الباحث القرآني

ولَمّا لَمْ يَكُنْ شُبْهَةٌ عَلى ادِّعاءِ الوَلَدِ لِلَّهِ سُبْحانَهُ ولا لَهُمُ اطِّلاعٌ عَلَيْهِ بِوَجْهٍ، ساقَ قَوْلَهُ: ﴿قالُوا اتَّخَذَ﴾ أيْ: تَكَلَّفَ الأخْذَ بِالتَّسَبُّبِ عَلى ما \ نَعْهَدُ ﴿اللَّهُ﴾ أيِ المُسَمّى بِهَذا الِاسْمِ الَّذِي يَقْتَضِي تَسْمِيَتُهُ بِهِ أنْ يَكُونَ لَهُ الكَمالُ كُلُّهُ، فَلا يَكُونُ مُحْتاجًا إلى شَيْءٍ بِوَجْهٍ ﴿ولَدًا﴾ مَساقَ البَيانِ لِقَوْلِهِ: ﴿إنْ يَتَّبِعُونَ إلا الظَّنَّ﴾ [يونس: ٦٦] وهَذا صالِحٌ لِأنْ يَكُونَ تَعْجِيبًا مِمَّنِ ادَّعى في المَلائِكَةِ أوْ عُزَيْرٍ أوِ المَسِيحِ وغَيْرِهِمْ. ولَمّا عَجِبَ مِنهم في ذَلِكَ لِمُنافاتِهِ بِما يَدُلُّ عَلَيْهِ مِنَ النَّقْصِ لِما ثَبَتَ لِلَّهِ تَعالى مِنَ الكَمالِ كَما مَرَّ، نَزَّهَ نَفْسَهُ الشَّرِيفَةَ عَنْهُ فَقالَ: ﴿سُبْحانَهُ﴾ أيْ: تَنَزَّهَ عَنْ كُلِّ شائِبَةِ نَقْصٍ التَّنَزُّهَ كُلَّهُ؛ ثُمَّ عَلَّلَ تَنَزُّهَهُ عَنْهُ وبَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿هُوَ﴾ أيْ: وحْدَهُ ﴿الغَنِيُّ﴾ أيْ: عَنِ الوَلَدِ وغَيْرِهِ لِأنَّهُ فَرْدٌ مُنَزَّهٌ عَنِ الأبْعاضِ والأجْزاءِ والمُجانَسَةِ؛ ثُمَّ بَيَّنَ غِناهُ بِقَوْلِهِ: ﴿لَهُ ما في السَّماواتِ﴾ ولَمّا كانَ سِياقُ الِاسْتِدْلالِ يَقْتَضِي التَّأْكِيدَ، أعادَ ”ما“ فَقالَ: ﴿وما في الأرْضِ﴾ مِن صامِتٍ وناطِقٍ، فَهو غَنِيٌّ بِمِلْكِ ذَلِكَ عَنْ أنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنهُ ولَدًا لَهُ؛ لِأنَّ الوَلَدَ لا يَمْلِكُ، وعَدَمُ مِلْكِهِ نَقْصٌ مُنافٍ لِلْغِنى، (p-١٦٠)ولَعَلَّهُ عَبَّرَ بِ: ”ما“ لِأنَّ الغِنى مَحَطُّ نَظَرِهِ الصّامِتِ مَعَ شُمُولِها لِلنّاطِقِ. ولَمّا بَيَّنَ بِالبُرْهانِ القاطِعِ والدَّلِيلِ الباهِرِ السّاطِعِ امْتِناعَ أنْ يَكُونَ لَهُ ولَدٌ، بَكَّتَهم بِنَفْيِ أنْ يَكُونَ لَهم بِذَلِكَ نَوْعُ حُجَّةٍ فَقالَ: ﴿إنْ﴾ أيْ: ما ﴿عِنْدَكُمْ﴾ وأغْرَقَ في النَّفْيِ فَقالَ: ﴿مِن سُلْطانٍ﴾ أيْ: حُجَّةٍ ﴿بِهَذا﴾ أيِ الِاتِّخاذِ، وسُمِّيَتِ الحُجَّةُ سُلْطانًا لِاعْتِلاءِ يَدِ المُتَمَسِّكِ بِها؛ ثُمَّ زادَهم بِها تَبْكِيتًا بِالإنْكارِ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ: ﴿أتَقُولُونَ﴾ أيْ: عَلى سَبِيلِ التَّكْرِيرِ ﴿عَلى اللَّهِ﴾ أيِ المَلِكِ الأعْظَمِ [عَلى سَبِيلِ الِاسْتِعْلاءِ] ﴿ما لا تَعْلَمُونَ﴾ لِأنَّ ما لا بُرْهانَ عَلَيْهِ [فِي الأُصُولِ] فَهو جَهْلٌ، فَكَيْفَ بِما قامَ الدَّلِيلُ عَلى خِلافِهِ؛ والسُّلْطانُ: البُرْهانُ القاهِرُ لِأنَّهُ يَتَسَلَّطُ بِهِ عَلى صِحَّةِ الأمْرِ ويُقْهَرُ بِهِ الخَصْمُ، وأصْلُهُ القاهِرُ لِلرَّعِيَّةِ بِعَقْدِ الوِلايَةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب