الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَجَعَلْنا اللَّيْلَ والنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِن رَبِّكم ولِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ والحِسابَ وكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلًا﴾ .
ذَكَرَ جَلَّ وعَلا في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: أنَّهُ جَعَلَ اللَّيْلَ والنَّهارَ آيَتَيْنِ، أيْ عَلامَتَيْنِ دالَّتَيْنِ عَلى أنَّهُ الرَّبُّ المُسْتَحِقُّ أنَّ يُعْبَدَ وحْدَهُ، ولا يُشْرَكُ مَعَهُ غَيْرُهُ، وكَرَّرَ تَعالى هَذا المَعْنى في مَواضِعَ كَثِيرَةٍ؛
• كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَمِن آياتِهِ اللَّيْلُ والنَّهارُ﴾ [فصلت: ٣٧]،
• وقَوْلِهِ: ﴿وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنهُ النَّهارَ فَإذا هم مُظْلِمُونَ﴾ [يس: ٣٧]،
• وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّ في اخْتِلافِ اللَّيْلِ والنَّهارِ وما خَلَقَ اللَّهُ في السَّماواتِ والأرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ﴾ [يونس: ٦]،
• وقَوْلِهِ: ﴿إنَّ في خَلْقِ السَّماواتِ والأرْضِ واخْتِلافِ اللَّيْلِ والنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الألْبابِ﴾ [آل عمران: ١٩٠]،
• وقَوْلِهِ: ﴿إنَّ في خَلْقِ السَّماواتِ والأرْضِ واخْتِلافِ اللَّيْلِ والنَّهارِ والفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي في البَحْرِ بِما يَنْفَعُ النّاسَ﴾ - إلى قَوْلِهِ - ﴿لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [البقرة: ١٦٤]،
• وقَوْلِهِ: ﴿وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي ويُمِيتُ ولَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ والنَّهارِ أفَلا تَعْقِلُونَ﴾ [الأحزاب: ٨٠]،
• وقَوْلِهِ: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ والنَّهارَ خِلْفَةً لِمَن أرادَ أنْ يَذَّكَّرَ أوْ أرادَ شُكُورًا﴾ [الفرقان: ٦٢]،
• وقَوْلِهِ: ﴿خَلَقَ السَّماواتِ والأرْضَ بِالحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلى النَّهارِ ويُكَوِّرُ النَّهارَ عَلى اللَّيْلِ وسَخَّرَ الشَّمْسَ والقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأجَلٍ مُسَمًّى ألا هو العَزِيزُ الغَفّارُ﴾ [الزمر: ٥]،
• وقَوْلِهِ: ﴿فالِقُ الإصْباحِ وجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا (p-٥٦)والشَّمْسَ والقَمَرَ حُسْبانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ العَزِيزِ العَلِيمِ﴾ [الأنعام: ٩٦]،
• وقَوْلِهِ: ﴿والشَّمْسِ وضُحاها والقَمَرِ إذا تَلاها والنَّهارِ إذا جَلّاها واللَّيْلِ إذا يَغْشاها﴾ الآيَةَ [الشمس: ١ - ٤]،
• وقَوْلِهِ ﴿واللَّيْلِ إذا يَغْشى والنَّهارِ إذا تَجَلّى﴾ الآيَةَ [الليل: ١، ٢]،
• وقَوْلِهِ: ﴿والضُّحى﴾ ﴿واللَّيْلِ إذا سَجى﴾ الآيَةَ [الضحى: ١ - ٢]،
إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآياتِ.
وَقَوْلُهُ تَعالى في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: ﴿فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِن رَبِّكم ولِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ والحِسابَ﴾ [الإسراء: ١٢] يَعْنِي أنَّهُ جَعَلَ اللَّيْلَ مُظْلِمًا مُناسِبًا لِلْهُدُوءِ والرّاحَةِ، والنَّهارَ مُضِيئًا مُناسِبًا لِلْحَرَكَةِ والِاشْتِغالِ بِالمَعاشِ في الدُّنْيا، فَيَسْعَوْنَ في مَعاشِهِمْ في النَّهارِ، ويَسْتَرِيحُونَ مِن تَعَبِ العَمَلِ بِاللَّيْلِ، ولَوْ كانَ الزَّمَنُ كُلُّهُ لَيْلًا لَصَعُبَ عَلَيْهِمُ العَمَلُ في مَعاشِهِمْ، ولَوْ كانَ كُلُّهُ نَهارًا لَأهْلَكَهُمُ التَّعَبُ مِن دَوامِ العَمَلِ.
فَكَما أنَّ اللَّيْلَ والنَّهارَ آيَتانِ مِن آياتِهِ جَلَّ وعَلا، فَهُما أيْضًا نِعْمَتانِ مَن نِعَمِهِ جَلَّ وعَلا.
وَبَيَّنَ هَذا المَعْنى المُشارَ إلَيْهِ هُنا في مَواضِعَ أُخَرَ، كَقَوْلِهِ: ﴿قُلْ أرَأيْتُمْ إنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إلى يَوْمِ القِيامَةِ مَن إلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكم بِضِياءٍ أفَلا تَسْمَعُونَ﴾ ﴿قُلْ أرَأيْتُمْ إنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهارَ سَرْمَدًا إلى يَوْمِ القِيامَةِ مَن إلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أفَلا تُبْصِرُونَ﴾ ﴿وَمِن رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ والنَّهارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ ولِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ ولَعَلَّكم تَشْكُرُونَ﴾ [القصص: ٧١ - ٧٣] .
فَقَوْلُهُ: ﴿لِتَسْكُنُوا فِيهِ﴾، أيْ في اللَّيْلِ، وقَوْلُهُ: ﴿وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ﴾ [القصص: ٧٣]، أيْ في النَّهارِ، وقَوْلُهُ: ﴿وَجَعَلْنا نَوْمَكم سُباتًا﴾ ﴿وَجَعَلْنا اللَّيْلَ لِباسًا﴾ ﴿وَجَعَلْنا النَّهارَ مَعاشًا﴾ الآيَةَ [النبإ: ٩ - ١١]، وقَوْلُهُ: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباسًا والنَّوْمَ سُباتًا وجَعَلَ النَّهارَ نُشُورًا﴾ [الفرقان: ٤٧]، وقَوْلُهُ: ﴿وَمِن آياتِهِ مَنامُكم بِاللَّيْلِ والنَّهارِ وابْتِغاؤُكم مِن فَضْلِهِ﴾ الآيَةَ [الروم: ٢٣]، وقَوْلُهُ: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفّاكم بِاللَّيْلِ ويَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ﴾ [الأنعام: ٦٠]، إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآياتِ.
وَقَوْلُهُ في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: ﴿وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ والحِسابَ﴾ [الإسراء: ١٢]، بَيَّنَ فِيهِ نِعْمَةً أُخْرى عَلى خُلُقِهِ، وهي مَعْرِفَتُهم عَدَدَ السِّنِينَ والحِسابِ، لِأنَّهم بِاخْتِلافِ (p-٥٧)اللَّيْلِ والنَّهارِ يَعْلَمُونَ عَدَدَ الأيّامِ والشُّهُورِ والأعْوامِ، ويَعْرِفُونَ بِذَلِكَ يَوْمَ الجُمُعَةِ لِيُصَلُّوا فِيهِ صَلاةَ الجُمُعَةِ، ويَعْرِفُونَ شَهْرَ الصَّوْمِ، وأشْهُرَ الحَجِّ، ويَعْلَمُونَ مُضِيَّ أشْهُرِ العِدَّةِ لِمَن تَعْتَدُّ بِالأشْهُرِ المُشارِ إلَيْها في قَوْلِهِ: ﴿واللّائِي يَئِسْنَ مِنَ المَحِيضِ مِن نِسائِكم إنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أشْهُرٍ واللّائِي لَمْ يَحِضْنَ﴾ [الطلاق: ٤]، وقَوْلِهِ: ﴿والَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكم ويَذَرُونَ أزْواجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأنْفُسِهِنَّ أرْبَعَةَ أشْهُرٍ وعَشْرًا﴾ [البقرة: ٢٣٤] . ويَعْرِفُونَ مُضِيِّ الآجالِ المَضْرُوبَةِ لِلدُّيُونِ والإجاراتِ ونَحْوِ ذَلِكَ.
وَبَيَّنَ جَلَّ وعَلا هَذِهِ الحِكْمَةَ في مَواضِعَ أُخَرَ، كَقَوْلِهِ: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً والقَمَرَ نُورًا وقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ والحِسابَ ما خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إلّا بِالحَقِّ يُفَصِّلُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ [يونس: ٥] . وقَوْلُهُ جَلَّ وعَلا: ﴿يَسْألُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هي مَواقِيتُ لِلنّاسِ والحَجِّ﴾ [البقرة: ١٨٩]، إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآياتِ.
وَقَوْلُهُ جَلَّ وعَلا في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: ﴿فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً﴾ [الإسراء: ١٢] فِيهِ وجْهانِ مِنَ التَّفْسِيرِ لِلْعُلَماءِ:
أحَدُهُما: أنَّ الكَلامَ عَلى حَذْفِ مُضافٍ، والتَّقْدِيرُ: وجَعَلْنا نَيِّرَيِ اللَّيْلِ والنَّهارِ، أيِ الشَّمْسِ والقَمَرِ آيَتَيْنِ.
وَعَلى هَذا القَوْلِ، فَآيَةُ اللَّيْلِ هي القَمَرُ، وآيَةُ النَّهارِ هي الشَّمْسُ، والمَحْوُ: الطَّمْسُ. وعَلى هَذا القَوْلِ: فَمَحْوُ آيَةِ اللَّيْلِ قِيلَ مَعْناهُ السَّوادُ الَّذِي في القَمَرِ، وبِهَذا قالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، ومُجاهِدٌ، ورُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما.
وَقِيلَ: مَعْنى ﴿فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ﴾ [الإسراء: ١٢]، أيْ لَمْ نَجْعَلْ في القَمَرِ شُعاعًا كَشُعاعِ الشَّمْسِ تَرى بِهِ الأشْياءَ رُؤْيَةً بَيِّنَةً، فَنَقُصُّ نُورَ القَمَرِ عَنْ نُورِ الشَّمْسِ هو مَعْنى الطَّمْسِ عَلى هَذا القَوْلِ.
وَهَذا أظْهَرُ عِنْدِي لِمُقابَلَتِهِ تَعالى لَهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً﴾ [الإسراء: ١٢]، والقَوْلُ بِأنَّ مَعْنى مَحْوِ آيَةِ اللَّيْلِ: السَّوادُ الَّذِي في القَمَرِ لَيْسَ بِظاهِرٍ عِنْدِي وإنْ قالَ بِهِ بَعْضُ الصَّحابَةِ الكِرامِ، وبَعْضُ أجِلّاءِ أهْلِ العِلْمِ.
وَقَوْلُهُ: ﴿وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ﴾ عَلى التَّفْسِيرِ المَذْكُورِ؛ أيِ الشَّمْسَ مُبْصِرَةً، أيْ: ذاتَ شُعاعٍ يُبْصَرُ في ضَوْئِها كُلُّ شَيْءٍ عَلى حَقِيقَتِهِ.
قالَ الكِسائِيُّ: هو مِن قَوْلِ العَرَبِ: أبْصَرَ النَّهارَ: إذا أضاءَ وصارَ بِحالَةٍ يُبْصَرُ (p-٥٨)بِها، نَقَلَهُ عَنْهُ القُرْطُبِيُّ.
قالَ مُقَيِّدُهُ عَفا اللَّهُ عَنْهُ: هَذا التَّفْسِيرُ مِن قَبِيلِ قَوْلِهِمْ: نَهارُهُ صائِمٌ، ولَيْلُهُ قائِمٌ. ومِنهُ قَوْلُهُ:
؎لَقَدْ لُمْتِنا يا أمَّ غَيْلانَ في السُّرى ونِمْتِ وما لَيْلُ المُحِبِّ بِنائِمِ
وَغايَةُ ما في الوَجْهِ المَذْكُورِ مِنَ التَّفْسِيرِ: حَذْفُ مُضافٍ، وهو كَثِيرٌ في القُرْآنِ وفي كَلامِ العَرَبِ إنْ دَلَّتْ عَلَيْهِ قَرِينَةٌ، قالَ في الخُلاصَةِ: وما يَلِي المُضافَ يَأْتِي خَلَفًا عَنْهُ في الإعْرابِ إذا ما حُذِفا
والقَرِينَةُ في الآيَةِ الكَرِيمَةِ الدّالَّةُ عَلى المُضافِ المَحْذُوفِ قَوْلُهُ: ﴿فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً﴾ [الإسراء: ١٢]، فَإضافَةُ الآيَةِ إلى اللَّيْلِ والنَّهارِ دَلِيلٌ عَلى أنَّ الآيَتَيْنِ المَذْكُورَتَيْنِ لَهُما لا هُما أنْفَسَهُما، وحَذْفُ المُضافِ كَثِيرٌ في القُرْآنِ كَقَوْلِهِ: ﴿واسْألِ القَرْيَةَ الَّتِي كُنّا فِيها والعِيرَ الَّتِي أقْبَلْنا فِيها﴾ [يوسف: ٨٢]، وقَوْلُهُ: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكم أُمَّهاتُكُمْ﴾ [النساء: ٢٣]؛ أيْ نِكاحُها، وقَوْلِهِ: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ المَيْتَةُ﴾ [المائدة: ٣]، أيْ أكْلُها، ونَحْوِ ذَلِكَ.
وَعَلى القَوْلِ بِتَقْدِيرِ المُضافِ، وأنَّ المُرادَ بِالآيَتَيْنِ الشَّمْسُ والقَمَرُ، فالآياتُ المُوَضِّحَةُ لِكَوْنِ الشَّمْسِ والقَمَرِ آيَتَيْنِ تَقَدَّمَتْ مُوَضَّحَةً في سُورَةِ النَّحْلِ.
الوَجْهُ الثّانِي مِنَ التَّفْسِيرِ: أنَّ الآيَةَ الكَرِيمَةَ لَيْسَ فِيها مُضافٌ مَحْذُوفٌ، وأنَّ المُرادَ بِالآيَتَيْنِ نَفْسُ اللَّيْلِ والنَّهارِ، لا الشَّمْسُ والقَمَرُ.
وَعَلى هَذا القَوْلِ فَإضافَةُ الآيَةِ إلى اللَّيْلِ والنَّهارِ مِن إضافَةِ الشَّيْءِ إلى نَفْسِهِ مَعَ اخْتِلافِ اللَّفْظِ، تَنْزِيلًا لِاخْتِلافِ اللَّفْظِ مَنزِلَةَ الِاخْتِلافِ في المَعْنى، وإضافَةُ الشَّيْءِ إلى نَفْسِهِ مَعَ اخْتِلافِ اللَّفْظِ كَثِيرَةٌ في القُرْآنِ وفي كَلامِ العَرَبِ، فَمِنهُ في القُرْآنِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضانَ﴾ الآيَةَ [البقرة: ١٨٥]، ورَمَضانُ هو نَفْسُ الشَّهْرِ بِعَيْنِهِ عَلى التَّحْقِيقِ، وقَوْلُهُ: ﴿وَلَدارُ الآخِرَةِ﴾ الآيَةَ [يوسف: ١٠٩]، والدّارُ هي الآخِرَةُ بِعَيْنِها، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ في مَوْضِعٍ آخَرَ: ﴿وَلَلدّارُ الآخِرَةُ﴾ [الأنعام: ٣٢] بِالتَّعْرِيفِ، والآخِرَةُ نَعْتٌ لِلدّارِ، وقَوْلُهُ: ﴿وَنَحْنُ أقْرَبُ إلَيْهِ مِن حَبْلِ الوَرِيدِ﴾ [ق: ١٦]، والحَبْلُ هو الوَرِيدُ، وقَوْلُهُ: ﴿وَمَكْرَ السَّيِّئِ﴾ الآيَةَ [فاطر: ٤٣]، والمَكْرُ هو السَّيْءُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: ﴿وَلا يَحِيقُ المَكْرُ السَّيِّئُ إلّا بِأهْلِهِ﴾ [فاطر: ٤٣] (p-٥٩)
وَمِن أمْثِلَتِهِ في كَلامِ العَرَبِ قَوْلُ امْرِئِ القَيْسِ:
؎كَبِكْرِ المُقاناةِ البَياضِ بِصُفْرَةٍ ∗∗∗ غَذّاها نَمِيرُ الماءِ غَيْرُ المُحَلَّلِ
لِأنَّ المُقاناةَ هي البِكْرُ بِعَيْنِها، وقَوْلُ عَنْتَرَةَ في مُعَلَّقَتِهِ:
؎وَمِشَكٍّ سابِغَةٍ هَتَكْتُ فُرُوجَها ∗∗∗ بِالسَّيْفِ عَنْ حامِي الحَقِيقَةِ مُعْلِمِ
لِأنَّ مُرادَهُ بِالمِشَكِّ: السّابِغَةُ بِعَيْنِها، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: هَتَكْتُ فُرُوجَها؛ لِأنَّ الضَّمِيرَ عائِدٌ إلى السّابِغَةِ الَّتِي عَبَّرَ عَنْها بِالمِشَكِّ.
وَقَدْ أوْضَحْنا هَذِهِ المَسْألَةَ في كِتابِنا (دَفْعُ إيهامِ الِاضْطِرابِ عَنْ آياتِ الكِتابِ) في سُورَةِ فاطِرٍ، وبَيَّنّا أنَّ الَّذِي يَظْهَرُ لَنا: أنَّ إضافَةَ الشَّيْءِ إلى نَفْسِهِ مَعَ اخْتِلافِ لَفْظِ المُضافِ والمُضافِ إلَيْهِ أُسْلُوبٌ مِن أسالِيبِ اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ؛ لِأنَّ تَغايُرَ اللَّفْظَيْنِ رُبَّما نُزِّلَ مَنزِلَةَ التَّغايُرِ المَعْنَوِيِّ لِكَثْرَةِ الإضافَةِ المَذْكُورَةِ في القُرْآنِ وفي كَلامِ العَرَبِ، وجَزَمَ بِذَلِكَ ابْنُ جَرِيرٍ في بَعْضِ مَواضِعِهِ في القُرْآنِ، وعَلَيْهِ فَلا حاجَةَ إلى التَّأْوِيلِ المُشارِ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ في الخُلاصَةِ:
؎وَلا يُضافُ اسْمٌ لِما بِهِ اتَّحَدَ ∗∗∗ مَعْنًى وأوَّلْ مُوَهَّمًا إذا ورَدَ
وَمِمّا يَدُلُّ عَلى ضَعْفِ التَّأْوِيلِ المَذْكُورِ قَوْلُهُ:
؎وَإنْ يَكُونا مُفْرَدَيْنِ فَأضِفْ ∗∗∗ حَتْمًا وإلّا أتْبَعَ الَّذِي رَدَفَ
لِأنَّ إيجابَ إضافَةِ العَلَمِ إلى اللَّقَبِ مَعَ اتِّحادِهِما في المَعْنى إنْ كانا مُفْرَدَيْنِ المُسْتَلْزِمُ لِلتَّأْوِيلِ، ومَنعُ الإتْباعِ الَّذِي لا يَحْتاجُ إلى تَأْوِيلِ دَلِيلٍ عَلى أنَّ ذَلِكَ مِن أسالِيبِ اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ، ولَوْ لَمْ يَكُنْ مِن أسالِيبِها لَوَجَبَ تَقْدِيمُ ما لا يَحْتاجُ إلى تَأْوِيلٍ عَلى المُحْتاجِ إلى تَأْوِيلٍ كَما تَرى. وعَلى هَذا الوَجْهِ مِنَ التَّفْسِيرِ فالمَعْنى: فَمَحَوْنا الآيَةَ الَّتِي هي اللَّيْلُ، وجَعَلَنا الآيَةَ الَّتِي هي النَّهارُ مُبْصِرَةً، أيْ: جَعَلْنا اللَّيْلَ مَمْحُوَّ الضَّوْءِ مَطْمُوسَهُ، مُظْلِمًا لا تُسْتَبانُ فِيهِ الأشْياءُ كَما لا يُسْتَبانُ ما في اللَّوْحِ المَمْحُوِّ، وجَعَلْنا النَّهارَ مُبْصِرًا، أيْ تُبْصَرُ فِيهِ الأشْياءُ وتُسْتَبانُ.
وَقَوْلُهُ في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ: ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلًا﴾ [الإسراء: ١٢] تَقَدَّمَ إيضاحَهُ، والآياتُ الدّالَّةُ عَلَيْهِ في سُورَةِ ”النَّحْلِ“ في الكَلامِ عَلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَنَزَّلْنا (p-٦٠)عَلَيْكَ الكِتابَ تِبْيانًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ الآيَةَ [النحل: ٨٩] .
{"ayah":"وَجَعَلۡنَا ٱلَّیۡلَ وَٱلنَّهَارَ ءَایَتَیۡنِۖ فَمَحَوۡنَاۤ ءَایَةَ ٱلَّیۡلِ وَجَعَلۡنَاۤ ءَایَةَ ٱلنَّهَارِ مُبۡصِرَةࣰ لِّتَبۡتَغُوا۟ فَضۡلࣰا مِّن رَّبِّكُمۡ وَلِتَعۡلَمُوا۟ عَدَدَ ٱلسِّنِینَ وَٱلۡحِسَابَۚ وَكُلَّ شَیۡءࣲ فَصَّلۡنَـٰهُ تَفۡصِیلࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق