﴿وَمِنۡهُمۡ﴾ - تفسير
٢٥٤٤- عن أبي العالية -من طريق الربيع بن أنس- ﴿ومنهم أميون﴾، يعني: من اليهود[[أخرجه ابن جرير ٢/١٥٣، وابن أبي حاتم ١/١٥٢.]]. (ز)
٢٥٤٥- عن الربيع بن أنس -من طريق أبي جعفر-، مثله[[أخرجه ابن جرير ٢/١٥٣، وابن أبي حاتم ١/١٥٢.]]. (ز)
٢٥٤٦- عن مجاهد بن جبر -من طريق ابن جُرَيْج- في قوله: ﴿ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب﴾، قال: أُناس من يهود ...[[أخرجه ابن جرير ٢/١٥٧.]]. (١/٤٣٢)
٢٥٤٧- عن الحسن البصري -من طريق عَبّاد بن منصور- قوله: ﴿ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب الا أماني وإن هم الا يظنون﴾، قال: هؤلاء ناس من اليهود ...[[أخرجه ابن أبي حاتم ١/١٥٣.]]. (ز)
بيَّن ابنُ جرير (٢/١٥٢-١٥٣) أنّ الضمير عائد على اليهود، فقال: «يعني بقوله -جل ثناؤه-: ﴿ومنهم أميون﴾: ومن هؤلاء اليهود الذين قص الله قصصهم في هذه الآيات، وأيأس أصحاب رسول الله ﷺ من إيمانهم، فقال لهم: ﴿أفتطمعون أن يؤمنوا لكم وقد كان فريق منهم يسمعون كلام الله، ثم يحرفونه من بعد ما عقلوه﴾». ولم يذكر سوى هذا القول عن أبي العالية، والربيع، ومجاهد.
وكذا ابنُ عطية (١/٢٦٢) القول بعوده على اليهود، فقال: «وقول أبي العالية ومجاهد وجْهُ هذه الأقوال».
ونقل أقوالًا أخرى: الأول: أنّه قيل: المراد هنا بالأميين: قوم ذهب كتابهم لذنوب ركبوها، فبقوا أميين. الثاني: أن المراد بالأميين في الآية: نصارى العرب. ونسبه لعكرمة، والضحاك. الثالث: أنهم المجوس. وذكر أنه نقل عن علي بن أبي طالب. ثم بقوله: «والضمير في ﴿منهم﴾ على هذه الأقوال هو للكفار أجمعين».
﴿وَمِنۡهُمۡ أُمِّیُّونَ﴾ - تفسير
٢٥٤٨- عن عبد الله بن عباس -من طريق أبي رَوْق، عن الضحاك- قال: الأُمِّيُّون قومٌ لم يُصَدِّقوا رسولًا أرسله الله، ولا كتابًا أنزله، فكتبوا كتابًا بأيديهم، ثم قالوا لقوم سَفِلةٍ جُهّال: هذا من عند الله. وقال: قد أخبرهم أنهم يكتبون بأيديهم، ثم سماهم أُمِّيِّين؛ لجحودهم كتب الله ورسله[[أخرجه ابن جرير ٢/١٥٣-١٥٤.]]. (١/٤٣١)
ابنُ جرير (٢/١٥٤) تفسير الأميين بأنهم مَن لم يصدقوا الله ورسوله مستندًا إلى مخالفة ذلك التفسير للغة العرب، فقال: «وهذا التأويل تأويلٌ على خلاف ما يُعرَف من كلام العرب المستفيض بينهم، وذلك أنّ الأُمِّيَّ عند العرب: هو الذي لا يكتب».
٢٥٤٩- عن إبراهيم النَّخَعِي -من طريق منصور- في قوله: ﴿ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب﴾، قال: منهم مَن لا يُحْسِن أن يكتب[[أخرجه ابن جرير ٢/١٥٣، وابن أبي حاتم ١/١٥٢.]]. (١/٤٣٢)
قال ابنُ جرير (٢/١٥٣): «يعني بالأميين: الذين لا يكتبون ولا يقرءون، ومنه قول النبي ﷺ: «إنا أُمَّة أُمِّيَّة، لا نكتب، ولا نحسب»، يقال منه: رجل أمي بيِّنُ الأمية».
ثُمَّ (٢/١٥٤) هذا المعنى مستندًا إلى موافقته للغة العرب، فقال: «فإذا كان معنى الأمي في كلام العرب ما وصفنا؛ فالذي هو أولى بتأويل الآية ما قاله النخعي من أنّ معنى قوله: ﴿ومنهم أميون﴾: ومنهم من لا يحسن أن يكتب».
وكذا ابنُ كثير (١/٤٦٤)، وقال: «وهو ظاهر في قوله تعالى: ﴿لا يعلمون الكتاب إلا أماني﴾، أي: لا يدرون ما فيه، ولهذا في صفات النبي ﷺ أنه أمي؛ لأنه لم يكن يُحْسِن الكتابة، كما قال تعالى: ﴿وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون﴾ [العنكبوت:٤٨]، وقال -عليه الصلاة والسلام-: «إنا أُمَّة أُمِّيَّة، لا نكتب، ولا نحسب، الشهر هكذا وهكذا وهكذا» الحديث. أي: لا نفتقر في عباداتنا ومواقيتها إلى كتاب ولا حساب، وقال تعالى: ﴿هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم﴾ [الجمعة:٢]».
وأما ابن تيمية (١/٢٤٩-٢٥٠) فقد ذكر معنيين لكلمة أُمِّيٍّ، فقال: «ويقال: الأُمِّيّ لمن لا يقرأ ولا يكتب كتابًا، ثم يقال لمن ليس لهم كتاب منزل من الله يقرءونه وإن كان قد يكتب ويقرأ ما لم ينزل، وبهذا المعنى كان العرب كلهم أميين؛ فإنه لم يكن عندهم كتاب منزل من الله، قال الله تعالى: ﴿وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم﴾، وقال: ﴿هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم﴾، وقد كان في العرب كثير ممن يكتب ويقرأ المكتوب، وكلهم أميون، فلما نزل القرآن عليهم لم يبقوا أميين باعتبار أنهم لا يقرءون كتابًا من حفظهم، بل هم يقرءون القرآن من حفظهم وأناجيلهم في صدورهم، لكن بقوا أميين باعتبار أنهم لا يحتاجون إلى كتابة دينهم، بل قرآنهم محفوظ في قلوبهم، كما في الحديث: «وأنزلتُ عليك كتابًا لا يغسله الماء، تقرؤه نائمًا ويقظانَ» ... وقوله: ﴿فَآمِنُوا بِاللَّهِ ورَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ﴾ هو أُمِّيٌّ بهذا الاعتبار؛ لأنه لا يكتب، ولا يقرأ ما في الكتب، لا باعتبار أنه لا يقرأ من حفظه، بل كان يحفظ القرآن أحسن حفظ».
وبيَّن ابنُ جرير (٢/١٥٤) وجه التسمية بالأمي، فقال: «وأرى أنه قيل للأمي: أمي -نسبةً له بأنه لا يكتب- إلى أُمِّه؛ لأنّ الكتابَ كان في الرجال دون النساء، فنسب من لا يكتب ولا يخط من الرجال إلى أمه في جهله بالكتابة، دون أبيه».
وزاد ابنُ عطية (١/٢٦٢) فقال: «وإما لأنّه بحالٍ ولدته أمه فيها لم ينتقل عنها. وقيل: نسب إلى الأُمَّة، وهي القامة والخلقة، كأنه ليس له من الآدميين إلا ذلك. وقيل: نسب إلى الأَمَة على سذاجتها قبل أن تعرف المعارف، فإنها لا تقرأ ولا تكتب».
وأما ابنُ تيمية (١/٢٤٩) أنه نسبة إلى الأُمَّة، كما يقال عامي نسبة إلى العامة التي لم تتميز عن العامة بما تمتاز به الخاصة، وكذلك هذا، لم يتميز عن الأمة بما يمتاز به الخاصة من الكتابة والقراءة.
٢٥٥٠- قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم -من طريق ابن وهْب- في قوله: ﴿ومنهم أميون﴾، قال: أُمِّيُّون لا يقرؤون الكتاب من اليهود[[أخرجه ابن جرير ٢/١٥٣.]]. (ز)
﴿لَا یَعۡلَمُونَ ٱلۡكِتَـٰبَ﴾ - تفسير
٢٥٥١- عن عبد الله بن عباس -من طريق ابن إسحاق بسنده- في قوله: ﴿ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب﴾، قال: لا يعلمون ولا يَدْرُون ما فيه[[أخرجه ابن جرير ٢/١٥٥، ١٦٢. وعزاه السيوطي إلى ابن إسحاق. ينظر: سيرة ابن هشام ١/٥٣٨.]]. (١/٤٣٢)
٢٥٥٢- عن أبي العالية -من طريق الربيع بن أنس- ﴿لا يعلمون الكتاب﴾، قال: لا يدرون ما فيه[[أخرجه ابن جرير ٢/١٥٥، وابن أبي حاتم ١/١٥٢.]]. (ز)
٢٥٥٣- عن الربيع بن أنس -من طريق أبي جعفر-، مثله[[أخرجه ابن جرير ٢/١٥٣، وابن أبي حاتم ١/١٥٢.]]. (ز)
٢٥٥٤- عن قتادة بن دعامة -من طريق مَعْمَر- في قوله: ﴿ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني﴾، قال: أمثال البهائم، لا يعلمون شيئًا[[أخرجه عبد الرزاق ١/٥٠، وابن جرير ٢/١٥٤.]]. (ز)
٢٥٥٥- عن قتادة بن دعامة -من طريق سعيد- ﴿لا يعلمون الكتاب﴾، قال: لا يدرون ما فيه[[أخرجه ابن جرير ٢/١٥٥. وعلَّقه ابن أبي حاتم ١/١٥٢.]]. (ز)
٢٥٥٦- قال محمد بن السّائب الكَلْبِي: ﴿لا يعلمون الكتاب﴾ لا يحسنون قراءة الكتاب، ولا كتابته[[تفسير الثعلبي ١/٢٢٣.]]. (ز)
٢٥٥٧- قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم -من طريق ابن وهْب- في قوله: ﴿لا يعلمون الكتاب﴾ لا يعلمون شيئًا، لا يقرؤون التوراة، ليست تُستظهر، إنما تُقرأ هكذا، فإذا لم يكتب أحدهم لم يستطع أن يقرأ[[أخرجه ابن جرير ٢/١٥٥.]]. (ز)
﴿إِلَّاۤ أَمَانِیَّ﴾ - تفسير
٢٥٥٨- عن عبد الله بن عباس -من طريق علي بن أبي طلحة- في قوله: ﴿إلا أماني﴾، قال: إلا أحاديث[[أخرجه ابن جرير ٢/١٥٧، وابن أبي حاتم ١/١٥٢. وعزاه السيوطي إلى ابن المنذر.]]. (١/٤٣٢)
٢٥٥٩- عن عبد الله بن عباس -من طريق أبي رَوْق، عن الضحاك- في قوله: ﴿إلا أماني﴾، قال: إلا قولًا يقولون بأفواههم كذبًا[[أخرجه ابن جرير ٢/١٥٦.]]. (١/٤٣٢)
قال ابنُ عطية (١/٢٦٣): «وقال ابن جرير: تمنى الرجل: إذا حدَّث بحديث مُخْتَلَق كذب. وذكر أهل اللغة أنّ العرب تقول: تمنى الرجل: إذا كذب واختلق الحديث، ومنه قول عثمان ﵄: ما تعتّيتُ ولا تمنّيتُ منذ أسلمت. فمعنى الآية: أن منهم أميين لا يعلمون الكتاب، إلا أنهم يسمعون من الأحبار أشياء مُخْتَلَقة يظنونها من الكتاب».
٢٥٦٠- عن أبي العالية -من طريق الربيع بن أنس- ﴿إلا أماني﴾، قال: يَتَمَنَّوْن على الله ما ليس لهم[[أخرجه ابن جرير ٢/١٥٧، وابن أبي حاتم ١/١٥٢.]]. (ز)
٢٥٦١- عن الربيع بن أنس -من طريق أبي جعفر-، مثله[[أخرجه ابن أبي حاتم ١/١٥٢.]]. (ز)
٢٥٦٢- عن مجاهد بن جبر -من طريق ابن أبي نَجِيح- في قوله: ﴿إلا أماني﴾، قال: إلا كذبًا[[تفسير مجاهد ص٢٠٧، وأخرجه ابن جرير ٢/١٥٦، وابن أبي حاتم ١/١٥٢. وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد.]]. (١/٤٣٢)
٢٥٦٣- عن مجاهد بن جبر -من طريق ابن جُرَيْج- في قوله: ﴿ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب﴾، قال: ناس من يهود، لم يكونوا يعلمون من الكتاب شيئًا، وكانوا يتكلمون بالظن بغير ما في كتاب الله، ويقولون: هو من الكتاب، أماني يَتَمَنَّوْنَها[[أخرجه ابن جرير ٢/١٥٧.]]. (١/٤٣٢)
٢٥٦٤- عن الحسن البصري -من طريق عَبّاد بن منصور- قوله: ﴿ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب الا أماني وإن هم الا يظنون﴾، قال: هؤلاء ناس من اليهود، لم يكونوا يعلمون من الكتاب شيئًا كما قال الله، فكانوا يتكلمون بالظنون بغير ما في كتاب الله، ويقولون: هو من الكتاب، أماني يتمنونها[[أخرجه ابن أبي حاتم ١/١٥٣. وفي تفسير الثعلبي ١/٢٢٣، وتفسير البغوي ١/١١٥ عنه: هي من التمني، وهي أمانيهم الباطلة التي تمنوها على الله ﷿، مثل قولهم: ﴿لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى﴾ [البقرة:١١١]، وقولهم: ﴿لن تمسنا النار إلا أياما معدودة﴾ [البقرة:٨٠].]]. (ز)
٢٥٦٥- عن قتادة بن دعامة -من طريق مَعْمَر- في قوله: ﴿إلا أماني﴾، قال: يتمنون على الله الباطل، وما ليس لهم[[أخرجه عبد الرزاق ١/٥٠، وابن جرير ٢/١٥٧. وعلقه ابن أبي حاتم ١/١٥٢.]]. (ز)
٢٥٦٦- عن أبي رَوْق عطية بن الحارث الهمداني: ﴿إلا أماني﴾، قال: تلاوةً وقراءة على ظهر القلب، ولا يقرؤونها في الكتب[[تفسير الثعلبي ١/٢٢٣.]]. (ز)
ابنُ عطية (١/٢٦٣) على هذا القول، فقال: "وقال آخرون: هي من تَمَنّى: إذا تلا، ومنه قوله تعالى: ﴿إلّا إذا تَمَنّى ألْقى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ﴾ [الحج:٥٢]، ومنه قول الشاعر:
تمنّى كتاب الله أول ليلة وآخره لاقى حمام المقادر
فمعنى الآية: أنهم لا يعلمون الكتاب إلا سماع شيء يتلى، لا علم لهم بصحته".
٢٥٦٧- قال محمد بن السائب الكلبي: ﴿إلا أماني﴾ إلاّ ما تحدّثهم بهم علماؤهم[[تفسير الثعلبي ١/٢٢٣.]]. (ز)
ابنُ تيمية (١/٢٤٨-٢٤٩) على قول أبي روق وقول الكلبي بقوله: «ففي هذا القول -قول أبي روق- جعل الأماني التي هي التلاوة: تلاوة الأميين أنفسهم. وفي ذلك -قول الكلبي- جعل الأماني: ما يسمعونه من تلاوة علمائهم. وكلا القولين حق، والآية تعمهما؛ فإنه ﷾ قال: ﴿لا يعلمون الكتاب﴾، لم يقل: لا يقرءون ولا يسمعون. ثم قال: ﴿إلا أماني﴾، وهذا استثناء منقطع، لكن يعلمون أماني؛ إما بقراءتهم لها، وإما بسماعهم قراءة غيرهم. وإن جعل الاستثناء متصلًا كان التقدير: لا يعلمون الكتاب إلا علم أماني، لا علم تلاوة فقط بلا فهم».
٢٥٦٨- عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم -من طريق ابن وهْب- في قوله: ﴿إلا أماني﴾، قال: تَمَنَّوْا فقالوا: نحن من أهل الكتاب. وليسوا منهم[[أخرجه ابن جرير ٢/١٥٧.]]. (ز)
أفادت الآثار اختلاف المفسرين في معنى ﴿أماني﴾ على ثلاثة أقوال: الأول: الأكاذيب. الثاني: التشهي، وتمني ما ليس لهم. الثالث: التلاوة.
وقد ابنُ جرير (٢/١٥٧-١٦٠) مستندًا إلى اللغة، والسّياق القول الأول، وهو قول ابن عباس من طريق الضحاك، وقول مجاهد من طريق بن أبي نَجِيح، و القول الثاني والثالث، وعلَّل ذلك بأن قوله تعالى: ﴿وإن هم إلا يظنون﴾ أفاد أنهم يتمنون ما يتمنون من الأكاذيب ظنًّا منهم لا يقينًا، وذلك يدل على ضعف تفسير الأماني بالتشهي أو التلاوة؛ لأنه لو كان معنى ذلك: أنهم يتلونه، لم يكونوا ظانين؛ لأنه لا يقال لمن تلا كتابًا: هو ظان لما يتلو، إلا أن يكون شاكًّا في نفس ما يتلوه، لا يدري أحق هو أم باطل، ولم يقع من اليهود التالين للتوراة شك في كون التوراة من عند الله، وكذلك لو كان معناه: يشتهونه، لم يكونوا ظانين؛ لأن المتشهي يتمنى ما حصل له العلم به، وما قد وجدت عينه، فغيرُ جائز أن يقال: هو شاكٌّ فيما هو به عالم؛ لأنّ العلم والشكَّ معنيان متنافيان لا يجتمعان، وكذلك فالمتشهي في حال تمنيه موجود تمنيه، فغير جائز أن يقال: هو يظن تمنيه. ثم ابن جرير الاستثناء في قوله تعالى: ﴿لا يعلمون الكتاب إلا أماني﴾ بأنه استثناء منقطع؛ لكون الأماني من غير نوع الكتاب، ونظير ذلك قوله تعالى: ﴿ما لهم به من علم إلا اتباع الظن﴾ [النساء:١٥٧]، والظن من العلم بمعزل، وبيَّن أن معنى الآية -بناءً على كون الاستثناء منقطعًا- هو: ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب، لكن أماني، يعني: لكنهم يتمنون.
و ابنُ تيمية (١/٢٥٢-٢٥٤) القول بأنها التلاوة، و القولين الآخرين مستندًا إلى اللغة، والسّياق، فقال: «وقوله: ﴿إلّا أمانِيَّ﴾ أي: تِلاوة، فهم لا يعلمون فِقْهَ الكتاب، إنما يقتصرون على ما يسمعونه يتلى عليهم، والأمانيُّ: جمع أمْنِيَّة، وهي: التلاوة، ومنه: قوله تعالى: ﴿وما أرْسَلْنا مِن قَبْلِكَ مِن رَسُولٍ ولا نَبِيٍّ إلّا إذا تَمَنّى ألْقى الشَّيْطانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آياتِهِ واللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [الحج:٥٢]». ثم حكى القولين الآخرين، ثم قال: «كلا القولين ضعيف، والصواب الأول؛ لأنه سبحانه قال: ﴿ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني﴾، وهذا الاستثناء إما أن يكون متصلًا أو منقطعًا، فإن كان متصلًا لم يجز استثناء الكذب ولا أماني القلب من الكتاب، وإن كان منقطعًا فالاستثناء المنقطع إنما يكون فيما كان نظير المذكور، وشبيهًا له من بعض الوجوه، فهو من جنسه الذي لم يذكر في اللفظ، ليس من جنس المذكور؛ ولهذا لا يصلح المنقطع حيث يصلح الاستثناء المفرغ، وذلك كقوله: ﴿لا يذوقون فيها الموت﴾ ثم قال: ﴿إلا الموتة الأولى﴾ [الدخان:٥٦]، فهذا منقطع؛ لأنه يحسن أن يقال: لا يذوقون إلا الموتة الأولى، ... وقوله: ﴿ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا﴾ [النساء:١٥٧] يصلح أن يقال: وما لهم إلا اتباع الظن، فهنا لَمّا قال: ﴿لا يعلمون الكتاب إلا أماني﴾ يحسن أن يقال: لا يعلمونه إلا أماني، فإنهم يعلمونه تلاوة يقرءونها ويسمعونها، ولا يحسن أن يقال: لا يعلمون إلا ما تتمناه قلوبهم، أو لا يعلمون إلا الكذب، فإنهم قد كانوا يعلمون ما هو صدق أيضًا، فليس كل ما علموه من علمائهم كان كذبًا، بخلاف الذي لا يعقل معنى الكتاب، فإنه لا يعلم إلا تلاوة. وأيضًا فهذه الأماني الباطلة التي تمنوها بقلوبهم وقالوها بألسنتهم -كقوله تعالى: ﴿تلك أمانيهم﴾- قد اشتركوا فيها كلهم، فلا يخص بالذم الأميون منهم، وليس لكونهم أميين مدخل في الذم بهذه، ولا لنفي العلم بالكتاب مدخل في الذم بهذه، بل الذم بهذه مما يعلم أنها باطل أعظم من ذم من لا يعلم أنها باطل؛ ولهذا لما ذم الله بها عَمَّم ولم يَخُصّ، فقال تعالى: ﴿وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم﴾ الآية [البقرة:١١١]، وأيضًا فإنه قال: ﴿وإن هم إلا يظنون﴾ فدل على أنه ذمهم على نفي العلم، وعلى أنه ليس معهم إلا الظن، وهذا حال الجاهل بمعاني الكتاب، لا حال من يعلم أنه يكذب، فظهر أن هذا الصنف ليس هم الذين يقولون بأفواههم الكذب والباطل، ولو أريد ذلك لقيل: لا يقولون إلا أماني، لم يقل: لا يعلمون الكتاب إلا أماني، بل ذلك الصنف هم الذين يُحَرِّفون الكلم عن مواضعه، ويلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب، ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله، ويكتبون الكتاب بأيديهم ليشتروا به ثمنًا قليلًا، فهم يحرفون معاني الكتاب، وهم يحرفون لفظه لمن لم يعرفه، ويكذبون في لفظهم وخطهم».
﴿وَإِنۡ هُمۡ إِلَّا یَظُنُّونَ ٧٨﴾ - تفسير
٢٥٦٩- عن عبد الله بن عباس -من طريق ابن إسحاق بسنده- في قوله: ﴿وإن هم إلا يظنون﴾، قال: وهم يجحدون نبوَّتك بالظَّنِّ[[أخرجه ابن جرير ٢/١٥٥، ١٦٢. وعزاه السيوطي إلى ابن إسحاق. ينظر: سيرة ابن هشام ١/٥٣٨.]]. (١/٤٣٢)
٢٥٧٠- عن أبي العالية -من طريق الربيع بن أنس- ﴿وإنْ هُمْ إلا يَظُنُّونَ﴾، قال:يظنون الظنون بغير الحق[[أخرجه ابن جرير ٢/١٦٣، وابن أبي حاتم ١/١٥٢.]]. (ز)
٢٥٧١- عن الربيع بن أنس -من طريق أبي جعفر-، مثله[[أخرجه ابن جرير ٢/١٦٣، وابن أبي حاتم ١/١٥٢.]]. (ز)
٢٥٧٢- عن مجاهد بن جبر -من طريق ابن أبي نَجِيح- في قوله: ﴿وإن هم إلا يظنون﴾، قال: إلا يكذبون[[تفسير مجاهد ص٢٠٨، وأخرجه ابن جرير ٢/١٦٢، وابن أبي حاتم ١/١٥٢. وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد.]]. (١/٤٣٢)
٢٥٧٣- عن قتادة بن دعامة -من طريق سعيد- ﴿وإن هم إلا يظنون﴾، قال: يظنون الظنون بغير الحق[[أخرجه ابن جرير ٢/١٦٢. وعلَّقه ابن أبي حاتم ١/١٥٢.]]. (ز)
﴿وَإِنۡ هُمۡ إِلَّا یَظُنُّونَ ٧٨﴾ - آثار متعلقة بالآية
٢٥٧٤- عن منصور قال: سألت إبراهيم [النخعي] عن ذبائح نصارى العرب. قال: لا بأس. ثم قرأ: ﴿ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني﴾[[أخرجه ابن أبي حاتم ١/١٥٢.]]. (ز)
٢٥٧٥- عن عطاء الخرساني، قال: لا بأس بذبائحهم، ألم تسمع الله يقول: ﴿ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب﴾ الآية؟![[أخرجه عبد الرزاق في مصنفه (٧٥٧٢، ١٠٠٤٢، ١٢٧١٧).]]. (ز)
{"ayah":"وَمِنۡهُمۡ أُمِّیُّونَ لَا یَعۡلَمُونَ ٱلۡكِتَـٰبَ إِلَّاۤ أَمَانِیَّ وَإِنۡ هُمۡ إِلَّا یَظُنُّونَ"}