الباحث القرآني
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (٨٢) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره مخبرًا عن موسى أنه قال للسحرة: ﴿ويحق الله الحق﴾ ، يقول: ويثبت الله الحق الذي جئتكم به من عنده، فيعليه على باطلكم، ويصححه = "بكلماته"، يعني: بأمره [[انظر تفسير " يحق الحق بكلماته " فيما سلف ١٣: ٤٠٧، تعليق: ٢، ٣، والمراجع هناك.]] = ﴿ولو كره المجرمون﴾ ، يعني الذين اكتسبوا الإثم بربِّهم، [[انظر بيان معنى " أثم بربه " فيما سلف ص: ١٥٥، تعليق: ٣:، والمراجع هناك.]] بمعصيتهم إياه.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ (٨٣) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فلم يؤمن لموسى، مع ما أتاهم به من الحجج والأدلّة ﴿إلا ذرية من قومه﴾ خائفين من فرعون وملئهم.
ثم اختلف أهل التأويل في معنى الذرية في هذا الموضع.
فقال بعضهم: الذرية في هذا الموضع: القليل.
* ذكر من قال ذلك:
١٧٧٧٤- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: ﴿فما آمن لموسى إلا ذرّية من قومه﴾ ، قال، كان ابن عباس يقول: "الذرية": القليل.
١٧٧٧٥- حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد قال، سمعت الضحاك يقول في قوله تعالى: ﴿فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه﴾ ، "الذرية"، القليل، كما قال الله تعالى: ﴿كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ﴾ [سورة الأنعام: ١٣٣]
* * *
وقال آخرون: معنى ذلك: فما آمن لموسى إلا ذرية من أرسل إليه موسى من بني إسرائيل لطول الزمان، لأن الآباء ماتوا وبقي الأبناء، فقيل لهم "ذرية"، لأنهم كانوا ذرية من هلك ممن أرسل إليهم موسى عليه السلام. [[انظر تفسير " الذرية " فيما سلف ١٢: ١٢٧، ١٢٨، تعليق: ١، والمراجع هناك.
وانظر تفسير بمعنى " القليل " في معاني القرآن للفراء ١: ٤٧٦.]]
* ذكر من قال ذلك:
١٧٧٧٦- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام، عن عنبسة، عن محمد بن عبد الرحمن، عن القاسم بن أبي بزة، عن مجاهد في قوله تعالى: ﴿فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه﴾ ، قال: أولاد الذين أرسل إليهم من طول الزمان، ومات آباؤهم.
١٧٧٧٧- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد=
١٧٧٧٨- وحدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، بنحوه.
١٧٧٧٩- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: ﴿فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه﴾ ، قال: أولاد الذين أرسل إليهم موسى، من طول الزمان ومات آباؤهم.
١٧٧٨٠- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا سفيان، عن الأعمش: ﴿فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم﴾ ، قال: أبناء أولئك الذين أرسل إليهم، فطال عليهم الزمان وماتت آباؤهم.
* * *
وقال آخرون: بل معنى ذلك: فما آمن لموسى إلا ذرية من قوم فرعون.
* ذكر من قال ذلك:
١٧٧٨١- حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: ﴿فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم﴾ ، قال: كانت الذرية التي آمنت لموسى من أناس غير بني إسرائيل، من قوم فرعون يسير، منهم: امرأة فرعون، ومؤمن آل فرعون، وخازن فرعون، وامرأة خازنه.
* * *
وقد روي عن ابن عباس خبرٌ يدل على خلاف هذا القول، وذلك ما:-
١٧٧٨٢- حدثني به المثنى قال، حدثنا أبو صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: ﴿ذرية من قومه﴾ ، يقول: بني إسرائيل.
* * *
=فهذا الخبر، ينبئ عن أنه كان يرى أن "الذرية" في هذا الموضع، [[في المطبوعة: " ينبئ عنه "، وأثبت ما في المخطوطة.]] هم بنو إسرائيل دون غيرهم من قوم فرعون.
* * *
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال عندي بتأويل الآية، القولُ الذي ذكرته عن مجاهد، وهو أن "الذرية"، في هذا الموضع أريد بها ذُرّية من أرسل إليه موسى من بني إسرائيل، فهلكوا قبل أن يقرُّوا بنبوته لطول الزمان، فأدركت ذريّتهم، فآمن منهم من ذكر الله، بموسى.
وإنما قلت: "هذا القولُ أولى بالصواب في ذلك"، لأنه لم يجر في هذه الآية ذكرٌ لغير موسى، فَلأن تكون "الهاء"، في قوله: "من قومه"، من ذكر موسى لقربها من ذكره، أولى من أن تكون من ذكر فرعون، لبعد ذكره منها، إذ لم يكن بخلاف ذلك دليلٌ، من خبرٍ ولا نظرٍ.
وبعدُ، فإن في قوله: ﴿على خوف من فرعون وملئهم﴾ ، الدليلُ الواضح على أن الهاء في قوله: ﴿إلا ذرية من قومه﴾ ، من ذكر موسى، لا من ذكر فرعون، لأنها لو كانت من ذكر فرعون لكان الكلام، "على خوف منه"، ولم يكن ﴿على خوف من فرعون﴾ .
* * *
وأما قوله: ﴿على خوف من فرعون﴾ ، فإنه يعني على حال خوف ممن آمن من ذرية قوم موسى بموسى = فتأويل الكلام: فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه، من بني إسرائيل، وهم خائفون من فرعون وملئهم أن يفتنوهم.
* * *
وقد زعم بعض أهل العربية أنه إنما قيل: "فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه"، لأن الذين آمنوا به إنما كانت أمهاتهم من بني إسرائيل، وآباؤهم من القبط، فقيل لهم "الذرية"، من أجل ذلك، كما قيل لأبناء الفرس الذين أمهاتهم من العرب وآباؤهم من العجم: "أبناء". [[هو الفراء في معاني القرآن ١: ٤٧٦.]] .
والمعروف من معنى "الذرية" في كلام العرب: أنها أعقاب من نسبت إليه من قبل الرجال والنساء، كما قال جل ثناؤه: ﴿ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ﴾ ، [سورة الإسراء: ٣] ، وكما قال: ﴿وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ﴾ ثم قال بعد: ﴿وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ﴾ ، [سورة الأنعام: ٨٤، ٨٥] ، فجعل من كان من قبل الرجال والنساء من ذرية إبراهيم.
* * *
وأما قوله: ﴿وملئهم﴾ ، فإن "الملأ": الأشراف. [[انظر تفسير " الملأ " فيما سلف ص: ١٥٥ تعليق: ١، والمراجع هناك.]] وتأويل الكلام: على خوف من فرعون ومن أشرافهم.
* * *
واختلف أهل العربية فيمن عُني بالهاء والميم اللتين في قوله: ﴿وملئهم﴾ ، فقال بعض نحويي البصرة: عُني بها الذرية. وكأنّه وجَّه الكلام إلى: ﴿فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه، على خوف من فرعون﴾ وملأ الذرِّية من بني إسرائيل.
* * *
وقال بعض نحويي أهل الكوفة: [[في المطبوعة: " نحويي الكوفة "، وأثبت ما في المخطوطة ".]]
عني بهما فرعون. قال: وإنما جاز ذلك وفرعون واحد، لأن الملك إذا ذكر بخوفٍ أو سفر أو قدوم من سفر، [[في المطبوعة: "الخوف"، والصواب من معاني القرآن للفراء. أما المخطوطة فقد أسقط ناسخها وكتب: "لأن الملك، وقال: ألا ترى".]] ذهب الوهم إليه وإلى من معه. وقال: ألا ترى أنك تقول: "قدم الخليفة فكثر الناس"، تريد، بمن معه = "وقدم فغلت الأسعار"، لأنك تنوي بقدومه قدوم من معه. [[في المطبوعة ": لأنا ننوي بقدومه. . . "، وفي المخطوطة: " لأنا ننوي بقدومه وقدوم من معه "، وهو خطأ، وأثبت ما في معاني القرآن للفراء.]]
* * *
قال: وقد يكون أن تريد أن بـ "فرعون" آل فرعون، وتحذف "الآل"، [[في المطبوعة، " وبحذف "، وفي المخطوطة: " فتحذف آل فرعون "، وهو خطأ، صوابه من معاني القرآن.]] فيجوز، كما قال: ﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ﴾ ، [سورة يونس: ٨٢] ، يريد أهل القرية، والله أعلم. قال: ومثله قوله: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ﴾ ، [سورة الطلاق: ١] . [[هذا الذي مضى نص مقالة الفراء في معاني القرآن ١: ٤٧٦، ٤٧٧.]]
* * *
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب قول من قال: "الهاء والميم" عائدتان على "الذرية". ووجَّه معنى الكلام إلى أنه: على خوف من فرعون، وملأ الذرية = لأنه كان في ذرية القرن الذين أرسل إليهم موسى من كان أبوه قبطيًا وأمه إسرائيلية. فمن كان كذلك منهم، كان مع فرعون على موسى.
* * *
وقوله: ﴿أن يفتنهم﴾ ، يقول: كان إيمان من آمن من ذرية قوم موسى على خوف من فرعون = "أن يفتنهم" بالعذاب، فيصدّهم عن دينهم، ويحملهم على الرجوع عن إيمانهم والكفر بالله. [[انظر تفسير " الفتنة " فيما سلف من فهارس اللغة (فتن) .]]
وقال: ﴿أن يفتنهم﴾ ، فوحَّد ولم يقل: "أن يفتنوهم"، لدليل الخبر عن فرعون بذلك: أن قومه كانوا على مثل ما كان عليه، لما قد تقدم من قوله: ﴿على خوف من فرعون وملئهم﴾ .
* * *
وقوله: ﴿وإن فرعون لعال في الأرض﴾ ، يقول تعالى ذكره: وإن فرعون لجبّارٌ مستكبر على الله في أرضه = "وإنه لمن المسرفين"، وإنه لمن المتجاوزين الحقّ إلى الباطل، [[انظر تفسير " الإسراف " فيما سلف ص: ٣٧، تعليق: ٢، والمراجع هناك.]] وذلك كفره بالله وتركه الإيمان به، وجحودُه وحدانية الله، وادّعاؤه لنفسه الألوهة، وسفكه الدماء بغير حِلِّها.
{"ayahs_start":82,"ayahs":["وَیُحِقُّ ٱللَّهُ ٱلۡحَقَّ بِكَلِمَـٰتِهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُجۡرِمُونَ","فَمَاۤ ءَامَنَ لِمُوسَىٰۤ إِلَّا ذُرِّیَّةࣱ مِّن قَوۡمِهِۦ عَلَىٰ خَوۡفࣲ مِّن فِرۡعَوۡنَ وَمَلَإِی۟هِمۡ أَن یَفۡتِنَهُمۡۚ وَإِنَّ فِرۡعَوۡنَ لَعَالࣲ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَإِنَّهُۥ لَمِنَ ٱلۡمُسۡرِفِینَ"],"ayah":"فَمَاۤ ءَامَنَ لِمُوسَىٰۤ إِلَّا ذُرِّیَّةࣱ مِّن قَوۡمِهِۦ عَلَىٰ خَوۡفࣲ مِّن فِرۡعَوۡنَ وَمَلَإِی۟هِمۡ أَن یَفۡتِنَهُمۡۚ وَإِنَّ فِرۡعَوۡنَ لَعَالࣲ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَإِنَّهُۥ لَمِنَ ٱلۡمُسۡرِفِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق