قوله تعالى: ﴿وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ﴾ قال أبو إسحاق: معنى الأمي في اللغة: المنسوب إلى ما عليه جبلّة [[في (ش): (حيلة).]] الأمة: أي: لا يكتب، فهو في أنه لا يكتب على ما ولد عليه [["معاني القرآن" 1/ 159. وفي "تهذيب اللغة" 1/ 204 مادة (أم) النص هكذا: معنى الأمي في اللغة المنسوب إلى ما عليه جبلته أمه.]].
وقال غيره: قيل للذي لا يكتب: أمِّي؛ لأن الكتابة مكتسبة، فكأنه نُسِبَ إلى ما ولد عليه، أي: هو على ما ولدته أمّه.
وقال ابن الأنباري: إنما سمّي الذي لا يكتب، ولا يقرأ: أمّيّاً؛ لأنه نسب إلى أمّه، إذ كان النساءُ لا يكتبن في ذلك الدّهر [[ينظر. "تهذيب اللغة" 1/ 204 - 205، و"المحيط في اللغة" للصاحب بن عباد 10/ 459، "تفسير القرطبي" 2/ 4، و"اللسان" 1/ 123.]].
وقوله تعالى: ﴿إِلَّا أَمَانِىَّ﴾ جَمْعُ أُمْنِيّة، وأُمْنِيَّة في الأَصْلِ. أُمْنُوية فقلبت الواو ياءً لسكونها ثم أدغمت [[ينظر: "تهذيب اللغة" 4/ 3254]]، ويجوز في أداء [[ساقطة من (أ) و (ش).]] جَمعها التخفيف على نقصان إحدى الياءين [[قال أبو حاتم: كل جمع من هذا النحو، واحده مشدّد فلك فيه التخفيف والتشديد، مثل: بَخَاتي، وأثافي، وأغاني، وأماني ونحوها ينظر: "تفسير الطبري" 1/ 376 - 377، "تهذيب اللغة" 4/ 3454، "المحتسب" لابن جني 1/ 94 "تفسير الثعلبي" 1/ 999.]]، وكذلك ما كان على هذا الوزن من الجمع الصحيح ففيه لغتان، نحو: قرقور وقراقر [[القرقور: السفينة العظيمة الطويلة.]] وإن شئت: قراقير، وحواجب وحواجيب، وجلابب وجلابيب.
فأمَّا الغواشي والجوابي [[في (م): (الجواني).]] والجواري والليالي فليس فيها إلَّا التخفيف؛ لأنّها منقوصات، وواحدَتُها خفيفة [[ينظر: "معاني القرآن" للفراء 1/ 49، "معاني القرآن" للأخفش الأوسط 1/ 117 - 118، "تفسير الطبري" 2/ 376 - 377، "معاني القرآن" للزجاج 1/ 159، "تهذيب اللغة" 4/ 345، "المحتسب" لابن جني 1/ 94.]].
والأمنيَّة: من التمنّي، كالأغنية من التغنّي. قال الكسائي: أصل التمني في اللغة: حديثُ الرجلِ نفسَه، والعرب تقول: تركتُه قاعدًا يتمنى، أي: يحدث نفسَه.
وأنشد لكعب بن مالك [[هو: كعب بن مالك بن أبي كعب الأنصاري الخزرجي، شاعر رسول الله ﷺ وصاحبه، وأحد الثلاثة الذين خلفوا فتاب الله عليهم، اختلف في تاريخ وفاته بين 40 و50 هـ وغيرها. ينظر: "أسد الغابة" 4/ 487 - 489، "الإصابة": 3/ 302.]] يرثي أباه: تمنّى كتابَ الله أولَ ليلِهِ ... وآخرها [[كذا في الأصل: وآخرها، وفي "تفسير الثعلبي" 1/ 1000، "اللسان" 7/ 4284، "تفسير القرطبي" 2/ 6: وآخره.]] لاقى حِمَام المقادر [[البيت في "ديوانه" ص 294 قاله في رثاء عثمان بن عفان، وينظر "تفسير ابن عطية" 1/ 169، "القرطبي" 2/ 5، وقيل: هو لحسان بن ثابت كما في "تفسير أبي حيان" 6/ 386، وليس في "ديوانه"، وبلا نسبة في "لسان العرب" 7/ 4284، و"مقاييس اللغة" 5/ 277، وكتاب "العين" 8/ 390. ينظر "المعجم المفصل في شواهد اللغة العربية"، للدكتور/ أميل بديع يعقوب 3/ 370. وحمام المقادر: الموت.]]
أي: قرأ، يسمّى [[في: (م) لعلها (يسمي).]] القراءة تمنِّيًا، لأنها تشبه التحدث، وما تمناه الإنسان فهو مما [[في (م) و (ش): (ما).]] يحدث به نفسه [[في (ش): تحدث نفسه.]]؛ ولهذا فُسِّرت الأماني في هذه الآية بالأحاديث.
وقال غيره: أصل هذه الكلمة عند أهل اللّغة من التقدير. والتمني: هو تقدير شيء تودُه، والمنيّة مقدرةٌ على العباد، والمَنَى الذي يوزن به: مقدار معروف، والمَنِيُّ: الذي يقدَّرُ منه الولد، والتمني: التلاوة؛ لأنها حكاية على مقدار المحكيِ، والمنا [[في (م): (المنا الذي).]]: الحذاء؛ لأن أحد الشيئين بإزاء الآخر على مقداره [[ينظر: "القاموس" 1336: (مادة: المنا).]]، ومُنيت [[في (م): (أمنيت).]] بكذا أي: قُدَر علَيّ.
والأمنية في هذه الآية: التلاوة؛ لأنها حكاية للكلام على مقدار حُروفه من غير زيادة.
وقال ابن السكيت: يقال: هو مُنّي [[في (ش): (تمني).]] بمَنَى مِيل، أي: بقدر ميل [[نقله عنه في "تهذيب اللغة" 4/ 3454 ولم أجده في كتابيه:"تهذيب الألفاظ"، و"إصلاح المنطق".]].
وقال الفراء: يقال: مَنىَ الله لك ما يَسُرّك، أي: قَدّر لك. وأنشد:
ولا تقولَنْ لشيء سوف أفعله ... حتى تَبَيّنَ [[في (م): (يبين). وفي (ش): (بين) وفي "تهذيب اللغة" 4/ 3454: تُلاقيَ.]] ما يَمْني [[في (ش): (تمنى).]] لَكَ الماني [[البيت لأبي قلابة الهذلي، في "شرح أشعار الهذليين" ص 713، ولسويد بن عامر "المصطلقي في لسان العرب" 7/ 4282، وذكره في "تهذيب اللغة" عن الفراء ولم ينسبه 4/ 3454.]]
أي: ما يقدر لك القادر [[لم أجده في مظنته من "معاني القرآن" للفراء، ونقله عنه في "تهذيب اللغة" 4/ 3454.]].
فأمَّا التفسير، فقال ابن عباس: ﴿إِلَّا أَمَانِيَّ﴾: إلا أحاديث [[رواه ابن جرير الطبري في "تفسيره" 2/ 261، و"ابن أبي حاتم" 1/ 152.]]، قال: لا يعلمون إلّا ما حُدّثوا.
وقال الفرَّاء: الأماني: الأحاديث المفتعلة، يقول الله: لا يعلمون الكتاب ولكن هو أحاديث مفتعلة ليست من كتاب الله يسمعونها من كبرائهم [[ينظر: "معاني القرآن" للفراء 1/ 49 - 50.]]، وهذا قول الكلبي [[ذكره الثعلبي في "تفسيره" 1/ 999، وينظر: "البغوي" 1/ 88، "الخازن" 1/ 77.]]. واختاره الزجّاج في أحد قوليه، وقال: إلّا أكاذيب، والعربُ تقول: أنت إنما تتمنى [[في (ش): (تتمنى). في (أ) و (م): (تمتني)، وما في (ش) موافق لما في "معاني القرآن" للزجاج 1/ 159.]] هذا القول، أي: تختلقه [["معاني القرآن" للزجاج 1/ 159.]]. وقال أحمد بن يحيى: التمني: الكذب، يقول الرجل: والله ما تمنيت هذا الكلام ولا اختلقته [[نقله عنه في "تهذيب اللغة" 15/ 534.]].
قال ابن الأنباري [[في (م): (الأنبار).]]: والمُنى تشبه الكذب لأنه لا حقيقة لها، والعرب تذمّها كما تذم الكذب، قال الشاعر:
فَلا يَغُرَّنْكَ مَا مَنَّتْ ومَا وَعَدَتْ ... إنَّ الأمَانِيَّ وَالأحْلامَ تَضْلِيلُ [[البيت لكعب بن زهير، ينظر: "ديوانه" ص 9، "لسان العرب" 7/ 4284، "المعجم المفصل" 6/ 347.]]
وقال أبو عبيدة [[ينظر: "تفسير الثعلبي" 1/ 999، وليس هو في "مجاز القرآن" لأبي عبيدة.]] وابن الأنباري [[ينظر: "تهذيب اللغة" 4/ 3456]] وابن قتيبة [[ينظر: "تفسير غريب القرآن" ص 46.]] والزجَّاج [["معاني القرآن" للزجاج 1/ 159.]] في أحد قوليهِ: الأماني: التلاوة، واحتجوا ببيتِ كعبٍ، فأرادَ أنّهم يقرؤون عن ظهر القلب ولا يقرؤون في الكتب [[ينظر: "تفسير الثعلبي" 1/ 999، "تفسير البغوي" 1/ 88 "زاد المسير" 1/ 105.]].
وقيل: يقرءون في الكتاب ولا يعلمونه بقلوبهم، فهم لا يعلمون الكتاب إلا تلاوة ولا يعملون به [[في الأصل (يعلمون)، وهو تحريف.]]، فليسوا كمن يتلونه حقّ تلاوته، فيُحِلّون حلالَه، ويحرمون حرامه، ولا يحرفونه عن مواضعه [[ينظر: "تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة ص 56.]].
قال ابن الأزهري: والتلاوة سميت أمنية؛ لأن تالي القرآن إذا مر بآية رحمة تمنّاها، وإذا مرّ بآية عذاب تمنّى أن يُوَقّاه [["تهذيب اللغة" 15/ 534.]].
وقال الحسن [[ذكره "الثعلبي" في "تفسيره" عنه 2/ 1001، وينظر: "الوسيط" للمصنف 1/ 162، و"البغوي" 1/ 88.]] وأبو العالية [[أخرجه الطبري في تفسيره بمعناه 2/ 374 - 375، وابن أبي حاتم في "تفسيره" 1/ 152، وذكره الثعلبي في "تفسيره" 2/ 1001.]] وقتادة [[أخرجه عبد الرزاق في "تفسيره" 1/، وفي "تفسير الطبري" بمعناه 1/ 375، وذكره "أبن أبي حاتم" 1/ 152 عنه وعن الربيع بن أنس بلا إسناد، وينظر: "التفسير الصحيح" 1/ 180.]]: أي: إلّا أن يتمنوا على الله الباطل والكذب، ويتمنون على الله ما ليس لهم، مثل قولهم: ﴿وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً﴾ [البقرة: 80]، وقولهم: ﴿وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا﴾ [البقرة: 111]، وقولهم: ﴿نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ﴾ [المائدة: 18]. قال ابن الأنباري: والاستثناء على هذا التأويل منقطع عن الأوّل، يريد. لا يعلمون الكتاب البتة، لكنهم يتمنون على الله مالا ينالون [[وقد رجح الشنقيطي هذا القول في أضواء البيان 1/ 141 وبين أن مما يدل لهذا القول: قوله تعالى ﴿وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ﴾ [البقرة: 111] وقوله ﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ [النساء: 123] وبين أن القول الأول لا يتناسب مع قوله: ومنهم أميون لأن الأمي لا يقرأ. == ويؤيد ذلك ما ورد بأسانيد صحيحة عن ابن عباس وقتادة ومجاهد وأبي العالية. ينظر: "التفسير الصحيح" 1/ 180.]].
وقوله تعالى: ﴿وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ﴾ أي: لا يعلمون، [[زيادة من (ش).]] أراد: ما هُمْ إلا ظانّينَ ظنًّا وتوهمًا لا حقِيقَةً ويقينًا [[ينظر: "تفسير الطبري" 1/ 377، "تفسير الثعلبي" 1/ 1001، "تفسير البغوي" 1/ 115.]] [[نقل القرطبىِ في "تفسيره" 2/ 6 عن أبي بكر الأنباري عن أحمد بن يحيى النحوي: أن العرب تجعل الظن علمًا وشكًّا وكذبًا، وقال: إذا قامت براهين العلم فكانت أكثر من براهين الشك فالظن يقين، وإذا اعتدلت براهين اليقين وبراهين الشك فالظن شك، وإذا زادت براهين الشك على براهين اليقين فالظن كذب.]]. وجعل الفعل المستقبل في مَوضع الحَالِ؛ لأنه يصلح للزمانين.
قال ابن عبّاس في قوله: (وإن هُم إلّا يظنون): أي: لا يعلمون الكِتَابَ، ولا يدرون ما فيه، وهم يجحدون نبوتك بالظَنّ [[رواه الطبري في تفسيره 1/ 277.]].
قالَ أصحاب المعاني: ذمّ الله بهذه الآية قومًا من اليهود، لا يحسنون شيئًا وليسُوا على بصيرة إلّا ما يحدّثونَ به، أو إلّا ما يقرءون عن غَيْرِ عِلم به [[ينظر: "المحرر الوجيز" لابن عطية 1/ 365، "تفسير القرطبي" 2/ 6.]]. ففيه حثٌّ علَى تعلّم العلم؛ حتّى لا يحتاج الإنسان إلى تقليد غيره، وأن يقرأ شيئًا لا يكون له به معرفة.
قوله تعالى: ﴿فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ﴾ الآية. قال ابن عباس: الوَيْل شِدّة العَذَاب [[ذكره الثعلبي في "تفسيره" 2/ 1003، والبغوي في "تفسيره" 1/ 115، وأخرجه الطبري في "تفسيره" 1/ 378 بلفظ: فالعذاب عليهم.]].
وقال الزجّاج: الويل كلمة يستعملها كل واقع في هَلَكة، وأصله في اللغة: العذاب [[ينظر: "معاني القرآن" للزجاج 1/ 160.]].
وقال ابن قتيبة: قال الأصمعي: الويل تقبيح [[ينظر: "اللسان" 11/ 739.]]، قال الله تعالى: ﴿وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ﴾ [الأنبياء: 18].
وروى الأزهري عن المنذري عن أبي طالب النحوي أنه قال: قولهم: ويل [[في "تهذيب اللغة": (ويله).]]، كان أصلها (وي) وُصِلت بـ (له)، ومعنى (وي): حزن، ومنه قولهم: ويه [[في الأصل ويه، والمثبت من "اللسان".]] معناه: حزن، أُخْرج مُخْرجَ الندبة [[الندبة: وهي نداء متفجع عليه حقيقة أوحكما أو متوجع منه. ينظر: "طرح التثريب" 1/ 154، "المصباح المنير" ص 597.]] [["تهذيب اللغة" 4/ 3969.]].
وحكى ابن الأنباري عن الفراء: أن أصل هذه الكلمة: وي لفلان، وهو حكاية صوتِ المصاب وَي وَي، فكثر الاستعمال للحرفين، يعني: وي لفلان فوُصِلتْ اللام بوي وَجُعِلَتْ معها حرفًا واحدًا، ثم خُبِّر عَن ويل بلام أُخرى.
وقرأت على أبي الحُسين الفسوي، فقلت: أخبركم حمد بن محمد الفقيه، قال: أخبرني أبو عمر [[هو: محمد بن عبد الواحد بن أبي هاشم، أبو عمر اللغوي الزاهد، المعروف بغلام ثعلب، لازم ثعلبًا في العربية فأكثر عنه إلى الغاية، له مصنفات كثيرة منها: "فائت الفصيح"، و"الياقوتة"، وغيرها، توفي سنة 345 هـ. ينظر: "سير أعلام النبلاء" 15/ 508 - 513، و"تاريخ بغداد" 2/ 356 - 359.]]، قال: حضرنا مجلس أبي العباس أحمد أبن يحيى، فأقبل علينا، فقال: كيف الفعل من الويل؟ فبلّح القوم ولم يكن عند واحدٍ منهم جواب، وفي المجلس ابن [[ساقطة من (ش).]] كيسان وغيره فأنشدنا:
تَوَيّل إذ ملأتُ يدي وكانَتْ ... يميني لا تعلّلُ [[في (ش): (لا تغلل).]] بالقليل [[البيت بلا نسبة في: "الممتع في التصريف" 2/ 568، وفي "لسان العرب" 8/ 4939، "المعجم المفصل" 6/ 587.]]
قال أبو عمرو: يقال في هذا أيضًا: وال يَوِيلُ، على وزن مال يميل. انتهت الحكايةُ.
وسمعتُ من يوثق بعلمه يقول: أخطأ أبو عمرو، لم يأت من هذا الباب ما أَوَّلُه واوٌ ولا ياءٌ في الأجوف. وروي عن أبي سعيد الخدري [[هو: الصحابي الجليل، سعد بن مالك بن سنان الأنصاري الخزرجي، اشتهر بكنيته أبو سعيد الخدري، من فقهاء الصحابة ومكثريهم في رواية الحديث، شهد ما بعد أحد، وتوفي سنة 74 هـ. ينظر: "أسد الغابة" 2/ 365، و"الأعلام" 3/ 87.]] مرفوعًا قال: "ويْلٌ: وادٍ في جهنم، يهوي فيه الكافر أربعين خريفًا قبل أن يبلغ قعره" [[أخرجه أحمد 3/ 75، وعبد بن حميد 924، والترمذي في التفسير، سورة الأنبياء برقم (3164)،، الطبري في تفسيره 1/ 378، والحاكم 2/ 507 أبو يعلى في "مسنده" 2/ 523 والبيهقي في "البعث والنشور" برقم 537 من طريق دراج أبي السمح عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري، ودراج ضعيف، وصححه الحاكم، وأحمد شاكر وقال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث ابن لهيعة وتعقبه ابن كثير في "تفسيره" 1/ 125 فقال: لم يتفرد به ابن لهيعة كما ترى ولكن الآفة ممن بعده، وهذا الحديث بهذا الإسناد مرفوعا منكر، والله أعلم.]].
قال النحويون: وذكر اليد في قوله: ﴿يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ﴾ تحقيق للإضافة وإن كانت الكتابة لا تقع إلا باليد، وقد أُكدّت الإضافة بذكر اليد [[ينظر: "تفسير الثعلبي" 1/ 1004، "تفسير القرطبي" 2/ 8.]] فيما لا يُرادُ باليد فيه الجارحة [[هذا تأويل من المؤلف رحمه الله، جرى فيه على مذهب الأشاعرة. والصواب ما عليه السلف من إثبات الصفات لله من غير تَأَويل ولا تكييف ولا تمثيل.]]، كقوله تعالى: ﴿لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾ [ص: 75] وقوله: ﴿مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا﴾ [يس: 71]. ومعناه: مما تولينا عمله، ولما [[في (أ) و (م): (كما).]] توليت خلقه.
والأصل في هذا: أنه قد يضاف الفعل إلى الفاعل وغير الفاعل له، كقوله: ﴿يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ﴾ [القصص: 4]، والمراد بذلك: أنه يأمر بالذبح فَيُمتثل أمره. فلما كان الفعلُ قد يُضاف إلى غير الفاعل أُكّدَت الإِضافة بذكر اليد؛ للتحقق وينتفي الاحتمال، ثم استعمل هذا التأكيد [[في (ش): (التاليد).]] أيضا في فعل الله تعالى وإن لم يجز في وصفه يد الجارحة؛ لأن المراد بذكر اليد تحقيق الإضافة على ما بيّنا.
وقال ابن السراج: معنى يكتبون بأيديهم، أي: من تلقائهم ومن قبل أنفسهم من غير أن يكون أُنزل عَلَيهم أو على من قبلهم [[انظر: "تفسير القرطبي" 2/ 8.]]، وهذا كما يقال للذي يُبدعُ [[في (ش): (يبيع).]] قولًا لَم يُقَلْ قبله: هذا أنت تقوله [[في (ش): (بقوله).]]، يراد بذلك: أنت ابتدعت هذا المذهب وهذا الحكم.
قال المفسرون: هذا في اليهود، عَمَدوا إلى صفة محمد ﷺ فكتبوا صفته على غير ما كانت في التوراة، وأخذوا عليه الأموال، وقبلوا الهدايا [[ينظر: "تفسير الطبري" 1/ 378، "تفسير ابن أبي حاتم" 1/ 244 - 247، "تفسير السمرقندي" 1/ 132، "تفسير الثعلبي" 3/ 1003.]]. وهو معنى قوله: ﴿وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ﴾ يقال: كسبت الشيء كسبًا، وكَسَبْتُ الرجلَ مالًا فَكَسَبه وهذا أحد ما جاء على فَعَلْتُه فَفَعَل، ومعنى الكسب: فعل يُجتلَب به نفع، أو يُستدفَع به ضرر، واكتسب الخطيئة إنما ذلك لأنه يَجتلب به تعجّلَ المنفعة وينسَى ما عليه فيه من تأجّل المضرّة.
{"ayah":"وَمِنۡهُمۡ أُمِّیُّونَ لَا یَعۡلَمُونَ ٱلۡكِتَـٰبَ إِلَّاۤ أَمَانِیَّ وَإِنۡ هُمۡ إِلَّا یَظُنُّونَ"}