الباحث القرآني
(p-١٨١)سُورَةُ القَدْرِ
وَفِيها قَوْلانِ.
أحَدُهُما: أنَّها مَكِّيَّةٌ، رَواهُ أبُو صالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ.
والثّانِي: مَدَنِيَّةٌ، قالَهُ الضَّحّاكُ، ومُقاتِلٌ. قالَ الماوَرْدِيُّ: والأوَّلُ قَوْلُ الأكْثَرِينَ. وقالَ الثَّعْلَبِيُّ: الثّانِي قَوْلُ الأكْثَرِينَ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنّا أنْزَلْناهُ﴾ يَعْنِي: القُرْآنَ ﴿فِي لَيْلَةِ القَدْرِ﴾ وذَلِكَ أنَّهُ أُنْزِلَ جُمْلَةً في تِلْكَ اللَّيْلَةِ إلى بَيْتِ العِزَّةِ، وهو بَيْتٌ في السَّماءِ الدُّنْيا. وقَدْ ذَكَرْنا هَذا الحَدِيثَ في أوَّلِ كِتابِنا. والهاءُ في ﴿إنّا أنْزَلْناهُ﴾ كِنايَةٌ عَنْ غَيْرِ مَذْكُورٍ. وقالَ (p-١٨٢)الزَّجّاجُ: قَدْ جَرى ذِكْرُهُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنّا أنْزَلْناهُ في لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ﴾ [الدُّخانِ: ٣] .
فَأمّا ﴿لَيْلَةِ القَدْرِ﴾ فَفي تَسْمِيَتِها بِذَلِكَ خَمْسَةُ أقْوالٍ.
أحَدُها: أنَّ القَدْرَ: العَظَمَةُ، مِن قَوْلِكَ: لِفُلانٍ قَدْرٌ، قالَهُ الزُّهْرِيُّ. ويَشْهَدُ لَهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾ [الأنْعامِ: ٩١] و [الزُّمَرِ: ٦٧] .
والثّانِي: أنَّهُ مِنَ الضِّيقِ، أيْ: هي لَيْلَةٌ تَضِيقُ فِيها الأرْضُ عَنِ المَلائِكَةِ الَّذِينَ يَنْزِلُونَ، قالَهُ الخَلِيلُ بْنُ أحْمَدَ، ويَشْهَدُ لَهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ﴾ [الطَّلاقِ: ٧] .
والثّالِثُ: أنَّ القَدْرَ: الحُكْمُ كَأنَّ الأشْياءَ تُقَدَّرُ فِيها، قالَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ.
والرّابِعُ: لِأنَّ مَن لَمْ يَكُنْ لَهُ قَدْرٌ صارَ بِمُراعاتِها ذا قَدْرٍ، قالَهُ أبُو بَكْرٍ الوَرّاقُ.
والخامِسُ: لِأنَّهُ نَزَلَ فِيها كِتابٌ ذُو قَدْرٍ، وتَنْزِلُ فِيها رَحْمَةٌ ذاتُ قَدْرٍ، ومَلائِكَةٌ ذَوُو قَدْرٍ، حَكاهُ شَيْخُنا عَلِيُّ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ.
* فَصْلٌ
واخْتَلَفَ العُلَماءُ هَلْ لَيْلَةُ القَدْرِ باقِيَةٌ، أمْ كانَتْ في زَمَنِ النَّبِيِّ ﷺ خاصَّةً؟ والصَّحِيحُ بَقاؤُها.
وَهَلْ هي في جَمِيعِ السَّنَةِ، أمْ في رَمَضانَ؟
فِيهِ قَوْلانِ.
(p-١٨٣)أحَدُهُما: في رَمَضانَ، قالَهُ الجُمْهُورُ.
والثّانِي: في جَمِيعِ السَّنَةِ، قالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ.
واخْتَلَفَ القائِلُونَ بِأنَّها في شَهْرِ رَمَضانَ هَلْ تَخْتَصُّ بِبَعْضِهِ دُونَ بَعْضٍ؟ عَلى قَوْلَيْنِ.
أحَدُهُما: أنَّها في العَشْرِ الأواخِرِ، قالَهُ الجُمْهُورُ، وأكْثَرُ الأحادِيثِ الصَّحِيحَةِ تَدُلُّ عَلَيْهِ.
وَقَدْ رَوى البُخارِيُّ في أفْرادِهِ مِن حَدِيثِ ابْنِ عَبّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: " «التَمِسُوها في العَشْرِ الأواخِرِ مِن رَمَضانَ، في تاسِعَةٍ تَبْقى، أوْ سابِعَةٍ تَبْقى، أوْ في خامِسَةٍ تَبْقى» " . وفي حَدِيثِ أبِي بَكَرَةَ قالَ: «ما أنا بِمُلْتَمِسِها لِشَيْءٍ سَمِعْتُهُ مِن رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، إلّا في العَشْرِ الأواخِرِ، فَإنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ: " التَمِسُوها في تِسْعٍ يَبْقَيْنَ، أوْ سَبْعٍ يَبْقَيْنَ، أوْ خَمْسٍ يَبْقَيْنَ، أوْ ثَلاثٍ يَبْقَيْنَ، أوْ آخِرِ لَيْلَةٍ» " .
(p-١٨٤)والقَوْلُ الثّانِي: أنَّها في جَمِيعِ رَمَضانَ، قالَهُ الحَسَنُ البَصْرِيُّ.
واخْتَلَفُ القائِلُونَ بِأنَّها في العَشْرِ الأواخِرِ هَلْ تَخْتَصُّ لَيالِي الوِتْرِ دُونَ الشَّفْعِ؟ عَلى قَوْلَيْنِ.
أحَدُهُما: أنَّها تَخْتَصُّ الأفْرادَ، قالَهُ الجُمْهُورُ. والأحادِيثُ الصِّحاحُ كُلُّها تَدُلُّ عَلَيْهِ. وقَدْ أخْرَجَ البُخارِيُّ ومُسْلِمٌ في " الصَّحِيحَيْنِ " مِن حَدِيثِ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: «ابْتَغُوها في العَشْرِ الأواخِرِ في الوِتْرِ مِنها.»
والثّانِي: أنَّها تَكُونُ في الشَّفْعِ كَما تَكُونُ في الوِتْرِ، قالَهُ الحَسَنُ. ورُوِيَ عَنِ الحَسَنِ ومالِكِ بْنِ أنَسٍ قالا: هي لَيْلَةُ ثَمانِيَ عَشْرَةَ.
واخْتَلَفَ القائِلُونَ بِأنَّها في الأفْرادِ في أخَصِّ اللَّيالِي بِها عَلى خَمْسَةِ أقْوالٍ.
أحَدُها: أنَّ الأخَصَّ بِها لَيْلَةُ إحْدى وعِشْرِينَ. فَرَوى البُخارِيُّ ومُسْلِمٌ في (p-١٨٥)" الصَّحِيحَيْنِ " مِن حَدِيثِ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قالَ: «اعْتَكَفَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ العَشْرَ الوُسُطَ، واعْتَكَفْنا مَعَهُ، فَلَمّا أصْبَحْنا صَبِيحَةَ عِشْرِينَ رَجَعَ، ورَجَعْنا مَعَهُ، وأُرِيَ لَيْلَةَ القَدْرِ، ثُمَّ أُنْسِيها، فَقالَ: " إنِّي رَأيْتُ لَيْلَةَ القَدْرِ، ثُمَّ أُنْسِيتُها وأُرانِي أسْجُدُ في ماءٍ وطِينٍ، فَمَنِ اعْتَكَفَ فَلْيَرْجِعْ إلى مُعْتَكَفِهِ، وهاجَتْ عَلَيْنا السَّماءُ آخِرَ تِلْكَ العَشِيَّةِ، وكانَ سَقْفُ المَسْجِدِ عَرِيشًا مِن جَرِيدٍ، فَوَكَفَ [المَسْجِدُ] فَوالَّذِي هو أكْرَمَهُ، وأنْزَلَ عَلَيْهِ الكِتابَ لَرَأيْتُهُ يُصَلِّي، بَدَأ المَغْرِبَ لَيْلَةَ إحْدى وعِشْرِينَ، وإنَّ جَبْهَتَهُ وأرْنَبَةَ أنْفِهِ لَفي الماءِ والطِّينِ،» وهَذا مَذْهَبُ الشّافِعِيِّ.
والثّانِي: أنَّ الأخَصَّ بِها لَيْلَةُ ثَلاثٍ وعِشْرِينَ. رَوى أبُو هُرَيْرَةَ «أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قالَ لَيْلَةَ ثَلاثٍ وعِشْرِينَ: " اطْلُبُوها اللَّيْلَةَ» " .
وَرَوى ابْنُ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنَّهُ قالَ: «مَن كانَ مِنكم يُرِيدُ أنْ يَقُومَ مِنَ الشَّهْرِ شَيْئًا فَلْيَقُمْ لَيْلَةَ ثَلاثٍ وعِشْرِينَ» " .
(p-١٨٦)وَرَوى مُسْلِمٌ في أفْرادِهِ مِن حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ، «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: أُرِيتُ لَيْلَةَ القَدْرِ، ثُمَّ أُنْسِيتُها، وأُرانِي صُبْحَها أسْجُدُ في ماءٍ وطِينٍ. قالَ: فَمُطِرْنا لَيْلَةَ ثَلاثٍ وعِشْرِينَ، فَصَلّى بِنا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فانْصَرَفَ وإنَّ أثَرَ الماءِ والطِّينِ عَلى جَبْهَتِهِ وأنْفِهِ. قالَ: وكانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ يَقُولُ: لَيْلَةُ ثَلاثٍ وعِشْرِينَ.»
والثّالِثُ: لَيْلَةُ خَمْسٍ وعِشْرِينَ، رَوى هَذا المَعْنى أبُو بَكْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ .
(p-١٨٧)والرّابِعُ: لَيْلَةُ سَبْعٍ وعِشْرِينَ، رَوى مُسْلِمٌ في أفْرادِهِ مِن حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أنَّهُ قالَ: «مَن كانَ مُتَحَرِّيًا فَلْيَتَحَرَّها لَيْلَةَ سَبْعٍ وعِشْرِينَ،» يَعْنِي: لَيْلَةَ القَدْرِ، وهَذا مَذْهَبُ عَلِيٍّ وأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ. وكانَ أُبَيٌّ يَحْلِفُ لا يَسْتَثْنِي أنَّها لَيْلَةُ سَبْعٍ وعِشْرِينَ. وبِهِ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ، وعائِشَةُ، ومُعاوِيَةُ. واخْتارَهُ أحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: أنَّهُ اسْتَدَلَّ عَلى ذَلِكَ بِشَيْئَيْنِ.
(p-١٨٨)أحَدُهُما: أنَّهُ قالَ: إنَّ اللَّهَ تَعالى خَلَقَ الإنْسانَ عَلى سَبْعَةِ أصْنافٍ، يُشِيرُ إلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنا الإنْسانَ مِن سُلالَةٍ﴾ [المُؤْمِنِينَ: ١٢] الآياتُ. ثُمَّ جَعَلَ رِزْقَهُ في سَبْعَةِ أصْنافٍ يُشِيرُ إلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿أنّا صَبَبْنا الماءَ صَبًّا﴾ [عَبَسَ: ٢٥] ثُمَّ تُصَلّى الجُمُعَةُ عَلى رَأْسِ سَبْعَةِ أيّامٍ، وجَعَلَ السَّمَواتِ سَبْعًا، والأرَضِينَ سَبْعًا، والمَثانِيَ سَبْعًا، فَلا أرى لَيْلَةَ القَدْرِ إلّا لَيْلَةَ السّابِعَةِ [وَعِشْرِينَ] .
والثّانِي: أنَّهُ قالَ: قَوْلُهُ تَعالى: ﴿سَلامٌ﴾ هي الكَلِمَةُ السّابِعَةُ والعِشْرُونَ، فَدَلَّ عَلى أنَّها كَذَلِكَ.
واحْتَجَّ بَعْضُهم فَقالَ: لَيْلَةُ القَدْرِ كُرِّرَتْ في هَذِهِ السُّورَةِ ثَلاثَ مَرّاتٍ، وهي تِسْعَةُ أحْرُفٍ، والتِّسْعَةُ إذا كُرِّرَتْ ثَلاثًا فَهي سَبْعٌ وعِشْرُونَ، وهَذا تَنْبِيهٌ عَلى ذَلِكَ.
والقَوْلُ الخامِسُ: أنَّ الأوْلى طَلَبُها في أوَّلِ لَيْلَةٍ مِن رَمَضانَ، قالَهُ أبُو رَزِينٍ العُقَيْلِيُّ.
(p-١٨٩)وَرَوى أيُّوبُ عَنْ أبِي قُلابَةَ أنَّهُ قالَ: لَيْلَةُ القَدْرِ تَنْتَقِلُ في العَشْرِ الأواخِرِ.
فَأمّا الحِكْمَةُ في إخْفائِها فَلِيَتَحَقَّقَ اجْتِهادُ العِبادِ في لَيالِي رَمَضانَ طَمَعًا مِنهم في إدْراكِها، كَما أخْفى ساعَةَ الجُمُعَةِ، وساعَةَ (p-١٩٠)اللَّيْلِ، واسْمَهُ الأعْظَمَ، والصَّلاةَ الوُسْطى، والوَلِيَّ في النّاسِ.
(p-١٩١)قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَما أدْراكَ ما لَيْلَةُ القَدْرِ﴾ هَذا عَلى سَبِيلِ التَّعْظِيمِ والتَّشَوُّقِ إلى خَيْرِها.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَيْلَةُ القَدْرِ خَيْرٌ مِن ألْفِ شَهْرٍ﴾ قالَ مُجاهِدٌ: قِيامُها والعَمَلُ فِيها خَيْرٌ مِن قِيامِ ألْفِ شَهْرٍ وصِيامِها لَيْسَ فِيها لَيْلَةُ القَدْرِ، وهَذا قَوْلُ قَتادَةُ، واخْتِيارُ الفَرّاءِ، وابْنِ قُتَيْبَةَ، والزَّجّاجِ. ورَوى عَطاءٌ «عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ ذُكِرَ لَهُ رَجُلٌ مِن بَنِي إسْرائِيلَ حَمَلَ السِّلاحَ عَلى عاتِقِهِ في سَبِيلِ اللَّهِ ألْفَ شَهْرٍ، فَعَجِبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِذَلِكَ، وتَمَنّى أنْ يَكُونَ ذَلِكَ في أُمَّتِهِ، فَأعْطاهُ اللَّهُ لَيْلَةَ القَدْرِ، (p-١٩٢)وَقالَ: هي خَيْرٌ مِن ألْفِ شَهْرٍ الَّتِي حَمَلَ فِيها الإسْرائِيلِيُّ السِّلاحَ في سَبِيلِ اللَّهِ.» وذَكَرَ بَعْضُ المُفَسِّرِينَ أنَّهُ كانَ الرَّجُلُ فِيما مَضى لا يَسْتَحِقُّ أنْ يُقالَ لَهُ: عابِدٌ حَتّى يَعْبُدَ اللَّهَ ألْفَ شَهْرٍ كانُوا يَعْبُدُونَ فِيها.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿تَنَزَّلُ المَلائِكَةُ﴾ قالَ أبُو هُرَيْرَةَ: المَلائِكَةُ لَيْلَةَ القَدْرِ في الأرْضِ أكْثَرُ مِن عَدَدِ الحَصى.
(p-١٩٣)وَفِي " الرُّوحِ " ثَلاثَةُ أقْوالٍ.
أحَدُها: أنَّهُ جِبْرِيلُ، قالَهُ الأكْثَرُونَ. وفي حَدِيثِ أنَسٍ أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قالَ: «إذا كانَتْ لَيْلَةُ القَدْرِ نَزَلَ جِبْرِيلُ في كَبْكَبَةٍ مِنَ المَلائِكَةِ يُصَلُّونَ ويُسَلِّمُونَ عَلى كُلِّ عَبْدٍ قائِمٍ أوْ قاعِدٍ يَذْكُرُ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ.»
والثّانِي: أنَّ الرُّوحَ: طائِفَةٌ مِنَ المَلائِكَةِ لا تَراهُمُ المَلائِكَةُ إلّا تِلْكَ اللَّيْلَةَ يَنْزِلُونَ مِن لَدُنْ غُرُوبِ الشَّمْسِ إلى طُلُوعِ الفَجْرِ، قالَهُ كَعْبٌ، ومُقاتِلُ بْنُ حَيّانَ.
والثّالِثُ: أنَّهُ مَلَكٌ عَظِيمٌ يَفِي بِخَلْقٍ مِنَ المَلائِكَةِ، قالَ الواقِدِيُّ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فِيها﴾ أيْ: في لَيْلَةِ القَدْرِ ﴿بِإذْنِ رَبِّهِمْ﴾ أيْ: بِما أمَرَ بِهِ وقَضاهُ ﴿مِن كُلِّ أمْرٍ﴾ قالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: أيْ: بِكُلِّ أمْرٍ. قالَ المُفَسِّرُونَ: يَتَنَزَّلُونَ بِكُلِّ أمْرٍ قَضاهُ اللَّهُ في تِلْكَ السَّنَةِ إلى قابِلٍ. وقَرَأ ابْنُ عُمَرَ، وابْنُ عَبّاسٍ، وأبُو العالِيَةِ، وأبُو عِمْرانَ الجَوْنِيُّ: " مِن كُلِّ امْرِئٍ "، بِكَسْرِ الرّاءِ وبَعْدَها هَمْزَةٌ مَكْسُورَةٌ مُنَوَّنَةٌ. وبِوَصْلِ اللّامِ مِن غَيْرِ هَمْزٍ. ولِهَذِهِ القِراءَةِ وجْهانِ.
أحَدُهُما: مِن كُلِّ مَلَكٍ سَلامٌ.
والثّانِي: أنْ تَكُونَ " مِن " بِمَعْنى " عَلى " تَقْدِيرُهُ: عَلى كُلِّ امْرِئٍ مِنَ المُسْلِمِينَ سَلامٌ مِنَ المَلائِكَةِ، كَقَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَنَصَرْناهُ مِنَ القَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا﴾ [الأنْبِياءِ: ٧٧] . والقِراءَةُ المُوافِقَةُ لِخَطِّ المُصْحَفِ هي الصَّوابُ. ويَكُونُ تَمامُ الكَلامِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى: (p-١٩٤)﴿مِن كُلِّ أمْرٍ﴾ ثُمَّ ابْتَدَأ فَقالَ تَعالى: ﴿سَلامٌ هِيَ﴾ أيْ: لَيْلَةُ القَدْرِ سَلامٌ. وفي مَعْنى السَّلامِ قَوْلانِ.
أحَدُهُما: أنَّهُ لا يَحْدُثُ فِيها داءٌ ولا يُرْسَلُ فِيها شَيْطانٌ، قالَهُ مُجاهِدٌ.
والثّانِي: أنَّ مَعْنى السَّلامِ: الخَيْرُ والبَرَكَةُ، قالَهُ قَتادَةُ. وكانَ بَعْضُ العُلَماءِ يَقُولُ: الوَقْفُ عَلى " سَلامٌ " عَلى مَعْنى تَنَزَّلُ المَلائِكَةُ بِالسَّلامِ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿حَتّى مَطْلَعِ الفَجْرِ﴾ قَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، ونافِعٌ، وعاصِمٌ، وأبُو عَمْرٍو، وابْنُ عامِرٍ، وحَمْزَةُ: " مَطْلَعِ " بِفَتْحِ اللّامِ. وقَرَأ الكِسائِيُّ بِكَسْرِها. قالَ الفَرّاءُ: والفَتْحُ أقْوى في قِياسِ العَرَبِيَّةِ، لِأنَّ المَطْلَعَ بِالفَتْحِ: الطُّلُوعُ، وبِالكَسْرِ: المَوْضِعُ الَّذِي يُطْلَعُ مِنهُ، إلّا أنَّ العَرَبَ تَقُولُ: طَلَعَتِ الشَّمْسُ مَطْلِعًا، بِالكَسْرِ، وهم يُرِيدُونَ المَصْدَرَ، كَما تَقُولُ: أكْرَمْتُكَ كَرامَةً، فَتَجْتَزِئُ بِالِاسْمِ عَنِ المَصْدَرِ. وقَدْ شَرَحْنا هَذا المَعْنى في " الكَهْفِ " عِنْدَ قَوْلِهِ تَعالى: ﴿مَطْلِعَ الشَّمْسِ﴾ [آيَةُ: ٩] شَرْحًا كافِيًا، ولِلَّهِ الحَمْدُ.
{"ayahs_start":1,"ayahs":["إِنَّاۤ أَنزَلۡنَـٰهُ فِی لَیۡلَةِ ٱلۡقَدۡرِ","وَمَاۤ أَدۡرَىٰكَ مَا لَیۡلَةُ ٱلۡقَدۡرِ","لَیۡلَةُ ٱلۡقَدۡرِ خَیۡرࣱ مِّنۡ أَلۡفِ شَهۡرࣲ","تَنَزَّلُ ٱلۡمَلَـٰۤىِٕكَةُ وَٱلرُّوحُ فِیهَا بِإِذۡنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمۡرࣲ","سَلَـٰمٌ هِیَ حَتَّىٰ مَطۡلَعِ ٱلۡفَجۡرِ"],"ayah":"سَلَـٰمٌ هِیَ حَتَّىٰ مَطۡلَعِ ٱلۡفَجۡرِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق