الباحث القرآني

﴿قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ ولَدًا﴾ شُرُوعٌ في ذِكْرِ ضَرْبٍ آخَرَ مِن أباطِيلِ المُشْرِكِينَ وبَيانُ بُطْلانِهِ والمُرادُ بِهَؤُلاءِ المُشْرِكِينَ عَلى ما قِيلَ: كُفّارُ قُرَيْشٍ والعَرَبُ فَإنَّهم قالُوا: المَلائِكَةُ بَناتُ اللَّهِ تَعالى واليَهُودُ والنَّصارى القائِلُونَ: عُزَيْرٌ وعِيسى عَلَيْهِما السَّلامُ ابْناهُ عَزَّ وجَلَّ والِاتِّخاذُ صَرِيحٌ في التَّبَنِّي وظاهِرُ الآيَةِ يَدُلُّ عَلى أنَّ ذَلِكَ قَوْلُ كُلِّ المُشْرِكِينَ، وإذا ثَبَتَ أنَّ مِنهم مَن يَقُولُ بِالوِلادَةِ والتَّوْلِيدِ حَقِيقَةً كانَ ما هُنا قَوْلَ البَعْضِ ولْيُنْظَرُ هَلْ يَجْرِي فِيهِ احْتِمالُ إسْنادِ ما لِلْبَعْضِ لِلْكُلِّ لِتَحَقُّقِ شَرْطِهِ أمْ لا يَجْرِي لِفَقْدِ ذاكَ والوَلَدُ يُسْتَعْمَلُ مُفْرَدًا وجَمْعًا. وفِي القامُوسِ الوَلَدُ مُحَرَّكَةً وبِالضَّمِّ والكَسْرِ والفَتْحِ واحِدٌ وجَمْعٌ وقَدْ يُجْمَعُ عَلى أوْلادٍ ووَلَدَةٍ وإلْدَةٍ بِالكَسْرِ فِيهِما ووُلْدٍ بِالضَّمِّ وهو يَشْمَلُ الذَّكَرَ والأُنْثى ﴿سُبْحانَهُ﴾ تَنْزِيهٌ وتَقْدِيسٌ لَهُ تَعالى عَمّا نَسَبُوا إلَيْهِ عَلى ما هو الأصْلُ في مَعْنى سُبْحانَ وقَدْ يُسْتَعْمَلُ لِلتَّعَجُّبِ مَجازًا ويَصِحُّ إرادَتُهُ هُنا والمُرادُ التَّعَجُّبُ مِن كَلِمَتِهِمُ الحَمْقى وجَمَعَ بَعْضُهم بَيْنَ التَّنْزِيهِ والتَّعَجُّبِ ولَعَلَّهُ مَبْنِيٌّ عَلى أنَّ التَّعَجُّبَ مَعْنًى كِنائِيٌّ وأنَّهُ يَصِحُّ إرادَةُ المَعْنى الحَقِيقِيِّ في الكِنايَةِ وهو أحَدُ القَوْلَيْنِ في المُسالَةِ وقِيلَ: إنَّهُ لا يَلْزَمُ اسْتِفادَةُ مَعْنى التَّعَجُّبِ مِنهُ بِاسْتِعْمالِ اللَّفْظِ فِيهِ بَلْ هو مِنَ المَعانِي الثَّوانِي وقَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿هُوَ الغَنِيُّ﴾ أيْ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ في كُلِّ شَيْءٍ عِلَّةٌ لِتَنَزُّهِهِ تَعالى وتَقَدَّسَ عَنْ ذَلِكَ وإيذانٌ بِأنَّ اتِّخاذَ الوَلَدِ مُسَبِّبٌ عَنِ الحاجَةِ وهي التَّقْوى أوْ بَقاءُ النَّوْعِ مَثَلًا وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَهُ ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ﴾ أيْ مِنَ العُقَلاءِ وغَيْرِهِمْ تَقْرِيرٌ لِمَعْنى الغَنِيِّ لِأنَّ المالِكَ لِجَمِيعِ الكائِناتِ هو الغَنِيُّ وما عَداهُ فَقِيرٌ وقِيلَ: هو عِلَّةٌ أُخْرى لِلتَّنَزُّهِ عَنِ التَّبَنِّي لِأنَّهُ يُنافِي المالِكِيَّةَ وقَوْلُهُ جَلَّ شَأْنُهُ: ﴿إنْ عِنْدَكم مِن سُلْطانٍ﴾ أيْ حُجَّةٍ ﴿بِهَذا﴾ أيْ بِما ذُكِرَ مِنَ القَوْلِ الباطِلِ تَوْضِيحٌ لِبُطْلانِهِ بِتَحْقِيقِ سَلامَةِ ما أُقِيمَ مِنَ البُرْهانِ السّاطِعِ عَنِ المُعارِضِ والمُنافِي فَإنْ نافِيَةٌ ومِن زائِدَةٌ لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ ومَجْرُورُها مُبْتَدَأٌ والظَّرْفُ المُقَدَّمُ خَبَرُهُ أوْ مُرْتَفِعٌ عَلى أنَّهُ فاعِلٌ لِاعْتِمادِهِ عَلى النَّفْيِ وبِهَذا مُتَعَلِّقٌ إمّا بِسُلْطانٍ لِأنَّهُ بِمَعْنى الحُجَّةِ كَما سَمِعْتَ وإمّا بِمَحْذُوفٍ وقَعَ صِفَةً لَهُ وقِيلَ وقَعَ حالًا مِنَ الضَّمِيرِ المُسْتَتِرِ في الظَّرْفِ الرّاجِعِ إلَيْهِ وإمّا بِما في ﴿عِنْدَكُمْ﴾ مِن مَعْنى الِاسْتِقْرارِ ويَتَعَيَّنُ عَلى هَذا كَوْنُ ﴿سُلْطانٍ﴾ فاعِلًا لِلظَّرْفِ لِئَلّا يَلْزَمَ الفَصْلُ بَيْنَ العامِلِ المَعْنَوِيِّ ومُتَعَلِّقِهِ بِأجْنَبِيٍّ وِالِالتِفاتُ إلى الخِطابِ لِمَزِيدِ المُبالَغَةِ في الإلْزامِ والإفْحامِ وتَأْكِيدُ ما في قَوْلِهِ تَعالى: (p-156)أتَقُولُونَ عَلى اللَّهِ ما تَعْمَلُونَ 68 مِنَ التَّوْبِيخِ والتَّقْرِيعِ عَلى جَهْلِهِمْ واخْتِلاقِهِمْ وفي الآيَةِ دَلِيلٌ عَلى أنَّ كُلَّ قَوْلٍ لا دَلِيلَ عَلَيْهِ فَهو جَهالَةٌ وأنَّ العَقائِدَ لا بُدَّ لَها مِن قاطِعٍ وأنَّ التَّقْلِيدَ بِمَعْزِلٍ مِنَ الِاهْتِداءِ ولا تَصْلُحُ مُتَمَسِّكًا لِنَفْيِ القِياسِ والعَمَلِ بِخَبَرِ الآحادِ لِأنَّ ذَلِكَ في الفُرُوعِ وهي مَخْصُوصَةٌ بِالأُصُولِ لِما قامَ مِنَ الأدِلَّةِ عَلى تَخْصِيصِها وإنْ عَمَّ ظاهِرُها.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب