﴿وَرَبُّكَ یَخۡلُقُ مَا یَشَاۤءُ وَیَخۡتَارُۗ مَا كَانَ لَهُمُ ٱلۡخِیَرَةُۚ سُبۡحَـٰنَ ٱللَّهِ وَتَعَـٰلَىٰ عَمَّا یُشۡرِكُونَ﴾ [القصص ٦٨]
﴿وَرَبُّكَ یَخۡلُقُ مَا یَشَاۤءُ وَیَخۡتَارُۗ مَا كَانَ لَهُمُ ٱلۡخِیَرَةُۚ سُبۡحَـٰنَ ٱللَّهِ وَتَعَـٰلَىٰ عَمَّا یُشۡرِكُونَ ٦٨﴾ - نزول الآية
٥٩١١٣- قال مقاتل بن سليمان: ﴿وربك يخلق ما يشاء ويختار﴾، وذلك أنّ الوليد قال في«حم الزخرف» [٣١]: ﴿لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم﴾ يعني: نفسه، وأبا مسعود الثقفي، فذلك قوله سبحانه: ﴿ويختار﴾ ...، ثم نزَّه نفسه -تبارك وتعالى- عن قول الوليد حين قال: ﴿أجعل﴾ محمد ﷺ ﴿الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب﴾ [ص:٥]، فكفر بتوحيد الله ﷿، فأنزل الله سبحانه يُنَزِّه نفسه ﷿ عن شِركهم، فقال: ﴿سبحان الله وتعالى عما يشركون﴾(١). (ز)
﴿وَرَبُّكَ یَخۡلُقُ مَا یَشَاۤءُ وَیَخۡتَارُۗ﴾ - تفسير
٥٩١١٤- عن عبد الله بن عباس -من طريق العوفي- قوله: ﴿وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة﴾، قال: كانوا يجعلون خير أموالهم لآلهتهم في الجاهلية(٢). (ز)
٥٩١١٥- عن وهب بن مُنَبِّه، عن أخيه [همام بن مُنَبِّه] -من طريق سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار- في قوله: ﴿وربك يخلق ما يشاء ويختار﴾، قال: اختار مِن الغنم الضأن، ومِن الطير الحمام(٣). (ز)
٥٩١١٦- قال مقاتل بن سليمان: ﴿ويختار﴾، أي: للرسالة والنبوة مَن يشاء، فشاء -جل جلاله- أن يجعلها في النبي ﷺ، وليست النبوة والرسالة بأيديهم، ولكنها بيد الله ﷿(٤). (ز)
٥٩١١٧- قال يحيى بن سلّام: ﴿وربك يخلق ما يشاء ويختار﴾ مِن خَلْقه للنبوة(٥). (ز)
أفادت الآثار الاختلاف في قوله تعالى: ﴿ورَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشَآءُ ويَخْتارُ﴾ على وجهين: أحدهما: أنّ المراد: ﴿ورَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ﴾ مِن خلقه، ﴿ويَخْتارُ﴾ مَن يشاء لطاعته. وهو معنى قول ابن عباس. والثاني: أنّ المراد: ﴿ورَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ﴾ من الخلق، ﴿ويَخْتارُ﴾ من يشاء لنبوته. وهو قول مقاتل، ويحيى بن سلام.
و ابنُ جرير (١٨/٢٩٩) الأولَ مستندًا إلى دلالة التاريخ، فقال: «كانوا -فيما ذُكِر عنهم- يختارون أموالهم، فيجعلونها لآلهتهم، فقال الله لنبيه محمد ﷺ: وربك -يا محمد- يخلق ما يشاء أن يخلقه، ويختار للهداية والإيمان والعمل الصالح مِن خلقه ما هو في سابق علمه أنه خيرتهم، نظير ما كان من هؤلاء المشركين لآلهتهم خيار أموالهم، فكذلك اختياري لنفسي، واجتبائي لولايتي، واصطفائي لخدمتي وطاعتي، خيار مملكتي وخلقي».
وزاد ابنُ عطية (٦/٦٠٥) وجهًا ثالثًا، فقال: «يحتمل أن يريد: ويختار الله تعالى الأديان والشرائع، وليس لهم الخيرة في أن يميلوا إلى الأصنام ونحوها في العبادة. و قولُه تعالى: ﴿سبحان الله وتعالى عما يشركون﴾».
﴿مَا كَانَ لَهُمُ ٱلۡخِیَرَةُۚ﴾ - تفسير
٥٩١١٨- قال مقاتل بن سليمان: ثم قال سبحانه: ﴿ما كان لهم الخيرة﴾ مِن أمرهم(٦). (ز)
٥٩١١٩- قال يحيى بن سلّام: ﴿ما كان لهم الخيرة﴾ أن يختاروا هم الأنبياءَ، فيبعثونهم، بل الله الذي اختار، وهو أعلم حيث يجعل رسالاته(٧). (ز)
اخْتُلِفَ في معنى ﴿ما﴾ في قوله تعالى: ﴿ما كانَ لَهُمُ الخِيَرَةُ﴾ على قولين: أحدهما: أنّها نافية. وهو قول الجمهور. والمعنى: ما كان للخلق على الله الخيرة. ويكون الوقف التام على هذا القول على قوله تعالى: ﴿ويَخْتارُ﴾. والثاني: أنّها اسم موصول بمعنى: الذي، فيكون ذلك إثباتًا، والمعنى: ويختار للمؤمنين ما كان لهم فيه الخيرة. وعلى هذا القول لا يُوقَف على قوله تعالى: ﴿ويَخْتارُ﴾.
و ابنُ جرير (١٨/٣٠٠-٣٠١ بتصرّف) الثاني مستندًا إلى لغة العرب، وقال: «فإن قال قائل: فإن كان الأمر كما وصفتَ مِن أن ﴿ما﴾ اسم منصوب بوقوع قوله: ﴿يختار﴾ عليها، فأين خبر كان؟ ... قيل: إنّ العرب تجعل لحروف الصفات إذا جاءت الأخبار بعدها أحيانًا أخبارًا، كفعلها بالأسماء إذا جاءت بعدها أخبارها ... كقول القائل: كان عمرٌو أبوه قائمٌ. لاشكَّ أن»قائمًا«لو كان مكان الأب وكان الأب هو المتأخر بعده كان منصوبًا، فكذلك وجه رفع ﴿الخيرة﴾، وهو خبر لـ﴿ما﴾».
و ابنُ كثير (١٠/٤٧٩ بتصرّف) الأولَ مستندًا إلى النظائر، والسياق، وأقوال السلف، فقال: «قوله: ﴿ماكان لهم الخيرة﴾ نفيٌ على أصح القولين، كقوله تعالى: ﴿وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذ اقضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم﴾ [الأحزاب:٣٦]. [و] كما نقله ابن أبي حاتم عن ابن عباس وغيره أيضًا، فإن المقام في بيان انفراده تعالى بالخلق والتقدير والاختيار، وأنه لا نظير له في ذلك؛ ولهذا قال: ﴿سبحان الله وتعالى عما يشركون﴾ أي: من الأصنام والأنداد، التي لا تخلق ولا تختار شيئًا».
و قال ابنُ القيم (٢/٢٩١).
و ابنُ عطية (٦/٦٠٦) إلى وجه ثالث، فقال: «ويتَّجه عندي أن يكون ﴿ما﴾ مفعولة، إذا قدَّرنا ﴿كان﴾ تامة، أي: أنّ الله تعالى يختار كل كائن، ولا يكون شيء إلا بإذنه، وقوله تعالى: ﴿لهم الخيرة﴾ جملة مستأنفة، معناها: تعديد النعمة عليهم في اختيار الله تعالى لهم لو قبلوا وفهموا». ولم يذكر مستندًا.
و ابنُ جرير (١٨/٣٠١) القولَ الأولَ؛ لدلالة أقوال السلف، ولغة العرب، والعقل، فقال: «هذا قول لا يخفى فسادُه على ذي حِجًا مِن وجوهٍ، لو لم يكن بخلافه لأهل التأويل قولٌ، فكيف والتأويل عمن ذكرنا بخلافه؟!». ثم ذكر في أوجه فساد ذلك القول، ما ملخصه: ١- أنّ مقتضى هذا القول نفي أن تكون لهم الخيرة فيما مضى قبل نزول هذه الآية، دون المستقبل. لقوله: «ما لهم الخيرة»، ولم يقل: «ليس لهم الخيرة»؛ ليكون نفيًا عن أن يكون ذلك لهم فيما قبل وفيما بعد. ٢- أنه غير جائز في الكلام أن يقال ابتداء: «ما كان لفلان الخيرة»، ولَمّا يتقدم قبل ذلك كلام يقتضي ذلك. ٣-أن معنى ﴿الخيرة﴾ في هذا الموضع: إنما هو «الخِيرَة»، وهو الشيء الذي يختار من البهائم، والأنعام، والرجال، والنساء، وليس بالاختيار.
و ابنُ عطية (٦/٦٠٥) اختيار ابن جرير للقول الثاني، فقال: «اعتذر الطبري عن الرفع الذي أجمع القراء عليه في قوله تعالى: ﴿ما كان لهم الخيرةُ﴾ بأقوالٍ لا تتحصل، وقد ردَّ الناس عليه في ذلك».
وقال ابنُ كثير (١٠/٤٧٩): «قد احتجَّ بهذا المسلك طائفةُ المعتزلة على وجوب مراعاة الأصلح».
﴿سُبۡحَـٰنَ ٱللَّهِ وَتَعَـٰلَىٰ عَمَّا یُشۡرِكُونَ ٦٨﴾ - تفسير
٥٩١٢٠- قال مقاتل بن سليمان: ثم نزَّه نفسه -تبارك وتعالى- عن قول الوليد حين قال: ﴿أجعل﴾ محمد ﷺ ﴿الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب﴾ [ص:٥]. فكفر بتوحيد الله ﷿؛ فأنزل الله سبحانه يُنَزِّه نفسه ﷿ عن شِركهم، فقال: ﴿سبحان الله وتعالى﴾ يعني: وارتفع ﴿عما يشركون﴾ به غيرَه ﷿(٨). (ز)
٥٩١٢١- قال يحيى بن سلّام: قوله ﷿: ﴿سبحان الله﴾ يُنَزِّه نفسه ﴿وتعالى﴾ ارتفع ﴿عما يشركون﴾(٩). (ز)
﴿سُبۡحَـٰنَ ٱللَّهِ وَتَعَـٰلَىٰ عَمَّا یُشۡرِكُونَ ٦٨﴾ - آثار متعلقة بالآية
٥٩١٢٢- عن جابر بن عبد الله، قال: كان رسول الله ﷺ يُعَلِّمُنا الاستخارة في الأمر كما يُعَلِّمنا السورةَ مِن القرآن، يقول: «إذا همَّ أحدُكم بالأمر فليركع ركعتين مِن غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم، إنِّي أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك مِن فضلك العظيم، فإنك تعلم ولا أعلم، وتقدر ولا أقدر، وأنت علام الغيوب، اللهم، إن كنت تعلم هذا الأمرَ خيرٌ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري وعاجِل أمري وآجِله فاقدره لي ويسِّره لي، وإن كنت تعلم هذا الأمر شرًّا لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري وعاجل أمري وآجله فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ورَضِّني به. ويسمى حاجته باسمها»(١٠). (١١/٥٠٠)
٥٩١٢٣- عن أرطاة، قال: ذكرتُ لأبي عون الحمصي شيئًا مِن قول القدر، فقال: ما تقرؤون كتاب الله: ﴿وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة﴾؟!(١١). (١١/٥٠٠)
(١) تفسير مقاتل بن سليمان ٣/٣٥٣.
(٢) أخرجه ابن جرير ١٨/٢٩٩، وابن أبي حاتم ٩/٣٠٠١.
(٣) أخرجه الثعلبي ٧/٢٥٨.
(٤) تفسير مقاتل بن سليمان ٣/٣٥٣.
(٥) تفسير يحيى بن سلام ٢/٦٠٦.
(٦) تفسير مقاتل بن سليمان ٣/٣٥٣.
(٧) تفسير يحيى بن سلام ٢/٦٠٦.
(٨) تفسير مقاتل بن سليمان ٣/٣٥٣.
(٩) تفسير يحيى بن سلام ٢/٦٠٦.
(١٠) أخرجه البخاري ٨/٨١ (٦٣٨٢)، ٩/١١٨ (٧٣٩٠).
(١١) أخرجه ابن أبي حاتم ٩/٣٠٠٢.