الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا﴾ الآية. قال الفراء: ﴿وَالَّذِينَ﴾ موضعها رفع [["معاني القرآن" للفراء 2/ 100، بلفظه.]]؛ يريد أن هذا كلام مستأنفٌ لا تعلق له ما قبله، قال المفسرون: نزلت هذه الآية في قوم آذاهم المشركون وعذبوهم بمكة؛ صهيب وبلال وخَبَّاب [[ورد بنحوه في "تفسير مقاتل" 1/ 203 أ، و"معاني القرآن" للنحاس 4/ 67، و"تفسير السمرقندي" 2/ 236، عن مقاتل والكلبي، والشعبي 2/ 156 ب، و"تفسير الماوردي" 3/ 189، عن الكلبي، وأورده المؤلف في "أسباب النزول" ص 285، بلا سند، وهذا القول لا يعتد به في أسباب النزول؛ لوروده بلا إسناد، فضلاً عن كونه من رواية الكلبي، وقد أخرجه الطبري 14/ 107 برواية أخرى عن ابن عباس قال: هم قوم هاجروا إلى رسول الله -ﷺ- من أهل مكة من بعد ظلمهم، وظلمهم المشركون، وهذه كذلك لا يعتد بها في أسباب النزول؛ لكونها من الصيغ غير الصريحة، ولورودها من طريق العوفي، وهي ضعيفة، وخبَّاب هو: ابن الأرتّ، أبو عبد الله -رضي الله عنه-، سبي في الجاهلية فبيع بمكة، فكان مولى أم أنمار الخزاعية، وقيل غير ذلك، ثم حالف بني زهرة، كان من السابقين في الإسلام، ومن المستضعفين، عذب بمكة عذابًا شديدًا حتى اشتكى إلى رسول الله -ﷺ-، هاجر إلى المدينة وشهد بدرًا وما بعدها، ونزل الكوفة ومات بها سنة (37 هـ). انظر: "الاستيعاب" 2/ 21، و"أسد الغابة" 2/ 114، و"الإصابة" 1/ 416.]]، ومعنى ﴿هَاجَرُوا فِي اللَّهِ﴾: هاجروا في رضا الله وطلب ثوابه. وقوله تعالى: ﴿لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً﴾ قال الشعبي وقتادة: بوأهم الله المدينة [[أخرجه الطبري 14/ 107 بلفظه عنهما من طريقين، وورد بلفظه في "معاني القرآن" للنحاس 4/ 67، عن الشعبي، و"تفسير الثعلبي" 2/ 157 أ، عن قتادة، و"تفسير الماوردي" 3/ 188، عنهما، والطوسي 6/ 383، عنهما، وأورده السيوطي في "الدر المنثور" 4/ 221 أو زاد نسبته إلى ابن المنذر عن الشعبي.]]، وعلى هذا يكون التقدير: لنُبَوّئَنهم في الدنيا دارًا حسنة أو بلدة حسنة، يعني المدينة؛ فإن الله تعالى جعلها لهم دار هجرة، وجعل لهم أنصارًا من المؤمنين فيها، وجمعهم فيها مع النبيّ -ﷺ-، وقال مجاهد: لنَرْزُقنّهم في الدنيا [["تفسير مجاهد" 1/ 347، بنصه، وأخرجه الطبري 14/ 107 بنصه من طريقين، وورد في "تفسير الماوردي" 3/ 188، وأورده السيوطي في "الدر المنثور" 4/ 221، وزاد نسبته إلى ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم.]]. وقال الضحاك: يعني بالحسنة: النصر والفتح [[ورد في "معاني القرآن" للنحاس 4/ 67، بنصه، و"تفسير الماوردي" 3/ 188، بلفظه، وانظر: "تفسير ابن الجوزي" 4/ 448.]]، وعلى هذا تقدير الآية: لنبوئنهم في الدنيا ولنرزقنهم حسنة أو لنعطينهم حسنة، فحذف ذلك اكتفاءً بالأول كقوله [[نسبه الفراء لبعض بني أسد.]]: علفتها تبنًا وماءً باردًا [[وعجزه: حتى شَتَتْ هَمّالةً عَيْناها "معاني القرآن" للفراء 1/ 14، وورد بلا نسبة في "الخصائص" 2/ 431، و"الإنصاف" 488، و"اللسان" (علف) 5/ 3070، و"الدر المصون" 7/ 112، و"أوضح المسالك" 2/ 110، و"همع الهوامع" 5/ 228، و"الدرر اللوامع" 6/ 79، و"الخزانة" 3/ 140، وقال: وأورده الشيرازي والفاضلُ اليمني صدرًا == وبرواية أخرى للصدر: لما حَطَطْتُ الرحْلَ عنها واردًا ... عَلَفْتُها تبنًا وماءً باردًا (شتت) بمعنى أقامت شتاء، يقال: شتا بالبلد: أقام به شتاءً، (همَّالة عيناها) من هملَت العينُ؛ إذا صبَّت دمعها وفاضت وسالت. والشاهد: حذف وسقيتها ماءً، اكتفاءً بالأول؛ وهو: علفتها.]] وهذا باب قد مرّ منه كثير، فيكون معنى الآية: أنزلهم المدينة وأطعمهم الغنيمة، وهذا الوجه اختيار الفراء؛ لأنه قال في هذه الآية: نزول المدينة ولنُحَلِّلنَّ لهم الغنائم [["معانى القرآن" للفراء 2/ 100، بنصه.]]، وعلى هذا التفسير حذف من الآية شيئان: المفعول الثاني للتَّبوِئة، والفعل الناصب للحسنة. وقوله تعالى: ﴿وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ قال ابن عباس: يريد أن أمر الجنّة أعظم وأكثر [[في جميع النسخ: (أكثر)، وفي تفسيره "الوسيط" تحقيق سيسي 2/ 396، (أكبر).]] من أن يعلمه أحدٌ ويقدر أحدٌ على وصفه [[ورد في تفسيره "الوسيط" تحقيق سيسي 2/ 396، بنصه تقريبًا، وانظر: "تفسير ابن الجوزي" 4/ 448، مختصرًا.]]، وما ظنُّك بما قال الله له: أكبر.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب