الباحث القرآني

قوله تعالى: (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) قَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَابْنُ عَامِرٍ: "خَلْقَهُ" بِإِسْكَانِ اللَّامِ. وَفَتَحَهَا الْبَاقُونَ. وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو حَاتِمٍ طَلَبًا لِسُهُولَتِهَا. وَهُوَ فِعْلٌ مَاضٍ فِي مَوْضِعِ خَفْضِ نَعْتٍ لِ"- شَيْءٍ". وَالْمَعْنَى عَلَى مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أحكم كل شي خَلَقَهُ، أَيْ جَاءَ بِهِ عَلَى مَا أَرَادَ، لَمْ يَتَغَيَّرْ عَنْ إِرَادَتِهِ. وَقَوْلٌ آخَرُ- إِنَّ كل شي خَلَقَهُ حَسَنٌ، لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِهِ، وَهُوَ دَالٌّ عَلَى خَالِقِهِ. وَمَنْ أَسْكَنَ اللَّامَ فَهُوَ مَصْدَرٌ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: "أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ" يَدُلُّ عَلَى: خلق كل شي خلقا، فهو مثل: ﴿صُنْعَ اللَّهِ﴾[[راجع ج ١٣ ص ٢٣٩ فما بعد.]] [النمل: ٨٨] و ﴿كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾[[راجع ج ٥ ص ١٢٠.]] [النساء: ٢٤]. وَعِنْدَ غَيْرِهِ مَنْصُوبٌ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ "كُلَّ" أي الذي أحسن خلق كل شي. وَهُوَ مَفْعُولٌ ثَانٍ عِنْدِ بَعْضِ النَّحْوِيِّينَ، عَلَى أَنْ يَكُونَ مَعْنَى: "أَحْسَنَ" أَفْهَمَ وَأَعْلَمَ، فَيَتَعَدَّى إلى مفعولين، أي أفهم كل شي خَلَقَهُ. وَقِيلَ: هُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى التَّفْسِيرِ، وَالْمَعْنَى: أحسن كل شي خَلْقًا. وَقِيلَ: هُوَ مَنْصُوبٌ بِإِسْقَاطِ حَرْفِ الْجَرِّ، والمعنى: أحسن كل شي فِي خَلْقِهِ. وَرُوِيَ مَعْنَاهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ و "أَحْسَنَ" أَيْ أَتْقَنَ وَأَحْكَمَ، فَهُوَ أَحْسَنَ مِنْ جِهَةِ مَا هُوَ لِمَقَاصِدِهِ الَّتِي أُرِيدَ لَهَا. وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعِكْرِمَةُ: لَيْسَتِ اسْتُ الْقِرْدِ بِحَسَنَةٍ، وَلَكِنَّهَا مُتْقَنَةٌ مُحْكَمَةٌ. وَرَوَى ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ "أَحْسَنَ كُلَّ شي خَلَقَهُ" قَالَ: أَتْقَنَهُ. وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ تَبَارَكَ وتعالى: ﴿الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ﴾[[راجع ج ١١ ص ٢٠٣ فما بعد.]] [طه: ٥٠] أَيْ لَمْ يَخْلُقِ الْإِنْسَانَ عَلَى خَلْقِ الْبَهِيمَةِ، وَلَا خَلَقَ الْبَهِيمَةَ [عَلَى] خَلْقِ الْإِنْسَانِ. وَيَجُوزُ: "خَلْقُهُ" بِالرَّفْعِ، عَلَى تَقْدِيرِ ذَلِكَ خَلْقُهُ. وَقِيلَ: هُوَ عُمُومٌ فِي اللَّفْظِ خُصُوصٌ فِي الْمَعْنَى، والمعنى: حسن خلق كل شي حَسَنٍ. وَقِيلَ: هُوَ عُمُومٌ فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى، أي جعل كل شي خَلَقَهُ حَسَنًا، حَتَّى جَعَلَ الْكَلْبَ فِي خَلْقِهِ حَسَنًا، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ. وَقَالَ قَتَادَةُ: فِي اسْتِ الْقِرْدِ حَسَنَةٌ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ﴾ يَعْنِي آدَمَ. (ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ) تَقَدَّمَ فِي "الْمُؤْمِنُونَ" وَغَيْرِهَا [[راجع ج ١٢ ص ١٠٩.]]. قَالَ الزَّجَّاجُ: "مِنْ ماءٍ مَهِينٍ" ضعيف. وَقَالَ غَيْرُهُ: "مَهِينٍ" لَا خَطَرَ لَهُ عِنْدَ الناس. (ثُمَّ سَوَّاهُ) رَجَعَ إِلَى آدَمَ، أَيْ سَوَّى خَلْقَهُ (وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ) ثُمَّ رَجَعَ إِلَى ذُرِّيَّتِهِ فَقَالَ: "وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ" وَقِيلَ: ثُمَّ جَعَلَ ذَلِكَ الْمَاءَ الْمَهِينَ خَلْقًا مُعْتَدِلًا، وَرَكَّبَ فِيهِ الرُّوحَ وَأَضَافَهُ إِلَى نَفْسِهِ تَشْرِيفًا. وَأَيْضًا فَإِنَّهُ مِنْ فِعْلِهِ وَخَلْقِهِ كَمَا أَضَافَ الْعَبْدَ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ: "عَبْدِي". وَعَبَّرَ عَنْهُ بِالنَّفْخِ لِأَنَّ الرُّوحَ فِي جِنْسِ الرِّيحِ. وَقَدْ مَضَى هَذَا مُبَيَّنًا فِي "النِّسَاءِ" [[راجع ج ٦ ص ٢٢.]] وَغَيْرِهَا. (قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ) أَيْ ثُمَّ أَنْتُمْ لَا تَشْكُرُونَ بل تكفرون.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب