الباحث القرآني
(p-١)بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
سُورَةُ الحَجِّ
مَقْصُودُها الحَثُّ عَلى التَّقْوى المُعْلِيَةِ عَنْ دَرَكَةِ الِاسْتِحْقاقِ لِلْحُكْمِ بِالعَدْلِ إلى دَرَجَةِ اسْتِئْهالِ الإنْعامِ بِالفَضْلِ، في يَوْمِ الجَمْعِ لِلْفَصْلِ، وأنْسَبُ ما فِيها لِذَلِكَ الحَجُّ وهو ظاهِرٌ ( بِسْمِ اللَّهِ ) الَّذِي اقْتَضَتْ عَظَمَتُهُ خُضُوعَ كُلِّ شَيْءٍ ( الرَّحْمَنِ ) الَّذِي عَمَّ بِرَحْمَتِهِ وعَدْلِهِ كُلَّ مَوْجُودٍ ( الرَّحِيمِ ) الَّذِي خَصَّ بِفَضْلِهِ مَن شاءَ مِن ذَوِي عَدْلِهِ.
لَمّا خُتِمَتِ الَّتِي قَبْلَها بِالتَّرْهِيبِ مِنَ الفَزَعِ الأكْبَرِ، وطَيِّ السَّماءِ وإتْيانِ ما يُوعَدُونَ، والدَّيْنُونَةِ بِما يَسْتَحِقُّونَ، وكانَ أعْظَمَ ذَلِكَ يَوْمُ الدِّينِ، افْتُتِحَتْ هَذِهِ بِالأمْرِ بِالتَّقْوى المُنْجِيَةِ مِن هَوْلِ ذَلِكَ اليَوْمِ فَقالَ: ﴿يا أيُّها النّاسُ﴾ أيِ الَّذِينَ تَقَدَّمَ أوَّلَ تِلْكَ أنَّهُ اقْتَرَبَ لَهم حِسابُهم ﴿اتَّقُوا رَبَّكُمْ﴾ أيِ احْذَرُوا عِقابَ المُحْسِنِ إلَيْكم بِأنْواعِ الإحْسانِ بِأنْ تَجْعَلُوا بَيْنَكم وبَيْنَهُ وِقايَةَ الطّاعاتِ.
(p-٢)وقالَ الإمامُ أبُو جَعْفَرِ بْنُ الزُّبَيْرِ: لَمّا افْتُتِحَتْ سُورَةُ الأنْبِياءِ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿اقْتَرَبَ لِلنّاسِ حِسابُهُمْ﴾ [الأنبياء: ١] وكانَ وارِدًا في مَعْرِضِ التَّهْدِيدِ، وتَكَرَّرَ في مَواضِعَ مِنها كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿إلَيْنا تُرْجَعُونَ﴾ [العنكبوت: ٥٧] ﴿سَأُرِيكم آياتِي فَلا تَسْتَعْجِلُونِ﴾ [الأنبياء: ٣٧] ﴿ويَقُولُونَ مَتى هَذا الوَعْدُ﴾ [الأنبياء: ٣٨] ﴿لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النّارَ﴾ [الأنبياء: ٣٩] ﴿ولَئِنْ مَسَّتْهم نَفْحَةٌ مِن عَذابِ رَبِّكَ﴾ [الأنبياء: ٤٦] ﴿ونَضَعُ المَوازِينَ القِسْطَ لِيَوْمِ القِيامَةِ﴾ [الأنبياء: ٤٧] ﴿وهم مِنَ السّاعَةِ مُشْفِقُونَ﴾ [الأنبياء: ٤٩] ﴿كُلٌّ إلَيْنا راجِعُونَ﴾ [الأنبياء: ٩٣] ﴿واقْتَرَبَ الوَعْدُ الحَقُّ﴾ [الأنبياء: ٩٧] ﴿إنَّكم وما تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾ [الأنبياء: ٩٨] ﴿يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ﴾ [الأنبياء: ١٠٤] إلى ما تَخَلَّلَ هَذِهِ الآيَ مِنَ التَّهْدِيدِ، وشَدِيدِ الوَعِيدِ، حَتّى لا تَكادَ تَجِدُ أمْثالَ هَذِهِ الآيِ في الوَعِيدِ والإنْذارِ بِما في السّاعَةِ وما بَعْدَها وما بَيْنَ يَدَيْها في نَظائِرِ هَذِهِ السُّورَةِ، وقَدْ خُتِمَتْ مِن ذَلِكَ بِمِثْلِ ما بِهِ ابْتُدِئَتْ، اتَّصَلَ بِذَلِكَ ما يُناسِبُهُ مِنَ الإعْلامِ بِهَوْلِ السّاعَةِ وعَظِيمِ أمْرِها، فَقالَ تَعالى: ﴿يا أيُّها النّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ﴾ - إلى قَوْلِهِ: ﴿ولَكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾ [الحج: ٢] ثُمَّ أتْبَعَ هَذا بِبَسْطِ الدَّلالاتِ عَلى البَعْثِ الأخِيرِ وإقامَةِ البُرْهانِ ﴿يا أيُّها النّاسُ إنْ كُنْتُمْ في رَيْبٍ مِنَ البَعْثِ﴾ [الحج: ٥] الآياتُ، ثُمَّ قالَ ﴿ذَلِكَ بِأنَّ اللَّهَ هو الحَقُّ﴾ [الحج: ٦] أيِ اطَّرَدَ هَذا الحُكْمُ العَجِيبُ ووَضَحَ مَن تَقَلُّبِكم مِن حالَةٍ إلى حالَةٍ في الأرْحامِ وبَعْدَ خُرُوجِكم إلى (p-٣)الدُّنْيا وأنْتُمْ تَعْلَمُونَ ذَلِكَ مِن أنْفُسِكُمْ، وتُشاهِدُونَ الأرْضَ عَلى صِفَةٍ مِنَ الهُمُودِ والمَوْتِ إلى حِينِ نُزُولِ الماءِ فَنُحْيِي ونُخْرِجُ أنْواعَ النَّباتِ وضُرُوبَ الثَّمَراتِ ﴿يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ﴾ [الرعد: ٤] ﴿ذَلِكَ بِأنَّ اللَّهَ هو الحَقُّ وأنَّهُ يُحْيِي المَوْتى﴾ [الحج: ٦] كَما أحْياكم أوَّلًا وأخْرَجَكم مِنَ العَدَمِ إلى الوُجُودِ وأحْيا الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وهُمُودِها، كَذَلِكَ تَأْتِي السّاعَةُ مِن غَيْرِ رَيْبٍ ولا شَكٍّ، ويَبْعَثُكم لِما وعَدَكم مِن حِسابِكم وجَزائِكم ﴿فَرِيقٌ في الجَنَّةِ وفَرِيقٌ في السَّعِيرِ﴾ [الشورى: ٧] انْتَهى.
ولَمّا أمَرَهم بِالتَّقْوى: عَلَّلَ ذَلِكَ مُرَهِّبًا لَهم بِقَوْلِهِ: ﴿إنَّ زَلْزَلَةَ السّاعَةِ﴾ أيِ الَّتِي تَقَدَّمَ التَّحْذِيرُ مِنها في الأنْبِياءِ بَدْأً وخَتْمًا وما بَيْنَ ذَلِكَ، أيْ شِدَّةَ اضْطِرابِها وتَحَرُّكَها العَنِيفَ المُزِيلَ لِلْأشْياءِ عَنْ مَقارِّها إزالَةً عَظِيمَةً، بِما يَحْصُلُ فِيهِما مِنَ الأصْواتِ المُخْتَلِفَةِ، والحَرَكاتِ المُزْعِجَةِ المُتَّصِلَةِ، مِنَ النَّفْخِ في الصُّوَرِ، وبَعْثَرَةِ القُبُورِ، وما يَتَسَبَّبُ عَنْ ذَلِكَ مِن عَجائِبِ المَقْدُورِ، وقْتَ القِيامِ، واشْتِدادِ الزِّحامِ، وذَلِكَ لِأنَّ ”زَلْزَلَ“ مُضاعَفُ زَلَّ - إذا زالَ عَنْ مَقَرِّهِ بِسُرْعَةٍ، ضُوعِفَ لَفْظُهُ لِتَضاعُفِ مَعْناهُ؛ قالَ البَغَوِيُّ: الزَّلْزَلَةُ والزِّلْزالُ: شِدَّةُ الحَرَكَةِ عَلى الحالِ الهائِلَةِ - انْتَهى. وهو مِن إضافَةِ المَصْدَرِ إلى الفاعِلِ أوِ المَفْعُولِ فِيهِ (p-٤)﴿شَيْءٌ عَظِيمٌ﴾ أيْ لا تَحْتَمِلُ العُقُولُ وصْفَهُ؛ قالَ ابْنُ كَثِيرٍ: أيْ أمْرٌ كَبِيرٌ، وخَطْبٌ جَلِيلٌ وطارِقٌ مُفْظِعٌ، وحادِثٌ هائِلٌ، وكائِنٌ عَجِيبٌ - انْتَهى.
وهَذا لِلزَّلْزَلَةِ نَفْسِها، فَكَيْفَ بِجَمِيعِ ما يَحْدُثُ في ذَلِكَ اليَوْمِ الَّذِي لا بُدَّ لَكم مِنَ الحَشْرِ فِيهِ إلى اللَّهِ لِيُجازِيَكم عَلى ما كانَ مِنكُمْ، لا يُنْسى مِنهُ نَقِيرٌ ولا قِطْمِيرٌ، ولا يَخْفى قَلِيلٌ ولا كَثِيرٌ، مِمّا تَطِيرُ لَهُ القُلُوبُ، ولا تَثْبُتُ لَهُ النُّفُوسُ، فاعْتَدُّوا وجاهِدُوا أعْداءَكم مِنَ الأهْواءِ والشَّياطِينِ.
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُوا۟ رَبَّكُمۡۚ إِنَّ زَلۡزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَیۡءٌ عَظِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق