الباحث القرآني
قوله عز وجل: تَبارَكَ وقد ذكرناه الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً يعني: خلق في السماء بروجاً، يعني: نجوماً وكواكب. ويقال: قصوراً. وذكر أنه جعل في القصور حراساً، كما قال في موضع آخر: وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً [الجن: 8] الآية.
ويقال: البروج الكواكب العظام، وكل ظاهر مرتفع فهو برج، وإنما قيل لها بروج لظهورها وارتفاعها، ثم قال تعالى: وَجَعَلَ فِيها يعني: خلق فيها سِراجاً يعني: شمساً وَقَمَراً مُنِيراً يعني: منوراً مضيئاً. قرأ حمزة والكسائي سُرُجاً بلفظ الجمع، يعني:
الكواكب. وقرأ الباقون سِراجاً وبه قال أبو عبيدة: بهذا نقرأ. كقوله: وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً ولأنه قد ذكر الكواكب بقوله: بُرُوجاً.
ثم قال عز وجل: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ أي: خلق الليل والنهار خِلْفَةً لِمَنْ أَرادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أي خليفة يخلف كل واحد منهما صاحبه. يذهب الليل ويجيء النهار، ويذهب النهار ويجيء الليل، ويقال: خِلْفَةً يعني: مخالفاً بعضه لبعض، أحدهما أبيض، والآخر أسود، فهما مختلفان كقوله عز وجل: إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ الآية.
وروي عن الحسن أنه قال: النهار خلف من الليل لمن أراد أن يعمل بالليل فيفوته فيقضي، فإذا فاته بالنهار يقضي بالليل لمن أراد أن يذكر. قرأ حمزة يَذَّكَّرَ بالتخفيف في الذال، وضم الكاف. يعني: يذكر ما نسي إذا رأى اختلاف الليل والنهار. وقرأ الباقون بالتشديد وأصله: يتذكر يعني: يتعظ في اختلافهما، ويستدل بهما أَوْ أَرادَ شُكُوراً يعني: العمل الصالح ويترك ما هو عليه من المعصية. ويقال: أَوْ أَرادَ شُكُوراً، أي توحيداً وإقراراً، فيمكنه ذلك.
قوله عز وجل: وَعِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ يعني: وإن من عباد الرحمن عباداً يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً يعني: يمضون متواضعين، وهذا جواب لقولهم وَمَا الرَّحْمنُ أَنَسْجُدُ؟
فقال: الرحمن الذي جعل في السماء بروجاً، وهو الذي له عباد مثل هؤلاء. يعني: أصحاب النبيّ ﷺ، ومن كان مثل حالهم، وهذا كقوله: جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ [مريم: 61] وكقوله: فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ [الزمر: 17] الآية.
وقال مجاهد: يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً قال: في طاعة الله متواضعين. ويقال:
هَوْناً، أي: هيناً لا جور منهم على أحد ولا أذى. ويقال: هَوْناً يعني: سكينة ووقاراً وحلماً. وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ يعني: كلمهم الجاهلون بالجهل قالُوا سَلاماً يعني:
سداداً من القول. ويقال: ردوا إليهم بالجميل. وقال الحسن: يعني: حلماً لا يجهلون، وإن جهل عليهم حلموا. وقال الكلبي: نسخت بآية القتال. وقال بعضهم: هذا خطأ، لأن هذا ليس بأمر، ولكنه خير من حالهم، والنسخ يجري في الأمر والنهي.
ثُمَّ وصف حال لياليهم فقال عز وجل: وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً يعني: يقومون بالليل في الصلاة سجداً وَقِياماً يعني: يكونون في ليلتهم مرة ساجدين، ومرة قائمين. وروي عن ابن عباس أنه كان يقول: «من صلى ركعتين أو أربعاً بعد العشاء، فقد بات لله ساجداً وقائماً» .
ثم وصف خوفهم فقال: إنهم مع جهدهم خائفون من عذاب الله عز وجل، ويتعوذون منه فقال عز وجل: وَالَّذِينَ يَقُولُونَ يعني: عباد الرحمن رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً يعني: لازماً لا يفارق صاحبه. وقال بعض أهل اللغة: الغرام في اللغة أشد العذاب. وقال محمد بن كعب القرظي: إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً. قال: سألهم ثمن النعم، فلم يأتوا بثمنها، فأغرمهم ثمن النعم، وأدخلهم النار، ثم قال: إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً يعني:
بئس المستقر، وبئس الخلود، والمقام الخلود كقوله: دارَ الْمُقامَةِ [فاطر: 35] يعني: دار الخلود. ويقال: نصب المستقر للتمييز، ومعناه: لأنها ساءت في المستقر.
ثم قال عز وجل: وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وقرأ نافع وابن عامر يَقْتُرُوا بضم الياء وكسر التاء. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو لَمْ يَقْتُرُوا بنصب الياء وكسر التاء.
وقرأ أهل الكوفة بنصب الياء وضم التاء، ومعنى ذلك كله واحد. يعني: لم يسرفوا، فينفقوا في معصية الله تعالى، ولم يقتروا فيمسكوا عن الطاعة وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً يعني: بين ذلك عدلاً ووسطاً. وقال الحسن: ما أنفق الرجل على أهله في غير إسراف ولا فساد ولا إقتار، فهو في سبيل الله تعالى. وقال مجاهد: لو كان لرجل مثل أبي قبيس ذهباً، فأنفقه في طاعة الله لم يكن مسرفاً، ولو أنفق درهماً في معصية الله تعالى كان مسرفا.
{"ayahs_start":61,"ayahs":["تَبَارَكَ ٱلَّذِی جَعَلَ فِی ٱلسَّمَاۤءِ بُرُوجࣰا وَجَعَلَ فِیهَا سِرَ ٰجࣰا وَقَمَرࣰا مُّنِیرࣰا","وَهُوَ ٱلَّذِی جَعَلَ ٱلَّیۡلَ وَٱلنَّهَارَ خِلۡفَةࣰ لِّمَنۡ أَرَادَ أَن یَذَّكَّرَ أَوۡ أَرَادَ شُكُورࣰا","وَعِبَادُ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلَّذِینَ یَمۡشُونَ عَلَى ٱلۡأَرۡضِ هَوۡنࣰا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ ٱلۡجَـٰهِلُونَ قَالُوا۟ سَلَـٰمࣰا","وَٱلَّذِینَ یَبِیتُونَ لِرَبِّهِمۡ سُجَّدࣰا وَقِیَـٰمࣰا","وَٱلَّذِینَ یَقُولُونَ رَبَّنَا ٱصۡرِفۡ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَۖ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا","إِنَّهَا سَاۤءَتۡ مُسۡتَقَرࣰّا وَمُقَامࣰا","وَٱلَّذِینَ إِذَاۤ أَنفَقُوا۟ لَمۡ یُسۡرِفُوا۟ وَلَمۡ یَقۡتُرُوا۟ وَكَانَ بَیۡنَ ذَ ٰلِكَ قَوَامࣰا"],"ayah":"تَبَارَكَ ٱلَّذِی جَعَلَ فِی ٱلسَّمَاۤءِ بُرُوجࣰا وَجَعَلَ فِیهَا سِرَ ٰجࣰا وَقَمَرࣰا مُّنِیرࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق