الباحث القرآني
(p-٢٥٤)بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
سُورَةُ الحَجِّ
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿يا أيُّها النّاسُ اتَّقُوا رَبَّكم إنَّ زَلْزَلَةَ السّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ﴾ ﴿يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمّا أرْضَعَتْ وتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وتَرى النّاسَ سُكارى وما هم بِسُكارى ولَكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾ أمَرَ جَلَّ وعَلا في أوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ الكَرِيمَةِ النّاسَ بِتَقْواهُ جَلَّ وعَلا؛ بِامْتِثالِ أمْرِهِ، واجْتِنابِ نَهْيِهِ، وبَيَّنَ لَهم أنَّ زَلْزَلَةَ السّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ، تَذْهَلُ بِسَبَبِهِ المَراضِعُ عَنْ أوْلادِها، وتَضَعُ بِسَبَبِهِ الحَوامِلُ أحْمالَها، مِن شِدَّةِ الهَوْلِ والفَزَعِ، وأنَّ النّاسَ يُرَوْنَ فِيهِ كَأنَّهم سُكارى مِن شِدَّةِ الخَوْفِ، وما هم بِسُكارى مِن شُرْبِ الخَمْرِ، ولَكِنَّ عَذابَهُ شَدِيدٌ.
وَما ذَكَرَهُ تَعالى هُنا مِنَ الأمْرِ بِالتَّقْوى، وذَكَرَهُ في مَواضِعَ كَثِيرَةٍ جِدًّا مِن كِتابِهِ؛ كَقَوْلِهِ في أوَّلِ سُورَةِ النِّساءِ: ﴿ياأيُّها النّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكم مِن نَفْسٍ واحِدَةٍ﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿واتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَساءَلُونَ بِهِ والأرْحامَ﴾ [ ٤ ] والآياتُ بِمِثْلِ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ جِدًّا.
وَما بَيَّنَهُ هُنا مِن شَدَّةِ أهْوالِ السّاعَةِ، وعِظَمِ زَلْزَلَتِها، بَيَّنَهُ في غَيْرِ هَذا المَوْضِعِ؛
• كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿إذا زُلْزِلَتِ الأرْضُ زِلْزالَها﴾ ﴿وَأخْرَجَتِ الأرْضُ أثْقالَها﴾ ﴿وَقالَ الإنْسانُ ما لَها﴾ ﴿يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أخْبارَها﴾ [الزلزلة: - ٤]
• وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَحُمِلَتِ الأرْضُ والجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً﴾ [الحاقة: ١٤]،
• وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿إذا رُجَّتِ الأرْضُ رَجًّا وبُسَّتِ الجِبالُ بَسًّا﴾ [الواقعة: ٤ - ٥]،
• وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿يَوْمَ تَرْجُفُ الرّاجِفَةُ﴾ ﴿تَتْبَعُها الرّادِفَةُ﴾ ﴿قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ﴾ ﴿أبْصارُها خاشِعَةٌ﴾
• وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ثَقُلَتْ في السَّماواتِ والأرْضِ لا تَأْتِيكم إلّا بَغْتَةً﴾ [الأعراف: ١٨٧]
إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآياتِ الدّالَّةِ عَلى عِظَمِ هَوْلِ السّاعَةِ.
وَقَوْلُهُ في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: اتَّقُوا رَبَّكم [ ٢٢ ] قَدْ أوْضَحْنا فِيما مَضى مَعْنى التَّقْوى بِشَواهِدِهِ العَرَبِيَّةِ، فَأغْنى ذَلِكَ عَنْ إعادَتِهِ هُنا. والزَّلْزَلَةُ: شِدَّةُ التَّحْرِيكِ والإزْعاجِ، ومُضاعَفَةُ زَلِيلِ الشَّيْءِ عَنْ مَقَرِّهِ ومَرْكَزِهِ؛ أيْ تَكْرِيرُ انْحِرافِهِ وتَزَحْزُحِهِ عَنْ مَوْضِعِهِ؛ لِأنَّ (p-٢٥٥)الأرْضَ إذا حُرِّكَتْ حَرَكَةً شَدِيدَةً تَزَلْزَلَ كُلُّ شَيْءٍ عَلَيْها زَلْزَلَةً قَوِيَّةً.
وَقَوْلُهُ: ﴿يَوْمَ تَرَوْنَها﴾ مَنصُوبٌ بِـ (تَذْهَلُ) والضَّمِيرُ عائِدٌ إلى الزَّلْزَلَةِ. والرُّؤْيَةُ بَصَرِيَّةٌ؛ لِأنَّهم يَرَوْنَ زَلْزَلَةَ الأشْياءِ بِأبْصارِهِمْ، وهَذا هو الظّاهِرُ، وقِيلَ: إنَّها مِن: رَأى العِلْمِيَّةِ.
وَقَوْلُهُ: ﴿تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ﴾ [ ٢٢ كُلُّ مُرْضِعَةٍ أيْ: كُلُّ أُنْثى تُرْضِعُ ولَدَها، ووَجْهُ قَوْلِهِ: مُرْضِعَةٍ، ولَمْ يَقُلْ: مُرْضِعٍ: هو ما تَقَرَّرَ في عِلْمِ العَرَبِيَّةِ، مِن أنَّ الأوْصافَ المُخْتَصَّةَ بِالإناثِ إنْ أُرِيدَ بِها الفِعْلُ لَحِقَها التّاءُ، وإنْ أُرِيدَ بِها النَّسَبُ جُرِّدَتْ مِنَ التّاءِ، فَإنْ قُلْتَ: هي مُرْضِعٌ، تُرِيدُ أنَّها ذاتُ رَضاعٍ، جَرَّدْتَهُ مِنَ التّاءِ كَقَوْلِ امْرِئِ القَيْسِ:
؎فَمِثْلُكِ حُبْلى قَدْ طَرَقْتُ ومُرْضِعٍ فألْهَيْتُها عَنْ ذِي تَمائِمَ مُغْيَلِ
وَإنْ قُلْتَ: هي مُرْضِعَةٌ بِمَعْنى أنَّها تَفْعَلُ الرَّضاعَ؛ أيْ: تُلْقِمُ الوَلَدَ الثَّدْيَ، قُلْتَ: هي مُرْضِعَةٌ بِالتّاءِ، ومِنهُ قَوْلُهُ:
؎كَمُرْضِعَةٍ أوْلادَ أُخْرى وضَيَّعَتْ ∗∗∗ بَنِي بَطْنِها هَذا الضَّلالُ عَنِ القَصْدِ
كَما أشارَ لَهُ بِقَوْلِهِ:
؎وَما مِنَ الصِّفاتِ بِالأُنْثى يَخُصُّ ∗∗∗ عَنْ تاءٍ اسْتَغْنى لِأنَّ اللَّفْظَ نَصٌّ
؎وَحَيْثُ مَعْنى الفِعْلِ يَعْنِي التّاءَ زِدْ ∗∗∗ كَذِي غَدَتْ مُرْضِعَةً طِفْلًا وُلِدْ
وَما زَعَمَهُ بَعْضُ النُّحاةِ الكُوفِيِّينَ: مِن أنَّ أُمَّ الصَّبِيِّ مُرْضِعَةٌ بِالتّاءِ، والمُسْتَأْجَرَةَ لِلْإرْضاعِ: مُرْضِعٌ بِلا هاءٍ - باطِلٌ، قالَهُ أبُو حَيّانَ في البَحْرِ. واسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ:
؎كَمُرْضِعَةٍ أوْلادَ أُخْرى
- البَيْتَ، فَقَدْ أثْبَتَ التّاءَ لِغَيْرِ الأُمِّ، وقَوْلُ الكُوفِيِّينَ أيْضًا: إنَّ الوَصْفَ المُخْتَصَّ بِالأُنْثى لا يُحْتاجُ فِيهِ إلى التّاءِ؛ لِأنَّ المُرادَ مِنها الفَرْقُ بَيْنَ الذَّكَرِ والأُنْثى، والوَصْفُ المُخْتَصُّ بِالأُنْثى لا يَحْتاجُ إلى فَرْقٍ؛ لِعَدَمِ مُشارَكَةِ الذَّكَرِ لَها فِيهِ - مَرْدُودٌ أيْضًا، قالَهُ (p-٢٥٦)أبُو حَيّانَ في البَحْرِ أيْضًا مُسْتَدِلًّا بِقَوْلِ العَرَبِ: مُرْضِعَةٌ، وحائِضَةٌ، وطالِقَةٌ. والأظْهَرُ في ذَلِكَ هو ما قَدَّمْنا، مِن أنَّهُ إنْ أُرِيدَ الفِعْلُ جِيءَ بِالتّاءِ، وإنْ أُرِيدَ النِّسْبَةُ جُرِّدَ مِنَ التّاءِ، ومِن مَجِيءِ التّاءِ لِلْمَعْنى المَذْكُورِ قَوْلُ الأعْشى:
؎أجارَتَنا بِينِي فَإنَّكِ طالِقَهْ ∗∗∗ كَذاكَ أُمُورُ النّاسِ غادٍ وطارِقَهْ
وَقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ في تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: فَإنْ قُلْتَ: لِمَ قِيلَ: (مُرْضِعَةٍ) دُونَ (مُرْضِعٍ) ؟
قُلْتُ: المُرْضِعَةُ الَّتِي هي في حالِ الإرْضاعِ مُلْقِمَةٌ ثَدْيَها الصَّبِيَّ. والمُرْضِعُ: الَّتِي شَأْنُها أنْ تُرْضِعَ، وإنْ لَمْ تُباشِرِ الإرْضاعَ في حالِ وصْفِها بِهِ، فَقِيلَ: (مُرْضِعَةٍ)، فَيَدُلُّ عَلى أنَّ ذَلِكَ الهَوْلَ إذا فُوجِئَتْ بِهِ هَذِهِ وقَدْ ألْقَمَتِ الرَّضِيعَ ثَدْيَها: نَزَعَتْهُ عَنْ فِيهِ؛ لِما يَلْحَقُها مِنَ الدَّهْشَةِ. وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿عَمّا أرْضَعَتْ﴾ الظّاهِرُ أنَّ ”ما“ مَوْصُولَةٌ، والعائِدُ مَحْذُوفٌ؛ أيْ: أرْضَعَتْهُ، عَلى حَدِّ قَوْلِهِ في الخُلاصَةِ:
والحَذْفُ عِنْدَهم كَثِيرٌ مُنْجَلِي
فِي عائِدٍ مُتَّصِلٍ إنِ انْتَصَبْ بِفِعْلٍ أوْ وصْفٍ كَمَن نَرْجُو يَهَبْ
وَقالَ بَعْضُ العُلَماءِ: هي مَصْدَرِيَّةٌ؛ أيْ: تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَنْ إرْضاعِها.
قالَ أبُو حَيّانَ في البَحْرِ: ويُقَوِّي كَوْنَها مَوْصُولَةً تَعَدِّي ”وَضَعَ“ إلى المَفْعُولِ بِهِ في قَوْلِهِ: حَمْلَها لا إلى المَصْدَرِ.
وَقَوْلُهُ: ﴿وَتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها﴾؛ أيْ: كُلُّ صاحِبَةِ حَمْلٍ تَضَعُ جَنِينَها مِن شِدَّةِ الفَزَعِ والهَوْلِ، والـ (حَمْلُ) بِالفَتْحِ: ما كانَ في بَطْنٍ مِن جَنِينٍ، أوْ عَلى رَأْسِ شَجَرَةٍ مِن ثَمَرٍ ﴿وَتَرى النّاسَ سُكارى﴾ جَمْعُ سَكْرانَ؛ أيْ: يُشَبِّهُهم مَن رَآهم بِالسُّكارى مِن شِدَّةِ الفَزَعِ ﴿وَما هم بِسُكارى﴾ مِنَ الشَّرابِ ﴿وَلَكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾ والخَوْفُ مِنهُ هو الَّذِي صَيَّرَ مَن رَآهم يُشَبِّهُهم بِالسُّكارى، لِذَهابِ عُقُولِهِمْ مِن شِدَّةِ الخَوْفِ، كَما يَذْهَبُ عَقْلُ السَّكْرانِ مِنَ الشَّرابِ. وقَرَأ حَمْزَةُ والكِسائِيُّ: ( وتَرى النّاسَ سَكْرى وما هم بِسَكْرى ( بِفَتْحِ السِّينِ وسُكُونِ الكافِ في الحَرْفَيْنِ عَلى وزْنِ فَعْلى بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ. وقَرَأهُ الباقُونَ سُكارى بِضَمِّ السِّينِ وفَتْحِ الكافِ بَعْدَها ألِفٌ في الحَرْفَيْنِ أيْضًا، وكِلاهُما جَمْعُ سَكْرانَ عَلى التَّحْقِيقِ. وقِيلَ: إنَّ سَكْرى بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ جَمَعُ سَكِرٍ بِفَتْحٍ فَكَسْرٍ بِمَعْنى: (p-٢٥٧)السَّكْرانِ، كَما يُجْمَعُ الزَّمِنُ عَلى الزَّمْنى، قالَهُ أبُو عَلِيٍّ الفارِسِيُّ، كَما نَقَلَهُ عَنْهُ أبُو حَيّانَ في البَحْرِ. وقِيلَ: إنَّ سَكْرى مُفْرَدٌ، وهو غَيْرُ صَوابٍ.
واسْتِدْلالُ المُعْتَزِلَةِ بِهَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ عَلى أنَّ المَعْدُومَ يُسَمّى شَيْئًا؛ لِأنَّهُ وصَفَ زَلْزَلَةَ السّاعَةِ بِأنَّها شَيْءٌ في حالِ عَدَمِها قَبْلَ وُجُودِها. قَدْ بَيَّنّا وجْهَ رَدِّهِ في سُورَةِ مَرْيَمَ، فَأغْنى عَنْ إعادَتِهِ هُنا.
* * *
* مَسْألَةٌ
اخْتَلَفَ العُلَماءُ في وقْتِ هَذِهِ الزَّلْزَلَةِ المَذْكُورَةِ هُنا، هَلْ هي بَعْدَ قِيامِ النّاسِ مِن قُبُورِهِمْ يَوْمَ نَشُورِهِمْ إلى عَرَصاتِ القِيامَةِ، أوْ هي عِبارَةٌ عَنْ زَلْزَلَةِ الأرْضِ قَبْلَ قِيامِ النّاسِ مِنَ القُبُورِ ؟
فَقالَتْ جَماعَةٌ مِن أهْلِ العِلْمِ: هَذِهِ الزَّلْزَلَةُ كائِنَةٌ في آخِرِ عُمْرِ الدُّنْيا، وأوَّلِ أحْوالِ السّاعَةِ، ومِمَّنْ قالَ بِهَذا القَوْلِ: عَلْقَمَةُ، والشَّعْبِيُّ، وإبْراهِيمُ، وعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ، وابْنُ جُرَيْجٍ. وهَذا القَوْلُ مِن حَيْثُ المَعْنى لَهُ وجْهٌ مِنَ النَّظَرِ، ولَكِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ ما يُؤَيِّدُهُ مِنَ النَّقْلِ، بَلِ الثّابِتُ مِنَ النَّقْلِ يُؤَيِّدُ خِلافَهُ. وهو القَوْلُ الآخَرُ.
وَحُجَّةُ مَن قالَ بِهَذا القَوْلِ حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ جاءَ بِذَلِكَ، إلّا أنَّهُ ضَعِيفٌ لا يَجُوزُ الِاحْتِجاجُ بِهِ.
قالَ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ في تَفْسِيرِهِ مُبَيِّنًا دَلِيلَ مَن قالَ: إنَّ الزَّلْزَلَةَ المَذْكُورَةَ في آخِرِ الدُّنْيا قَبْلَ يَوْمِ القِيامَةِ: حَدَّثَنا أبُو كُرَيْبٍ، قالَ: حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ المُحارِبِيُّ، عَنْ إسْماعِيلَ بْنِ رافِعٍ المَدَنِيِّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أبِي زِيادٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنَ الأنْصارِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ القُرَظِيِّ، عَنْ رَجُلٍ مِنَ الأنْصارِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَمّا فَرَغَ اللَّهُ مِن خَلْقِ السَّمَواتِ والأرْضِ خَلَقَ الصُّورَ، فَأُعْطِيَ إسْرافِيلَ، فَهو واضِعُهُ عَلى فِيهِ، شاخِصٌ بِبَصَرِهِ إلى السَّماءِ، يَنْظُرُ مَتى يُؤْمَرُ» قالَ أبُو هُرَيْرَةَ: «يا رَسُولَ اللَّهِ، وما الصُّورُ ؟ قالَ: ”قَرْنٌ“، قالَ: وكَيْفَ هو ؟ قالَ: ”قَرْنٌ عَظِيمٌ يُنْفَخُ فِيهِ ثَلاثَ نَفْخاتٍ، الأُولى: نَفْخَةُ الفَزَعِ، والثّانِيَةُ: نَفْخَةُ الصَّعْقِ، والثّالِثَةُ: نَفْخَةُ القِيامِ لِرَبِّ العالَمِينَ»“ يَأْمُرُ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ إسْرافِيلَ بِالنَّفْخَةِ الأُولى: انْفُخْ نَفْخَةَ الفَزَعِ، فَتُفْزِعُ أهْلَ السَّماواتِ والأرْضِ إلّا مَن شاءَ اللَّهُ، ويَأْمُرُهُ اللَّهُ فَيُدِيمُها ويُطَوِّلُها فَلا يَفْتُرُ، وهي الَّتِي يَقُولُ اللَّهُ: ﴿وَما يَنْظُرُ هَؤُلاءِ إلّا صَيْحَةً واحِدَةً ما لَها مِن فَواقٍ﴾ [ص: ١٥] فَيُسَيِّرُ اللَّهُ الجِبالَ فَتَكُونُ سَرابًا، وتُرَجُّ الأرْضُ بِأهْلِها رَجًّا، وهي الَّتِي يَقُولُ اللَّهُ: ﴿يَوْمَ تَرْجُفُ الرّاجِفَةُ﴾ ﴿تَتْبَعُها الرّادِفَةُ﴾ ﴿قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ﴾ [النازعات: ٦ (p-٢٥٨)- ٨] فَتَكُونُ الأرْضُ كالسَّفِينَةِ المُوبَقَةِ في البَحْرِ، تَضْرِبُها الأمْواجُ تُكْفَأُ بِأهْلِها، أوْ كالقِنْدِيلِ المُعَلَّقِ بِالعَرْشِ، تُرَجِّجُهُ الأرْواحُ، فَتَمِيدُ النّاسُ عَلى ظَهْرِها، فَتَذْهَلُ المَراضِعُ، وتَضَعُ الحَوامِلُ، وتَشِيبُ الوِلْدانُ، وتَطِيرُ الشَّياطِينُ هارِبَةً حَتّى تَأْتِيَ الأقْطارَ، فَتَلَقّاها المَلائِكَةُ، فَتَضْرِبُ وُجُوهَها، ويُوَلِّي النّاسُ مُدْبِرِينَ، يُنادِي بَعْضُهم بَعْضًا، وهو الَّذِي يَقُولُ اللَّهُ: ﴿يَوْمَ التَّنادِ﴾ ﴿يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ ما لَكم مِنَ اللَّهِ مِن عاصِمٍ ومَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِن هادٍ﴾ [غافر: - ٣٣] فَبَيْنَما هم عَلى ذَلِكَ، إذْ تَصَدَّعَتِ الأرْضُ مِن قُطْرٍ إلى قُطْرٍ فَرَأوْا أمْرًا عَظِيمًا، وأخَذَهم لِذَلِكَ مِنَ الكَرْبِ ما اللَّهُ أعْلَمُ بِهِ، ثُمَّ نَظَرُوا إلى السَّماءِ، فَإذا هي كالمُهْلِ، ثُمَّ خُسِفَتْ شَمْسُها، وخُسِفَ قَمَرُها، وانْتَثَرَتْ نُجُومُها، ثُمَّ كُشِطَتْ عَنْهم، قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:
”والأمْواتُ لا يَعْلَمُونَ بِشَيْءٍ مِن ذَلِكَ“ فَقالَ أبُو هُرَيْرَةَ: فَمَنِ اسْتَثْنى اللَّهُ حِينَ يَقُولُ: ﴿فَفَزِعَ مَن في السَّماواتِ ومَن في الأرْضِ إلّا مَن شاءَ اللَّهُ﴾ [النمل: ٨٧] قالَ: ”أُولَئِكَ الشُّهَداءُ، وإنَّما يَصِلُ الفَزَعُ إلى الأحْياءِ، أُولَئِكَ أحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ، وقاهُمُ اللَّهُ فَزَعَ ذَلِكَ اليَوْمِ، وأمَّنَهم، وهو عَذابُ اللَّهِ يَبْعَثُهُ عَلى شِرارِ خَلْقِهِ، وهو الَّذِي يَقُولُ: ﴿ياأيُّها النّاسُ اتَّقُوا رَبَّكم إنَّ زَلْزَلَةَ السّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿وَلَكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾ [ ٢٢ ]“ . انْتَهى مِنهُ. ولا يَخْفى ضَعْفُ الإسْنادِ المَذْكُورِ كَما تَرى. وابْنُ جَرِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ قَبْلَ أنْ يَسُوقَ الإسْنادَ المَذْكُورَ، قالَ ما نَصُّهُ: وقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ بِنَحْوِ ما قالَ هَؤُلاءِ خَبَرٌ في إسْنادِهِ نَظَرٌ، وذَلِكَ ما حَدَّثَنا أبُو كُرَيْبٍ. . . إلى آخِرِ الإسْنادِ، كَما سُقْناهُ عَنْهُ آنِفًا.
وَقالَ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ في تَفْسِيرِ هَذِهِ الآيَةِ: وقَدْ أوْرَدَ الإمامُ أبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ مُسْتَنَدَ مَن قالَ ذَلِكَ في حَدِيثِ الصُّورِ، مِن رِوايَةِ إسْماعِيلَ بْنِ رافِعٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أبِي زِيادٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنَ الأنْصارِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ القُرَظِيِّ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ . ثُمَّ ساقَ الحَدِيثَ نَحْوَ ما ذَكَرْناهُ بِطُولِهِ، ثُمَّ قالَ: هَذا الحَدِيثُ قَدْ رَواهُ الطَّبَرانِيُّ وابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، وغَيْرُ واحِدٍ مُطَوَّلًا جِدًّا.
والغَرَضُ مِنهُ: أنَّهُ دَلَّ عَلى أنَّ هَذِهِ الزَّلْزَلَةَ كائِنَةٌ قَبْلَ يَوْمِ القِيامَةِ أُضِيفَتْ إلى السّاعَةِ لِقُرْبِها مِنها، كَما يُقالُ: أشْراطُ السّاعَةِ، ونَحْوُ ذَلِكَ، واللَّهُ أعْلَمُ. انْتَهى مِنهُ. وقَدْ عَلِمْتَ ضَعْفَ الإسْنادِ المَذْكُورِ.
وَأمّا حُجَّةُ أهْلِ القَوْلِ الآخَرِ القائِلِينَ بِأنَّ الزَّلْزَلَةَ المَذْكُورَةَ كائِنَةٌ يَوْمَ القِيامَةِ بَعْدَ البَعْثِ مِنَ القُبُورِ، فَهي ما ثَبَتَ في الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ مِن تَصْرِيحِهِ بِذَلِكَ. وبِذَلِكَ تَعْلَمُ (p-٢٥٩)أنَّ هَذا القَوْلَ هو الصَّوابُ كَما لا يَخْفى.
قالَ البُخارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ في صَحِيحِهِ في التَّفْسِيرِ في بابِ قَوْلِهِ: ﴿وَتَرى النّاسَ سُكارى﴾: حَدَّثَنا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنا أبِي، حَدَّثَنا الأعْمَشُ، حَدَّثَنا أبُو صالِحٍ، عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، قالَ: قالَ النَّبِيُّ ﷺ: «يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ يَوْمَ القِيامَةِ: يا آدَمُ. فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ رَبَّنا وسَعْدَيْكَ. فَيُنادى بِصَوْتٍ: إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أنْ تُخْرِجَ مِن ذُرِّيَّتِكَ بَعْثًا إلى النّارِ. قالَ: يا رَبِّ، وما بَعْثُ النّارِ ؟ قالَ: مِن كُلِّ ألْفٍ - أُراهُ قالَ - تِسْعَمِائَةٍ وتِسْعَةً وتِسْعِينَ، فَحِينَئِذٍ تَضَعُ الحامِلُ حَمْلَها، ويَشِيبُ الوَلِيدُ، وتَرى النّاسَ سُكارى، وما هم بِسُكارى، ولَكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ. فَشَقَّ ذَلِكَ عَلى النّاسِ، حَتّى تَغَيَّرَتْ وُجُوهُهم، فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: مِن يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ تِسْعَمِائَةٍ وتِسْعَةً وتِسْعِينَ، ومِنكم واحِدٌ، وأنْتُمْ في النّاسِ كالشَّعْرَةِ السَّوْداءِ في جَنْبِ الثَّوْرِ الأبْيَضِ، أوْ كالشَّعْرَةِ البَيْضاءِ في جَنْبِ الثَّوْرِ الأسْوَدِ، وإنِّي لَأرْجُو أنْ تَكُونُوا رُبُعَ أهْلِ الجَنَّةِ. فَكَبَّرْنا، ثُمَّ قالَ: ثُلُثَ أهْلِ الجَنَّةِ. فَكَبَّرْنا، ثُمَّ قالَ: شَطْرَ أهْلِ الجَنَّةِ. فَكَبَّرْنا» .
وَقالَ أبُو أُسامَةَ، عَنِ الأعْمَشِ: ﴿وَتَرى النّاسَ سُكارى وما هم بِسُكارى﴾ [ ٢٢ سُكارى وما هم بِسُكارى. انْتَهى مِن صَحِيحِ البُخارِيِّ.
وَفِيهِ تَصْرِيحُ النَّبِيِّ ﷺ بِأنَّ الوَقْتَ الَّذِي تَضَعُ فِيهِ الحامِلُ حَمْلَها، وتَرى النّاسَ سُكارى، وما هم بِسُكارى: هو يَوْمُ القِيامَةِ لا آخِرُ الدُّنْيا.
وَقالَ البُخارِيُّ في صَحِيحِهِ أيْضًا في كِتابِ: الرِّقاقِ في بابِ: ﴿إنَّ زَلْزَلَةَ السّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ﴾: حَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ مُوسى، حَدَّثَنا جَرِيرٌ عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ أبِي صالِحٍ، عَنْ أبِي سَعِيدٍ قالَ: ”يَقُولُ اللَّهُ: «يا آدَمُ. فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وسَعْدَيْكَ، والخَيْرُ في يَدَيْكَ. قالَ: يَقُولُ: أخْرِجْ بَعْثَ النّارِ. قالَ: وما بَعْثُ النّارِ ؟ قالَ: مِن كُلِّ ألْفٍ تِسْعَمِائَةٍ وتِسْعَةً وتِسْعِينَ، فَذَلِكَ حِينَ يَشِيبُ الصَّغِيرُ، وتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها، وتَرى النّاسَ سُكارى، وما هم بِسُكارى؛ ولَكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ. فاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَقالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، أيُّنا ذَلِكَ الرَّجُلُ ؟ قالَ:“ أبْشِرُوا، فَإنَّ مِن يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ ألْفًا، ومِنكم رَجُلٌ، ثُمَّ قالَ: والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنِّي لَأطْمَعُ أنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أهْلِ الجَنَّةِ، فَحَمِدْنا اللَّهَ وكَبَّرْنا. ثُمَّ قالَ: والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنِّي لَأطْمَعُ أنْ تَكُونُوا شَطْرَ أهْلِ الجَنَّةِ، إنَّ مَثَلَكم في الأُمَمِ كَمَثَلِ الشَّعْرَةِ البَيْضاءِ في جِلْدِ الثَّوْرِ الأسْوَدِ، أوْ كالرَّقْمَةِ في ذِراعِ الحِمارِ» " . انْتَهى مِنهُ. ودَلالَتُهُ عَلى المَقْصُودِ ظاهِرَةٌ.
(p-٢٦٠)وَقالَ البُخارِيُّ أيْضًا في صَحِيحِهِ في كِتابِ بَدْءِ الخَلْقِ، في أحادِيثِ الأنْبِياءِ، في بابِ قَوْلِ اللَّهِ تَعالى: ﴿وَيَسْألُونَكَ عَنْ ذِي القَرْنَيْنِ﴾ إلى قَوْلِهِ: سَبَبًا [الكهف: ٨٣ - ٨٤] حَدَّثَنا إسْحاقُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنا أبُو أُسامَةَ، عَنِ الأعْمَشِ، حَدَّثَنا أبُو صالِحٍ، عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «يَقُولُ اللَّهُ تَعالى: يا آدَمُ. فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وسَعْدَيْكَ، والخَيْرُ في يَدَيْكَ. فَيَقُولُ: أخْرِجْ بَعْثَ النّارِ. قالَ: وما بَعْثُ النّارِ ؟ قالَ: مِن كُلِّ ألْفٍ تِسْعَمِائَةٍ وتِسْعَةً وتِسْعِينَ. فَعِنْدَهُ يَشِيبُ الصَّغِيرُ، وتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها، وتَرى النّاسَ سُكارى، وما هم بِسُكارى؛ ولَكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ» إلى آخِرِ الحَدِيثِ نَحْوَ ما تَقَدَّمَ.
وَقالَ مُسْلِمُ بْنُ الحَجّاجِ رَحِمَهُ اللَّهُ في صَحِيحِهِ: في آخِرِ كِتابِ الإيمانِ - بِكَسْرِ الهَمْزَةِ - في بابِ بَيانِ كَوْنِ هَذِهِ الأُمَّةِ نِصْفَ أهْلِ الجَنَّةِ: حَدَّثَنا عُثْمانُ بْنُ أبِي شَيْبَةَ العَبْسِيُّ، حَدَّثَنا جَرِيرٌ عَنِ الأعْمَشِ، عَنْ أبِي صالِحٍ، عَنْ أبِي سَعِيدٍ، قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ”يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ: «يا آدَمُ، فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ وسَعْدَيْكَ، والخَيْرُ في يَدَيْكَ، قالَ: يَقُولُ: أخْرِجْ بَعْثَ النّارِ، قالَ: وما بَعْثُ النّارِ ؟ قالَ: مِن كُلِّ ألْفٍ تِسْعَمِائَةٍ وتِسْعَةً وتِسْعِينَ، قالَ: فَذَلِكَ حِينَ يَشِيبُ الصَّغِيرُ، وتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها، وتَرى النّاسَ سُكارى، وما هم بِسُكارى ولَكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ»“ إلى آخِرِ الحَدِيثِ نَحْوَ ما تَقَدَّمَ.
فَحَدِيثُ أبِي سَعِيدٍ هَذا الَّذِي اتَّفَقَ عَلَيْهِ الشَّيْخانِ كَما رَأيْتَ فِيهِ التَّصْرِيحُ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ بِأنَّ الوَقْتَ الَّذِي تَضَعُ فِيهِ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها، وتَرى النّاسَ سُكارى، وما هم بِسُكارى، بَعْدَ القِيامِ مِنَ القُبُورِ كَما تَرى، وذَلِكَ نَصٌّ صَحِيحٌ صَرِيحٌ في مَحَلِّ النِّزاعِ.
فَإنْ قِيلَ: هَذا النَّصُّ فِيهِ إشْكالٌ، لِأنَّهُ بَعْدَ القِيامِ مِنَ القُبُورِ لا تَحْمِلُ الإناثُ حَتّى تَضَعَ حَمْلَها مِنَ الفَزَعِ، ولا تُرْضِعَ حَتّى تَذْهَلَ عَمّا أرْضَعَتْ.
فالجَوابُ عَنْ ذَلِكَ مِن وجْهَيْنِ:
الأوَّلُ: هو ما ذَكَرَهُ بَعْضُ أهْلِ العِلْمِ، مِن أنَّ مَن ماتَتْ حامِلًا تُبْعَثُ حامِلًا، فَتَضَعُ حَمْلَها مِن شِدَّةِ الهَوْلِ والفَزَعِ، ومَن ماتَتْ مُرْضِعَةً بُعِثَتْ كَذَلِكَ، ولَكِنَّ هَذا يَحْتاجُ إلى دَلِيلٍ.
الوَجْهُ الثّانِي: أنَّ ذَلِكَ كِنايَةٌ عَنْ شِدَّةِ الهَوْلِ؛ كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿يَوْمًا يَجْعَلُ الوِلْدانَ شِيبًا﴾ [المزمل: ١٧] ومِثْلُ ذَلِكَ مِن أسالِيبِ اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ المَعْرُوفَةِ.
(p-٢٦١)تَنْبِيهٌ
اعْلَمْ أنَّ هَذا الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ الأحادِيثُ الصَّحِيحَةُ الَّتِي ذَكَرْنا بَعْضَها يَرِدُ عَلَيْهِ سُؤالٌ، وهو أنْ يُقالَ: إذا كانَتِ الزَّلْزَلَةُ المَذْكُورَةُ بَعْدَ القِيامِ مِنَ القُبُورِ، فَما مَعْناها ؟
والجَوابُ: أنَّ مَعْناها: شِدَّةُ الخَوْفِ والهَوْلِ والفَزَعِ؛ لِأنَّ ذَلِكَ يُسَمّى زِلْزالًا، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعالى فِيما وقَعَ بِالمُسْلِمِينَ يَوْمَ الأحْزابِ مِنَ الخَوْفِ: ﴿إذْ جاءُوكم مِن فَوْقِكم ومِن أسْفَلَ مِنكم وإذْ زاغَتِ الأبْصارُ وبَلَغَتِ القُلُوبُ الحَناجِرَ وتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَ﴾ ﴿هُنالِكَ ابْتُلِيَ المُؤْمِنُونَ وزُلْزِلُوا زِلْزالًا شَدِيدًا﴾ [الأحزاب: ١٠ - ١١]؛ أيْ: وهو زِلْزالُ فَزَعٍ وخَوْفٍ، لا زِلْزالُ حَرَكَةِ الأرْضِ، وقَوْلُهُ تَعالى في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: ﴿اتَّقُوا رَبَّكم إنَّ زَلْزَلَةَ السّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ﴾ يَدُلُّ عَلى أنَّ عِظَمَ الهَوْلِ يَوْمَ القِيامَةِ مُوجِبٌ واضِحٌ لِلِاسْتِعْدادِ لِذَلِكَ الهَوْلِ بِالعَمَلِ الصّالِحِ في دارِ الدُّنْيا قَبْلَ تَعَذُّرِ الإمْكانِ؛ لِما قَدَّمْنا مِرارًا مِن أنَّ إنَّ المُشَدَّدَةَ المَكْسُورَةَ تَدُلُّ عَلى التَّعْلِيلِ، كَما تَقَرَّرَ في الأُصُولِ في مَسْلَكِ الإيماءِ والتَّنْبِيهِ، ومَسْلَكِ النَّصِّ الظّاهِرِ؛ أيْ: اتَّقُوا اللَّهَ؛ لِأنَّ أمامَكم أهْوالًا عَظِيمَةً، لا نَجاةَ مِنها إلّا بِتَقْواهُ جَلَّ وعَلا.
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُوا۟ رَبَّكُمۡۚ إِنَّ زَلۡزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَیۡءٌ عَظِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق