الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَلَمّا ذَهَبُوا بِهِ﴾ في الكَلامِ اخْتِصارٌ وإضْمارٌ، تَقْدِيرُهُ: فَأرْسَلَهُ مَعَهم فَلَمّا ذَهَبُوا. ﴿وَأجْمَعُوا﴾ أيْ: عَزَمُوا عَلى أنْ يَجْعَلُوهُ في غَيابَةِ الجُبِّ.
(p-١٨٩)الإشارَةُ إلى قِصَّةِ ذَهابِهِمْ
قالَ المُفَسِّرُونَ: قالُوا لِيُوسُفَ: أما تَشْتاقُ أنْ تَخْرُجَ مَعَنا فَتَلْعَبَ وتَتَصَيَّدَ ؟ قالَ: بَلى، قالُوا: فَسَلْ أباكَ أنْ يُرْسِلَكَ مَعَنا، قالَ: أفْعَلُ، فَدَخَلُوا بِجَماعَتِهِمْ عَلى يَعْقُوبَ، فَقالُوا: يا أبانا إنَّ يُوسُفَ قَدْ أحَبَّ أنْ يَخْرُجَ مَعَنا، فَقالَ: ما تَقُولُ يا بُنَيَّ ؟ قالَ: نَعَمْ يا أبَتِ قَدْ أرى مِن إخْوَتِي اللِّينَ واللُّطْفَ، فَأنا أُحِبُّ أنْ تَأْذَنَ لِي، فَأرْسَلَهُ مَعَهم، فَلَمّا أصَحَرُوا، أظْهَرُوا لَهُ ما في أنْفُسِهِمْ مِنَ العَداوَةِ، وأغْلَظُوا لَهُ القَوْلَ، وجَعَلَ يَلْجَأُ إلى هَذا، فَيَضْرِبُهُ وإلى هَذا، فَيُؤْذِيهِ، فَلَمّا فَطِنَ لِما قَدْ عَزَمُوا عَلَيْهِ، جَعَلَ يُنادِي: يا أبَتاهُ، يا يَعْقُوبُ، لَوْ رَأيْتَ يُوسُفَ وما يَنْزِلُ بِهِ مِن إخْوَتِهِ لَأحْزَنَكَ ذَلِكَ وأبْكاكَ، يا أبَتاهُ ما أسْرَعَ ما نَسُوا عَهْدَكَ، وضَيَّعُوا وصِيَّتَكَ؛ وجَعَلَ يَبْكِي بُكاءً شَدِيدًا. قالَ الضَّحّاكُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: فَأخَذَهُ رُوبِيلُ فَجَلَدَ بِهِ الأرْضَ، ثُمَّ جَثَمَ عَلى صَدْرِهِ وأرادَ قَتْلَهُ، فَقالَ لَهُ يُوسُفُ: مَهْلًا يا أخِي لا تَقْتُلْنِي، قالَ: يا ابْنَ راحِيلَ صاحِبَ الأحْلامِ، قُلْ لِرُؤْياكَ تُخَلِّصْكَ مِن أيْدِينا، ولَوى عُنُقَهُ لِيَكْسِرَها، فَنادى يُوسُفُ: يا يَهُوذا: اتَّقِ اللَّهَ فِيَّ، وخَلِّ بَيْنِي وبَيْنَ مَن يُرِيدُ قَتْلِي، فَأدْرَكَتْهُ لَهُ رَحْمَةٌ، فَقالَ: يَهُوذا: يا إخْوَتاهُ، ألا أدُلُّكم عَلى أمْرٍ هو خَيْرٌ لَكم وأرْفَقُ بِهِ ؟ قالُوا: وما ذاكَ ؟ قالَ: تُلْقُونَهُ في هَذا الجُبِّ فَيَلْتَقِطُهُ بَعْضُ السَّيّارَةِ، قالُوا: نَفْعَلُ؛ فانْطَلَقُوا بِهِ إلى الجُبِّ، فَخَلَعُوا قَمِيصَهُ، فَقالَ: يا إخْوَتاهُ لِمَ نَزَعْتُمْ قَمِيصِي ؟ رُدُّوهُ عَلَيَّ أسْتُرُ بِهِ عَوْرَتِي ويَكُونُ كَفَنًا لِي في مَماتِي؛ فَأخْرَجَ اللَّهُ لَهُ حَجَرًا في البِئْرِ مُرْتَفِعًا مِنَ الماءِ، فاسْتَقَرَّتْ عَلَيْهِ قَدَماهُ. وقالَ السُّدِّيُّ: جَعَلُوا يُدْلُونَهُ في البِئْرِ، فَيَتَعَلَّقُ بِشَفِيرِ البِئْرِ؛ فَرَبَطُوا يَدَيْهِ ونَزَعُوا قَمِيصَهُ، فَقالَ: يا إخْوَتاهُ، (p-١٩٠)رَدُّوا عَلَيَّ قَمِيصِي أتَوارى بِهِ، فَقالُوا: ادْعُ الشَّمْسَ والقَمَرَ والأحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا فَدَلَّوْهُ في البِئْرِ، حَتّى إذا بَلَغَ نِصْفَها ألْقَوْهُ إرادَةَ أنْ يَمُوتَ، فَكانَ في البِئْرِ ماءٌ فَسَقَطَ فِيهِ، ثُمَّ أوى إلى صَخْرَةٍ فِيها فَقامَ عَلَيْها؛ فَلَمّا ألْقَوْهُ في الجُبِّ جَعَلَ يَبْكِي، فَنادَوْهُ فَظَنَّ أنَّها رَحْمَةٌ أدْرَكَتْهم فَأجابَهم، فَأرادُوا أنْ يَرْضَخُوهُ بِصَخْرَةٍ، فَمَنَعَهم يَهُوذا، وكانَ يَهُوذا يَأْتِيهِ بِالطَّعامِ. وقالَ كَعْبٌ: جَمَعُوا يَدَيْهِ إلى عُنُقِهِ ونَزَعُوا قَمِيصَهُ، فَبَعَثَ اللَّهُ إلَيْهِ مَلَكًا، فَحَلَّ عَنْهُ وأخْرَجَ لَهُ حَجْرًا مِنَ الماءِ، فَقَعَدَ عَلَيْهِ؛ وكانَ يَعْقُوبُ قَدْ أدْرَجَ قَمِيصَ إبْراهِيمَ الَّذِي كَساهُ اللَّهُ إيّاهُ يَوْمَ أُلْقِيَ في النّارِ في قَصَبَةٍ، وجَعَلَها في عُنُقِ يُوسُفَ، فَألْبَسَهُ إيّاهُ المَلَكُ حِينَئِذٍ، وأضاءَ لَهُ الجُبُّ. وقالَ الحَسَنُ: أُلْقِيَ في الجُبِّ فَعَذُبَ ماؤُهُ، فَكانَ يُغْنِيهِ عَنِ الطَّعامِ والشَّرابِ؛ ودَخَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ، فَأنِسَ بِهِ، فَلَمّا أمْسى، نَهَضَ جِبْرِيلُ لِيَذْهَبَ، فَقالَ لَهُ يُوسُفُ: إنَّكَ إذا خَرَجْتَ عَنِّي اسْتَوْحَشْتُ، فَقالَ: إذا رَهِبْتَ شَيْئًا فَقُلْ: يا صَرِيخَ المُسْتَصْرِخِينَ، ويا غَوْثَ المُسْتَغِيثِينَ، ويا مُفَرِّجَ كَرْبِ المَكْرُوبِينَ، قَدْ تَرى مَكانِي وتَعَلَمُ حالِي ولا يَخْفى عَلَيْكَ شَيْءٌ مِن أمْرِي. فَلَمّا قالَها حَفَّتْهُ المَلائِكَةُ، فاسْتَأْنَسَ في الجُبِّ ومَكَثَ فِيهِ ثَلاثَةَ أيّامٍ، وكانَ إخْوَتُهُ يَرْعَوْنَ حَوْلَ الجُبِّ. وقالَ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الطّائِفِيُّ: لَمّا أُلْقِيَ يُوسُفُ في الجُبِّ، قالَ: يا شاهِدًا غَيْرَ غائِبٍ، ويا قَرِيبًا غَيْرَ بَعِيدٍ، ويا غالِبًا غَيْرَ مَغْلُوبٍ، اجْعَلْ لِي فَرَجًا مِمّا أنا فِيهِ؛ قالَ: فَما باتَ فِيهِ.
وَفِي مِقْدارِ سِنِّهِ حِينَ أُلْقِيَ في الجُبِّ أرْبَعَةُ أقْوالٍ:
أحَدُها: اثْنَتا عَشْرَةَ سَنَةً، قالَهُ الحَسَنُ. والثّانِي: سِتُّ سِنِينَ، قالَهُ الضَّحّاكُ. والثّالِثُ: سَبْعَ عَشْرَةَ، قالَهُ ابْنُ السّائِبِ، ورُوِيَ عَنِ الحَسَنِ أيْضًا. والرّابِعُ: ثَمانِي عَشْرَةَ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَأوْحَيْنا إلَيْهِ﴾ فِيهِ قَوْلانِ:
(p-١٩١)أحَدُهُما: أنَّهُ إلْهامٌ، قالَهُ أبُو صالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ. والثّانِي: أنَّهُ وحْيٌ حَقِيقَةً.
قالَ المُفَسِّرُونَ: أُوحِيَ إلَيْهِ لَتُخْبِرَنَّ إخْوَتَكَ بِأمْرِهِمْ، أيْ: بِما صَنَعُوا بِكَ وأنْتَ عالٍ عَلَيْهِمْ.
وَفِي قَوْلِهِ: ﴿وَهم لا يَشْعُرُونَ﴾ قَوْلانِ:
أحَدُهُما: لا يَشْعُرُونَ أنَّكَ يُوسُفُ وقْتَ إخْبارِكَ لَهم، قالَهُ أبُو صالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وبِهِ قالَ مُقاتِلٌ.
والثّانِي: لا يَشْعُرُونَ بِالوَحْيِ، قالَهُ مُجاهِدٌ، وقَتادَةُ، وابْنُ زَيْدٍ. فَعَلى الأوَّلِ يَكُونُ الكَلامُ مِن صِلَةِ " لَتُنَبِئَنَّهم "؛ وعَلى الثّانِي مِن صِلَةِ ﴿وَأوْحَيْنا إلَيْهِ﴾ . قالَ حُمَيْدٌ: قُلْتُ لِلْحَسَنِ: أيَحْسُدُ المُؤْمِنُ المُؤْمِنَ ؟ قالَ: لا أبا لَكَ، ما نَسّاكَ بَنِي يَعْقُوبَ ؟
{"ayah":"فَلَمَّا ذَهَبُوا۟ بِهِۦ وَأَجۡمَعُوۤا۟ أَن یَجۡعَلُوهُ فِی غَیَـٰبَتِ ٱلۡجُبِّۚ وَأَوۡحَیۡنَاۤ إِلَیۡهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمۡرِهِمۡ هَـٰذَا وَهُمۡ لَا یَشۡعُرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق