعْدٌ عَلَيْهِ حَقٌّ، وحَقٌّ، صِفَةٌ لِوَعْدٍ. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وأقْسَمُوا بِاللَّهِ مَعْطُوفٌ عَلى ﴿وقالَ الَّذِينَ أشْرَكُوا﴾، إيذانًا بِأنَّهُما كُفْرَتانِ عَظِيمَتانِ مَوْصُوفَتانِ حَقِيقَتانِ بِأنْ تُحْكَيا وتُدَوَّنا، تُورِيكَ ذُنُوبَهم عَلى مَشِيئَةِ اللَّهِ، وإنْكارَهُمُ البَعْثَ مُقْسِمِينَ عَلَيْهِ، وبَيَّنَ أنَّ الوَفاءَ بِهَذا المَوْعِدِ حَقٌّ واجِبٌ عَلَيْهِ، ولَكِنَّ أكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ أنَّهم يُبْعَثُونَ، أوْ أنَّهُ وعْدٌ واجِبٌ عَلى اللَّهِ لِأنَّهم (p-٤٩١)يَقُولُونَ: لا يَجِبُ عَلى اللَّهِ شَيْءٌ، لا ثَوابُ عامِلٍ ولا غَيْرُهُ مِن مَواجِبِ الحِكْمَةِ؛ انْتَهى. وهو عَلى طَرِيقَةِ الِاعْتِزالِ. وأكْثَرُ النّاسِ هُمُ الكُفّارُ المُكَذِّبُونَ بِالبَعْثِ. وأمّا قَوْلُ الشِّيعَةِ: إنَّ الإشارَةَ بِهَذِهِ الآيَةِ إنَّما هي لِعَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ، وأنَّ اللَّهَ سَيَبْعَثُهُ في الدُّنْيا، فَسَخافَةٌ مِنَ القَوْلِ. والقَوْلُ بِالرَّجْعَةِ باطِلٌ وافْتِراءٌ عَلى اللَّهِ عَلى عادَتِهِمْ، رَدَّهُ ابْنُ عَبّاسٍ وغَيْرُهُ. واللّامُ في (لِيُبَيِّنَ) مُتَعَلِّقَةٌ بِالفِعْلِ المُقَدَّرِ بَعْدَ (بَلى)، أيْ: نَبْعَثُهم لِيُبَيِّنَ لَهم كَما يَقُولُ الرَّجُلُ: ما ضَرَبْتَ أحَدًا فَيَقُولُ: بَلى زَيْدًا، أيْ: ضَرَبْتُ زَيْدًا. ويَعُودُ الضَّمِيرُ في (يَبْعَثُهم) المُقَدَّرُ، وفي (لَهم) عَلى مَعْنى (مَن) في قَوْلِهِ: مَن يَمُوتُ، وهو شامِلٌ لِلْمُؤْمِنِينَ والكُفّارِ. والَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ هو الحَقُّ وأنَّهم كانُوا كاذِبِينَ فِيما اعْتَقَدُوا مِن جَعْلِ آلِهَةٍ مَعَ اللَّهِ، وإنْكارِ النُّبُوّاتِ، وإنْكارِ البَعْثِ، وغَيْرِ ذَلِكَ مِمّا أُمِرُوا بِهِ. وبَيَّنَ لَهم أنَّهُ دِينُ اللَّهِ فَكَذَّبُوا بِهِ وكَذَبُوا في نِسْبَةِ أشْياءَ إلى اللَّهِ تَعالى. وقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: إنَّهم كَذَبُوا في قَوْلِهِمْ: ﴿لَوْ شاءَ اللَّهُ ما عَبَدْنا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ﴾، وفي قَوْلِهِمْ: ﴿لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَن يَمُوتُ﴾؛ انْتَهى. وفي قَوْلِهِمْ دَسِيسَةُ الِاعْتِزالِ. وقِيلَ: تَتَعَلَّقُ لِيُبَيِّنَ بِقَوْلِهِ: ﴿ولَقَدْ بَعَثْنا في كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا﴾، أيْ: لِيُظْهِرَ لَهُمُ اخْتِلافَهم، وأنَّ الكُفّارَ كانُوا عَلى ضَلالَةٍ مِن قَبْلِ بَعْثِ ذَلِكَ الرَّسُولِ، كاذِبُونَ في رَدِّ ما يَجِيءُ بِهِ الرُّسُلُ. ﴿إنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إذا أرَدْناهُ أنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ ﴿والَّذِينَ هاجَرُوا في اللَّهِ مِن بَعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهم في الدُّنْيا حَسَنَةً ولَأجْرُ الآخِرَةِ أكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ﴾ ﴿الَّذِينَ صَبَرُوا وعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾: لَمّا تَقَدَّمَ إنْكارُهُمُ البَعْثَ وأكَّدُوا ذَلِكَ بِالحَلِفِ بِاللَّهِ الَّذِي أوَجَدَهم، ورَدَّ عَلَيْهِمْ تَعالى بِقَوْلِهِ: (بَلى) وذَكَرَ حَقِّيَّةَ وعْدِهِ بِذَلِكَ، أوْضَحَ أنَّهُ تَعالى مَتى تَعَلَّقَتْ إرادَتُهُ بِوُجُودِ شَيْءٍ أوْجَدَهُ. وقَدْ أقَرُّوا بِأنَّهُ تَعالى خالِقُ هَذا العالَمِ سَمائِهِ وأرْضِهِ، وأنَّ إيجادَهُ ذَلِكَ لَمْ يُوقَفْ عَلى سَبْقِ مادَّةٍ ولا آلَةٍ، فَكَما قَدَرَ عَلى الإيجادِ ابْتِداءً وجَبَ أنْ يَكُونَ قادِرًا عَلى الإعادَةِ. وتَقَدَّمَ تَفْسِيرُ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿كُنْ فَيَكُونُ﴾ في البَقَرَةِ، فَأغْنى عَنْ إعادَتِهِ. والظّاهِرُ أنَّ اللّامَ في (لِشَيْءٍ) وفي (لَهُ) لِلتَّبْلِيغِ، كَقَوْلِكَ: قُلْتُ لِزَيْدٍ قُمْ. وقالَ الزَّجّاجُ: هي لامُ السَّبَبِ، أيْ: لِأجْلِ إيجادِ شَيْءٍ، وكَذَلِكَ لَهُ، أيْ: لِأجْلِهِ. قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وما في ألْفاظِ هَذِهِ الآيَةِ مِن مَعْنى الِاسْتِقْبالِ والِاسْتِئْنافِ إنَّما هو راجِعٌ إلى المُرادِ، لا إلى الإرادَةِ. وذَلِكَ أنَّ الأشْياءَ المُرادَةَ المُكَوَّنَةَ في وُجُودِها اسْتِئْنافٌ واسْتِقْبالٌ، لا في إرادَةِ ذَلِكَ، ولا في الأمْرِ بِهِ، لِأنَّ ذَيْنَكَ قَدِيمانِ. فَمِن أجْلِ المُرادِ عَبَّرَ بِإذا، ونَقُولُ: وأمّا قَوْلُهُ (لِشَيْءٍ) فَيَحْتَمِلُ وجْهَيْنِ: أحَدُهُما: أنَّهُ لَمّا كانَ وُجُودُهُ حَتْمًا جازَ أنْ يُسَمّى شَيْئًا وهو في حالَةِ عَدَمٍ. والثّانِي: أنَّ قَوْلَهُ لِشَيْءٍ تَنْبِيهٌ عَلى الأمْثِلَةِ الَّتِي يَنْظُرُ فِيها، وأنَّ ما كانَ (p-٤٩٢)مِنها مَوْجُودًا كانَ مُرادًا، وقِيلَ لَهُ: كُنْ فَكانَ، فَصارَ مِثالًا لِما يَتَأخَّرُ مِنَ الأُمُورِ بِما تَقَدَّمَ، وفي هَذا مَخْلَصٌ مِن تَسْمِيَةِ المَعْدُومِ شَيْئًا؛ انْتَهى. وفِيهِ بَعْضُ تَلْخِيصٍ. وقالَ: إذا أرَدْناهُ مُنَزَّلٌ مَنزِلَةَ مُرادٍ، ولَكِنَّهُ أتى بِهَذِهِ الألْفاظِ المُسْتَأْنَفَةِ بِحَسْبِ أنَّ المَوْجُوداتِ تَجِيءُ وتَظْهَرُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، فَكَأنَّهُ قالَ: إذا ظَهَرَ المُرادُ فِيهِ. وعَلى هَذا الوَجْهِ يَخْرُجُ قَوْلُهُ: ﴿فَسَيَرى اللَّهُ عَمَلَكُمْ﴾ [التوبة: ١٠٥] وقَوْلُهُ: (لِيَعْلَمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكم) ونَحْوُ هَذا مَعْناهُ يَقَعُ مِنكم ما أرادَ اللَّهُ تَعالى في الأزَلِ وعَلِمَهُ، وقَوْلُهُ: أنْ نَقُولَ، يَنْزِلُ مَنزِلَةَ المَصْدَرِ كَأنَّهُ قالَ قَوْلُنا، ولَكِنَّ (أنْ) مَعَ الفِعْلِ تُعْطِي اسْتِئْنافًا لَيْسَ في المَصْدَرِ في أغْلَبِ أمْرِها، وقَدْ تَجِيءُ في مَواضِعَ لا يُلْحَظُ فِيها الزَّمَنُ كَهَذِهِ الآيَةِ. وكَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ومِن آياتِهِ أنْ تَقُومَ السَّماءُ والأرْضُ بِأمْرِهِ﴾ [الروم: ٢٥] وغَيْرِ ذَلِكَ؛ انْتَهى. وقَوْلُهُ: ولَكِنَّ (أنْ) مَعَ الفِعْلِ يَعْنِي المُضارِعَ، وقَوْلُهُ: في أغْلَبِ أمْرِها لَيْسَ بِجَيِّدٍ، بَلْ تَدُلُّ عَلى المُسْتَقْبَلِ في جَمِيعِ أُمُورِها. وأمّا قَوْلُهُ: وقَدْ تَجِيءُ إلى آخِرِهِ، فَلَمْ يُفْهَمْ ذَلِكَ مِن دَلالَةِ ”أنْ“، وإنَّما ذَلِكَ مِن نِسْبَةِ قِيامِ السَّماءِ والأرْضِ بِأمْرِ اللَّهِ، لِأنَّ هَذا لا يَخْتَصُّ بِالمُسْتَقْبَلِ دُونَ الماضِي في حَقِّهِ تَعالى. ونَظِيرُهُ ﴿إنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا﴾ [النساء: ٣٣] فَكانَ: تَدُلُّ عَلى اقْتِرانِ مَضْمُونِ الجُمْلَةِ بِالزَّمَنِ الماضِي، وهو تَعالى مُتَّصِفٌ بِهَذا الوَصْفِ ماضِيًا وحالًا ومُسْتَقْبَلًا، وتَقْيِيدُ الفِعْلِ بِالزَّمَنِ لا يَدُلُّ عَلى نَفْيِهِ عَنْ غَيْرِ ذَلِكَ الزَّمَنِ. والَّذِينَ هاجَرُوا، قالَ قَتادَةُ: نَزَلَتْ في مُهاجِرِي أصْحابِ الرَّسُولِ ﷺ وقالَ داوُدُ بْنُ أبِي هِنْدَ: في أبِي جَنْدَلِ بْنِ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو. وعَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: في صُهَيْبٍ، وبِلالٍ، وخَبّابِ بْنِ الأرَتِّ، وأضْرابِهِمْ عَذَّبَهُمُ المُشْرِكُونَ بِمَكَّةَ، فَبَوَّأهُمُ اللَّهُ المَدِينَةَ. وعَلى هَذا الِاخْتِلافِ في السَّبَبِ يَتَنَزَّلُ المُرادُ بِقَوْلِهِ: ﴿والَّذِينَ هاجَرُوا﴾ . قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: لَمّا ذَكَرَ اللَّهُ كُفّارَ مَكَّةَ الَّذِينَ أقْسَمُوا بِأنَّ اللَّهَ لا يَبْعَثُ مَن يَمُوتُ، ورَدَّ عَلى قَوْلِهِمْ ذَكَرَ مُؤْمِنِي مَكَّةَ المُعاصِرِينَ لَهم، وهُمُ الَّذِينَ هاجَرُوا إلى أرْضِ الحَبَشَةِ، هَذا قَوْلُ الجُمْهُورِ وهو الصَّحِيحُ في سَبَبِ الآيَةِ، لِأنَّ هِجْرَةَ المَدِينَةِ ما كانَتْ إلّا بَعْدَ وقْتِ نُزُولِ الآيَةِ؛ انْتَهى. ﴿والَّذِينَ هاجَرُوا﴾، عُمُومٌ في المُهاجِرِينَ كائِنًا ما كانُوا، فَيَشْمَلُ أوَّلَهم وآخِرَهم. وقَرَأ الجُمْهُورُ: لَنُبَوِّئِنَّهم، والظّاهِرُ انْتِصابُ حَسَنَةٍ عَلى أنَّهُ نَعْتٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ الفِعْلُ، أيْ: تَبْوِئَةً حَسَنَةً. وقِيلَ: انْتِصابُ (حَسَنَةٍ) عَلى المَصْدَرِ عَلى غَيْرِ الصَّدْرِ، لِأنَّ مَعْنى لَنُبَوِّئِنَّهم في الدُّنْيا: لَنُحْسِنَنَّ إلَيْهِمْ، فَحَسَنَةٌ في مَعْنى إحْسانًا. وقالَ أبُو البَقاءِ: حَسَنَةً: مَفْعُولٌ ثانٍ لِنُبَوِّئِنَّهم، لِأنَّ مَعْناهُ لَنُعْطِيَنَّهم، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ صِفَةً لِمَحْذُوفٍ، أيْ: دارًا حَسَنَةً؛ انْتَهى. وقالَ الحَسَنُ، والشَّعْبِيُّ، وقَتادَةُ: دارًا حَسَنَةً وهي المَدِينَةُ. وقِيلَ: التَّقْدِيرُ: مَنزِلَةً حَسَنَةً، وهي الغَلَبَةُ عَلى أهْلِ مَكَّةَ الَّذِينَ ظَلَمُوا، وعَلى العَرَبِ قاطِبَةً، وعَلى أهْلِ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ. وقالَ مُجاهِدٌ: الرِّزْقُ الحَسَنُ. وقالَ الضَّحّاكُ: النَّصْرُ عَلى عَدُوِّهِمْ. وقِيلَ: ما اسْتَوْلَوْا عَلَيْهِ مِن فُتُوحِ البِلادِ وصارَ لَهم فِيها مِنَ الوِلاياتِ. وقِيلَ: ما بَقِيَ لَهم فِيها مِنَ الثَّناءِ، وما صارَ فِيها لِأوْلادِهِمْ مِنَ الشَّرَفِ. وقِيلَ: الحَسَنَةُ: كُلُّ شَيْءٍ مُسْتَحْسَنٌ نالَهُ المُهاجِرُونَ. وقَرَأ عَلِيٌّ، وعَبْدُ اللَّهِ، ونُعَيْمُ بْنُ مَيْسَرَةَ، والرَّبِيعُ بْنُ خَيْثَمٍ: لَنُثْوِيَنَّهم، بِالثّاء المُثَلَّثَةِ، مُضارِعُ أثْوى، المَنقُولُ بِهَمْزَةِ التَّعْدِيَةِ مَن ثَوى بِالمَكانِ أقامَ فِيهِ، وانْتَصَبَ ”حَسَنَةً“ عَلى تَقْدِيرِ إثْواةً حَسَنَةً، أوْ عَلى نَزْعِ الخافِضِ، أيْ: في ”حَسَنَةً“، أيْ: دارًا حَسَنَةً، أوْ مَنزِلَةً حَسَنَةً. ودَلَّ هَذا الإخْبارُ بِالمُؤَكَّدِ بِالقَسَمِ عَلى عَظِيمِ مَحَلِّ الهِجْرَةِ، لِأنَّهُ بِسَبَبِها ظَهَرَتْ قُوَّةُ الإسْلامِ، كَما أنَّ بِنُصْرَةِ الأنْصارِ قَوِيَتْ شَوْكَتُهُ. وفي اللَّهِ دَلِيلٌ عَلى إخْلاصِ العَمَلِ لِلَّهِ، ومَن هاجَرَ لِغَيْرِ اللَّهِ؛ هِجْرَتُهُ لِما هاجَرَ إلَيْهِ. وفي الإخْبارِ عَنْ (الَّذِينَ) بِجُمْلَةِ القَسَمِ المَحْذُوفَةِ الدّالِّ عَلَيْها الجُمْلَةُ المُقْسَمُ (p-٤٩٣)عَلَيْها دَلِيلٌ عَلى صِحَّةِ وُقُوعِ الجُمْلَةِ القَسَمِيَّةِ خَبَرًا لِلْمُبْتَدَأِ، خِلافًا لِثَعْلَبٍ. وأجازَ أبُو البَقاءِ أنْ يَكُونَ (الَّذِينَ) مَنصُوبًا بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ (لَنُبَوِّئِنَّهم)، وهو لا يَجُوزُ لِأنَّهُ لا يُفَسِّرُ إلّا ما يَجُوزُ لَهُ أنْ يَعْمَلَ. ولا يَجُوزُ: زَيْدًا لَأضْرِبَنَّ، فَلا يَجُوزُ: زَيْدًا لَأضْرِبَنَّهُ. وعَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أنَّهُ كانَ إذا أعْطى رَجُلًا مِنَ المُهاجِرِينَ عَطاءَهُ قالَ: خُذْ بارَكَ اللَّهُ لَكَ فِيهِ، هَذا ما وعَدَكَ في الدُّنْيا وما ادَّخَرَ لَكَ في الآخِرَةِ أكْثَرَ، ولَأجْرُ الآخِرَةِ، أيْ: ولَأجْرُ الدّارِ الآخِرَةِ أكْبَرُ،، أيْ: أكْبَرُ أنْ يَعْلَمَهُ أحَدٌ قَبْلَ مُشاهَدَتِهِ، كَما قالَ: ﴿وإذا رَأيْتَ ثَمَّ رَأيْتَ نَعِيمًا ومُلْكًا كَبِيرًا﴾ [الإنسان: ٢٠] . والضَّمِيرُ في (يَعْلَمُونَ) عائِدٌ عَلى الكُفّارِ، أيْ: لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ أنَّ اللَّهَ يَجْمَعُ لِهَؤُلاءِ المُسْتَضْعَفِينَ في أيْدِيهِمُ الدُّنْيا والآخِرَةَ لَرَغِبُوا في دِينِهِمْ. وقِيلَ: يَعُودُ عَلى المُؤْمِنِينَ، أيْ: لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ ذَلِكَ لَزادُوا في اجْتِهادِهِمْ وصَبْرِهِمْ، والَّذِينَ صَبَرُوا، عَلى تَقْدِيرِهِمُ: الَّذِينَ، أوْ أعْنِي الَّذِينَ صَبَرُوا عَلى العَذابِ، وعَلى مُفارَقَةِ الوَطَنِ، لا سِيَّما حَرَمُ اللَّهِ المَحْبُوبَ لِكُلِّ قَلْبٍ مُؤْمِنٍ، فَكَيْفَ لِمَن كانَ مَسْقَطَ رَأْسِهِ ؟ وعَلى بَذْلِ الرُّوحِ في ذاتِ اللَّهِ، واحْتِمالِ الغُرْبَةِ في دارٍ لَمْ يَنْشَأْ بِها، وناسٍ لَمْ يَأْلَفْهم أجانِبَ حَتّى في النَّسَبِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب