الباحث القرآني

(p-١٩٨)ولَمّا كانَ أهَمُّ شَيْءٍ لِلْحَيَوانِ؛ بَعْدَ الرّاحَةِ مِن هَمِّ المَقِيلِ؛ الأكْلَ؛ ثَنّى بِهِ؛ ولَمّا كانَ عامًّا في كُلِّ ثَمَرٍ؛ ذَكَرَهُ بِحَرْفِ التَّراخِي؛ إشارَةً إلى عَجِيبِ الصُّنْعِ في ذَلِكَ؛ وتَيْسِيرِهِ لَها؛ فَقالَ (تَعالى): ﴿ثُمَّ كُلِي﴾؛ وأشارَ إلى كَثْرَةِ الرِّزْقِ بِقَوْلِهِ (تَعالى): ﴿مِن كُلِّ الثَّمَراتِ﴾؛ قالُوا: مِن أجْزاءٍ لَطِيفَةٍ تَقَعُ عَلى أوْراقِ الأشْجارِ مِنَ الظِّلِّ؛ وقالَ بَعْضُهُمْ: مِن نَفْسِ الأزْهارِ والأوْراقِ. ولَمّا أذِنَ لَها في ذَلِكَ كُلِّهِ؛ وكانَ مِنَ المَعْلُومِ عادَةً أنَّ تَعاطِيَهُ لا يَكُونُ إلّا بِمَشَقَّةٍ عَظِيمَةٍ في مُعاناةِ السَّيْرِ إلَيْهِ؛ نَبَّهَ عَلى خَرْقِهِ لِلْعادَةِ في تَيْسِيرِهِ لَها؛ فَقالَ (تَعالى): ﴿فاسْلُكِي﴾؛ أيْ: فَتَسَبَّبَ عَنِ الإذْنِ في الأكْلِ الإذْنُ في السَّيْرِ إلَيْهِ؛ ﴿سُبُلَ رَبِّكِ﴾؛ أيْ: المُحْسِنِ إلَيْكِ بِهَذِهِ التَّرْبِيَةِ العَظِيمَةِ؛ لِأجْلِ الأكْلِ؛ ذاهِبَةً إلَيْهِ وراجِعَةً إلى بُيُوتِكِ؛ حالَ كَوْنِ السُّبُلِ ﴿ذُلُلا﴾؛ أيْ: مُوَطَّأةً لِلسُّلُوكِ؛ مُسَهَّلَةً؛ كَما قالَ (تَعالى): ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ ذَلُولا﴾ [الملك: ١٥]؛ وأشارَ بِاسْمِ الرَّبِّ إلى أنَّهُ لَوْلا عَظِيمُ إحْسانِهِ في تَرْبِيَتِها لَما اهْتَدَتْ إلى ذَلِكَ؛ ثُمَّ أتْبَعَهُ نَتِيجَةَ ذَلِكَ؛ جَوابًا لِمَن كَأنَّهُ قالَ: ماذا يَكُونُ عَنْ هَذا كُلِّهِ؟ فَقالَ (تَعالى): ﴿يَخْرُجُ مِن بُطُونِها﴾؛ بِلَفْتِ الكَلامِ؛ لِعَدَمِ قَصْدِها إلى هَذِهِ النَّتِيجَةِ؛ ﴿شَرابٌ﴾؛ أيُّ شَرابٍ! وهو العَسَلُ؛ لِأنَّهُ؛ مَعَ كَوْنِهِ مِن أجَلِّ المَآكِلِ؛ هو مِمّا يُشْرَبُ؛ ﴿مُخْتَلِفٌ ألْوانُهُ﴾ (p-١٩٩)مِن أبْيَضَ؛ وأحْمَرَ؛ وأصْفَرَ؛ وغَيْرِ ذَلِكَ؛ اخْتِلافًا دالًّا عَلى أنَّ فاعِلَهُ - مَعَ تَمامِ قُدْرَتِهِ - مُخْتارٌ؛ ثُمَّ أوْضَحَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ (تَعالى): ﴿فِيهِ﴾؛ أيْ: مَعَ كَوْنِهِ مِنَ الثِّمارِ النّافِعَةِ؛ والضّارَّةِ؛ ﴿شِفاءٌ لِلنّاسِ﴾؛ قالَ الإمامُ الرّازِيُّ؛ في ”اللَّوامِعُ“: إذِ المَعْجُوناتُ كُلُّها بِالعَسَلِ؛ وقالَ إمامُ الأوْلِياءِ؛ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ التِّرْمِذِيُّ: إنَّما كانَ ذَلِكَ لِأنَّها ذَلَّتْ لِلَّهِ؛ مُطِيعَةً؛ وأكَلَتْ مِن كُلِّ الثَّمَراتِ: حُلْوِها؛ ومُرِّها؛ مَحْبُوبِها؛ ومَكْرُوهِها؛ تارِكَةً لِشَهَواتِها؛ فَلَمّا ذَلَّتْ لِأمْرِ اللَّهِ؛ صارَ هَذا الأكْلُ لِلَّهِ؛ فَصارَ ذَلِكَ شِفاءً لِلْأسْقامِ؛ فَكَذَلِكَ إذا ذَلَّ العَبْدُ لِلَّهِ مُطِيعًا؛ وتَرَكَ هَواهُ؛ صارَ كَلامُهُ شِفاءً لِلْقُلُوبِ السَّقِيمَةِ؛ انْتَهى. وكَوْنُهُ شِفاءً - مَعَ ما ذُكِرَ - أدَلُّ عَلى القُدْرَةِ والِاخْتِيارِ؛ مِنَ اخْتِلافِ الألْوانِ؛ لا جَرَمَ وصَلَ بِهِ قَوْلَهُ (تَعالى): ﴿إنَّ في ذَلِكَ﴾؛ أيْ: الأمْرِ العَظِيمِ؛ مِن أمْرِها كُلِّهِ؛ ﴿لآيَةً﴾؛ وكَما أشارَ في ابْتِداءِ الآيَةِ إلى غَرِيبِ الصُّنْعِ في أمْرِها؛ أشارَ إلى مِثْلِ ذَلِكَ في الخَتْمِ؛ بِقَوْلِهِ (تَعالى): ﴿لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾؛ أيْ: في اخْتِصاصِ النَّحْلِ بِتِلْكَ العُلُومِ الدَّقِيقَةِ؛ واللَّطائِفِ الخَفِيَّةِ بِالبُيُوتِ المُسَدَّسَةِ؛ والِاهْتِداءِ إلى تِلْكَ الأجْزاءِ اللَّطِيفَةِ (p-٢٠٠)مِن أطْرافِ الأشْجارِ؛ والأوْراقِ؛ وغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الغَرائِبِ؛ حَيْثُ ناطَهُ بِالفِكْرِ المُبالَغِ فِيهِ مِنَ الأقْوِياءِ؛ تَأْكِيدًا لِفَخامَتِهِ؛ وتَعْظِيمًا لِدِقَّتِهِ؛ وغَرابَتِهِ في دَلالَتِهِ عَلى تَمامِ العِلْمِ؛ وكَمالِ القُدْرَةِ؛ وقَدْ كَثُرَ في هَذِهِ السُّورَةِ إضافَةُ الآياتِ إلى المُخاطَبِينَ؛ تارَةً بِالإفْرادِ؛ وتارَةً بِالجَمْعِ؛ ونَوْطُها تارَةً بِالعَقْلِ؛ وتارَةً بِالفِكْرِ؛ وتارَةً بِالذِّكْرِ؛ وتارَةً بِغَيْرِها. وقَدْ جَعَلَ الإمامُ الرَّبّانِيُّ أبُو الحَسَنِ الحَرالِّيُّ؛ في كِتابِهِ ”المِفْتاحُ“؛ لِذَلِكَ بابًا؛ بَعْدَ أنْ جَعَلَ أسْنانَ الألْبابِ مِثْلَ أسْنانِ الأجْسادِ؛ ما بَيْنَ تَمْيِيزٍ؛ واحْتِلامٍ؛ وشَبابٍ؛ وكُهُولَةٍ؛ وغَيْرِها؛ كَما تَقَدَّمَ نَقْلُهُ عَنْهُ في سُورَةِ ”بَراءَةٌ“؛ عِنْدَ قَوْلِهِ (تَعالى): ﴿ومِنهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ﴾ [التوبة: ٦١]؛ فَقالَ: البابُ التّاسِعُ في وُجُوهِ إضافاتِ الآياتِ؛ واتِّساقِ الأحْوالِ لِأسْنانِ القُلُوبِ؛ في القُرْآنِ -؛ أيْ: فَإنَّ لِذَلِكَ مَراتِبَ في العِلْمِ؛ والأفْهامِ -: اعْلَمْ أنَّ الآياتِ والأحْوالَ تُضافُ؛ وتَتَّسِقُ لِمَنِ اتَّصَفَ بِما بِهِ أدْرَكَ مَعْناها؛ ويُؤَنَّبُ عَلَيْها مَن تَقاصَرَ عَنْها؛ ويَنْفِي مَنالَها عَمَّنْ لَمْ يَصِلْ إلَيْها؛ وهي أطْوارٌ؛ أظْهَرُها (p-٢٠١)آياتُ الِاعْتِبارِ البادِيَةُ لِأُولِي الأبْصارِ؛ لِأنَّ الخَلْقَ كُلَّهُ إنَّما هو عَلَمٌ لِلِاعْتِبارِ مِنهُ؛ لا أنَّهُ مَوْجُودٌ لِلِاقْتِناعِ بِهِ؛ ﴿ورَضُوا بِالحَياةِ الدُّنْيا واطْمَأنُّوا بِها والَّذِينَ هم عَنْ آياتِنا غافِلُونَ﴾ [يونس: ٧] ﴿أُولَئِكَ مَأْواهُمُ النّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [يونس: ٨]؛ اتَّخَذُوا ما خُلِقَ لِلْعِبْرَةِ بِهِ إلى رَبِّهِ كَسْبًا لِأنْفُسِهِمْ؛ حَتّى صارَ عِنْدَهُمْ؛ وعِنْدَ أتْباعِهِمْ آيَتَهُمْ؛ لا آيَةَ خالِقِهِ؛﴿أتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ﴾ [الشعراء: ١٢٨] ﴿واللَّهُ خَلَقَكم وما تَعْمَلُونَ﴾ [الصافات: ٩٦]؛ ثُمَّ يَلِي آياتِ الِاعْتِبارِ ما يَنالُ إدْراكَ آيَتِهِ العَقْلُ الأدْنى بِبَداهَةِ نَظَرِهِ؛ ﴿وسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ والنَّهارَ والشَّمْسَ والقَمَرَ والنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأمْرِهِ إنَّ في ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [النحل: ١٢]؛ جَمَعَ الآياتِ لِتَعَدُّدِ وُجُوهِها في مَقْصِدِ البَيانِ؛ ثُمَّ يَلِي ما يُدْرَكُ بِبَداهَةِ العَقْلِ ما يَحْتاجُ إلى فِكْرٍ يُثِيرُهُ العَقْلُ الأدْنى؛ لِشَغْلِ الحَواسِّ بِمَنفَعَتِهِ عَنِ التَّفَكُّرِ في وجْهِ آيَتِهِ: ﴿هُوَ الَّذِي أنْـزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً لَكم مِنهُ شَرابٌ ومِنهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ﴾ [النحل: ١٠] ﴿يُنْبِتُ لَكم بِهِ الزَّرْعَ والزَّيْتُونَ والنَّخِيلَ والأعْنابَ ومِن كُلِّ الثَّمَراتِ إنَّ في ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [النحل: ١١]؛ أفْرَدَ الآيَةَ لِاسْتِنادِ كَثْرَتِهِ إلى وحْدَةِ الماءِ ابْتِداءً؛ ووَحْدَةِ الِانْتِفاعِ انْتِهاءً؛ ثُمَّ يَلِي ما يُدْرَكُ بِفِكْرِ العَقْلِ الأدْنى ما يَقْبَلُ (p-٢٠٢)بِالإيمانِ؛ ويَكُونُ آيَةَ أمْرٍ قائِمٍ عَلى خَلْقٍ؛ وهو مِمّا يُدْرَكُ سَمْعًا؛ لِأنَّ الخَلْقَ مَرْئِيٌّ؛ والأمْرَ مَسْمُوعٌ: ﴿وما أنْـزَلْنا عَلَيْكَ الكِتابَ إلا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وهُدًى ورَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [النحل: ٦٤] ﴿واللَّهُ أنْـزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأحْيا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إنَّ في ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ﴾ [النحل: ٦٥]؛ هَذِهِ آيَةُ حَياةِ القُلُوبِ بِنُورِ العِلْمِ؛ والحِكْمَةِ؛ الَّذِي أخَذَ سَمْعًا عِنْدَ تَقَرُّرِ الإيمانِ؛ وعِنْدَ هَذا الحَدِّ يَتَناهى العَقْلُ إلى فِطْرَةِ الأشَدِّ؛ وتَعْلُو بَداهَتُهُ وتَتَرَقّى فِطَرُهُ إلى نَظَرِ ما يَكُونُ آيَةً في نَفْسِ النّاظِرِ؛ لِأنَّ مَحارَ غَيْبِ الكَوْنِ يُرَدُّ إلى وِجْدانِ نَقْصِ النّاظِرِ؛ وكَما أنَّ الماءَ آيَةُ حَياةِ القُلُوبِ؛ صارَ الشَّرابانِ - اللَّبَنُ والخَمْرُ - آيَتَيْنِ؛ عَلى أحْوالٍ تَخُصُّ القُلُوبَ بِما يَغْذُوها مِنَ اللَّهِ غِذاءَ اللَّبَنِ؛ ويُنَشِّيها نَشْوَةَ السُّكْرِ؛ مُنْبَعِثًا مِن بَيْنِ فَرْثٍ؛ ودَمٍ؛ ونُزُولَ الخَلْقِ المَقامَ عَنِ الأمْرِ القائِمِ عَلَيْهِ؛ ﴿وإنَّ لَكم في الأنْعامِ لَعِبْرَةً﴾ [النحل: ٦٦]؛ الآيَتَيْنِ؛ إلى قَوْلِهِ (تَعالى): ﴿إنَّ في ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [النحل: ٦٧]؛ وهَذا العَقْلُ الأعْلى؛ وأفْرَدَ الآيَةَ لِانْفِرادِ مَوْرِدِها في وجْدِ القَلْبِ؛ (p-٢٠٣)وكَما لِلْعَقْلِ الأدْنى فِكْرَةٌ تُنْبِئُ عَنْ بَداهَتِهِ؛ فَكَذَلِكَ لِلْعَقْلِ الأعْلى فِكْرَةٌ تُنْبِئُ عَنْ عَلِيِّ فِطْرَتِهِ: ﴿وأوْحى رَبُّكَ إلى النَّحْلِ أنِ اتَّخِذِي مِنَ الجِبالِ بُيُوتًا ومِنَ الشَّجَرِ﴾ [النحل: ٦٨]؛ إلى قَوْلِهِ: ﴿لآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾؛ وهَذا العَقْلُ الأعْلى هو اللُّبُّ؛ الَّذِي عَنْهُ يَكُونُ التَّذَكُّرُ بِالأدْنى مِنَ الخَلْقِ لِلْأعْلى مِنَ الأمْرِ؛ ﴿وما ذَرَأ لَكم في الأرْضِ مُخْتَلِفًا ألْوانُهُ إنَّ في ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ﴾ [النحل: ١٣]؛ وفي مُقابَلَةِ كُلٍّ مِن هَذِهِ الأوْصافِ أضْدادٌ يَرِدُ البَيانُ فِيها بِحَسَبِ مُقابَلَتِها؛ وكَذَلِكَ حُكْمُ وصْفِ المُسْلِمِينَ فِيها يُظْهِرُ أنْ ”لا أنْجى لِلْعَبْدِ مِن إسْلامِهِ نَفْسَهُ لِرَبِّهِ“؛ ووَصْفِ المُحْسِنِينَ فِيما يَظْهَرُ قِيامُ ظاهِرِ العَبْدِ بِرَبِّهِ؛ ووَصْفِ المُوقِنِينَ فِيما وجَدَ يَقِينَهُ العَبْدُ مِن نَفْسِهِ؛ أوْ عايَنَ ابْتِداءَهُ بِظاهِرِ حِسِّهِ: ﴿الم﴾ [البقرة: ١] ﴿ذَلِكَ الكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ﴾ [البقرة: ٢]؛ مَنِ اسْتَغْنى بِما عِنْدَهُ مِن وجْدٍ؛ لَمْ يَتَفَرَّغْ لِقَبُولِ غَيْبٍ: ﴿يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وآمِنُوا بِرَسُولِهِ﴾ [الحديد: ٢٨] ﴿إذا ما اتَّقَوْا وآمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وأحْسَنُوا﴾ [المائدة: ٩٣] ﴿ومَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنهُ﴾ [آل عمران: ٨٥] ﴿ثُمَّ اتَّقَوْا وأحْسَنُوا واللَّهُ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ﴾ [المائدة: ٩٣] (p-٢٠٤)(فَإذا أحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ؛ وبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ)؛ ﴿وفِي خَلْقِكم وما يَبُثُّ مِن دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ﴾ [الجاثية: ٤] ﴿وكَذَلِكَ نُرِي إبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ والأرْضِ ولِيَكُونَ مِنَ المُوقِنِينَ﴾ [الأنعام: ٧٥]؛ ولِجُمْلَةِ هَذِهِ الأوْصافِ أيْضًا أضْدادٌ يَرِدُ بَيانُ القُرْآنِ فِيها؛ بِحَسَبِ تَقابُلِها؛ ويَجْرِي مَعَها إفْهامُهُ؛ وما أوْصَلَهُ خَفاءُ المَسْمَعِ والمَرْأى إلى القَلْبِ هو فِقْهُهُ؛ ومَن فَقَدَ ذَلِكَ وُصِفَ سَمْعُهُ بِالصَّمَمِ؛ وعَيْنُهُ بِالعَمى؛ ونَفى الفِقْهَ عَنْ قَلْبِهِ؛ ونُسِبَ إلى البَهِيمِيَّةِ؛ ومَن لَمْ تَنَلْ فِكْرَتُهُ أعْلامَ ما غابَ عَنْهُ عِيانُهُ نُفِيَ عَنْهُ العِلْمُ: ﴿الَّذِينَ كانَتْ أعْيُنُهم في غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي وكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا﴾ [الكهف: ١٠١] ﴿لَهم قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها ولَهم أعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها ولَهم آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولَئِكَ كالأنْعامِ بَلْ هم أضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الغافِلُونَ﴾ [الأعراف: ١٧٩] ﴿يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إلى المَدِينَةِ﴾ [المنافقون: ٨]؛ إلى قَوْلِهِ: ﴿ولَكِنَّ المُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾ [المنافقون: ٨] ﴿يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَن عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتّى يَنْفَضُّوا﴾ [المنافقون: ٧]؛ الآيَةَ؛ إلى قَوْلِهِ (تَعالى): ﴿ولَكِنَّ المُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ﴾ [المنافقون: ٧]؛ نُفِيَ العِلْمُ فِيما ظَهَرَتْ أعْلامُهُ؛ والفِقْهُ فِيما خَفِيَ أمْرُهُ؛ ومُرادُ البَيانِ عَنْ أضْدادِها؛ هَذِهِ الأوْصافِ؛ بِحَسَبِ تَقابُلِها؛ وهَذا البابُ لِمَن يَسْتَفْتِحُهُ مِن أنْفَعِ فَواتِحِ (p-٢٠٥)الفَهْمِ في القُرْآنِ؛ انْتَهى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب