الباحث القرآني
﴿فَلَمَّا ذَهَبُوا۟ بِهِۦ وَأَجۡمَعُوۤا۟ أَن یَجۡعَلُوهُ فِی غَیَـٰبَتِ ٱلۡجُبِّۚ﴾ - تفسير
٣٦٨٣٧- قال وهب بن مُنَبِّه: إنّهم أخذوا يوسف ﵇ بغاية الإكرام، وجعلوا يحملونه، فلمّا بَرَزُوا إلى البَرِّيَّة ألقوه، وجعلوا يضربونه، فإذا ضربه واحدٌ منهم اسْتَغاثَ بالآخَر فضَرَبَه الآخَر، فجعل لا يرى منهم رحيمًا، فضربوه حتى كادوا يقتلونه وهو يصيح: يا أبتاه، لو تعلمُ ما يَصْنَعُ بابنِك بنو الإماء. فلمّا كادوا أن يقتلوه قال لهم يهوذا: أليس قد أعطيتموني موثِقًا أن لا تقتلوه؟! فانطلقوا به إلى الجُبِّ لِيطرحوه فيه، وكان ابن اثنتي عشرة سنة -وقيل: ثماني عشرة سنة-، فجاؤُوا به إلى بئرٍ على غير الطريق، واسِعَةَ الأسفل، ضَيِّقَةَ الرأسِ، فجعلوا يدلونه في البئر فيَتَعَلَّق بشَفِير البئر، فرَبَطوا يديه، ونزعوا قميصَه، فقال: يا إخوتاه، رُدُّوا عَلَيَّ القميصَ أتَوارى به في الجُبِّ. فقالوا: ادعُ الشمسَ والقمرَ والكواكبَ تُوارِيك. قال: إنِّي لم أر شيئًا. فألقَوْه فيها. وقيل: جعلوه في دَلْوٍ، وأرسلوه فيها، حتى إذا بلغ نصفَها ألقوه؛ إرادةَ أن يموت، فكان في البئر ماءٌ، فسَقَط فيه، ثم أوى إلى صخرة فيها، فقام عليها[[تفسير البغوي ٤/٢٢١.]]. (ز)
٣٦٨٣٨- عن إسماعيل السُّدِّيّ -من طريق أسباط- قال: فلمّا أجمعوا أمرَهم على ذلك أتَوا أباهم، فقالوا: ﴿يا أبانا ما لك لا تَأمَنّا على يوسف﴾. قال: لن أُرْسِلَه معكم؛ إني ﴿أخاف أن يأكُلَه الذئب وأنتم عنه غافلون*قالوا لئن أكله الذئب ونحن عُصْبَةٌ إنا إذا لخاسرون﴾. فأَرسَلَه معهم، فأخرَجوه وبه عليه كرامة، فلمّا بَرَزوا به إلى البَرِّيَّةِ أظهَروا له العداوة، فجعَل يضرِبُه أحدُهم، فيستغيث بالآخر فيضربه، فجعل لا يرى منهم رحيمًا، فضربوه حتى كادوا يقتُلونه، فجعل يصيح ويقول: يا أبتاه، يا يعقوب، لو تعلم ما صنَع بابنِك بنو الإماء. فلمّا كادوا يقتلونه قال يهوذا: أليس قد أعطيتُموني موثِقًا ألّا تقتلوه؟! فانطلقوا به إلى الجُبِّ لِيَطرَحوه فيه، فجعلوا يُدْلُونه في البئر، فيتعلق بشفير البئر، فربطوا يديه، ونزعوا قميصه، فقال: يا إخوتاه، رُدُّوا علىَّ قميصي أتوارى به في الجُبِّ. فقالوا له: ادْعُ الأحدَ عشرَ كوكبًا والشمس والقمر يُؤْنِسوك. قال: فإنِّي لم أر شيئًا. فدَلَّوه في البئر حتى إذا بلغ نصفها ألْقَوْه إرادةَ أن يموت، فكان في البئر ماءٌ، فسقط فيه، فلم يَضُرَّه، ثم أوى إلى صخرة في البئر، فقام عليها، فجعل يبكي، فناداه إخوته، فظنَّ أنها رِقَّةٌ أدْرَكَتْهم، فأجابهم، فأرادوا أن يَرْضَخوه بصخرة فيقتلوه، فقام يهوذا فمَنَعَهُم، وقال: قد أعْطيتُموني مَوثِقًا ألّا تقتلوه. فكان يهوذا يأتيه بالطعام[[أخرجه ابن أبي حاتم ٧/٢١٠٨-٢١٠٩. وعزاه السيوطي إلى ابن جرير.]]. (٨/١٨٦-١٨٧)
٣٦٨٣٩- قال مقاتل بن سليمان: ﴿فلما ذهبوا به بيوسف وأجمعوا﴾ أمرَهم ﴿أن يجعلوه في غيابت الجب﴾، على رأس ثلاثة فراسخ، فألقوه في الجُبِّ، والماءٌ يومئذ كَدِرٌ غليظ، فعَذُب الماءُ وصفا حين أُلْقِي فيه، وقام على صخرة في قاصِيَةِ البئر، فوَكَّل اللهُ به مَلَكًا يحرسه في الجُبِّ، ويُطْعِمه[[تفسير مقاتل بن سليمان ٢/٣٢١.]]. (ز)
﴿وَأَوۡحَیۡنَاۤ إِلَیۡهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمۡرِهِمۡ هَـٰذَا وَهُمۡ لَا یَشۡعُرُونَ ١٥﴾ - تفسير
٣٦٨٤٠- عن عبد الله بن عباس -من طريق ابن الحُوَيْرِث- في قوله: ﴿وهم لا يشعرون﴾، قال: لم يعلموا بوَحْي الله إليه[[أخرجه ابن أبي حاتم ٧/٢١٠٩-٢١١٠. وعزاه السيوطي إلى أبي الشيخ.]]. (٨/٢٠٥)
٣٦٨٤١- عن عبد الله بن عباس -من طريق عبادة الأسدي- قال: لَمّا دخل إخوة يوسف على يوسف فعرفهم وهم له منكرون؛ جِيءَ بالصُّواع، فوضَعه على يده، ثم نَقَرَه، فطَنَّ، فقال: إنّه ليُخْبِرُني هذا الجامُ أنّه كان لكم أخٌ مِن أبيكم يُقال له: يوسف، يُدنيه دونكم، وأنّكم انطلقتم به، فألْقَيتُموه في غيابة الجب، فأتيتم أباكم، فقلتم: إنّ الذئبَ أكله، وجئتم على قميصه بدم كذب. فقال بعضهم لبعض: إنّ هذا الجام لَيُخْبِرُه خبركم. قال ابن عباس: فلا نرى هذه الآيةَ نزلت إلا في ذلك: ﴿لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون﴾[[أخرجه ابن جرير ١٣/٣٣، وابن أبي حاتم ٧/٢١٦٢.]]. (٨/٢٠٥)
٣٦٨٤٢- عن مجاهد بن جبر -من طريق ابن أبي نَجِيح- في قوله: ﴿وأوحينا إليه﴾ الآية، قال: أُوحِي إلى يوسف ﵇ وهو في الجُبِّ: لَتُنَبِّئَنَّ إخوتك بما صنعوا، ﴿وهم لا يشعرون﴾ بذلك الوحي[[أخرجه ابن جرير ١٣/٣١-٣٢، وابن أبي حاتم ٧/٢١٠٩. وعزاه السيوطي إلى ابن المنذر، وأبي الشيخ.]]. (٨/٢٠٥)
٣٦٨٤٣- عن قتادة بن دعامة -من طريق مَعْمَر- في قوله: ﴿وأوحينا إليه﴾ الآية، قال: أوحى الله إليه وحيًا وهو في الجُبِّ: أن سَيُنَبِّئُهم بما صنعوا، ﴿وهم﴾ أي: إخوته ﴿لا يشعرون﴾ بذلك الوحي، فهَوَّن ذلك الوحيُ عليه ما صُنِع به[[أخرجه عبد الرزاق ١/٣١٨، وابن جرير ١٣/٣١-٣٢، وابن أبي حاتم ٧/٢١٠٩. وعزاه السيوطي إلى ابن المنذر، وأبي الشيخ.]]. (٨/٢٠٥)
٣٦٨٤٤- قال قتادة بن دعامة، في قوله: ﴿وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا﴾: أتاه وحيُ اللهِ وهو في البِئر بما يريدون أن يفعلوا به، ﴿وهم لا يشعرون﴾ بما أطْلَع اللهُ عليه يوسفَ مِن أمرهم[[تفسير ابن أبي زمنين ٢/٣١٨.]]٣٣٢١. (ز)
٣٦٨٤٥- قال مقاتل بن سليمان: ﴿وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون﴾، وذلك أنّ الله أوحى إلى يوسف ﵇ بعد ما انصرَفَ إخوتُه: أنّك سَتُخْبِرُ إخوتَك بأمرهم هذا الذي رَكِبوا منك. ثم قال: ﴿وهم لا يشعرون﴾ أنّك يوسف حين تُخْبِرهم. فأنبأهم يوسفُ بعد ذلك حين قال لهم، وضرب الإناء، فقال: إنّ الإناء لَيُخْبِرُني بما فعلتم بيوسف مِن الشَّرِّ ونزع الثِّياب. عن الهُذَيْلِ، عن مُقاتِل، في قوله: ﴿وأَوْحَيْنا إلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذا وهُمْ لا يَشْعُرُونَ﴾، قال: لا يشعرون أنّك يوسف. قال: وذلك أنّ يوسف لَمّا استخرج الصّاع مِن وِعاء أخيه بنيامين قطع بالقوم، وتَحَيَّروا، فأحضرهم، وأخذ بنيامين مكان سرقته، ثُمَّ تقدم إلى أمينه. فقال له: أحضِرِ الصاعَ إذا حضروا، وانقره ثلاث نقرات، واستمع طنين كُلَّ نَقْرَةٍ حتى تسكن، ثُمَّ قل في النقرة الأولى كذا، وفي الثانية كذا، وفي الثالثة كذا، وأَوْهِمْهُم أنّك إنّما تخبرني عن شيء تفهمه مِن طنين الصّاع. قال: فأَمَرَ بهم، فجُمِعوا، ثم قال يوسف للذي استخرج الصاع -وهو أمينه-: أحضِرِ الصاعَ الذي سرقوه، وتقدَّم إليه ألّا يكتمَنا مِن أخبارهم شيئًا، فإنّه غضبان عليهم، ويُوشك أن يصدق عنهم. قال: فأحضره والقوم، وقال له الأمين: أيُّها الصاع، إنّ الملِك يأمرك أن تُبَيِّن له أمرَ هؤلاء القوم، ولا تكتمه شيئًا مِن أمرهم، ثُمَّ نقره نقرة شديدة، وأصغى إليه، يسمعه كأنّه يستمع منه شيئًا، فقال: أيُّها الملك، إنّ الصاع يقول لك: إنّهم أخبروك أنّهم لِأُمٍّ واحدة، وإنّهم لِأُمَّهاتٍ شَتّى، ولذلك وقع بينهم ما يقع بين الأولاد العُتاة. قال: قل له: لا يكتمنا مِن أخبارهم شيئًا. ثُمَّ نقره الثانية، وأصغى إليه يسمعه، فلمّا سكن قال: أيُّها الملك، إنّهم أخبروك أنّ لهم أخًا مفقودًا، ولن تَنصَرِم الأيامُ والليالي حتى يأتي ذلك الغلام، فيتبين الناسُ أخبارَهم. قال: مُرْه ألّا يكتمنا مِن أخبارهم شيئًا. قال: فطَنَّ الثالثة، فلمّا سَكَن قال: أيُّها الملِك، إنّه ما دخل على أبيهم غَمٌّ ولا هَمٌّ ولا حَزَنٌ إلا بسببهم وجرائِرِهم. قال: أوْعِزْ إليه ألّا يكتمنا مِن أخبارهم شيئًا. قال: فنَظَر بعضُهم إلى بعض، وخافوا أن يُظْهِر عليهم ما كتموه مِن أمر يوسف ﵇، فقاموا إليه بجمعهم يُقَبِّلون رأسه وعينيه، ويقولون: بِالذي أشبهك بالنبِيِّين، وفضَّلَك على العالمين، ألا أقَلْتَ العَثْرَةَ، وسَتَرْتَ العَوْرَةَ، وحَفِظْتَنا في أبينا يعقوب. فرَقَّ لهم، وقال: لولا حفاظي لكم في أبيكم لَنَكَّلْتُ بكم، ولَأَلْحَقْتُكم بالسُّرّاق واللُّصُوص، اعزُبُوا عنِّي، فلا حاجة لي فيكم. قال: فلمّا قدموا على أبيهم أخبروه بأخبارهم، قال: فرَدَّهم بالبضاعة المزجاة، وكتب معهم كتابًا إليه، فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، مِن يعقوب إسرائيل الله ابن إسحاق ذبيح الله ابن إبراهيم خليل الله، إلى عزيز مصر، سلامٌ على مَنِ اتَّبع الهُدى، أمّا بعدُ: فإنِّي ما سرقتُ، ولا ولدتُ سارِقًا، ولَكِنّا أهلُ بيتٍ البلاء مُوَكَّل بنا؛ أمّا جَدِّي فأُلْقِي في النار، فجعلها الله عليه بردًا وسلامًا، وأما أبي فأُضْجِع للذَّبح ففداه الله بذِبح عظيم، وأمّا أنا فبُلِيتُ بفقد حبيبي وقُرَّةِ عيني يوسف. قال: فلمّا وصلوا إليه أوصلوا كتابه، فلمّا قرأ كتابه انتحَبَ، فقيل له: كأنّك صاحب الكتاب. قال: أجل. فذلك قوله: ﴿لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون﴾، ثُمَّ تَعَرَّف إليهم، فعرفوه[[تفسير مقاتل بن سليمان ٢/٣٢٢-٢٢٤.]]. (ز)
٣٦٨٤٦- عن عبد الملك ابن جُرَيْج -من طريق حجّاج- في قوله: ﴿وهم لا يشعرون﴾، يقول: لا يشعرون أنّه يوسف[[أخرجه ابن جرير ١٣/٣٣.]]٣٣٢٢. (٨/٢٠٥)
٣٦٨٤٧- عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، في قوله: ﴿وهم لا يشعرون﴾، قال: لا يشعرون أنّه أُوحِي إليه[[عزاه السيوطي إلى ابن جرير.]]٣٣٢٣. (٨/٢٠٥)
﴿وَأَوۡحَیۡنَاۤ إِلَیۡهِ لَتُنَبِّئَنَّهُم بِأَمۡرِهِمۡ هَـٰذَا وَهُمۡ لَا یَشۡعُرُونَ ١٥﴾ - آثار متعلقة بالآية
٣٦٨٤٨- عن ابن عمر، قال: قال رسول الله ﷺ: «لَمّا أُلْقِي يوسفُ في الجُبِّ أتاه جبريل ﵇، فقال له: يا غلامُ، مَن ألقاك في هذا الجُبِّ؟ قال: إخوتي. قال: ولِم؟ قال: لِمَودَّة أبي إيّاي حسدوني. قال: تريد الخروج مِن هاهنا؟ قال: ذاك إلى إلَه يعقوب. قال: قُل: اللَّهُمَّ، إنِّي أسألك باسمك المخزون والمكنون، يا بديع السماوات والأرض، يا ذا الجلال والإكرام؛ أن تغفر لي وترحمني، وأن تجعل لي مِن أمري فرجًا ومخرجًا، وأن ترزقني مِن حيث أحتسب، ومِن حيث لا أحتسب. فقالها، فجعل الله له مِن أمره فرجًا ومخرجًا، ورزقه مُلْكَ مصرَ مِن حيث لا يحتسب». فقال النبيُّ ﷺ: «ألِظُّوا بهؤلاء الكلمات؛ فإنّهُنَّ دعاء المصطفين الأخيار»[[عزاه السيوطي إلى ابن مردويه.]]. (٨/٢٠٦)
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.