الباحث القرآني
﴿والَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ﴾ أُرِيدَ بِهِمْ مَن يُقابِلُ الأوَّلِينَ ويُعانِدُهم بِالِاتِّصافِ بِنَقائِضِ أوْصافِهِمْ ﴿مِن بَعْدِ مِيثاقِهِ﴾ الِاعْتِرافِ بِهِ قِيلَ: المُرادُ بِالعَهْدِ قَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿ألَسْتُ بِرَبِّكُمْ﴾ وبِالمِيثاقِ ما هو اسْمُ آلَةٍ أعْنِي ما يُوَثَّقُ بِهِ الشَّيْءُ وأُرِيدَ بِهِ الِاعْتِرافُ بِقَوْلِ: ﴿بَلى﴾ وقَدْ يُسَمّى العَهْدُ مِنَ الطَّرَفَيْنِ مِيثاقًا لِتَوْثِيقِهِ بَيْنَ المُتَعاهِدَيْنِ وفَسَّرَ الإمامُ عَهْدَ اللَّهِ تَعالى بِما ألْزَمَهُ عِبادَهُ بِواسِطَةِ الدَّلائِلِ العَقْلِيَّةِ لِأنَّ ذَلِكَ أوْكَدُ كُلِّ عَهْدٍ وكُلِّ أيْمانٍ إذِ الأيْمانُ إنَّما تُفِيدُ التَّوْكِيدَ بِواسِطَةِ الدَّلائِلِ الدّالَّةِ عَلى أنَّها تُوجِبُ الوَفاءَ بِمُقْتَضاها ثُمَّ قالَ: والمُرادُ مِن نَقْضِها أنْ لا يَنْظُرَ المَرْءُ فِيها فَلا يُمْكِنُهُ حِينَئِذٍ العَمَلُ بِمُوجِبِها أوْ بِأنْ يَنْظُرَ ويَعْلَمَ صِحَّتَها ثُمَّ يُعانِدُ فَلا يَعْمَلُ بِعِلْمِهِ أوْ بِأنْ يَنْظُرَ في الشُّبَهِ فَلا يَعْتَقِدُ الحَقَّ والمُرادُ بِقَوْلِهِ سُبْحانَهُ ﴿مِن بَعْدِ مِيثاقِهِ﴾ مِن بَعْدِ أنْ أوْثَقَ إلَيْهِ تِلْكَ الأدِلَّةَ وأحْكامَها لِأنَّهُ لا شَيْءَ أقْوى مِمّا دَلَّ اللَّهُ تَعالى عَلى وُجُوبِهِ في أنَّهُ يَنْفَعُ فِعْلُهُ ويَضُرُّ تَرْكُهُ.
وأوْرَدَ أنَّهُ إذا كانَ العَهْدُ لا يَكُونُ إلّا بِالمِيثاقِ فَما فائِدَةُ ﴿مِن بَعْدِ مِيثاقِهِ﴾ وأجابَ بِأنَّهُ لا يَمْتَنِعُ أنْ يَكُونَ المُرادُ مُفارَقَةَ مَن تَمَكَّنَ مِن مَعْرِفَتِهِ بِالحَلِفِ لِمَن لَمْ يَتَمَكَّنْ أوَّلًا يَمْتَنِعُ أنْ يَكُونَ المُرادُ الأدِلَّةَ المُؤَكَّدَةَ لِأنَّهُ يُقالُ: قَدْ تُؤُكِّدَ إلَيْكَ بِدَلائِلَ أُخْرى سَواءً كانَتْ عَقْلِيَّةً أوْ سَمْعِيَّةً. اهَـ. ولا يَخْفى أنَّهُ إذا أُرِيدَ بِالعَهْدِ ذَلِكَ القَوْلُ وبِالمِيثاقِ الِاعْتِرافُ بِهِ لَمْ يَحْتَجْ إلى القِيلِ والقالِ وحَمَلَ بَعْضُهُمُ العَهْدَ هُنا عَلى سائِرِ ما وصّى اللَّهُ تَعالى بِهِ عِبادَهُ كالعَهْدِ فِيما سَبَقَ والمِيثاقِ عَلى الإقْرارِ والقَبُولِ والآيَةُ كَما رُوِيَ عَنْ مُقاتِلٍ نَزَلَتْ في أهْلِ الكِتابِ ﴿ويَقْطَعُونَ ما أمَرَ اللَّهُ بِهِ أنْ يُوصَلَ﴾ مِنَ الإيمانِ بِجَمِيعِ الأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ المُجْتَمِعِينَ عَلى الحَقِّ حَيْثُ يُؤْمِنُونَ بِبَعْضٍ ويَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ومِن حُقُوقِ الأرْحامِ ومُوالاةِ المُؤْمِنِينَ وغَيْرِ ذَلِكَ وإنَّما لَمْ يَتَعَرَّضْ كَما قالَ بَعْضُ المُحَقِّقِينَ لِنَفْيِ الخَشْيَةِ والخَوْفِ عَنْهم صَرِيحًا لِدَلالَةِ النَّقْضِ والقَطْعِ عَلى ذَلِكَ وأمّا عَدَمُ التَّعَرُّضِ لِنَفْيِ الصَّبْرِ المَذْكُورِ فَلِأنَّهُ إنَّما اعْتَبَرَ تَحَقُّقَهُ في ضِمْنِ الحَسَناتِ المَعْدُودَةِ لِيَقَعْنَ مُعْتَدًّا بِهِنَّ فَلا وجْهَ لِنَفْيِهِ عَمَّنْ بَيْنَهُ وبَيْنَ الحَسَناتِ بُعْدَ المَشْرِقَيْنِ لا سِيَّما بَعْدَ تَقْيِيدِهِ بِكَوْنِهِ ابْتِغاءَ وجْهِهِ تَعالى كَما لا وجْهَ لِنَفْيِ الصَّلاةِ والإنْفاقِ بِناءً عَلى أنَّ المُرادَ مِنهُ إعْطاءُ الزَّكاةِ مِمَّنْ لا يَحُومُ حَوْلَ الإيمانِ بِاللَّهِ تَعالى فَضْلًا عَنْ فُرُوعِ الشَّرائِعِ وإنْ أُرِيدَ بِالإنْفاقِ ما يَشْمَلُ ذَلِكَ وغَيْرَهُ فَنَفْيُهُ مُنْدَرِجٌ تَحْتَ قَطْعِ ما أمَرَ اللَّهُ تَعالى بِوَصْلِهِ بَلْ قَدْ يُقالُ بِانْدِراجِ نَفْيِ الصَّلاةِ أيْضًا تَحْتَ ذَلِكَ وأمّا دَرْءُ السَّيِّئَةِ بِالحَسَنَةِ فانْتِفاؤُهُ عَنْهم ظاهِرٌ مِمّا سَبَقَ ولَحِقَ فَإنَّ مَن يُجازِي إحْسانَهُ عَزَّ وجَلَّ بِنَقْضِ عَهْدِهِ سُبْحانَهُ ومُخالَفَةِ الأمْرِ ويُباشِرُ الفَسادَ حَسْبَما يَحْكِيهِ قَوْلُهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿ويُفْسِدُونَ في الأرْضِ﴾ بِالظُّلْمِ لِأنْفُسِهِمْ وغَيْرِهِمْ وتَهْيِيجِ الفِتَنِ بِمُخالَفَةِ دَعْوَةِ الحَقِّ وإثارَةِ الحَرْبِ عَلى المُسْلِمِينَ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ مِنهُ الدَّرْءُ المَذْكُورُ عَلى أنَّهُ قِيلَ: إنَّ ذَلِكَ يُشْعِرُ بِأنَّ لَهُ دَخْلًا في الإفْضاءِ إلى العُقُوبَةِ الَّتِي يُنْبِئُ عَنْها قَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿أُولَئِكَ﴾ .. إلَخْ أيْ أُولَئِكَ المَوْصُوفُونَ بِتِلْكَ القَبائِحِ لَهم بِسَبَبِ ذَلِكَ ﴿اللَّعْنَةُ﴾ أيِ الإبْعادُ مِن رَحْمَةِ اللَّهِ تَعالى ﴿ولَهُمْ﴾ مَعَ ذَلِكَ ﴿سُوءُ الدّارِ﴾ . (25) . أيْ سُوءُ عاقِبَةِ الدّارِ والمُرادُ بِها الدُّنْيا وسُوءُ عاقِبَتِها عَذابُ جَهَنَّمَ أوْ جَهَنَّمُ نَفْسُها ولَمْ يَقُلْ: سُوءُ عاقِبَةِ الدّارِ تَفادِيًا أنْ يَجْعَلَها عاقِبَةً حَيْثُ جَعَلَ العاقِبَةَ المُطْلَقَةَ هي الجَنَّةُ وجُوِّزَ أنْ يُرادَ بِالدّارِ جَهَنَّمُ وبِسُوئِها عَذابُها والأوَّلُ (p-147)أوْجَهُ لِرِعايَةِ التَّقابُلِ ولِأنَّ المُبادَرَ إلى الفَهْمِ مِنَ الدّارِ الدُّنْيا بِقَرِينَةِ السّابِقِ ولِأنَّها الحاضِرَةُ في أذْهانِهِمْ ولِما ذُكِرَ مِنَ النُّكْتَةِ السَّرِيَّةِ وذَلِكَ لِأنَّ تَرْتِيبَ الحُكْمِ عَلى المَوْصُولِ يُشْعِرُ بِعَلِيَّةِ الصِّلَةِ لَهُ ولا يَخْفى أنَّهُ لا دَخْلَ لَهُ في ذَلِكَ عَلى أكْثَرِ التَّفاسِيرِ فَإنَّ مَجازاةَ السَّيِّئَةِ بِمِثْلِها مَأْذُونٌ فِيها ودَفْعِ الكَلامِ السَّيِّئِ بِالحُسْنى وكَذا الإعْطاءُ عِنْدَ المَنعِ والعَفْوُ عِنْدَ الظُّلْمِ والوَصْلُ عِنْدَ القَطْعِ لَيْسَ مِمّا يُورِثُ تَرْكُهُ تَبِعَةً وأمّا ما اعْتُبِرَ انْدِراجُهُ تَحْتَ الصِّلَةِ الثّانِيَةِ مِنَ الإخْلالِ بِبَعْضِ الحُقُوقِ المَندُوبَةِ فَلا ضَيْرَ في ذَلِكَ لِأنَّ اعْتِبارَهُ مِن حَيْثُ أنَّهُ مِن مُسْتَتْبَعاتِ الإخْلالِ بِالعَزائِمِ كالكُفْرِ بِبَعْضِ الأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ وعُقُوقِ الوالِدَيْنِ وتَرْكِ سائِرِ الحُقُوقِ الواجِبَةِ وقُيِّدَ بِالأكْثَرِ لِأنَّهُ عَلى الكَثِيرِ مِمّا ذَكَرْناهُ في تَفْسِيرِهِ المَدْخَلِيَّةُ ظاهِرَةٌ وقِيلَ: إنَّهُ سَلَكَ في وصْفِ الكَفَرَةِ وذَمِّهِمْ وذِكْرِ ما لَهم مِن مَآلِهِمْ ما لَمْ يَسَلُكْ في وصْفِ المُؤْمِنِينَ ومَدْحِهِمْ وشَرْحِ ما أُعِدَّ لَهم وما يَنْتَهِي إلَيْهِ أمْرُهم فَأتى في أحَدِهِما بَمَوْصُولاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ وصِلاتٍ مُتَنَوِّعَةٍ إلى غَيْرِ ذَلِكَ ولَمْ يُؤْتَ بِنَحْوِ ذَلِكَ في الآخَرِ تَنْبِيهًا عَلى مَزِيدِ الِاعْتِناءِ بِشَأْنِ المُؤْمِنِينَ قَوْلًا وفِعْلًا وعَدَمِ الِاعْتِناءِ بِشَأْنِ أضْدادِهِمْ فَإنَّهم أنْجاسٌ يُتَمَضْمَضُ مِن ذِكْرِهِمْ هَذا مَعَ الجَزْمِ بِأنَّ مُقْتَضى الحالِ هو هَذا وقِيلَ: إنَّ المَسْلَكَيْنِ مِن آثارِ الرَّحْمَةِ الواسِعَةِ فَتَأمَّلْ وتَكْرِيرُ ( لَهم ) لِلتَّأْكِيدِ والإيذانِ بِاخْتِلافِهِما واسْتِقْلالِ كُلٍّ مِنهُما في الثُّبُوتِ
{"ayah":"وَٱلَّذِینَ یَنقُضُونَ عَهۡدَ ٱللَّهِ مِنۢ بَعۡدِ مِیثَـٰقِهِۦ وَیَقۡطَعُونَ مَاۤ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِۦۤ أَن یُوصَلَ وَیُفۡسِدُونَ فِی ٱلۡأَرۡضِ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ لَهُمُ ٱللَّعۡنَةُ وَلَهُمۡ سُوۤءُ ٱلدَّارِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق