الباحث القرآني
اخْتَلَفَ أهْلُ العِلْمِ، هَلْ هي مَكِّيَّةٌ أوْ مَدَنِيَّةٌ ؟ فَأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: نَزَلَتْ سُورَةُ الحَجِّ بِالمَدِينَةِ. وأخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ مِثْلَهُ. وأخْرَجَ ابْنُ المُنْذِرِ عَنْ قَتادَةَ قالَ: نَزَلَ بِالمَدِينَةِ مِنَ القُرْآنِ الحَجُّ غَيْرَ أرْبَعِ آياتٍ مَكِّيّاتٍ ﴿وما أرْسَلْنا مِن قَبْلِكَ مِن رَسُولٍ ولا نَبِيٍّ﴾ إلى ﴿عَذابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ﴾ وحَكى القُرْطُبِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّها مَكِّيَّةٌ سِوى ثَلاثِ آياتٍ وقِيلَ: أرْبَعُ آياتٍ إلى قَوْلِهِ ﴿عَذابَ الحَرِيقِ﴾ .
وحُكِيَ عَنِ النَّقّاشِ أنَّهُ نَزَلَ بِالمَدِينَةِ مِنها عَشْرُ آياتٍ. قالَ القُرْطُبِيُّ وقالَ الجُمْهُورُ: إنَّ السُّورَةَ مُخْتَلِطَةٌ، مِنها مَكِّيٌّ، ومِنها مَدَنِيٌّ. قالَ: وهَذا هو الصَّحِيحُ. قالَ العَزِيزِيُّ: وهي مِن أعاجِيبِ السُّورِ نَزَلَتْ لَيْلًا ونَهارًا، سَفَرًا وحَضَرًا، مَكِّيًّا ومَدَنِيًّا، سِلْمِيًّا وحَرْبِيًّا، ناسِخًا ومَنسُوخًا، مُحْكَمًا ومُتَشابِهًا. وقَدْ ورَدَ في فَضْلِها ما أخْرَجَهُ أحْمَدُ وأبُو داوُدَ والتِّرْمِذِيُّ والحاكِمُ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ والبَيْهَقِيُّ في سُنَنِهِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عامِرٍ قالَ «قُلْتُ يا رَسُولَ اللَّهِ أفُضِّلَتْ سُورَةُ الحَجِّ عَلى سائِرِ القُرْآنِ بِسَجْدَتَيْنِ ؟ قالَ: نَعَمْ، فَمَن لَمْ يَسْجُدْهُما فَلا يَقْرَأْهُما» . قالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذا حَدِيثٌ لَيْسَ إسْنادُهُ بِالقَوِيِّ. وأخْرَجَ أبُو داوُدَ في المَراسِيلِ والبَيْهَقِيُّ عَنْ خالِدِ بْنِ مَعْدانَ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - قالَ: «فُضِّلَتْ سُورَةُ الحَجِّ عَلى القُرْآنِ بِسَجْدَتَيْنِ» . وأخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ وابْنُ أبِي شَيْبَةَ والإسْماعِيلِيُّ وابْنُ مَرْدَوَيْهِ والبَيْهَقِيُّ عَنْ عُمَرَ أنَّهُ كانَ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ في الحَجِّ وقالَ: إنَّ هَذِهِ السُّورَةَ فُضِّلَّتْ عَلى سائِرِ القُرْآنِ بِسَجْدَتَيْنِ. وقَدْ رُوِيَ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الصَّحابَةِ أنَّ فِيها سَجْدَتَيْنِ، وبِهِ يَقُولُ ابْنُ المُبارَكِ والشّافِعِيُّ وأحْمَدُ وإسْحاقُ. وقالَ بَعْضُهم: إنَّ فِيها سَجْدَةً واحِدَةً، وهو قَوْلُ سُفْيانَ الثَّوْرِيِّ، وأخْرَجَهُ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ وإبْراهِيمَ النَّخَعِيِّ.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
﴿يا أيُّها النّاسُ اتَّقُوا رَبَّكم إنَّ زَلْزَلَةَ السّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ﴾ ﴿يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمّا أرْضَعَتْ وتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وتَرى النّاسَ سُكارى وما هم بِسُكارى ولَكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾ ﴿ومِنَ النّاسِ مَن يُجادِلُ في اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ ويَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ﴾ ﴿كُتِبَ عَلَيْهِ أنَّهُ مَن تَوَلّاهُ فَأنَّهُ يُضِلُّهُ ويَهْدِيهِ إلى عَذابِ السَّعِيرِ﴾ ﴿يا أيُّها النّاسُ إنْ كُنْتُمْ في رَيْبٍ مِنَ البَعْثِ فَإنّا خَلَقْناكم مِن تُرابٍ ثُمَّ مِن نُطْفَةٍ ثُمَّ مِن عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكم ونُقِرُّ في الأرْحامِ ما نَشاءُ إلى أجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكم طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أشُدَّكم ومِنكم مَن يُتَوَفّى ومِنكم مَن يُرَدُّ إلى أرْذَلِ العُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وتَرى الأرْضَ هامِدَةً فَإذا أنْزَلْنا عَلَيْها الماءَ اهْتَزَّتْ ورَبَتْ وأنْبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ﴾ ﴿ذَلِكَ بِأنَّ اللَّهَ هو الحَقُّ وأنَّهُ يُحْيِي المَوْتى وأنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ ﴿وأنَّ السّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وأنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن في القُبُورِ﴾ . لَمّا انْجَرَّ الكَلامُ في خاتِمَةِ السُّورَةِ المُتَقَدِّمَةِ إلى ذِكْرِ الإعادَةِ وما قَبْلَها وما بَعْدَها، بَدَأ سُبْحانَهُ في هَذِهِ السُّورَةِ بِذِكْرِ القِيامَةِ وأهْوالِها حَثًّا عَلى التَّقْوى الَّتِي هي أنْفَعُ زادٍ فَقالَ: ﴿ياأيُّها النّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ﴾ أيِ احْذَرُوا عِقابَهُ بِفِعْلِ ما أمَرَكم بِهِ مِنَ الواجِباتِ وتَرْكِ ما نَهاكم عَنْهُ مِنَ المُحَرَّماتِ، ولَفْظُ النّاسِ يَشْمَلُ جَمِيعَ المُكَلَّفِينَ مِنَ المَوْجُودِينَ ومَن سَيُوجَدُ عَلى ما تَقَرَّرَ في مَوْضِعِهِ، وقَدْ قَدَّمْنا طَرَفًا مِن تَحْقِيقِ ذَلِكَ في سُورَةِ البَقَرَةِ، وجُمْلَةُ ﴿إنَّ زَلْزَلَةَ السّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ﴾ تَعْلِيلٌ لِما قَبْلَها مِنَ الأمْرِ بِالتَّقْوى، والزَّلْزَلَةُ شِدَّةُ الحَرَكَةِ، وأصْلُها مِن زَلَّ عَنِ المَوْضِعِ: أيْ زالَ عَنْهُ وتَحَرَّكَ، وزَلْزَلَ اللَّهُ قَدَمَهُ: أيْ حَرَّكَها، وتَكْرِيرُ الحَرْفِ يَدُلُّ عَلى تَأْكِيدِ المَعْنى، وهو مِن إضافَةِ المَصْدَرِ إلى فاعِلِهِ، وهي عَلى هَذا: الزَّلْزَلَةُ الَّتِي هي أحَدُ أشْراطِ السّاعَةِ الَّتِي تَكُونُ في الدُّنْيا قَبْلَ يَوْمِ القِيامَةِ، هَذا قَوْلُ الجُمْهُورِ، وقِيلَ: إنَّها تَكُونُ في النِّصْفِ مِن شَهْرِ رَمَضانَ، ومِن بَعْدِها طُلُوعُ الشَّمْسِ مِن مَغْرِبِها، وقِيلَ: إنَّ المَصْدَرَ هُنا مُضافٌ إلى الظَّرْفِ، وهو السّاعَةُ إجْراءً لَهُ مَجْرى المَفْعُولِ، أوْ بِتَقْدِيرِ في كَما في قَوْلِهِ: ﴿بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ والنَّهارِ﴾ [سبأ: ٣٣] وهي المَذْكُورَةُ في قَوْلِهِ: ﴿إذا زُلْزِلَتِ الأرْضُ زِلْزالَها﴾ [الزلزلة: ١] قِيلَ وفي التَّعْبِيرِ عَنْها بِالشَّيْءِ إيذانٌ بِأنَّ العُقُولَ قاصِرَةٌ عَنْ إدْراكِ كُنْهِها. ﴿يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمّا أرْضَعَتْ﴾ (p-٩٥٣)انْتِصابُ الظَّرْفِ بِما بَعْدَهُ، والضَّمِيرُ يَرْجِعُ إلى الزَّلْزَلَةِ: أيْ وقْتَ رُؤْيَتِكم لَها تَذْهَلُ كُلُّ ذاتِ رَضاعٍ عَنْ رَضِيعِها وتَغْفُلُ عَنْهُ. قالَ قُطْرُبٌ: تَذْهَلُ تَشْتَغِلُ، وأنْشَدَ قَوْلَ الشّاعِرِ:
؎ضَرْبٌ يُزِيلُ الهامَ عَنْ مَقِيلِهِ ويُذْهِلُ الخَلِيلَ عَنْ خَلِيلِهِ
وقِيلَ: تَنْسى، وقِيلَ: تَلْهُو، وقِيلَ: تَسْلُو، وهَذِهِ مَعانِيها مُتَقارِبَةٌ. قالَ المُبَرِّدُ: إنَّ ما فِيما أرْضَعَتْ بِمَعْنى المَصْدَرِ: أيْ تَذْهَلُ عَنِ الإرْضاعِ، قالَ: وهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّ هَذِهِ الزَّلْزَلَةَ في الدُّنْيا، إذْ لَيْسَ بَعْدَ القِيامَةِ حَمْلٌ وإرْضاعٌ، إلّا أنْ يُقالَ: مَن ماتَتْ حامِلًا فَتَضَعُ حَمْلَها لِلْهَوْلِ، ومَن ماتَتْ مُرْضِعَةً بُعِثَتْ كَذَلِكَ، ويُقالُ هَذا مَثَلٌ كَما يُقالُ: ﴿يَوْمًا يَجْعَلُ الوِلْدانَ شِيبًا﴾ [المزمل: ١٧] وقِيلَ: يَكُونُ مِنَ النَّفْخَةِ الأُولى، قالَ: ويُحْتَمَلُ أنْ تَكُونَ السّاعَةُ عِبارَةً عَنْ أهْوالِ يَوْمِ القِيامَةِ، كَما في قَوْلِهِ ﴿مَسَّتْهُمُ البَأْساءُ والضَّرّاءُ وزُلْزِلُوا﴾ ومَعْنى [البقرة: ٢١٤] ﴿وتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها﴾ أنَّها تُلْقِي جَنِينَها لِغَيْرِ تَمامٍ مِن شِدَّةِ الهَوْلِ، كَما أنَّ المُرْضِعَةَ تَتْرُكُ ولَدَها بِغَيْرِ رَضاعٍ لِذَلِكَ ﴿وتَرى النّاسَ سُكارى﴾ قَرَأ الجُمْهُورُ بِفَتْحِ التّاءِ والرّاءِ خِطابٌ لِكُلِّ واحِدٍ: أيْ يَراهُمُ الرّائِي كَأنَّهم سُكارى ﴿وما هم بِسُكارى﴾ حَقِيقَةً، قَرَأ حَمْزَةُ والكِسائِيُّ ( سَكْرى ) بِغَيْرِ ألِفٍ، وقَرَأ الباقُونَ بِإثْباتِها وهُما لُغَتانِ يُجْمَعُ بِهِما سَكْرانُ، مِثْلُ كَسْلى وكُسالى، ولَمّا نَفى سُبْحانَهُ عَنْهُمُ السُّكْرَ أوْضَحَ السَّبَبَ الَّذِي لِأجْلِهِ شابَهُوا السُّكارى فَقالَ: ﴿ولَكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾ فَبِسَبَبِ هَذِهِ الشِّدَّةِ والهَوْلِ العَظِيمِ طاشَتْ عُقُولُهم، واضْطَرَبَتْ أفْهامُهم فَصارُوا كالسُّكارى، بِجامِعِ سَلْبِ كَمالِ التَّمْيِيزِ وصِحَّةِ الإدْراكِ وقُرِئَ وتُرى بِضَمِّ التّاءِ وفَتْحِ الرّاءِ مُسْنَدًا إلى المُخاطَبِ مِن أرَأيْتُكَ: أيْ تَظُنُّهم سُكارى. قالَ الفَرّاءُ ولِهَذِهِ القِراءَةِ وجْهٌ جَيِّدٌ في العَرَبِيَّةِ. ثُمَّ لَمّا أرادَ سُبْحانَهُ أنْ يَحْتَجَّ عَلى مُنْكِرِي البَعْثِ قَدَّمَ قَبْلَ ذَلِكَ مُقَدِّمَةً تَشْمَلُ أهْلَ الجِدالِ كُلَّهم فَقالَ: ﴿ومِنَ النّاسِ مَن يُجادِلُ في اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ وقَدْ تَقَدَّمَ إعْرابُ مِثْلِ هَذا التَّرْكِيبِ في قَوْلِهِ: ﴿ومِنَ النّاسِ مَن يَقُولُ﴾ [البقرة: ٨] ومَعْنى في اللَّهِ في شَأْنِ اللَّهِ وقَدْرَتِهِ، ومَحَلُّ بِغَيْرِ عِلْمٍ النَّصْبُ عَلى الحالِ. والمَعْنى: أنَّهُ يُخاصِمُ في قُدْرَةِ اللَّهِ فَيَزْعُمُ أنَّهُ غَيْرُ قادِرٍ عَلى البَعْثِ بِغَيْرِ عِلْمٍ يَعْلَمُهُ، ولا حُجَّةٍ يُدْلِي بِها ويَتَّبِعُ فِيما يَقُولُهُ ويَتَعاطاهُ ويَحْتَجُّ بِهِ ويُجادِلُ عَنْهُ ﴿كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ﴾ أيْ مُتَمَرِّدٍ عَلى اللَّهِ وهو العاتِي، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِخُلُوِّهِ عَنْ كُلِّ خَيْرٍ، والمُرادُ إبْلِيسُ وجُنُودُهُ أوْ رُؤَساءُ الكُفّارِ الَّذِينَ يَدْعُونَ أشْياعَهم إلى الكُفْرِ. وقالَ الواحِدِيُّ: قالَ المُفَسِّرُونَ: نَزَلَتْ في النَّضْرِ بْنِ الحارِثِ وكانَ كَثِيرَ الجِدالِ، وكانَ يُنْكِرُ أنَّ اللَّهَ يَقْدِرُ عَلى إحْياءِ الأمْواتِ، وقِيلَ: نَزَلَتْ في الوَلِيدِ بْنِ المُغِيرَةِ وعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ.
﴿كُتِبَ عَلَيْهِ أنَّهُ مَن تَوَلّاهُ﴾ أيْ كُتِبَ عَلى الشَّيْطانِ، وفاعِلُ كُتِبَ أنَّهُ مَن تَوَلّاهُ، والضَّمِيرُ لِلشَّأْنِ: أيْ مَنِ اتَّخَذَ ولِيًّا ﴿فَأنَّهُ يُضِلُّهُ﴾ أيْ فَشَأْنُ الشَّيْطانِ أنْ يُضِلَّهُ عَنْ طَرِيقِ الحَقِّ، فَقَوْلُهُ أنَّهُ يُضِلُّهُ جَوابُ الشَّرْطِ إنْ جُعِلَتْ مَن شَرْطِيَّةً أوْ خَبَرُ المَوْصُولِ إنْ جُعِلَتْ مَوْصُولَةً، فَقَدْ وُصِفَ الشَّيْطانُ بِوَصْفَيْنِ: الأوَّلُ أنَّهُ مَرِيدٌ، والثّانِي ما أفادَهُ جُمْلَةُ كُتِبَ عَلَيْهِ إلَخْ. وجُمْلَةُ ﴿ويَهْدِيهِ إلى عَذابِ السَّعِيرِ﴾ مَعْطُوفَةٌ عَلى جُمْلَةِ يُضِلُّهُ: أيْ يَحْمِلُهُ عَلى مُباشَرَةِ ما يَصِيرُ بِهِ في عَذابِ السَّعِيرِ. ثُمَّ ذَكَرَ سُبْحانَهُ ما هو المَقْصُودُ مِنَ الِاحْتِجاجِ عَلى الكُفّارِ بَعْدَ فَراغِهِ مِن تِلْكَ المُقَدِّمَةِ، فَقالَ: ﴿يا أيُّها النّاسُ إنْ كُنْتُمْ في رَيْبٍ مِنَ البَعْثِ﴾ قَرَأ الحَسَنُ البَعَثُ بِفَتْحِ العَيْنِ وهي لُغَةٌ، وقَرَأ الجُمْهُورُ بِالسُّكُونِ، وشَكُّهم يُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ في وُقُوعِهِ أوْ في إمْكانِهِ. والمَعْنى: إنْ كُنْتُمْ في شَكٍّ مِنَ الإعادَةِ فانْظُرُوا في مَبْدَأِ خَلْقِكم أيْ خَلْقِ أبِيكم آدَمَ لِيَزُولَ عَنْكُمُ الرَّيْبُ ويَرْتَفِعَ الشَّكُّ وتُدْحَضُ الشُّبْهَةُ الباطِلَةُ ﴿فَإنّا خَلَقْناكم مِن تُرابٍ﴾ في ضِمْنِ خَلْقِ أبِيكم آدَمَ ثُمَّ خَلَقْناكم مِن نُطْفَةٍ أيْ مِن مَنِيٍّ، سُمِّيَ نُطْفَةً لِقِلَّتِهِ، والنُّطْفَةُ: القَلِيلُ مِنَ الماءِ. وقَدْ يَقَعُ عَلى الكَثِيرِ مِنهُ، والنُّطْفَةُ: القَطْرَةُ، يُقالُ نَطَفَ يَنْطِفُ: أيْ قَطَرَ، ولَيْلَةً نَطُوفٌ: أيْ دائِمَةُ القَطْرِ ﴿ثُمَّ مِن عَلَقَةٍ﴾ والعَلَقَةُ: الدَّمُ الجامِدُ، والعَلَقُ: الدَّمُ العَبِيطُ: أيِ الطَّرِيُّ أوِ المُتَجَمِّدِ، وقِيلَ: الشَّدِيدُ الحُمْرَةِ والمُرادُ الدَّمُ الجامِدُ المُتَكَوِّنُ مِنَ المَنِيِّ ﴿ثُمَّ مِن مُضْغَةٍ﴾ وهي القِطْعَةُ مِنَ اللَّحْمِ قَدْرُ ما يَمْضُغُ الماضِغُ تَتَكَوَّنُ مِنَ العَلَقَةِ مُخَلَّقَةٍ بِالجَرِّ صِفَةً لِمُضْغَةٍ: أيْ مُسْتَبِينَةِ الخَلْقِ ظاهِرَةِ التَّصْوِيرِ ﴿وغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ﴾ أيْ لَمْ يَسْتَبِنْ خَلْقُها ولا ظَهَرَ تَصْوِيرُها. قالَ ابْنُ الأعْرابِيِّ: مُخَلَّقَةٌ يُرِيدُ قَدْ بَدا خَلْقُهُ، وغَيْرُ مُخَلَّقَةٍ لَمْ تُصَوَّرْ. قالَ الأكْثَرُ: ما أُكْمِلَ خَلْقُهُ بِنَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ فَهو المُخَلَّقَةُ وهو الَّذِي وُلِدَ لِتَمامٍ، وما سَقَطَ كانَ غَيْرَ مُخَلَّقَةٍ أيْ غَيْرَ حَيٍّ بِإكْمالِ خِلْقَتِهِ بِالرُّوحِ. قالَ الفَرّاءُ: مُخَلَّقَةٌ تامُّ الخَلْقِ، وغَيْرُ مُخَلَّقَةٍ: السَّقْطُ، ومِنهُ قَوْلُ الشّاعِرِ:
؎أفِي غَيْرِ المُخَلَّقَةِ البُكاءُ ∗∗∗ فَأيْنَ الحَزْمُ ويْحَكَ والحَياءُ
واللّامُ في ﴿لِنُبَيِّنَ لَكُمْ﴾ مُتَعَلِّقٌ بِخَلَقْنا: أيْ خَلَقْناكم عَلى هَذا النَّمَطِ لِنُبَيِّنَ لَكم كَمالَ قُدْرَتِنا بِتَصْرِيفِنا أطْوارَ خَلْقِكم ﴿ونُقِرُّ في الأرْحامِ ما نَشاءُ﴾ رَوى أبُو حاتِمٍ عَنْ أبِي زَيْدٍ عَنِ المُفَضَّلِ عَنْ عاصِمٍ أنَّهُ قَرَأ بِنَصْبِ نُقِرَّ عَطْفًا عَلى نُبَيِّنَ، وقَرَأ الجُمْهُورُ نُقِرُّ بِالرَّفْعِ عَلى الِاسْتِئْنافِ: أيْ ونَحْنُ نُقِرُّ. قالَ الزَّجّاجُ: نُقِرُّ بِالرَّفْعِ لا غَيْرُ، لِأنَّهُ لَيْسَ المَعْنى فَعَلْنا ذَلِكَ لِنُقِرَّ في الأرْحامِ ما نَشاءُ، ومَعْنى الآيَةِ: ونُثَبِّتُ في الأرْحامِ ما نَشاءُ فَلا يَكُونُ سَقْطًا ﴿إلى أجَلٍ مُسَمًّى﴾ وهو وقْتُ الوِلادَةِ، وقالَ ما نَشاءُ ولَمْ يَقُلْ مَن نَشاءُ، لِأنَّهُ يَرْجِعُ إلى الحَمْلِ وهو جَمادٌ قَبْلَ أنْ يَنْفَخَ فِيهِ الرُّوحَ، وقُرِئَ ( لِيُبَيِّنَ ) ( ويُقِرُّ ) و( يُخْرِجُكم ) بِالتَّحْتِيَّةِ في الأفْعالِ الثَّلاثَةِ، وقَرَأ ابْنُ أبِي وثّابٍ ( ما نَشاءُ ) بِكَسْرِ النُّونِ ﴿ثُمَّ نُخْرِجُكم طِفْلًا﴾ أيْ نُخْرِجُكم مِن بُطُونِ أُمَّهاتِكم طِفْلًا: أيْ أطْفالًا، وإنَّما أفْرَدَهُ إرادَةً لِلْجِنْسِ الشّامِلِ لِلْواحِدِ والمُتَعَدِّدِ. قالَ الزَّجّاجُ طِفْلًا في مَعْنى أطْفالًا، ودَلَّ عَلَيْهِ ذِكْرُ الجَماعَةِ: يَعْنِي في نُخْرِجُكم، والعَرَبُ كَثِيرًا ما تُطْلِقُ اسْمَ الواحِدِ عَلى الجَماعَةِ، ومِنهُ قَوْلُ الشّاعِرِ:
؎يَلْحَيْنَنِي مِن حُبِّها ويَلُمْنَنِي ∗∗∗ إنَّ العَواذِلَ لَسْنَ لِي بِأمِيرٍ
(p-٩٥٤)وقالَ المُبَرِّدُ: هو اسْمٌ يُسْتَعْمَلُ مَصْدَرًا كالرِّضا والعَدْلِ، فَيَقَعُ عَلى الواحِدِ والجَمْعِ، قالَ اللَّهُ سُبْحانَهُ: ﴿أوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا﴾ [النور: ١٣] . قالَ ابْنُ جَرِيرٍ: هو مَنصُوبٌ عَلى التَّمْيِيزِ كَقَوْلِهِ: ﴿فَإنْ طِبْنَ لَكم عَنْ شَيْءٍ مِنهُ نَفْسًا﴾ [النساء: ٤] وفِيهِ بُعْدٌ، والظّاهِرُ انْتِصابُهُ عَلى الحالِ بِالتَّأْوِيلِ المَذْكُورِ، والطِّفْلُ يُطْلَقُ عَلى الصَّغِيرِ مِن وقْتِ انْفِصالِهِ إلى البُلُوغِ ﴿ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أشُدَّكُمْ﴾ قِيلَ هو عِلَّةٌ لِنُخْرِجَكم مَعْطُوفٌ عَلى عِلَّةٍ أُخْرى مُناسِبَةٍ لَهُ، كَأنَّهُ قِيلَ: نُخْرِجُكم لِتَكْبُرُوا شَيْئًا شَيْئًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا إلى الأشُدِّ، وقِيلَ: إنَّ ثُمَّ زائِدَةٌ، والتَّقْدِيرُ لِتَبْلُغُوا، وقِيلَ: إنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلى نُبَيِّنَ، والأشُدُّ هو كَمالُ العَقْلِ وكَمالُ القُوَّةِ والتَّمْيِيزِ، قِيلَ وهو ما بَيْنَ الثَّلاثِينَ إلى الأرْبَعِينَ. وقَدْ تَقَدَّمَ الكَلامُ في هَذا مُسْتَوْفًى في الأنْعامِ ﴿ومِنكم مَن يُتَوَفّى﴾ يَعْنِي قَبْلَ بُلُوغِ الأشُدِّ، وقُرِئَ ( يَتَوَفّى ) مَبْنِيًّا لِلْفاعِلِ. وقَرَأ الجُمْهُورُ يُتَوَفّى مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ ﴿ومِنكم مَن يُرَدُّ إلى أرْذَلِ العُمُرِ﴾ أيْ أخَسِّهِ وأدْوَنِهِ، وهو الهَرَمُ والخَرَفُ حَتّى لا يَعْقِلَ، ولِهَذا قالَ سُبْحانَهُ: ﴿لِكَيْلا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا﴾ أيْ شَيْئًا مِنَ الأشْياءِ، أوْ شَيْئًا مِنَ العِلْمِ، والمَعْنى: أنَّهُ يَصِيرُ مِن بَعْدِ أنْ كانَ ذا عِلْمٍ بِالأشْياءِ وفَهْمٍ لَها، لا عِلْمَ لَهُ ولا فَهْمَ، ومِثْلهُ قَوْلُهُ: ﴿لَقَدْ خَلَقْنا الإنْسانَ في أحْسَنِ تَقْوِيمٍ ثُمَّ﴾ ﴿رَدَدْناهُ أسْفَلَ سافِلِينَ﴾ [التين: ٤ - ٥] وقَوْلُهُ: ﴿ومَن نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ في الخَلْقِ﴾ [يس: ٦٨]، ﴿وتَرى الأرْضَ هامِدَةً﴾ هَذِهِ حُجَّةٌ أُخْرى عَلى البَعْثِ، فَإنَّهُ سُبْحانَهُ احْتَجَّ بِإحْياءِ الأرْضِ بِإنْزالِ الماءِ عَلى إحْياءِ الأمْواتِ، والهامِدَةُ اليابِسَةُ الَّتِي لا تُنْبِتُ شَيْئًا. قالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: أيْ مَيْتَةٌ يابِسَةٌ كالنّارِ إذا طُفِئَتْ، وقِيلَ: دارِسَةٌ، والهُمُودُ الدُّرُوسُ، ومِنهُ قَوْلِ الأعْشى:
؎قالَتْ قُتَيْلَةُ ما لِجِسْمِكَ شاحِبًا ∗∗∗ وأرى ثِيابَكَ بالِياتٍ هُمُودًا
وقِيلَ: هي الَّتِي ذَهَبَ عَنْها النَّدى، وقِيلَ: هالِكَةٌ، ومَعْنى هَذِهِ الأقْوالُ مُتَقارِبَةٌ ﴿فَإذا أنْزَلْنا عَلَيْها الماءَ اهْتَزَّتْ ورَبَتْ﴾ المُرادُ بِالماءِ هُنا المَطَرُ، ومَعْنى اهْتَزَّتْ تَحَرَّكَتْ، والِاهْتِزازُ شِدَّةُ الحَرَكَةِ، يُقالُ هَزَزْتُ الشَّيْءَ فاهْتَزَّ: أيْ حَرَّكْتُهُ فَتَحَرَّكَ: والمَعْنى: تَحَرَّكَتْ بِالنَّباتِ، لِأنَّ النَّباتَ لا يُخْرَجُ مِنها حَتّى يُزِيلَ بَعْضَها مِن بَعْضٍ إزالَةً حَقِيقَةً، فَسَمّاهُ اهْتِزازًا مَجازًا. وقالَ المُبَرِّدُ: المَعْنى اهْتَزَّ نَباتُها فَحَذَفَ المُضافَ، واهْتِزازُهُ شِدَّةُ حَرَكَتِهِ، والِاهْتِزازُ في النَّباتِ أظْهَرُ مِنهُ في الأرْضِ، ومَعْنى رَبَتِ ارْتَفَعَتْ، وقِيلَ: انْتَفَخَتْ. والمَعْنى واحِدٌ، وأصْلُهُ الزِّيادَةُ، يُقالُ رَبا الشَّيْءُ يَرْبُو رَبْوًا إذا زادَ ومِنهُ الرِّبا والرَّبْوَةُ. وقَرَأ يَزِيدُ بْنُ القَعْقاعِ وخالِدُ بْنُ إلْياسَ ( ورَبَأتْ ) أيِ ارْتَفَعَتْ حَتّى صارَتْ بِمَنزِلَةِ الرّابِيَةِ، وهو الَّذِي يَحْفَظُ القَوْمَ عَلى مَكانٍ مُشْرِفٍ يُقالُ لَهُ رابِئٌ ورابِئَةٌ ورَبِيئَةٌ وأنْبَتَتْ أيْ أخْرَجَتْ ﴿مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ﴾ أيْ مِن كُلِّ صِنْفٍ حَسَنٍ ولَوْنٍ مُسْتَحْسَنٍ، والبَهْجَةُ الحُسْنُ.
وجُمْلَةُ ﴿ذَلِكَ بِأنَّ اللَّهَ هو الحَقُّ﴾ مُسْتَأْنَفَةٌ، لَمّا ذَكَرَ افْتِقارَ المَوْجُوداتِ إلَيْهِ سُبْحانَهُ وتَسْخِيرِها عَلى وفْقِ إرادَتِهِ واقْتِدارِهِ. قالَ بَعْدَ ذَلِكَ هَذِهِ المَقالاتِ، وهي إثْباتُ أنَّهُ سُبْحانَهُ الحَقُّ، وأنَّهُ المُتَفَرِّدُ بِإحْياءِ المَوْتى، وأنَّهُ قادِرٌ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مِنَ الأشْياءِ. والمَعْنى: أنَّهُ المُتَفَرِّدُ بِهَذِهِ الأُمُورِ وأنَّها مِن شَأْنِهِ لا يَدَّعِي غَيْرَهُ أنَّهُ يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ مِنها، فَدَلَّ سُبْحانَهُ بِهَذا عَلى أنَّهُ الحَقُّ الحَقِيقِيُّ الغَنِيُّ المُطْلَقُ، وأنَّ وُجُودَ كُلِّ مَوْجُودٍ مُسْتَفادٌ مِنهُ، والحَقُّ هو المَوْجُودُ الَّذِي لا يَتَغَيَّرُ ولا يَزُولُ، وقِيلَ: ذُو الحَقِّ عَلى عِبادِهِ، وقِيلَ: الحَقُّ في أفْعالِهِ. قالَ الزَّجّاجُ: ذَلِكَ في مَوْضِعِ رَفْعٍ: أيِ الأمْرُ ما وصَفَهُ لَكم وبَيَّنَ بِأنَّ اللَّهَ هو الحَقُّ. قالَ: ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ ذَلِكَ نَصْبًا. ثُمَّ أخْبَرَ سُبْحانَهُ بِأنَّ ﴿السّاعَةَ آتِيَةٌ﴾ أيْ في مُسْتَقْبَلِ الزَّمانِ، قِيلَ لا بُدَّ مِن إضْمارِ فِعْلٍ: أيْ ولِتَعْلَمُوا أنَّ السّاعَةَ آتِيَةٌ ﴿لا رَيْبَ فِيها﴾ أيْ لا شَكَّ فِيها ولا تَرَدُّدَ، وجُمْلَةُ ﴿لا رَيْبَ فِيها﴾ خَبَرٌ ثانٍ لِلسّاعَةِ، أوْ في مَحَلِّ نَصْبٍ عَلى الحالِ. ثُمَّ أخْبَرَ سُبْحانَهُ عَنِ البَعْثِ فَقالَ: ﴿وأنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن في القُبُورِ﴾ فَيُجازِيهِمْ بِأعْمالِهِمْ إنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ وإنْ شَرًّا فَشَرٌّ، وأنَّ ذَلِكَ كائِنٌ لا مَحالَةَ. وقَدْ أخْرَجَ سَعِيدُ بْنُ مَنصُورٍ وأحْمَدُ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ والتِّرْمِذِيُّ وصَحَّحَهُ، والنَّسائِيُّ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ والحاكِمُ وصَحَّحَهُ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ مِن طُرُقٍ عَنِ الحَسَنِ وغَيْرِهِ عَنْ عِمْرانَ بْنِ حُصَيْنٍ قالَ: «لَمّا نَزَلَتْ ﴿ياأيُّها النّاسُ اتَّقُوا رَبَّكم إنَّ زَلْزَلَةَ السّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿ولَكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾ أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ وهو في سَفَرٍ، فَقالَ: أتُدْرُونَ أيُّ يَوْمٍ ذَلِكَ ؟ قالُوا: اللَّهُ ورَسُولُهُ أعْلَمُ، قالَ: ذَلِكَ يَوْمَ يَقُولُ اللَّهُ لِآدَمَ ابْعَثْ بَعْثَ النّارِ، قالَ: يا رَبِّ وما بَعَثُ النّارِ ؟ قالَ: مِن كُلِّ ألْفٍ تِسْعَمِائَةٍ وتِسْعَةً وتِسْعِينَ إلى النّارِ، وواحِدًا إلى الجَنَّةِ، فَأنْشَأ المُسْلِمُونَ يَبْكُونَ، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ -: قارِبُوا وسَدِّدُوا وأبْشِرُوا، فَإنَّها لَمْ تَكُنْ نُبُوَّةٌ قَطُّ إلّا كانَ بَيْنَ يَدَيْها جاهِلِيَّةٌ فَتُؤْخَذُ العُدَّةُ مِنَ الجاهِلِيَّةِ، فَإنْ تَمَّتْ وإلّا كَمُلَتْ مِنَ المُنافِقِينَ، وما مَثَلُكم والأُمَمِ إلّا كَمَثَلِ الرَّقْمَةِ في ذِراعِ الدّابَّةِ، أوْ كالشّامَةِ في جَنْبِ البَعِيرِ، ثُمَّ قالَ: إنِّي لِأرْجُوَ أنْ تَكُونُوا رُبُعَ أهْلِ الجَنَّةِ فَكَبَّرُوا، ثُمَّ قالَ: إنِّي أرْجُو أنْ تَكُونُوا ثُلُثَ أهْلِ الجَنَّةِ فَكَبَّرُوا، ثُمَّ قالَ: إنِّي لِأرْجُوَ أنْ تَكُونُوا نِصْفَ أهْلِ الجَنَّةِ فَكَبَّرُوا، قالَ: ولا أدْرِي قالَ الثُّلُثَيْنِ أمْ لا» . وأخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وصَحَّحَهُ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ عَنْ عِمْرانَ بْنِ حُصَيْنٍ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ، وقالَ في آخِرِهِ: «اعْمَلُوا وأبْشِرُوا فَوالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ إنَّكم لَمَعَ خَلِيقَتَيْنِ ما كانَتْ مَعَ شَيْءٍ إلّا كَثَّرَتاهُ يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ، ومَن ماتَ مِن بَنِي آدَمَ ومِن بَنِي إبْلِيسَ، فَسُرِّيَ عَنِ القَوْمِ بَعْضُ الَّذِي يَجِدُونَ قالَ: اعْمَلُوا وأبْشِرُوا، فَوالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ ما أنْتُمْ في النّاسِ إلّا كالشّامَةِ في جَنْبِ البَعِيرِ، أوْ كالرَّقْمَةِ في ذِراعِ الدّابَّةِ» . وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ وابْنُ حِبّانَ والحاكِمُ وصَحَّحَهُ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أنَسٍ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ. وأخْرَجَ البَزّارُ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ أبِي حاتِمٍ والحاكِمُ وصَحَّحَهُ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ أنَسٍ مَرْفُوعًا نَحْوَهُ أيْضًا، وفي الصَّحِيحَيْنِ وغَيْرِهِما عَنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قالَ: قالَ النَّبِيُّ (p-٩٥٥)- صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - فَذَكَرَ نَحْوَهُ، وفي آخِرِهِ فَقالَ: «مِن يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ ألْفٌ ومِنكم واحِدٌ، وهَلْ أنْتُمْ في الأُمَمِ إلّا كالشَّعْرَةِ السَّوْداءِ في الثَّوْرِ الأبْيَضِ، أوْ كالشَّعْرَةِ البَيْضاءِ في الثَّوْرِ الأسْوَدِ» . وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزّاقِ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ قَتادَةَ في قَوْلِهِ: ﴿كُتِبَ عَلَيْهِ﴾ قالَ: كُتِبَ عَلى الشَّيْطانِ. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ وعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنْ مُجاهِدٍ مِثْلَهُ ﴿أنَّهُ مَن تَوَلّاهُ﴾ قالَ: اتَّبَعَهُ. وأخْرَجَ البُخارِيُّ ومُسْلِمٌ وأهْلُ السُّنَنِ وغَيْرُهم عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قالَ: حَدَّثَنا رَسُولُ اللَّهِ - صَلّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ - وهو الصّادِقُ المَصْدُوقُ «إنَّ أحَدَكم يُجْمَعُ خَلْقُهُ في بَطْنِ أُمِّهِ أرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَةً، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ إلَيْهِ المَلَكَ فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ، ويُؤْمَرُ بِأرْبَعِ كَلِماتٍ بِكَتْبِ رِزْقِهِ وأجَلِهِ وعَمَلِهِ وشَقِّيٌّ أوْ سَعِيدٌ، فَوالَّذِي لا إلَهَ غَيْرُهُ إنَّ أحَدَكم لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أهْلِ الجَنَّةِ حَتّى ما يَكُونُ بَيْنَهُ وبَيْنَها إلّا ذِراعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الكِتابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أهْلِ النّارِ فَيَدْخُلَها، وإنَّ أحَدَكم لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أهْلِ النّارِ حَتّى ما يَكُونُ بَيْنَهُ وبَيْنَها إلّا ذِراعٌ، فَيَسْبِقُ عَلَيْهِ الكِتابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أهْلِ الجَنَّةِ فَيَدْخُلَها» والأحادِيثُ في هَذا البابِ كَثِيرَةٌ جِدًّا. وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ وصَحَّحَهُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿مُخَلَّقَةٍ وغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ﴾ قالَ: المُخَلَّقَةُ ما كانَ حَيًّا، وغَيْرُ المُخَلَّقَةِ ما كانَ سَقْطًا. ورُوِيَ نَحْوُ هَذا عَنْ جَماعَةٍ مِنَ التّابِعِينَ. وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ وابْنُ المُنْذِرِ وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ في قَوْلِهِ: ﴿مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ﴾ قالَ: حَسَنٌ. وأخْرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أحْمَدَ في زَوائِدِ الزُّهْدِ عَنْ مُعاذِ بْنِ جَبَلٍ قالَ: مَن عَلِمَ أنَّ اللَّهَ - عَزَّ وجَلَّ - حَقٌّ، وأنَّ السّاعَةَ آتِيةٌ لا رَيْبَ فِيها، وأنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن في القُبُورِ دَخَلَ الجَنَّةَ.
{"ayahs_start":1,"ayahs":["یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُوا۟ رَبَّكُمۡۚ إِنَّ زَلۡزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَیۡءٌ عَظِیمࣱ","یَوۡمَ تَرَوۡنَهَا تَذۡهَلُ كُلُّ مُرۡضِعَةٍ عَمَّاۤ أَرۡضَعَتۡ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمۡلٍ حَمۡلَهَا وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَـٰرَىٰ وَمَا هُم بِسُكَـٰرَىٰ وَلَـٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِیدࣱ","وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن یُجَـٰدِلُ فِی ٱللَّهِ بِغَیۡرِ عِلۡمࣲ وَیَتَّبِعُ كُلَّ شَیۡطَـٰنࣲ مَّرِیدࣲ","كُتِبَ عَلَیۡهِ أَنَّهُۥ مَن تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُۥ یُضِلُّهُۥ وَیَهۡدِیهِ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلسَّعِیرِ","یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمۡ فِی رَیۡبࣲ مِّنَ ٱلۡبَعۡثِ فَإِنَّا خَلَقۡنَـٰكُم مِّن تُرَابࣲ ثُمَّ مِن نُّطۡفَةࣲ ثُمَّ مِنۡ عَلَقَةࣲ ثُمَّ مِن مُّضۡغَةࣲ مُّخَلَّقَةࣲ وَغَیۡرِ مُخَلَّقَةࣲ لِّنُبَیِّنَ لَكُمۡۚ وَنُقِرُّ فِی ٱلۡأَرۡحَامِ مَا نَشَاۤءُ إِلَىٰۤ أَجَلࣲ مُّسَمࣰّى ثُمَّ نُخۡرِجُكُمۡ طِفۡلࣰا ثُمَّ لِتَبۡلُغُوۤا۟ أَشُدَّكُمۡۖ وَمِنكُم مَّن یُتَوَفَّىٰ وَمِنكُم مَّن یُرَدُّ إِلَىٰۤ أَرۡذَلِ ٱلۡعُمُرِ لِكَیۡلَا یَعۡلَمَ مِنۢ بَعۡدِ عِلۡمࣲ شَیۡـࣰٔاۚ وَتَرَى ٱلۡأَرۡضَ هَامِدَةࣰ فَإِذَاۤ أَنزَلۡنَا عَلَیۡهَا ٱلۡمَاۤءَ ٱهۡتَزَّتۡ وَرَبَتۡ وَأَنۢبَتَتۡ مِن كُلِّ زَوۡجِۭ بَهِیجࣲ","ذَ ٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلۡحَقُّ وَأَنَّهُۥ یُحۡیِ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَأَنَّهُۥ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرࣱ","وَأَنَّ ٱلسَّاعَةَ ءَاتِیَةࣱ لَّا رَیۡبَ فِیهَا وَأَنَّ ٱللَّهَ یَبۡعَثُ مَن فِی ٱلۡقُبُورِ"],"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُوا۟ رَبَّكُمۡۚ إِنَّ زَلۡزَلَةَ ٱلسَّاعَةِ شَیۡءٌ عَظِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق