الباحث القرآني

فَكَأنَّهُ قِيلَ: إنَّ هَذا الكَيْدَ عَظِيمٌ وخَطْبٌ جَسِيمٌ، فَما فَعَلَ أبُوهُمْ؟ فَقِيلَ: أجابَهم إلى سُؤْلِهِمْ فَأرْسَلَهُ مَعَهم ﴿فَلَمّا ذَهَبُوا﴾ مُلْصِقِينِ ذَهابَهم ﴿بِهِ وأجْمَعُوا﴾ أيْ: كُلُّهُمْ، وأجْمَعَ كُلُّ [واحِدٍ] مِنهم بِأنْ عَزَمَ عَزْمًا صادِقًا؛ والإجْماعُ عَلى الفِعْلِ: العَزْمُ عَلَيْهِ بِاجْتِماعِ الدَّواعِي كُلِّها ﴿أنْ يَجْعَلُوهُ﴾ والجَعْلُ: إيجادٌ ما بِهِ يَصِيرُ الشَّيْءُ عَلى خِلافِ ما كانَ عَلَيْهِ، ونَظِيرُهُ التَّصْيِيرُ والعَمَلُ ﴿فِي غَيابَتِ الجُبِّ﴾ فَعَلُوا ذَلِكَ مِن غَيْرِ مانِعٍ، ولَكِنْ لَمّا كانَ هَذا الجَوابُ في غايَةِ الوُضُوحِ لِدَلالَةِ الحالِ عَلَيْهِ تُرِكَ لِأنَّهم إذا أجْمَعُوا عَلَيْهِ عَلِمَ أنَّهم لا مانِعَ لَهم مِنهُ؛ ثُمَّ عَطَفَ عَلى هَذا الجَوابِ المَحْذُوفِ لِكَوْنِهِ في قُوَّةِ المَلْفُوظِ قَوْلُهُ: ﴿وأوْحَيْنا﴾ أيْ بِما لَنا مِنَ العَظَمَةِ ﴿إلَيْهِ﴾ أيْ: إلى يُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ. ولَمّا كانَ في حالِ النَّجاةِ مِنها بَعِيدَةٌ جِدًّا، أكَّدَ لَهُ قَوْلُهُ: (p-٢٩)﴿لَتُنَبِّئَنَّهُمْ﴾ أيْ لِتُخْبِرْنَهم إخْبارًا عَظِيمًا عَلى وجْهٍ يَقِلُّ وُجُودُ مَثَلِهِ في الجَلالَةِ ﴿بِأمْرِهِمْ هَذا﴾ أيِ الَّذِي فَعَلُوهُ بِكَ ﴿وهم لا يَشْعُرُونَ﴾ - لِعُلُوِّ شَأْنِكَ وكِبَرِ سُلْطانِكَ وبُعْدَ حالِكَ عَنْ أوْهامِهِمْ، ولِطُولِ العَهْدِ المُبْدِلِ لِلْهَيْئاتِ المُغَيِّرِ لِلصُّوَرِ والأشْكالِ - أنَّكَ يُوسُفُ - قالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما والحَسَنُ وابْنُ جُرَيْجٍ عَلى ما نَقَلَهُ الرُّمانِيُّ؛ والشُّعُورُ: إدْراكُ الشَّيْءِ مِثْلُ الشَّعْرَةِ في الدِّقَّةِ، ومِنهُ المَشاعِرُ في البَدَنِ، وكانَ يُوسُفُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ حِينَ ألْقَوْهُ في الجُبِّ ابْنَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً - قالَهُ الحَسَنُ، قالُوا: وتَصْدِيقُ هَذا أنَّهم لَمّا دَخَلُوا عَلَيْهِ مُمْتارِينَ دَعا بِالصُّواعِ فَوَضَعَهُ عَلى يَدَيْهِ ثُمَّ نُقِرُّهُ فَطِنَ، فَقالَ: إنَّهُ لَيُخْبِرُنِي هَذا الجامُ أنَّهُ كانَ لَكم أخٌ مِن أبِيكم يُقالُ لَهُ يُوسُفُ، وكانَ أبُوكم يُدْنِيهُ دُونَكُمْ، وأنَّكُمُ انْطَلَقْتُمْ بِهِ وألْقَيْتُمُوهُ في [غَيابَةِ -] الجُبِّ وقُلْتُمْ لِأبِيكُمْ: أكَلَهُ الذِّئْبُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب