الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا مَا لَوْنُها﴾ "مَا" اسْتِفْهَامٌ مُبْتَدَأَةٌ وَ "لَوْنُها" الْخَبَرُ. وَيَجُوزُ نَصْبُ "لَوْنُهَا" بِ"- يُبَيِّنُ"، وَتَكُونُ "مَا" زَائِدَةٌ. وَاللَّوْنُ وَاحِدُ الْأَلْوَانِ وَهُوَ هَيْئَةٌ كَالسَّوَادِ وَالْبَيَاضِ وَالْحُمْرَةِ. وَاللَّوْنُ: النَّوْعُ. وَفُلَانٌ مُتَلَوِّنٌ: إِذَا كَانَ لا يثبت على خلق وَاحِدٍ وَحَالٍ وَاحِدٍ، قَالَ: كُلُّ يَوْمٍ تَتَلَوَّنُ ... غَيْرَ هَذَا بِكَ أَجْمَلُ وَلَوَّنَ الْبُسْرُ تَلْوِينًا: إِذَا بَدَا فِيهِ أَثَرُ النُّضْجِ. وَاللَّوْنُ: الدَّقَلُ، وَهُوَ ضَرْبٌ مِنَ النَّخْلِ. قَالَ الْأَخْفَشُ: هُوَ جَمَاعَةٌ، وَاحِدُهَا لِينَةٌ. قَوْلُهُ: (صَفْراءُ) جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّهَا صَفْرَاءُ اللَّوْنِ، مِنَ الصُّفْرَةِ الْمَعْرُوفَةِ. قَالَ مَكِّيٌّ عَنْ بَعْضِهِمْ: حَتَّى الْقَرْنُ وَالظَّلْفُ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَابْنُ جُبَيْرٍ: كَانَتْ صَفْرَاءَ الْقَرْنِ وَالظَّلْفِ فَقَطْ. وَعَنِ الْحَسَنِ أَيْضًا: "صَفْراءُ" مَعْنَاهُ سَوْدَاءُ، قَالَ الشَّاعِرُ: [[القائل هو الأعشى كما في اللسان.]] تِلْكَ خَيْلِي مِنْهُ وَتِلْكَ رِكَابِي ... هُنَّ صُفْرٌ أَوْلَادُهَا كَالزَّبِيبِ قُلْتُ: وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّهُ الظَّاهِرُ، وَهَذَا شَاذٌّ لَا يُسْتَعْمَلُ مَجَازًا إِلَّا فِي الْإِبِلِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿كَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ﴾ [المرسلات: ٣٣] وَذَلِكَ أَنَّ السُّودَ مِنَ الْإِبِلِ سَوَادُهَا صُفْرَةٌ. وَلَوْ أَرَادَ السَّوَادَ لَمَا أَكَّدَهُ بِالْفُقُوعِ، وَذَلِكَ نَعْتٌ مُخْتَصٌّ بِالصُّفْرَةِ، وَلَيْسَ يُوصَفُ السَّوَادُ بِذَلِكَ تَقُولُ الْعَرَبُ: أَسْوَدُ حَالِكٌ وَحَلَكُوكٌ وَحُلْكُوكٌ، وَدَجُوجِيٌّ وَغِرْبِيبٌ، وَأَحْمَرُ قَانِئٌ، وَأَبْيَضُ نَاصِعٌ وَلَهِقٌ وَلِهَاقٌ وَيَقَقٌ، وَأَخْضَرُ نَاضِرٌ، وَأَصْفَرُ فَاقِعٌ، هَكَذَا نَصَّ نقلة اللغة عن العرب. قال الْكِسَائِيُّ: يُقَالُ فَقَعَ لَوْنُهَا يَفْقَعُ فُقُوعًا إِذَا خَلَصَتْ صُفْرَتُهُ. وَالْإِفْقَاعُ: سُوءُ الْحَالِ. وَفَوَاقِعُ الدَّهْرِ بَوَائِقُهُ. وَفَقَّعَ بِأَصَابِعِهِ إِذَا صَوَّتَ، وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: نَهَى عَنِ التَّفْقِيعِ فِي الصَّلَاةِ، وَهِيَ الْفَرْقَعَةُ، وَهِيَ غَمْزُ الْأَصَابِعِ حَتَّى تُنْقِضَ [[كل صوت لمفصل وإصبع فهو نقيض.]]. وَلَمْ يَنْصَرِفْ "صَفْراءُ" فِي مَعْرِفَةٍ وَلَا نَكِرَةٍ، لِأَنَّ فِيهَا أَلِفَ التَّأْنِيثِ وَهِيَ مُلَازَمَةٌ فَخَالَفَتِ الْهَاءَ، لِأَنَّ مَا فِيهِ الْهَاءُ يَنْصَرِفُ فِي النَّكِرَةِ، كَفَاطِمَةَ وَعَائِشَةَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فاقِعٌ لَوْنُها﴾ يُرِيدُ خَالِصًا لَوْنُهَا لَا لَوْنَ فِيهَا سِوَى لَوْنِ جِلْدِهَا. (تَسُرُّ النَّاظِرِينَ) قَالَ وَهْبٌ: كَأَنَّ شُعَاعَ الشَّمْسِ يَخْرُجُ مِنْ جِلْدِهَا، وَلِهَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الصُّفْرَةُ تَسُرُّ النَّفْسَ. وَحَضَّ عَلَى لِبَاسِ النِّعَالِ الصُّفْرِ، حَكَاهُ عَنْهُ النَّقَّاشُ. وَقَالَ علي ابن أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: مَنْ لَبِسَ نَعْلَيْ جِلْدٍ أَصْفَرَ قَلَّ هَمُّهُ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: "صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ" حَكَاهُ عَنْهُ الثَّعْلَبِيُّ. وَنَهَى ابْنُ الزُّبَيْرِ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ لِبَاسِ النِّعَالِ السُّودِ، لِأَنَّهَا تُهِمُّ. وَمَعْنَى "تَسُرُّ" تُعْجِبُ. وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: مَعْنَاهُ فِي سَمْتِهَا وَمَنْظَرِهَا فَهِيَ ذَاتُ وصفين، والله أعلم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب