الباحث القرآني
وهي ستون آية مكية
قول الله سبحانه وتعالى: الم غُلِبَتِ الرُّومُ يعني قهرت الروم فِي أَدْنَى الْأَرْضِ مما يلي فارس يعني أرض الأردن وفلسطين وَهُمْ يعني أهل الروم مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ أهلَ فارس، وذلك أن النبيّ ﷺ كتب إلى قيصر، ملك الروم، يدعوه إلى الإسلام، فقرأ كتابه، وقبّله ووضعه على عينيه، وختمه بخاتمه، ثم أوثقه على صدره، ثم كتب جواب كتابه: إنا نشهد أنك نبي ولكنا لا نستطيع أن نترك الدين القديم الذي اصطفى الله لعيسى، فعجب النبيّ ﷺ وقال: «قَدْ ثَبَّتَ الله مُلْكَهُمْ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إلَى أدْنَى الأَرْضِ مِنْهَا بِفَتْحِ الله عَزَّ وَجَلَّ عَلَى المُسْلِمِينَ» .
وكتب إلى كسرى ملك فارس فمزَّق كتابه، ورجع الرسول بعد ما أراد قتله، فأخبر النبي ﷺ بذلك، فقال ﷺ: «قَد مَزَّقَ الله مُلُكهم فلا مُلكَ لَهُمْ أبَداً. إذا ماتَ كِسْرَى فلا كِسْرَى بَعْدَهُ» فلمّا ظهرت فارس على الروم اغتمَّ المسلمون لذلك، فنزل قوله تعالى: الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ.
وقال في رواية الكلبي: إن مشركي قريش شتموا حين غلب المشركون أهل الكتاب، فقال لهم أبو بكر- رضي الله عنه- لم تشتمون؟ فو الله ليظهرنَّ الروم عليهم. فقال أبيُّ بن خلف: والله لا يكون ذلك أبداً فتبايعا أبو بكر وأبيّ بن خلف لتظهرن الروم على أهل فارس إلى ثلاث سنين على تسع ذود. فرجع أبو بكر إلى النبيّ ﷺ، وأخبره بالأمر، فقال النبي ﷺ:
«انْطلِقْ فَزِدْهُ فِي الخَطَرِ، وَمُدَّهُ فِي الأجَلِ» فرجعَ أبو بكر إلى أبيّ بن خلف، فقال: أنا أبايعك إلى سبع سنين على عشرة ذَود، فبايعه فلما خشي أبيّ بن خلف أن يخرج أبو بكر من مكة إلى المدينة مهاجراً أتاه فلزمه، فكفل له عبد الرحمن بن أبي بكر. فلما أراد أبي بن خلف أن يخرج إلى أحدُ أتاه محمد بن أبي بكر، فلزمه، فأعطاه كفيلاً، ثم خرج إلى أحدُ فظهرت الرُّوم على فارس عام الحديبية، وذلك عند رأس سبع سنين، فذلك قوله: وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ.
وروى أسباط، عن السدي، عن أصحابه، قال: اقتتلت فارس والروم، فغلبتهم فارس، ففخر أبو سفيان بن حرب على المسلمين، وقال: الذين ليس لهم كتاب غلبوا على الذين لهم كتاب، فشقَّ ذلك على المسلمين، فلقي أبو بكر رضي الله عنه أبا سفيان، فقامره على ثلاثة أبكار على أنَّ الروم ستغلب فارس إلى ثلاث سنين، ثم أتى النبيّ ﷺ فأخبره، فقال له:
«انْطَلِقْ فَزِدْ فِي الجَعْلِ، وَزِدْ في السِّنِينَ» . فزايده إلى سبع سنين على سبعة أبكار. فالتقى الروم وفارس، فغلبتهم الروم، وظهر عليهم هرقل، فجاءه جبريل- عليه السلام- بهزيمة فارس، وظهور الرّوم عليهم، ووافق ذلك يوم بدر وظهور النبيّ ﷺ على المشركين، ففرح المؤمنون بظهورهم على المشركين، وظهور أهل الكتاب على أهل الشرك.
ويقال إن أهل الروم كانوا أهل كتاب، وكان المسلمون يرجون إسلامهم، وأهل فارس كانوا مجوساً، فكان المسلمون لا يرجون إسلامهم، وكانوا يحزنون لغلبة فارس عليهم فنزل الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ أي أقرب الأرض إلى أرض فارس وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ روي عن الفراء أنه قال: يعني من بعد غلبتهم، ولكن عند الإضافة سقطت الهاء، كما قال: وَأَقامَ الصَّلاةَ [الأنبياء: 73] ولم يقل: وإقامة الصلاة.
وقال الزجاج: هذا غلط، وإنا يجوز ذلك في المعتلّ خاصة. والغلب والغلبة كلاهما مصدر. وسَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ يعني إلى خمس سنين، ويقال: إلى سبع سنين.
روي عن أبي عبيدة أنه قال: البضع من واحد إلى أربعة. وقال القتبي: البضع ما فوق الثلاثة إلى دون العشرة. وقال مجاهد: البضع ما بين الثلاث إلى التسع، ويقال مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ وهذا اللفظ يكون للغالبين وللمغلوبين كقولهم من بعد قتلهم.
ثم قال عز وجل: لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ يعني لله الأمر حين غلبت الروم فارس وَمِنْ بَعْدُ يعني حين غلبت الروم فارس.
ولفظ القبل والبعد إذا كان في آخر الكلام يكون رفعاً على معنى الإضافة للغاية، ولو كان إضافة إلى شيء يكون خفضاً، كقولك: من بعدهم ومن قبلهم.
ثم قال: وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ لما يرجون من إسلامهم، ويقال: يفرح أبو بكر رضي الله عنه خاصة، ويقال: يفرح المؤمنون بتصديق وعد الله تعالى. وروي عن الشعبي أنه قال: كان ذلك عام الحديبية، فغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فبايعوه مبايعة الرضوان، ووعد لهم غنائم خيبر، وظهرت الروم على فارس، وكان تصديقاً لهذه الآية وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ وإنَّما جازت مخاطرة أبي بكر- رضي الله عنه- لأن المخاطرة كانت مباحة في ذلك الوقت، ثم حرمت بقوله: إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ [المائدة: 90] الآية، ثم قال بِنَصْرِ اللَّهِ يعني بفتح الله يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ يعني نصر الله محمداً ﷺ وأصحابه وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ بالمؤمنين حين نصرهم.
قوله عز وجل: وَعْدَ اللَّهِ نصب الوعد لأنه مصدر، ومعناه وعد الله وعداً يعني انتصروا وعد الله.
ثم قال: لاَ يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ حيث وعد لهم غلبة الروم وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ يعني الكفار لا يعلمون أن الله عَزَّ وَجَلَّ لاَ يخلف وعده، ويقال: لا يعلمون الآخرة.
{"ayahs_start":1,"ayahs":["الۤمۤ","غُلِبَتِ ٱلرُّومُ","فِیۤ أَدۡنَى ٱلۡأَرۡضِ وَهُم مِّنۢ بَعۡدِ غَلَبِهِمۡ سَیَغۡلِبُونَ","فِی بِضۡعِ سِنِینَۗ لِلَّهِ ٱلۡأَمۡرُ مِن قَبۡلُ وَمِنۢ بَعۡدُۚ وَیَوۡمَىِٕذࣲ یَفۡرَحُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ","بِنَصۡرِ ٱللَّهِۚ یَنصُرُ مَن یَشَاۤءُۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلرَّحِیمُ","وَعۡدَ ٱللَّهِۖ لَا یُخۡلِفُ ٱللَّهُ وَعۡدَهُۥ وَلَـٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا یَعۡلَمُونَ"],"ayah":"وَعۡدَ ٱللَّهِۖ لَا یُخۡلِفُ ٱللَّهُ وَعۡدَهُۥ وَلَـٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا یَعۡلَمُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق