الباحث القرآني

القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ﴾ قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: ﴿ومنهم أميون﴾ ، ومن هؤلاء -اليهود الذين قص الله قصصهم في هذه الآيات، وأيأس أصحاب رسول الله ﷺ من إيمانهم فقال لهم: أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله، ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه، وهم إذا لقوكم قالوا: آمنا، كما:- ١٣٥٢ - حدثنا المثنى قال، حدثنا آدم قال، حدثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية: ﴿ومنهم أميون﴾ ، يعني: من اليهود. ١٣٥٣ - وحُدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع مثله. ١٣٥٤ - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: ﴿ومنهم أميون﴾ ، قال: أناس من يهود. * * * قال أبو جعفر: يعني بـ "الأميين"، الذين لا يكتبون ولا يقرءون. ومنه قول النبي ﷺ:"إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب" [[الحديث: ١٣٥٥ - هو حديث صحيح. ورواه البخاري ٤: ١٠٨ - ١٠٩ (من الفتح) ، ورواه أيضًا مسلم وأبو داود والنسائي، كما في الجامع الصغير للسيوطي، رقم: ٢٥٢١.]] يقال منه:"رجل أمي بين الأمية". [[كان في المطبوعة: "أي بين الأمية"، فحذفت"أي"، فليس ذلك مما يقال.]] كما:- ١٣٥٦ - حدثني المثنى قال، حدثني سويد بن نصر قال، أخبرنا ابن المبارك، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم: ﴿ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب﴾ ، قال: منهم من لا يحسن أن يكتب. [[قوله "لا يحسن أن يكتب" نفى لمعرفة الكتابة، لا لجودة معرفة الكتابة، كما يسبق إلى الوهم. وقديما قام بعض أساتذتنا يدعي أن رسول الله ﷺ، كان يعرف الكتابة، ولكنة لا يحسنها، لخبر استدل به هو - أو اتبع فيه من استدل به من أعاجم المستشرقين - وهو ما جاء في تاريخ الطبري ٣: ٨٠ في شرح قصة الحديبية، حين جاء سهيل بن عمرو، لكتابة الصلح. روى الطبري عن البراء بن عازب قال:".. فلما كتب الكتاب، كتب:"هذا ما تقاضى عليه محمد رسول الله"، فقالوا لو نعلم أنك رسول الله ما منعناك، ولكن أنت محمد بن عبد الله. قال: أنا رسول الله، وأنا محمد بن عبد الله. قال لعلي: امح"رسول الله". قال: لا والله لا أمحاك أبدا. فأخذه رسول الله وليس يحسن يكتب: "فكتب مكان "رسول الله" "محمد"، فكتب: " هذا ما قاضى عليه محمد". فظن أولا أن ضمير الفاعل في قوله "فكتب مكان "رسول الله" - محمد"، هو رسول الله صلى الله عليه. وليس كذلك بل هو: علي بن أبي طالب الكاتب. وفي الكلام اختصار، فإنه لما أمر عليا أن يمحو الكتاب فأبى، أخذه رسول الله، وليس يحسن يكتب، فمحاه. وتفسير ذلك قد أتى في حديث البخاري عن البراء بن عازب أيضًا ٣: ١٨٤:"فقال لعلى" امحه. فقال على: ما أنا بالذي أمحاه فمحاه رسول الله صلى عليه وسلم بيده".وأخرى أنه أخطأ في معنى"يحسن"، فإنها هنا بمعنى"يعلم"، وهو أدب حسن في العبارة، حتى لا ينفي عنه العلم، وقد جاء في تفسير الطبري ٢١: ٦ في تفسير قوله تعالى:"أحسن كل شيء خلقه"، ما نصه:"معنى ذلك: أعلم كل شيء خلقه. كأنهم وجهوا تأويل الكلام إلى أنه ألهم كل خلقه ما يحتاجون إليه. وأنه قوله:"أحسن"، إنما هو من قول القائل:"فلا يحسن كذا"، إذا كان يعلمه". هذا، والعرب تتأدب بمثل هذا، فتضع اللفظ مكان اللفظ؛ وتبطل بعض معناه، ليكون تنزيها للسان، أو تكرمه للذي تخبر عنه. فمعنى قوله:"ليس يحسن يكتب"، أي ليس يعرف يكتب. وقد أطال السهيلي في الروض الأنف ١: ٢٣٠ بكلام ليس يغني في تفسير هذا الكلمة.]] ١٣٥٧ - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: ﴿ومنهم أميون﴾ قال: أميون لا يقرءون الكتاب من اليهود. * * * وروي عن ابن عباس قول خلاف هذا القول، وهو ما:- ١٣٥٨ - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عثمان بن سعيد، عن بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس: ﴿ومنهم أميون﴾ ، قال: الأميون قوم لم يصدقوا رسولا أرسله الله، ولا كتابا أنزله الله، فكتبوا كتابا بأيديهم، ثم قالوا لقوم سِفلة جهال: هذا من عند الله. وقال: قد أخبر أنهم يكتبون بأيديهم، ثم سماهم أميين، لجحودهم كتب الله ورسله. [[قال ابن كثير في تفسيره ١: ٢١٥، وساق الخبر وكلام الطبري، ثم قال: "قلت: في صحة هذا عن ابن عباس - بهذا الإسناد - نظر، والله أعلم".]] * * * قال أبو جعفر: وهذا التأويل تأويل على خلاف ما يعرف من كلام العرب المستفيض بينهم، وذلك أن"الأمي" عند العرب: هو الذي لا يكتب. * * * قال أبو جعفر: وأرى أنه قيل للأمي"أمي"؛ نسبة له بأنه لا يكتب إلى"أمه"، لأن الكتاب كان في الرجال دون النساء، فنسب من لا يكتب ولا يخط من الرجال -إلى أمه- في جهله بالكتابة، دون أبيه، كما ذكرنا عن النبي ﷺ من قوله:"إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب"، وكما قال: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾ [الجمعة: ٢] . [[اقتصر في المطبوعة على قوله: "رسولا منهم"، وأتممت الآية، لأنه يستدل بها على أنه جاء يعلم الأمين"الكتاب".]] فإذا كان معنى"الأمي" في كلام العرب ما وصفنا، فالذي هو أولى بتأويل الآية ما قاله النخعي، من أن معنى قوله: ﴿ومنهم أميون﴾ : ومنهم من لا يحسن أن يكتب. * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلا أَمَانِيَّ﴾ قال أبو جعفر: يعني بقوله: ﴿لا يعلمون الكتاب﴾ ، لا يعلمون ما في الكتاب الذي أنزله الله، ولا يدرون ما أودعه الله من حدوده وأحكامه وفرائضه، كهيئة البهائم، كالذي:- ١٣٥٩ - حدثني الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله، ﴿ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني﴾ : إنما هم أمثال البهائم، لا يعلمون شيئا. ١٣٦٠ - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: ﴿لا يعلمون الكتاب﴾ ، يقول: لا يعلمون الكتاب ولا يدرون ما فيه. ١٣٦١ - حدثني المثنى قال، حدثنا آدم قال، حدثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية: ﴿لا يعلمون الكتاب﴾ لا يدرون ما فيه. ١٣٦٢ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمد بن أبي محمد، عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: ﴿لا يعلمون الكتاب﴾ قال: لا يدرون بما فيه. ١٣٦٣ - حدثنا يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: ﴿لا يعلمون الكتاب﴾ ، لا يعلمون شيئا، لا يقرءون التوراة. ليست تستظهر، إنما تقرأ هكذا. فإذا لم يكتب أحدهم، لم يستطع أن يقرأ. [[الأثر: ١٣٦٣ - كان في المطبوعة: "حدثنا بشر قال أخبرنا ابن وهب. . "، وهو سهو من الناسخ، والإسناد كثير الدوران في التفسير، أقربه رقم ١٣٥٧.]] ١٣٦٤ - حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عثمان بن سعيد، عن بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس في قوله، ﴿لا يعلمون الكتاب﴾ ، قال: لا يعرفون الكتاب الذي أنزله الله. * * * قال أبو جعفر: وإنما عني بـ "الكتاب": التوراة، ولذلك أدخلت فيه "الألف واللام" لأنه قصد به كتاب معروف بعينه. * * * ومعناه: ومنهم فريق لا يكتبون، ولا يدرون ما في الكتاب الذي عرفتموه الذي هو عندهم - وهم ينتحلونه ويدعون الإقرار به - من أحكام الله وفرائضه، وما فيه من حدوده التي بينها فيه. [واختلف أهل التأويل في تأويل قوله] [[ما بين القوسين زيادة يقتضيها الكلام. وكأن الناسخ سها فأغفلها.]] ﴿إلا أماني﴾ فقال بعضهم بما:- ١٣٦٥ - حدثنا به أبو كريب قال، حدثنا عثمان بن سعيد، عن بشر بن عمارة، عن أبي روق، عن الضحاك، عن ابن عباس: ﴿إلا أماني﴾ ، يقول: إلا قولا يقولونه بأفواههم كذبا. ١٣٦٦ - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ﴿لا يعلمون الكتاب إلا أماني﴾ : إلا كذبا. ١٣٦٧ - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله. * * * وقال آخرون بما:- ١٣٦٨ - حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: ﴿إلا أماني﴾ ، يقول: يتمنون على الله ما ليس لهم. ١٣٦٩ - حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة: ﴿إلا أماني﴾ ، يقول: يتمنون على الله الباطل وما ليس لهم. ١٣٧٠ - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو صالح، [عن معاوية بن صالح] ، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: ﴿لا يعلمون الكتاب إلا أماني﴾ ، يقول: إلا أحاديث. ١٣٧١ - حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: ﴿ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني﴾ ، قال: أناس من يهود لم يكونوا يعلمون من الكتاب شيئا، وكانوا يتكلمون بالظن بغير ما في كتاب الله، ويقولون: هو من الكتاب. أماني يتمنونها. ١٣٧٢ - حدثنا المثنى قال، حدثنا آدم قال، حدثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية: ﴿إلا أماني﴾ ، يتمنون على الله ما ليس لهم. ١٣٧٣ - حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: ﴿إلا أماني﴾ ، قال: تمنوا فقالوا: نحن من أهل الكتاب. وليسوا منهم. * * * قال أبو جعفر: وأولى ما روينا في تأويل قوله: ﴿إلا أماني﴾ ، بالحق، وأشبهه بالصواب، الذي قاله ابن عباس - الذي رواه عنه الضحاك - وقول مجاهد: إن"الأميين" الذين وصفهم الله بما وصفهم به في هذه الآية، أنهم لا يفقهون من الكتاب الذي أنزله الله على موسى شيئا، ولكنهم يتخرصون الكذب ويتقولون الأباطيل كذبا وزورا. [[في المطبوعة: "وأنهم لا يفقهون" بزيادة الواو، وهو خطأ لا يستقيم، والصواب ما أثبته من ابن كثير ١: ٢١٦.]] * * * و"التمني" في هذا الموضع، هو تخلق الكذب وتخرصه وافتعاله. يقال منه:"تمنيت كذا"، إذا افتعلته وتخرصته. ومنه الخبر الذي روي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه:"ما تغنيت ولا تمنيت"، [[في الفائق ١: ١٦٣ عن عثمان رضي الله عنه: "قد اختبأت عند الله خصالا: إني لرابع الإسلام، وزوجني رسول الله ﷺ ابنته ثم ابنته، وبايعته بيدي هذه اليمنى فما مسست بها ذكرى، وما تغنيت ولا تمنيت، ولا شربت خمرا في جاهلية ولا إسلام". وروى الطبري في تاريخه في خبر مقتله رضي الله عنه ٥: ١٣٠، أن الرجل الذي انتدب لقتله دخل عليه فقال له: "اخلعها وندعك. فقال: ويحك! ما كشفت امرأة في جاهلية ولا إسلام، ولا تغنيت ولا تمنيت، ولا وضعت يميني على عورتي منذ بايعت رسول الله ﷺ، ولست خالعا قميصا كسانيه الله عز وجل".]] يعني بقوله:"ما تمنيت"، ما تخرصت الباطل، ولا اختلقت الكذب والإفك. * * * والذي يدل على صحة ما قلنا في ذلك - وأنه أولى بتأويل قوله: ﴿إلا أماني﴾ من غيره من الأقوال - قول الله جل ثناؤه: ﴿وإن هم إلا يظنون﴾ . فأخبر عنهم جل ثناؤه أنهم يتمنون ما يتمنون من الأكاذيب، ظنا منهم لا يقينا. ولو كان معني ذلك أنهم"يتلونه"، لم يكونوا ظانين، وكذلك لو كان معناه:"يشتهونه". لأن الذي يتلوه، إذا تدبره علمه. ولا يستحق - الذي يتلو كتابا قرأه، وإن لم يتدبره بتركه التدبر أن يقال: هو ظان لما يتلو، إلا أن يكون شاكا في نفس ما يتلوه، لا يدري أحق هو أم باطل. ولم يكن القوم - الذين كانوا يتلون التوراة على عصر نبينا محمد ﷺ من اليهود -فيما بلغنا- شاكين في التوراة أنها من عند الله. وكذلك"المتمني" الذي هو في معنى"المشتهي" غير جائز أن يقال: هو ظان في تمنيه. لأن التمني من المتمني، إذا تمنى ما قد وجد عينه. فغير جائز أن يقال: هو شاك، فيما هو به عالم. لأن العلم والشك معنيان ينفي كل واحد منهما صاحبه، لا يجوز اجتماعهما في حيز واحد. والمتمني في حال تمنيه، موجود تمنيه، فغير جائز أن يقال: هو يظن تمنيه. [[في المطبوعة: "غير جائز"، والصواب إثبات الفاء.]] * * * وإنما قيل: ﴿لا يعلمون الكتاب إلا أماني﴾ ، والأماني من غير نوع"الكتاب"، كما قال ربنا جل ثناؤه: ﴿مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ﴾ [النساء: ١٥٧] و"الظن" من"العلم" بمعزل. وكما قال: ﴿وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إِلا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى﴾ [الليل: ١٩-٢٠] ، وكما قال الشاعر: [[هو عمرو بن الأيهم التغلبي النصراني، وقيل اسمه: عمير، وقيل هو أعشى تغلب. روي عن الأخطل أنه قيل له وهو يموت: على من تخلف قومك؟ قال: على العميرين. يعني القطامي عمير ابن أشيم، وعمير بن الأهتم.]] ليس بيني وبين قيس عتاب ... غير طعن الكُلَى وضرب الرقاب [[سيبويه ١: ٣٦٥، والوحشيات رقم: ٥٥، ومعجم الشعراء: ٢٤٢، وحماسة البحتري: ٣٢، وانظر تحقيق الراجكوتي في سمط اللآلئ: ١٨٤. والشعر يقوله في هجاء قيس عيلان يقول فيها: قاتل الله قيس عيلان طرا ... ما لهم دون غدرة من حجاب ثم إن سيبويه أنشد البيت برفع"غير"، على البدل من"عتاب"، اتساعا ومجازا.]] وكما قال نابغة بني ذبيان: حلفت يمينا غير ذي مَثْنَوية، ... ولا علم إلا حسنَ ظن بصاحب [[ديوانه: ٤٢، وسيبويه ١: ٣٦٥، وغيرهما، وروايتهم جميعا: "بصاحب"، وكان في الأصل المطبوع"بغائب"، وأظن أن ما كان في الطبري خطأ من النساخ، لأنه لا يتفق مع الشعر. فالنابغة يمدح بهذه الأبيات عمرو بن الحارث الأعرج الغساني، فيقول قبله: على لعمرو نعمة بعد نعمة ... لوالده، ليست، بذات عقارب حلفت يمينا. . . . ... . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . لئن كان للقبرين: قبر بجلق ... وقبر بصيداء الذي عند حارب وللحارث الجفني سيد قومه ... ليلتمسن بالجيش دار المحارب وقوله: "مثنوية" أي استثناء. فهو يقول لعمرو: حلفت يمينا لئن كان من هو - من ولد هؤلاء الملوك من آبائه، الذين عدد قبورهم ومآثرهم - ليغزون من حاربه في عقر داره وليهزمنه، ولم أقل هذا عن علم إلا ما عندي في صاحبي من حسن الظن. فرواية الطبري لا تستقيم، إن صحت عنه.]] في نظائر لما ذكرنا يطول بإحصائها الكتاب. [[انظر سيبويه ١: ٣٦٣ - ٣٦٦"هذا باب يختار فيه النصب، لأن الآخر ليس من نوع الأول". ثم الباب الذي يليه: "هذا باب ما لا يكون إلا على معنى: ولكن".]] ويخرجُ بـ "إلا" ما بعدها من معنى ما قبلها ومن صفته، وإن كان كل واحد منهما من غير شكل الآخر ومن غير نوعه. ويسمي ذلك بعض أهل العربية"استثناء منقطعا"، لانقطاع الكلام الذي يأتي بعد"إلا" عن معنى ما قبلها. وإنما يكون ذلك كذلك، في كل موضع حسن أن يوضع فيه مكان"إلا""لكن"؛ فيعلم حينئذ انقطاع معنى الثاني عن معنى الأول، ألا ترى أنك إذا قلت: ﴿ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني﴾ ثم أردت وضع "لكن" مكان "إلا" وحذف "إلا"، وجدت الكلام صحيحا معناه، صحته وفيه"إلا"؟ وذلك إذا قلت: ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب لكن أماني. يعني: لكنهم يتمنون. وكذلك قوله: ﴿ما لهم به من علم إلا اتباع الظن﴾ ، لكن اتباع الظن، بمعنى: لكنهم يتبعون الظن. وكذلك جميع هذا النوع من الكلام على ما وصفنا. * * * وقد ذكر عن بعض القَرَأَة أنه قرأ: [[في المطبوعة: "بعض القراء" و"لإجماع القراء"، ورددته إلى ما جرى عليه الطبري آنفًا.]] ﴿إلا أماني﴾ مخففة. ومن خفف ذلك وجهه إلى نحو جمعهم"المفتاح""مفاتح"، و"القرقور"،"قراقر"، [[انظر معاني القرآن للفراء: ١: ٤٩.]] وأن ياء الجمع لما حذفت خففت الياء الأصلية - أعني من"الأماني" - كما جمعوا"الأثفية""أثافي" مخففة، كما قال زهير بن أبي سلمى: أثافيَ سُفْعا في مُعَرَّسِ مِرْجَل ... ونُؤْيا كجِذم الحوض لم يَتَثَلَّم [[ديوانه: ٧ المرجل: قدر يطبخ فيها، ومعرس المرجل: حيث يقام فيه، من التعريس: وهو النزول والإقامة، وسفع جمع أسفع: والسفعة: سواد تخالطه حمرة، من أثر النار ودخانها. والنؤي: ما يقام من الحجارة حول الخباء حتى لا يدخله ماء المطر. وجذم الحوض: حرفه وأصله. يعني: النؤي قد ذهب أعلاه وبقى أصله لم يتحطم، كبقايا الحوض. يقول: عرفت الدار بهذه الآثار، قبله: "فلأيا عرفت الدار بعد توهم"، "ونصب"أثافي" بقوله: "توهم".]] وأما من ثقل: ﴿أماني﴾ فشدد ياءها، فإنه وجه ذلك إلى نحو جمعهم"المفتاح مفاتيح، والقرقور قراقير، والزنبور زنابير"، فاجتمعت ياء"فعاليل" ولامها، وهما جميعا ياآن، فأدغمت إحداهما في الأخرى، فصارتا ياء واحدة مشددة. * * * فأما القراءة التي لا يجوز غيرها عندي لقارئ في ذلك، فتشديد ياء"الأماني"، لإجماع القَرَأَة على أنها القراءة التي مضى على القراءة بها السلف - مستفيض ذلك بينهم، غير مدفوعة صحته - وشذوذ القارئ بتخفيفها عما عليه الحجة مجمعة في ذلك. [[سياق العبارة: لإجماع القَرَأَة على أنها القراءة. . وعلى شذوذ القارئ بتخفيفها" على العطف.]] وكفى دليلا على خطأ قارئ ذلك بتخفيفها، [[في المطبوعة: "وكفى خطأ على قارئ ذلك"، وهو ليس بكلام صحيح، والصواب ما أثبته، استظهار من عبارة الطبري، فيما سلف من أشباه ذلك.]] إجماعها على تخطئته. * * * القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَإِنْ هُمْ إِلا يَظُنُّونَ (٧٨) ﴾ قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: ﴿وإن هم إلا يظنون﴾ ، وما هم، كما قال جل ثناؤه: ﴿قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ﴾ [إبراهيم: ١١] ، يعني بذلك: ما نحن إلا بشر مثلكم. * * * ومعنى قوله: ﴿إلا يظنون﴾ : إلا يشكون، ولا يعلمون حقيقته وصحته. و"الظن" - في هذا الموضع- الشك. فمعنى الآية: ومنهم من لا يكتب ولا يخط ولا يعلم كتاب الله ولا يدري ما فيه، إلا تخرصا وتقولا على الله الباطل، ظنا منه أنه محق في تخرصه وتقوله الباطل. * * * وإنما وصفهم الله تعالى ذكره بأنهم في تخرصهم على ظن أنهم محقون وهم مبطلون، لأنهم كانوا قد سمعوا من رؤسائهم وأحبارهم أمورا حسبوها من كتاب الله، ولم تكن من كتاب الله، فوصفهم جل ثناؤه بأنهم يتركون التصديق بالذي يوقنون به أنه من عند الله مما جاء به محمد ﷺ، ويتبعون ما هم فيه شاكون، وفي حقيقته مرتابون، مما أخبرهم به كبراؤهم ورؤساؤهم وأحبارهم عنادا منهم لله ولرسوله، ومخالفة منهم لأمر الله، واغترارا منهم بإمهال الله إياهم. وبنحو ما قلنا في تأويل قوله: ﴿وإن هم إلا يظنون﴾ ، قال فيه المتأولون من السلف: ١٣٧٤ - حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ﴿وإن هم إلا يظنون﴾ إلا يكذبون. ١٣٧٥ - حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد مثله. ١٣٧٦ - حدثنا القاسم قال، حدثنا حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد مثله. ١٣٧٧ - حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال، حدثني محمد بن أبي محمد، عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: ﴿لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون﴾ ، أي لا يعلمون ولا يدرون ما فيه، وهم يجحدون نبوتك بالظن. ١٣٧٨ - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: ﴿وإن هم إلا يظنون﴾ ، قال: يظنون الظنون بغير الحق. ١٣٧٩ - حدثني المثنى قال، حدثنا آدم قال، حدثنا أبو جعفر، عن الربيع، عن أبي العالية قال: يظنون الظنون بغير الحق. ١٣٨٠ - حُدثت عن عمار قال، حدثنا ابن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع مثله.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب