الباحث القرآني

﴿وَأوْحى رَبُّكَ إلى النَّحْلِ﴾ ألْهَمَها وقَذَفَ في قُلُوبِها، وقُرِئَ « إلى النَّحَلِ» بِفَتْحَتَيْنِ. ﴿أنِ اتَّخِذِي﴾ بِأنِ اتَّخِذِي ويَجُوزُ أنْ تَكُونَ أنْ مُفَسِّرَةً لِأنَّ في الإيحاءِ مَعْنى القَوْلِ، وتَأْنِيثُ الضَّمِيرِ عَلى المَعْنى فَإنَّ النَّحْلَ مُذَكَّرٌ. ﴿مِنَ الجِبالِ بُيُوتًا ومِنَ الشَّجَرِ ومِمّا يَعْرِشُونَ﴾ ذُكِرَ بِحَرْفِ التَّبْعِيضِ لِأنَّها لا تَبْنِي في كُلِّ جَبَلٍ وكُلِّ (p-233)شَجَرٍ وكُلِّ ما يُعْرَّشُ مِن كَرْمٍ أوْ سَقْفٍ، ولا في كُلِّ مَكانٍ مِنها وإنَّما سُمِّيَ ما تَبْنِيهِ لَتَتَعَسَّلَ فِيهِ بَيْتًا تَشْبِيهًا بِبِناءِ الإنْسانِ، لِما فِيهِ مِن حُسْنِ الصَّنْعَةِ وصِحَّةِ القِسْمَةِ الَّتِي لا يَقْوى عَلَيْها حُذّاقُ المُهَنْدِسِينَ إلّا بِآلاتٍ وأنْظارٍ دَقِيقَةٍ، ولَعَلَّ ذِكْرَهُ لِتَنْبِيهٍ عَلى ذَلِكَ وقُرِئَ (بِيُوتًا) بِكَسْرِ الباءِ، وقَرَأ ابْنُ عامِرٍ وأبُو بَكْرٍ (يَعْرُشُونَ) بِضَمِّ الرّاءِ. ﴿ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَراتِ﴾ مِن كُلِّ ثَمَرَةٍ تَشْتَهِينَها مُرِّها وحُلْوِها. ﴿فاسْلُكِي﴾ ما أكَلْتِ. ﴿سُبُلَ رَبِّكِ﴾ في مَسالِكِهِ الَّتِي يُحِيلُ فِيها بِقُدْرَتِهِ النَّوْرَ المُرَّ عَسَلًا مِن أجْوافَكِ، أوْ ﴿فاسْلُكِي﴾ الطُّرُقَ الَّتِي ألْهَمَكِ في عَمَلِ العَسَلِ، أوْ فاسْلُكِي راجِعَةً إلى بُيُوتِكِ ﴿سُبُلَ رَبِّكِ﴾ لا تَتَوَعَّرُ عَلَيْكِ. ولا تَلْتَبِسُ. ﴿ذُلُلا﴾ جَمْعُ ذَلُولٍ وهي حالٌ مِنَ السُّبُلِ، أيْ مُذَلَّلَةٌ ذَلَّلَها اللَّهُ تَعالى وسَهَّلَها لَكِ، أوْ مِنَ الضَّمِيرِ في اسْلُكِي أيْ وأنْتِ ذُلُلٌ مُنْقادَةٌ لِما أُمِرْتِ بِهِ. ﴿يَخْرُجُ مِن بُطُونِها﴾ كَأنَّهُ عَدَلَ بِهِ عَنْ خِطابِ النَّحْلِ إلى خِطابِ النّاسِ، لِأنَّهُ مَحَلُّ الإنْعامِ عَلَيْهِمْ والمَقْصُودُ مِن خَلْقِ النَّحْلِ وإلْهامِهِ لِأجْلِهِمْ. ﴿شَرابٌ﴾ يَعْنِي العَسَلَ لِأنَّهُ مِمّا يُشْرَبُ، واحْتَجَّ بِهِ مَن زَعَمَ أنَّ النَّحْلَ تَأْكُلُ الأزْهارَ والأوْراقَ العَطِرَةَ فَتَسْتَحِيلُ في بَطْنِها عَسَلًا، ثُمَّ تَقِيءُ ادِّخارًا لِلشِّتاءِ، ومَن زَعَمَ أنَّها تَلْتَقِطُ بِأفْواهِها أجْزاءً طَلِيَّةً حُلْوَةً صَغِيرَةً مُتَفَرِّقَةً عَلى الأوْراقِ والأزْهارِ، وتَضَعُها في بُيُوتِها ادِّخارًا فَإذا اجْتَمَعَ في بُيُوتِها شَيْءٌ كَثِيرٌ مِنها كانَ العَسَلُ فَسَّرَ البُطُونَ بِالأفْواهِ. ﴿مُخْتَلِفٌ ألْوانُهُ﴾ أبْيَضُ وأصْفَرُ وأحْمَرُ وأسْوَدُ بِحَسَبِ اخْتِلافِ سِنِّ النَّحْلِ والفَصْلِ. ﴿فِيهِ شِفاءٌ لِلنّاسِ﴾ إمّا بِنَفْسِهِ كَما في الأمْراضِ البَلْغَمِيَّةِ، أوْ مَعَ غَيْرِهِ كَما في سائِرِ الأمْراضِ، إذْ قَلَّما يَكُونُ مَعْجُونٌ إلّا والعَسَلُ جُزْءٌ مِنهُ، مَعَ أنَّ التَّنْكِيرَ فِيهِ مُشْعِرٌ بِالتَّبْعِيضِ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ لِلتَّعْظِيمِ. وَعَنْ قَتادَةَ «أنَّ رَجُلًا جاءَ إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقالَ: إنَّ أخِي يَشْتَكِي بَطْنَهُ فَقالَ: « اسْقِهِ العَسَلَ»، فَذَهَبَ ثُمَّ رَجَعَ فَقالَ: قَدْ سَقَيْتُهُ فَما نَفَعَ فَقالَ: « اذْهَبْ واسْقِهِ عَسَلًا فَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ وكَذَبَ بَطْنُ أخِيكَ» . فَسَقاهُ فَشَفاهُ اللَّهُ تَعالى فَبَرَأ فَكَأنَّما أُنْشِطَ مِن عِقالٍ.» وَقِيلَ الضَّمِيرُ لِلْقُرْآنِ أوْ لِما بَيَّنَ اللَّهُ مِن أحْوالِ النَّحْلِ. ﴿إنَّ في ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ فَإنَّ مَن تَدَبَّرَ اخْتِصاصَ النَّحْلِ بِتِلْكَ العُلُومِ الدَّقِيقَةِ والأفْعالِ العَجِيبَةِ حَقَّ التَّدَبُّرِ عَلِمَ قَطْعًا أنَّهُ لا بُدَّ لَهُ مِن خالِقٍ قادِرٍ حَكِيمٍ يُلْهِمُها ذَلِكَ ويَحْمِلُها عَلَيْهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب