الباحث القرآني
﴿إِذۡ تَمۡشِیۤ أُخۡتُكَ فَتَقُولُ هَلۡ أَدُلُّكُمۡ عَلَىٰ مَن یَكۡفُلُهُۥۖ﴾ - تفسير
٤٧٧٠٢- عن إسماعيل السُّدِّي -من طريق أسباط- قال: لَمّا ألقته أمه في اليمِّ، وقالت لأخته: قُصِّيهِ. فلما التقطه آل فرعون، وأرادوا له المرضعات، فلم يأخذ مِن أحد من النساء، وجعل النساء يطلبن ذلك لينزِلن عند فرعون في الرضاع، فأبى أن يأخذ، فقالت أخته: ﴿هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون﴾ [القصص:١٢]. فأخذوها، وقالوا: بل قد عرفتِ هذا الغلامَ، فدُلِّينا على أهله. قالت: ما أعرفه، ولكن إنما قلت: هم للملك ناصحون[[أخرجه ابن جرير ١٦/٦١، وابن أبي حاتم ٩/٢٩٤٩، ٢٩٥٠ (١٦٧٣٣، ١٦٧٣٦).]]. (ز)
٤٧٧٠٣- قال محمد بن السائب الكلبي: فقالوا: نعم[[علقه يحيى بن سلّام ١/٢٥٩.]]. (ز)
٤٧٧٠٤- قال مقاتل بن سليمان: ﴿إذ تمشي أختك﴾ مريمُ ﴿فتقول﴾ لآل فرعون: ﴿هل أدلكم على من يكفله﴾ يعني: على مَن يَضُمُّه ويُرضِعُه لكم؟ فقالوا: نعم. فذهبت أختُه، فجاءت بالأمِّ، فقبِل ثديها، فذلك قوله سبحانه: ﴿فرجعناك إلى أمك﴾[[تفسير مقاتل بن سليمان ٣/٢٧.]]. (ز)
٤٧٧٠٥- عن محمد بن إسحاق -من طريق سلمة- قال: قالت -يعني: أم موسى لأخته-: قصيه، فانظري ماذا يفعلون به. فخرجت في ذلك، ﴿فبصرت به عن جنب وهم لا يشعرون﴾ [القصص:١١]، وقد احتاج إلى الرَّضاع، والتَمَسَ الثَّدْيَ، وجمعوا له المراضعَ حين ألقى اللهُ محبتهم عليه، فلا يُؤْتى بامرأة فيقبل ثديها، فيُرْمِضُهم[[أي: يوجعهم. تاج العروس (رمض).]] ذلك، فيؤتى بمرضع بعد مرضع، فلا يقبل شيئًا منهن، فقالت لهم أخته حين رأت مِن وجدهم به وحرصهم عليه: ﴿هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون﴾ [القصص:١٢]. أي: لمنزلته عندكم، وحرصكم على مَسَرَّةِ المَلِك[[أخرجه ابن جرير ١٦/٦١، وابن أبي حاتم ٩/٢٩٤٩، ٢٩٥٠ (١٦٧٣٤، ١٦٧٣٧).]]. (ز)
٤٧٧٠٦- قال يحيى ين سلّام: قوله: ﴿إذ تمشي أختك فتقول هل أدلكم على من يكفله﴾: على مَن يَضُمُّه[[تفسير يحيى بن سلّام ١/٢٥٩.]]. (ز)
﴿فَرَجَعۡنَـٰكَ إِلَىٰۤ أُمِّكَ كَیۡ تَقَرَّ عَیۡنُهَا وَلَا تَحۡزَنَۚ﴾ - تفسير
٤٧٧٠٧- قال مقاتل بن سليمان: ﴿فرجعناك إلى أمك﴾، يعني: ﴿كي تقر عينها ولا تحزن﴾ عليك[[تفسير مقاتل بن سليمان ٣/٢٧.]]. (ز)
٤٧٧٠٨- عن محمد بن إسحاق -من طريق سلمة- قال: لَمّا قالت أختُ موسى لهم ما قالتْ قالوا: هاتِي. فأتت أمَّه، فأخبرتها، فانطلقت معها حتى أتتهم، فناولوها إيّاه، فلمّا وضعته في حِجرها أخذ ثديها، وسُرُّوا بذلك منه، وردَّه اللهُ إلى أُمِّه كي تَقَرَّ عينُها ولا تحزن، فبلغ لطفُ الله لها وله أن ردَّ عليها ولدَها، وعطف عليها نَفْعَ فرعونَ وأهل بيته، مع الأمَنَةِ مِن القتل الذي يُتَخَوَّف على غيره، فكأنهم كانوا مِن أهل بيت فرعون في الأمان والسَّعَة، فكان على فُرُش فرعون وسُرُرِه[[أخرجه ابن جرير ١٦/٦٢، وابن أبي حاتم ٩/٢٩٥٠ (١٦٧٣٨٦).]]. (ز)
٤٧٧٠٩- قال يحيى بن سلّام: فجاءت بأُمِّه، فقبِل ثديَها. وقال في سورة ﴿طسم﴾ القصص [١٢-١٣]: ﴿وحرمنا عليه المراضع من قبل﴾، فكان كلما جِيء به إلى امرأة لم يقبل ثديَها، ﴿فقالت هل أدلكم على أهل بيت يكفلونه لكم وهم له ناصحون (١٢) فرددناه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن﴾. وقال في هذه الآية: ﴿فرجعناك إلى أمك كي تقر عينها ولا تحزن﴾[[تفسير يحيى بن سلّام ١/٢٥٩.]]. (ز)
﴿وَقَتَلۡتَ نَفۡسࣰا﴾ - تفسير
٤٧٧١٠- عن ابن عمر: سمعتُ رسول الله ﷺ يقول: «إنّما قتلَ موسى الذي قتلَ مِن آلِ فرعون خطأً، يقول الله: ﴿وقتلت نفسا فنجيناك من الغم﴾»[[أخرجه مسلم ٤/٢٢٢٩ (٢٩٠٥)، وابن جرير ١٦/٦٣.]]. (١٠/١٨٨)
٤٧٧١١- قال عبد الله بن عباس: قتل قِبْطِيًّا كافِرًا[[تفسير الثعلبي ٦/٢٤٤.]]. (ز)
٤٧٧١٢- قال كعب الأحبار: كان إذ ذاك ابن اثنتي عشرة سنة[[تفسير الثعلبي ٦/٢٤٤، وتفسير البغوي ٥/٢٧٣.]]. (ز)
٤٧٧١٣- قال مقاتل بن سليمان: ﴿وقتلت﴾ حين بلغ أشُدَّه ثماني عشرة سنة ﴿نفسا﴾ بمصر[[تفسير مقاتل بن سليمان ٣/٢٧.]]. (ز)
٤٧٧١٤- قال يحيى ين سلّام: ﴿وقتلت نفسا﴾، يعني: القبطيَّ الذي كان قتلُه خطأً، ولم يكن يحل له ضربُه ولا قتلُه[[تفسير يحيى بن سلّام ١/٢٥٩.]]. (ز)
﴿فَنَجَّیۡنَـٰكَ مِنَ ٱلۡغَمِّ﴾ - تفسير
٤٧٧١٥- عن مجاهد بن جبر -من طريق ابن أبي نَجِيح- في قوله: ﴿فنجيناك من الغم﴾، قال: مِن قَتْلِ النفس[[أخرجه ابن جرير ١٦/٦٣. وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.]]. (١٠/١٨٨)
٤٧٧١٦- قال الحسن البصري، في قوله: ﴿فنجيناك من الغم﴾: مِن النَّفْس التي قَتَلْتَ[[علقه يحيى بن سلّام ١/٢٦٠.]]. (ز)
٤٧٧١٧- قال الحسن البصري: مِن الخوف، فلم يصل إليك القومُ، وغفرنا لك ذلك الذنب[[علقه يحيى بن سلّام ١/٢٦٠.]]. (ز)
٤٧٧١٨- عن قتادة بن دعامة -من طريق سعيد- ﴿فنجيناك من الغم﴾: النفس التي قَتَلَ[[أخرجه ابن جرير ١٦/٦٣. وعلَّقه يحيى بن سلّام ١/٢٦٠.]]. (ز)
٤٧٧١٩- قال مقاتل بن سليمان: ﴿فنجيناك من الغم﴾، يعني: مِن القتل، وكان مغمومًا مخافة أن يُقْتَل مكان القتيل[[تفسير مقاتل بن سليمان ٣/٢٧.]]. (ز)
٤٧٧٢٠- قال سفيان الثوري، في قوله: ﴿فنجيناك من الغم﴾: القَتْل[[تفسير الثوري ص١٩٤.]]. (ز)
﴿وَفَتَنَّـٰكَ فُتُونࣰاۚ﴾ - تفسير
٤٧٧٢١- عن عبد الله بن عباس -من طريق عطية العوفي- في قوله: ﴿وفتناك فتونا﴾، قال: ابتليناك ابتلاءً[[أخرجه ابن جرير ١٦/٦٤. وعزاه السيوطي إلى سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.]]. (١٠/١٨٨)
٤٧٧٢٢- عن عبد الله بن عباس -من طريق سعيد- ﴿وفتناك فتونا﴾: ابتليناك بلاءً بعد بلاء[[أخرجه الحربي في غريب الحديث ٣/٩٣٣.]]. (ز)
٤٧٧٢٣- عن عبد الله بن عباس، في قوله: ﴿وفتناك فتونا﴾، قال: ابتليناك ببلاء نعمة[[عزاه السيوطي إلى ابن أبي حاتم.]]. (١٠/١٨٨)
٤٧٧٢٤- عن عبد الله بن عباس -من طريق علي- في قوله: ﴿وفتناك فتونا﴾، قال: اختبرناك اختبارًا[[أخرجه ابن جرير ١٦/٦٣. وعزاه السيوطي إلى ابن المنذر، وابن أبي حاتم.]]٤٢٦١. (١٠/١٨٨)
٤٧٧٢٥- عن عبد الله بن عباس -من طريق سعيد بن جبير- أنّه قال: ألا تسألني عن آيةٍ فيها مائةُ آية؟ قال: قلتُ: ما هي؟ قال: قوله تعالى: ﴿وفتناك فتونا﴾. قال: كلُّ شيء أُوتِي مِن خير أو شر كان فتنة. ثم ذكر حين حَمَلَتْ به أُمُّه، وحين وضعته، وحين التقطه آل فرعون، حتى بلغ ما بلغ، ثم قال: ألا ترى قوله: ﴿ونبلوكم بالشر والخير فتنة﴾ [الأنبياء:٣٥]؟[[أخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله ١/٤٦٧-٤٦٨.]]. (ز)
٤٧٧٢٦- عن سعيد بن جبير -من طريق يعلى بن مسلم- يُفَسِّر هذا الحرف: ﴿وفتناك فتونا﴾، قال: أخلصناك إخلاصًا[[أخرجه ابن جرير ١٦/٧١.]]. (ز)
٤٧٧٢٧- عن مجاهد بن جبر، في قوله: ﴿وفتناك فتونا﴾، قال: أخلصناك إخلاصًا[[عزاه السيوطي إلى عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.]]. (١٠/١٨٨)
٤٧٧٢٨- عن مجاهد بن جبر -من طريق ابن أبي نَجِيح- في قوله: ﴿وفتناك فتونا﴾، قال: بلاء؛ إلقاؤه في التابوت، ثم في اليم، ثم التقاط آل فرعون إيّاه، ثم خروجه خائفًا يَتَرَقَّب[[أخرجه ابن جرير ١٦/٧٠. وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد.]]. (١٠/١٨٨)
٤٧٧٢٩- عن الضَّحّاك بن مُزاحِم -من طريق عبيد- في قوله: ﴿وفتناك فتونا﴾، قال: هو البلاء على إثْرِ البلاء[[أخرجه ابن جرير ١٦/٧٠.]]. (ز)
٤٧٧٣٠- عن قتادة بن دعامة -من طريق سعيد- قوله: ﴿وفتناك فتونا﴾، قال: ابتليناك بلاء[[أخرجه يحيى بن سلّام في تفسيره ١/٢٦٠، وابن جرير ١٦/٧٠، وإبراهيم الحربي في غريب الحديث ٣/٩٣٣ من طريق سنان.]]. (ز)
٤٧٧٣١- قال إسماعيل السُّدِّي: ﴿وفتناك فتونا﴾، يعني: ابتليناك ابتلاء على إثر ابتلاء[[علقه يحيى بن سلّام ١/٢٦٠.]]. (ز)
٤٧٧٣٢- قال محمد بن السائب الكلبي: هو البلاء في إثر البلاء[[علقه يحيى بن سلّام ١/٢٦٠.]]. (ز)
٤٧٧٣٣- قال مقاتل بن سليمان: ﴿وفتناك فتونا﴾، يعني: ابتليناك ببلاءٍ على إثْر بلاء، يعني بالبلاء: النِّقَم منذ يوم وُلِد إلى أن بعثه الله ﷿ رسولًا[[تفسير مقاتل بن سليمان ٣/٢٧. وفي تفسير الثعلبي ٦/٢٤٤، وتفسير البغوي ٥/٢٧٣ بلفظ: ابتليناك ابتلاء. عن مقاتل دون تعيينه.]]. (ز)
﴿وَفَتَنَّـٰكَ فُتُونࣰاۚ﴾ - آثار في سياق القصة (حديث الفتون)
٤٧٧٣٤- عن سعيد بن جبير، قال: سألتُ عبد الله بن عباس عن قول الله تعالى: ﴿وفتناك فتونا﴾، في حديث يبلغ به النبيَّ ﷺ ...[[أخرجه الحاكم ٢/٢٥٨ (٢٩٢٩). ويظهر أن سياقه نحو الحديث التالي. قال الحاكم: «هذا حديث، صحيح الإسناد، ولم يخرجاه»، وقال ابن حجر في إتحاف المهرة ٧/٢٠٢ (٧٦٣٥) معقبًا على رواية الحاكم: «كذا أخرجه من حديث محمد بن مسلمة، وهو واهٍ. وقد رواه ابن مردويه في تفسير طه من طريق عن يزيد بن هارون صحيحة، وساقه مطولًا».]]. (ز)
٤٧٧٣٥- عن سعيد بن جبير، قال: سألتُ عبد الله بن عباس عن قول الله تعالى لموسى ﵇: ﴿وفتناك فتونا﴾، فسألت عن الفتون ما هو؟ فقال: استأنف النهارَ، يا ابن جبير؛ فإنّ لها حديثًا طويلًا. فلمّا أصبحتُ غَدَوْتُ على ابن عباس لأتَنَجَّز ما وعدني مِن حديث الفتون، فقال: تذاكر فرعونُ وجلساؤه ما كان اللهُ وعَدَ إبراهيم مِن أن يجعل في ذريته أنبياء وملوكًا؛ فقال بعضهم: إنّ بني إسرائيل ينتظرون ذلك ما يَشُكُّون فيه، ولقد كانوا يظنون أنّه يوسف بن يعقوب، فلمّا هلك قالوا: ليس هذا كان وعدُ اللهِ إبراهيمَ. قال فرعون: فكيف ترون؟ فائْتَمَرُوا وأجمعوا أمرهم على أن يبعث رجالًا معهم الشِّفار[[الشِّفار: جمع شَفْرة، وهي السِّكِّين العريضَة. النهاية واللسان (شفر).]]، يطوفون في بني إسرائيل، فلا يجدون مولودًا إلا ذبحوه، ففعلوا، فلمّا رأوا أنّ الكبار يموتون بآجالهم، وأنّ الصغار يُذْبَحون؛ قالوا: يُوشِك أن يفنى بنو إسرائيل؛ فتصيروا أن تُباشِروا الأعمال والخِدْمَة التي كانوا يَكْفُونَكم، فاقتلوا عامًا كل مولود ذكر، فتَقِلُّ أبناؤهم، ودعوا عامًا لا تقتلوا منهم أحدًا، فيَشِبُّ الصِّغارُ مكان مَن يموت مِن الكبار؛ فإنهم لن يكثروا فتخافون مكاثرتهم إيّاكم، ولن يفنوا بمن تقتلون فتحتاجون إليهم. فأجمعوا أمرهم على ذلك، فحملت أمُّ موسى بهارون في العام الذي لا يُذبَح فيه الغلمان، فوَلَدَتْ علانِيَةً آمِنَةً، حتى إذا كان في قابِلٍ حملت بموسى، فوقع في قلبها الهمُّ والحُزن -فذلك مِن الفتون، يا ابن جبير؛ ما دخل عليه في بطن أمه ما يُراد به-، فأوحى الله إليها أن: ﴿لا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين﴾ [القصص:٧]. وأَمَرَها إذا ولَدَتْه أن تجعله في تابوت، ثم تُلقيه في اليمِّ، فلما ولَدْت فَعَلَتْ ما أُمِرَت به، حتى إذا توارى عنها ابنُها أتاها الشيطان، وقالت في نفسها: ما فعلتُ بابني؟! لو ذُبِح عندي فوارَيْتُه وكَفَّنتُه كان أحبَّ إلَيَّ مِن أن ألقيه إلى دوابِّ البحر وحيتانه. فانطلق به الماءُ حتى أوْفى به عند فُرْضَة[[فُرْضَة النهر: ثُلْمَتُه التي منها يُستقى. اللسان (فرض).]] مُسْتَقى جواري امرأة فرعون، فرَأَيْنَه، فأخَذْنَه، فهَمَمْنَ أن يَفْتَحْنَ الباب، فقال بعضُهُنَّ لبعض: إنّ في هذا لَمالًا، وإنّا إن فتحناه لم تُصَدِّقنا امرأةُ الملك بما وجدنا فيه. فحَمَلْنه بهيئته، لم يُحَرِّكْنَ منه شيئًا حتى دَفَعْنَه إليها، فلمّا فتحته رأت فيه الغلامَ، فألقي عليها محبةٌ لم تلْقَ منها على أحد مِن البشر قطُّ، ﴿وأصبح فؤاد أم موسى فارغا﴾ [القصص:١٠] مِن ذِكْرِ كلِّ شيء إلا مِن ذكر موسى. فلمّا سمع الذبّاحون بأمره أقبلوا إلى امرأة فرعون بشِفارِهم، يريدون أن يذبحوه -وذلك مِن الفتون، يا ابن جبير-. فقالت للذبّاحين: آمروني، فإنّ هذا الواحدُ لا يزيد في بني إسرائيل، فإني آتي فرعون فأسْتَوْهِبُه إيّاه، فإن وهبه لي فقد أحسنتم وأجملتم، وإن أمر بذبحه لم ألُمْكُم. فلمّا أتت به فرعونَ قالت: ﴿قرة عين لي ولك لا تقتلوه﴾ [القصص:٩]. قال فرعون: يكون لكِ، وأما لي فلا حاجة لي فيه. قال رسول الله ﷺ: «والذي يحلف به، لو أقرَّ فرعون بأن يكون قُرَّة عين له كما قالت امرأتُه لهداه الله به كما هدى به امرأته، ولكن الله ﷿ حرمه ذلك». فأرسلت إلى مَن حولها مِن كل امرأة لها لبنٌ لِتختار له ظِئْرًا[[الظِئْر: المُرْضِعَة غيرَ ولدِها. النهاية (ظئر).]]، فكلَّما أخذته امرأةٌ مِنهُنَّ لترضعه لم يقبل ثديها، حتى أشفقت امرأةُ فرعون أن يمتنع مِن اللبن فيموت، فأحزنها ذلك، فأمرت به، فأُخْرِج إلى السوق ومجمع الناس، ترجو أن تجد له ظِئْرًا يأخذ منها، فلم يفعل. وأصبحتْ أمُّ موسى والِهًا، فقالت لأخته: قُصِّي أثره، واطلبيه، هل تسمعين له ذِكْرًا؟ أحيٌّ أم قد أكلته الدوابُّ؟ ونَسِيَتِ الذي كان وعَدَ اللهُ. فبصرت به أختُه عن جنب وهم لا يشعرون -والجنب: أن يَسْمُوَ بصرُ الإنسانِ إلى شيء بعيد وهو إلى جنبه، وهو لا يشعر به-، فقالت مِن الفرح حين أعياهم الظُّئُورات: أنا أدلُّكم على أهل بيتٍ يكفلونه لكم وهم له ناصحون. فأخذوها، فقالوا: وما يدريك ما نصحهم له؟ هل يعرفونه؟! حتى شكُّوا في ذلك -وذلك من الفتون، يا ابن جبير-، فقالت: نصحهم له وشفقتهم عليه رغبتهم في صِهر الملك رجاءَ منفعته. فتركوها، فانطلقت إلى أمه، فأخبرتها الخبر، فجاءت، فلما وضعته في حِجرها نزا إلى ثديها، فمصَّه حتى امتلأ جنباه ريًّا، وانطلق البشراء إلى امرأة فرعون يُبَشِّرونها: إنّا قد وجدنا لابنك ظِئْرًا. فأرسلت إليها، فأُتِيَت بها وبه، فلمّا رأت ما يصنع بها قالت لها: امكثي عندي، أرضعي ابني هذا؛ فإني لم أُحِبَّ حُبَّه شيئًا قط. قالت: لا أستطيع أن أدع بيتي وولدي فيضيع، فإن طابت نفسُك أن تعطينيه فأذهب به إلى بيتي فيكون معي لا آلوه خيرًا فعلتُ، وإلا فإني غيرُ تاركةٍ بيتي وولدي. فذكرت أمُّ موسى ما كان الله ﷿ وعَدَها، فتعاسرت على امرأة فرعون لذلك، وأيقنت أن الله ﷿ مُنجِزٌ وعدَه، فرجعت بابنها من يومها، فأنبته الله نباتًا حسنًا، وحفظه لِما قد قضى فيه، فلم يزل بنو إسرائيل وهم يجتمعون في ناحية القرية يمتنعون به مِن الظُّلم والسُّخْرَةِ[[السُّخْرَة: التكليف والحَمْل على الفِعْل بغير أُجْرَة. النهاية (سخر).]] منذ كان فيهم. فلمّا ترعرع قالت امرأةُ فرعون لأم موسى: أزيريني ابني. فوعدتها يومًا تزورها فيه به، فقالت لخُزّانِها وظُئُورِها وقَهارِمَتِها[[قهارمتها: جمع القَهْرمان –بفتح القاف وضمها-وهو من أُمَناءِ الملك وخاصَّتِه، والقَهْرَمان أيضًا: الوكيل والحافظ والقائم بالأمور. النهاية (قهرم).]]: لا يبقى منكم اليوم واحد إلا استقبل ابني بهدية وكرامةٍ أرى ذلك فيه، وأنا باعثةٌ أمينًا يُحْصِي ما صنع كلُّ إنسان منكم. فلم تزل الهدايا والنِحَل والكرامة تستقبله مِن حين خرج من بيت أمه إلى أن دخل عليها، فلما دخل عليها أكرمته ونَحَلته، وفرحت به وأعجبها، ونَحَلَتْ أمه لحسن أثرها عليه، ثم قالت: لأنطلِقَنَّ به إلى فرعون فلَيُنْحِلَنَّه وليُكْرِمَنَّه. فلما دخلت به عليه، وجعلته في حجره، فتناول موسى لحية فرعون، فمدَّها إلى الأرض، فقالت له الغواةُ مِن أعداء الله: ألا ترى إلى ما وعد الله إبراهيم! إنّه يَرِثُك ويصرعك ويعلوك. فأرسل إلى الذباحين ليذبحوه -وذلك مِن الفتون يا بن جبير، يَعُدُّ كلَّ بلاء ابتلي به وأريد به فتونًا-، فجاءت امرأةُ فرعون تسعى إلى فرعون، فقالت: ما بدا لك في هذا الصبي الذي وهبته لي؟ قال: ألا ترينه يزعم أنه سيصرعني ويعلوني!؟ قالت له: اجعل بيني وبينك أمرًا تعرف فيه الحق؛ ائت بجمرتين ولؤلؤتين، فقَرِّبْهُنَّ إليه، فإن بطش باللؤلؤتين واجتنب الجمرتين علمتَ أنه يعقل، وإن هو تناول الجمرتين ولم يُرِد اللؤلؤتين فاعلم أنّ [أحدًا] لا يؤثر الجمرتين على اللؤلؤتين وهو يعقل! فقُرِّب ذلك إليه، فتناول الجمرتين، فانتزعوهما منه مخافة أن يحرقا بدنه، فقالت المرأة: ألا ترى؟! وصرفه الله عنه بعد أن كان همَّ به، وكان اللهُ بالغَ أمره فيه. فلمّا بلغ أشده وكان من الرجال لم يكن أحد مِن آل فرعون يخلص إلى أحد مِن بني إسرائيل معه بظُلْم ولا بسُخْرَة، حتى امتنعوا كل الامتناع، فبينما هو يمشي في ناحية المدينة إذا هو برجلين يقتتلان؛ أحدهما من بني إسرائيل، والآخر من آل فرعون، فاستغاثه الإسرائيليُّ على الفرعوني، فغضب موسى، واشتد غضبه؛ لأنه تناوله وهو يعلم منزلة موسى مِن بني إسرائيل وحفظه لهم -لا يعلم إلا أنّ ذلك مِن الرضاع من أم موسى، إلا أن يكون اللهُ تعالى أطلع موسى مِن ذلك على ما لم يُطْلِع غيره عليه-، فوكز موسى الفرعونيَّ، فقتله، وليس يراهما أحدٌ إلا الله والإسرائيليُّ. فقال موسى حين قتل الرجل: ﴿هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين﴾ [القصص:١٥]. ثم قال: ﴿ربي إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له﴾ [القصص:١٦]. وأصبح في المدينة خائفًا يترقب الأخبار، فأتى فرعونُ، فقيل له: إنّ بني إسرائيل قتلوا رجلًا مِن آل فرعون، فخُذ لنا بحَقِّنا، ولا ترخص لهم. فقال: ائتوني قاتلَه ومَن شهد عليه؛ فإن الملك -وإن كان صَفْوُه مع قومه- لا يستقيم له أن يقِيدَ بغير بيِّنة ولا ثبت، فاطلبوا علمَ ذلك آخذْ لكم بحقِّكم. فبينما هم يطوفون فلا يجدون بيِّنة ولا ثبتًا، إذا موسى من الغد قد رأى ذلك الإسرائيليَّ يقاتل فرعونيًّا آخر، فاستغاثه الإسرائيليُّ على الفرعوني، فصادف موسى قد ندِم على ما كان، وكَرِه الذي رأى، فغضب من الإسرائيلي، وهو يريد أن يبطش بالفرعوني، فقال للإسرائيلي لما فعل بالأمس واليوم وقال: ﴿إنك لغوي مبين﴾ [القصص:١٨]. فنظر الإسرائيليُّ إلى موسى حين قال له ما قال، فإذا هو غضبان كغضبه بالأمس، فخاف بعدما قال له: ﴿إنك لغوي مبين﴾، أن يكون إياه أراد -وإنما أراد الفرعوني-، فقال: ﴿يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس﴾ [القصص:١٩]. وإنما قال ذلك مخافة أن يكون إيّاه أراد موسى ليقتله، فتَتاركا، فانطلق الفرعونيُّ إلى قومه، فأخبرهم بما سمع مِن الإسرائيلي حين يقول: ﴿أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس﴾. فأرسل فرعونُ الذبّاحين ليقتلوا موسى، فأخذ رُسُلُ فرعون في الطريق الأعظم يمشون على هيئتهم يطلبون موسى، وهم لا يخافون أن يفوتهم، وجاء رجل مِن شيعة موسى مِن أقصى المدينة، فاختصر طريقًا قريبًا حتى سبقهم إلى موسى، فأخبره الخبر -وذلك من الفتون، يا ابن جبير-. فخرج موسى مُتَوَجِّهًا نحو مَدْين، لم يلق بلاءً مثل ذلك، وليس له بالطريق عِلْمٌ إلا حُسْنُ ظنِّه بربه، فإنه قال: ﴿عسى ربي أن يهديني سواء السبيل ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان﴾ [القصص:٢٢-٢٣] يعني: حابِسَتَيْ غنمَهما. ﴿قال: ما خطبكما﴾ مُعْتَزِلَتَيْن لا تسقِيانِ مع الناس؟ قالتا: ليست لنا قُوَّة نُزاحِم القوم، وإنما ننتظر فضول حِياضِهم. فسقى لهما؛ فجعل يغرِف في الدلو ماءً كثيرًا حتى كانتا أول الرعاة فراغًا، فانصرفتا إلى أبيهما بغنمهما، وانصرف موسى إلى شجرة فاسْتَظَلَّ بها، وقال: ﴿رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير﴾ [القصص:٢٤]. فاستنكر أبو الجاريتين سرعة صدورهما بغنمهما حُفَّلًا[[حُفَّلًا: جمع حافِل، أي: ممتلئة الضروع. النهاية (حفل).]] بِطانًا[[بَطانًا: ممتلئة البطون. النهاية (بطن).]]، وقال: إن لكما اليوم لَشأنًا. فحدَّثتاهُ بما صنع موسى، فأمر إحداهما أن تدعوه له، فأتته فدعته، فلما كلَّمه قال: ﴿لا تخف نجوت من القوم الظالمين﴾ [القصص:٢٥]، ليس لفرعون ولا لقومه علينا سلطانًا، ولسنا في مملكته. قالت ابنتُه: ﴿يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين﴾ [القصص:٢٦]. فحملته الغيرة أن قال: وما يدريك ما قُوَّتُه وما أمانته؟ قالت: أمّا قوته فما رأيتُ منه حين سقى لنا، لم أر رجلًا قطُّ أقوى في ذلك السقي منه حين سقى لنا، وأما أمانته فإنّه نظر حين أقبلت إليه وشخصت له، فلمّا علم أني امرأة صوَّب رأسه ولم يرفعه، ولم ينظر إلَيَّ حين أقبلت إليه، حتى بلَّغتُه رسالتك، فقال لي: امشي خلفي، وانعتي لي الطريق. فلم يقل هذا إلا وهو أمين. فسُرِّي عن أبيها، وصدَّقها، وظَنَّ به الذي قالت، فقال: هل لك ﴿أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك وما أريد أن أشق عليك﴾ [القصص:٢٧]. ففعل، فكانت على موسى ثماني حجج واجبة، وكانت سنتان عِدَةً منه، فقضى اللهُ عِدَتَه، فأتمها عشرًا. -قال سعيد: فسألني رجلٌ مِن أهل النصرانية مِن علمائهم: هل تدري أيَّ الأجلين قضى موسى؟ قلت: لا. وأنا يومئذ لا أعلم، فلقيت ابنَ عباس، فذكرت له الذي قال النصرانيُّ، فقال: أما كنت تعلم أنّ ثمانيًا واجبة لم يكن موسى لينتقص منها شيئًا، وتعلم أنّ الله تعالى كان قاضيًا عن موسى عِدَته التي وعد؟ فإنّه قضى عشرًا. فأخبرت النصراني، فقال: الذي أخبرك بهذا هو أعلم منك. قلت: أجلْ، وأولى!-. سار موسى بأهله، ورأى مِن أمر النار ما قصَّ اللهُ عليك في القرآن وأمرِ العصا ويدِه، فشكا إلى ربِّه ما يتخوَّف مِن آل فرعون في القتيل، وعُقدة لسانه؛ فإنه كان في لسانه عقدة تمنعه مِن كثير من الكلام، فسأل ربَّه أن يعينه بأخيه هارون، ليكون له رِدْءًا، ويتكلم عنه بكثير مما لا يُفْصِح به، فآتاه الله سُؤْلَه، فحَلَّ عُقْدَةً من لسانه، وأوحى إلى هارون، وأمَرَهُ أن يلقى موسى، فاندفع موسى بالعصا، ولَقِي هارون، فانطلقا جميعًا إلى فرعون، فأقاما ببابه حينًا لا يُؤذَن لهما، ثم أذن لهما بعدَ حِجاب شديد، فقالا: ﴿إنا رسولا ربك﴾. فقال: ومَن ربكما، يا موسى. فأخبراه بالذي قصَّ الله في القرآن، قال: فما تريدان؟ وذَكَّره بالقتيل، فاعتذر بما قد سمعتَ، قال: أريد أن تؤمن بالله، وترسل معي بني إسرائيل. فأبى عليه ذلك، وقال: ائْتِ بآيةٍ إن كنت مِن الصادقين. فألقى بعصاه، فتحولت حيَّة عظيمة فاغرةً فاها مُسْرِعةً إلى فرعون، فلما رأى فرعونُ أنّها قاصِدةٌ إليه خافها؛ فاقتحم عن سريره، واستغاث بموسى أن يَكُفَّها عنه، ففعل، وأخرج يده مِن جيبه بيضاء من غير سوء، يعني: من غير برص، ثم أعادها إلى كُمِّه، فصارت إلى لونها الأول، فاستشار الملأَ فيما رأى، فقالوا له: هذان ساحران، يريدان أن يخرجاكم من أرضكم بسحرهما، ويذهبا بطريقتكم المثلى. يعنون: مُلْكَهم الذي هم فيه والعيش، فأبَوْا على موسى أن يعطوه شيئًا مما طلب، وقالوا له: اجمع لهم السحرةَ، فإنهم بأرضنا كثير حتى تغلب بسحرِهم سحرَهما. ﴿فأرسل فرعون في المدائن حاشرين﴾ [الشعراء:٥٤]، فحُشِر له كل ساحر مُتعالِم، فلما أتَوْا فرعونَ قالوا: بِمَ يعملُ هذا الساحر؟ قالوا: يعمل بالحيات والحبال. قال: فلا، واللهِ، ما في الأرض قومٌ يعملون بالحيّات والحِبال والعُصِيِّ بالسحر ما نعمل به! فما أجرُنا إن غلبناه؟ قال لهم: أنتم أقاربي وخاصتي، وأنا صانعٌ بكم كلَّ شيء أحببتم. فتواعدوا ليوم الزينة، وأن يحشر الناس ضحى. -قال سعيد: فحدثني ابنُ عباس أن يوم الزينة اليومُ الذي أظهر الله فيه موسى على فرعون والسحرة، وهو يوم عاشوراء-. فلمّا اجتمعوا في صعيد واحد قال الناسُ بعضُهم لبعض: اذهبوا بنا فلنحضُر هذا الأمر، ونتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين. يعنون بذلك: موسى وهارون استهزاءً بهما، فقالوا: يا موسى -لقدرتهم بسحرهم-، ﴿إما أن تلقي، وإما أن نكون نحن الملقين. قال: ألقوا﴾ [الأعراف:١١٥-١١٦]. ﴿فألقوا حبالهم وعصيهم، وقالوا: بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون﴾ [الشعراء:٤٤]. فرأى موسى من سحرهم ما أوجس منه خيفة، فأوحى الله إليه: أن ألق عصاك. فلمّا ألقاها صارت ثعبانًا عظيمًا فاغِرةً فاها، فجعل العصا بدعوة موسى تَلْتَبِس بالحبال، حتى صارت جَزَرًا إلى الثعبان، تدخل فيه حتى ما أبقت عصًا ولا حبلًا إلا ابتلعته، فلما عَرَف السحرةُ ذلك قالوا: لو كان هذا سحرًا لم تبتلع مِن سحرنا كل هذا! ولكن هذا مِن أمر الله ﷿؛ فآمنّا بالله، وبما جاء به موسى، ونتوب إلى الله مما كنا فيه. فكسر اللهُ ظهرَ فرعون في ذلك الموطنِ وأشياعَه، فظهر الحقُ وبطل ما كانوا يعملون، فغلبوا هنالك، وانقلبوا صاغرين، وامرأة فرعون بارِزة مُتَبَذِّلَةٌ[[التَّبَذُّل: ترك التزيُّن والتَّهيُّئ بالهيئة الحسَنة الجميلة على جهة التَّواضُع. النهاية (بذل).]]، تدعو الله بالنصر لموسى على فرعون، فمَن رآها من آل فرعون ظنَّ أنها تَبَذَّلَتْ شفقةً على فرعون وأشياعه، وإنما كان حزنها وهمُّها لموسى. فلمّا طال مكث موسى لمواعِدِ فرعون الكاذبة كلما جاء بآية وعَد عندها أن يرسل معه بني إسرائيل، فإذا كشف ذلك عنه نكث عهده، واختلف وعده، حتى أمر موسى بقومه، فخرج بهم ليلًا، فلما أصبح فرعون ورأى أنهم قد مَضَوْا بعث في المدائن حاشرين، فتبعهم جنودٌ عظيمة كثيرة، وأوحى الله إلى البحر: إذا ضربك عبدي موسى فانفرِق له اثني عشر فرقًا، حتى يجوز موسى ومن معه، ثم التَقِ بعدُ على مَن بقي مِن قوم فرعون وأشياعه. فنسي موسى أن يضرب بعصاه، فدفع إلى البحر وله قَصِيفٌ[[قَصِيفٌ: صوتٌ هائِلٌ يشبه صوت الرعْد. النهاية (قصف).]]، مخافة أن يضربه موسى بعصاه وهو غافل فيصير عاصيًا، فلما تراءى الجمعان وتقاربا قال أصحاب موسى: إنا لمدركون، فافعل ما أمرك به ربُّك؛ فإنك لم تُكْذَب ولم تَكْذِب. قال: وعدني ربي إذا انتهيتُ إلى البحرِ أن ينفرق لي حتى أجوز. ثم ذكر بعد ذلك العصا، فضرب البحرَ حين دنا أوائلُ جند فرعون مِن أواخر جند موسى، فانفرق البحرُ كما أمره الله وكما وعد موسى، فلما جاز أصحابُ موسى كلُّهم ودخل أصحابُ فرعون كلهم التقى البحرُ عليهم كما أمره الله ﷿، فما جاوز البحر. قال أصحاب موسى: إنا لمدركون؛ إنا نخاف أن لا يكون فرعونُ غرق، ولا نؤمن بهلاكه! فدعا ربَّه، فأخرجه له ببدنه من البحر حتى استيقنوا. ثم مرُّوا بعد ذلك على قومٍ ﴿يعكفون على أصنام لهم، قالوا: يا موسى اجعل لنا إلهًا كما لهم آلهة. قال: إنكم قوم تجهلون، إن هؤلاء مُتَبَّرٌ ما هم فيه، وباطل ما كانوا يعملون﴾ [الأعراف:١٣٨]، قد رأيتم من العِبَر ما يكفيكم، وسمعتم به. فمضى حتى أنزلهم منزلًا، ثم قال لهم: أطيعوا هارون، فإنِّي قد استخلفتُه عليكم، وإني ذاهبٌ إلى ربي. وأجَّلَهم ثلاثين يومًا أن يرجع إليهم فيها. فلما أتى ربَّه، وأراد أن يكلمه في ثلاثين يومًا قد صامهن ليلهن ونهارهن، كرِه أن يُكَلِّم ربه وريحُ فمِه ريحُ فمِ الصائم، فتناول موسى مِن نبات الأرض شيئًا فمضغه، فقال له ربُّه حين أتاه: لم أفطرت؟ وهو أعلم بالذي كان، قال: يا ربِّ، إنِّي كرهتُ أن أُكَلِّمك إلا فمي طيب الريح. قال: وما علمتَ -يا موسى- أنّ ريح فم الصائم أطيبُ عندي من ريح المسك! ارجع حتى تصوم عشرة أيام ثم ائتني. ففعل موسى الذي أمره الله به، فلما رأى قوم موسى أنه لم يأتهم للأجل ساءهم ذلك، وقد كان هارون خطبهم، وقال لهم: إنّكم خرجتم من مصر وعندكم ودائعُ لقوم فرعون وعَوارِي، ولكم فيهم مثلُ ذلك، وأنا أرى أن تحتسبوا ما كان لكم عندهم، ولا أُحِلّ لكم وديعةً استودعتموها أو عارية، ولسنا نرى أداءَ شيء من ذلك إليهم ولا مُمْسِكِيه. فحفر حفرةً، وأمر كلَّ قوم عندهم شيء مِن ذلك من متاع أو حلية بأن يدفنوه في الحفيرة، ثم أوقد عليه النار، فأحرقه، وقال: لا يكون لنا ولا لهم. وكان السامريُّ رجلًا مِن قومٍ يعبدون البقر، ليس من بني إسرائيل، بل جارٌ لهم، فاحتمل مع بني إسرائيل حين احتملوا، فقضى له أن رأى أثر الفرس، فقبض منه قبضة، فمرَّ بهارون، فقال له هارون: يا سامريُّ، ألا تلقي ما في يديك؟ وهو قابِضٌ عليه لا يراه أحدٌ طوال ذلك، فقال: هذه قبضةٌ مِن أثر الرسول الذي جاوز بكم البحر، فلا ألقيها لشيء إلا أن تدعوَ الله إذا ألقيتُها أن يكون ما أريد. قال: فألقاها، ودعا له هارون، قال: أريد أن يكون عِجْلًا. فاجتمع ما كان في الحفيرة مِن متاع؛ نحاس أو حديد أو حلي، فصار عِجلًا أجوف، ليس فيه روح، له خوار. -فقال ابن عباس: واللهِ، ما كان له صوت، ولكن الريح كانت تدخل في دُبُرِه، وتخرج مِن فِيهِ، فكان ذلك الصوت من ذلك-. فتفرَّق بنو إسرائيل فِرَقًا؛ فقالت فِرْقَةٌ: يا سامريُّ، ما هذا؛ فإنّك أنت أعلمُ به؟ فقال: هذا ربُّكم، ولكن موسى أخطأ الطريق. فقالوا: لا نكذب بهذا حتى يرجع إلينا موسى؛ فإن يك ربَّنا لم يكن ضَيَّعنا وعجزنا حين رأيناه، وإن لم يكن ربَّنا فإننا نتبع قول موسى. وقال فرقة: هذا مِن عمل الشيطان، وليس ربَّنا، ولا نُصَدِّق به ولا نؤمن. وأشرب فرقة في قلوبهم التصديق بما قال السامريُّ في العِجل، وأعلنوا التكذيب، فقال لهم هارون: ﴿يا قومِ، إنما فتنتم به، وإن ربكم الرحمن﴾ [طه:٩٠]، وليس هكذا. قالوا: فما بالُ موسى وعدنا ثلاثين ليلة، ثم أخلفنا، فهذه أربعون ليلة. فقال سفهاؤهم: أخطأ ربَّه، فهو يطلبه ويتبعه. فلما كلَّم الله موسى، وقال ما قال له، وأخبره بما لقي قومه من بعده، فرجع موسى إلى قومه غضبان أسفًا، فقال لهم ما سمعتم في القرآن، وألقى الألواح، وأخذ برأس أخيه يجره إليه من الغضب، غير أنه عَذَرَ أخاه، واستغفر ربه، ثم انصرف إلى السامريِّ، فقال له: ما حملك على ما صنعت؟ فقال: قبضت قبضة من أثر الرسول، وفَطِنتُ وعُمِّيَتْ عليكم، فقذفتها، وكذلك سولت لي نفسي. قال: ﴿فاذهب فإن لك في الحياة أن تقول لا مساس﴾ إلى قوله: ﴿في اليم نسفا﴾. ولو كان إلهًا لم يخلص إلى ذلك! فاستيقن بنو إسرائيل بالفتنة، واغتبط الذين كان رأيُهم رأيَ هارون، فقالوا: يا موسى، سل ربك أن يفتح لنا بابَ توبة نعملها، وتُكَفِّر عنا ما عملنا. فاختار موسى من قومه سبعين رجلًا لذلك، لا يألو لخير؛ خيار بني إسرائيل، ومَن لم يُشْرِك في العِجْل، فانطلق بهم ليسأل ربَّهم التوبة، فرجفت الأرضُ بهم، فاستحيا موسى ﵇ مِن قومه ووفده حين فعل بهم ذلك، فقال: ﴿رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا﴾ الآية [الأعراف:١٥٥]. ومنهم مَن قدِ اطَّلع اللهُ منه على ما أشرب قلبه العِجل والإيمان به؛ فلذلك رجفت بهم الأرض، فقال: ﴿رحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون﴾ إلى قوله: ﴿والإنجيل﴾ [الأعراف:١٥٦]. فقال: ربِّ، سألتُك التوبةَ لقومي، فقلتَ: إنّ رحمتك كتبتها لقومٍ غير قومي! فليتك أخَّرتني حتى أخرج في أُمَّة ذلك الرجل المرحومة. قال الله ﷿: فإنّ توبتهم أن يقتل كلُّ رجل منهم كُلَّ مَن لَقِيَ مِن والد أو ولد، فيقتله بالسيف، ولا يُبالِي مِن قبل ذلك الموطن. فتاب أولئك الذين كان خَفِي على موسى وهارون ما اطَّلع الله عليه مِن ذنوبهم، فاعترفوا بها، وفعلوا ما أُمِروا به، فغفر اللهُ للقاتل والمقتول. ثم سار بهم موسى متوجهًا نحو الأرض المقدسة، فأخذ الألواح بعد ما سكت عنه الغضب، وأمرهم بالذي أمره الله أن يبلغهم مِن الوظائف، فثَقُلَت عليهم، وأبَوْا أن يُقِرُّوا بها، حتى نَتَقَ الله عليهم الجبل كأنه ظُلَّة، ودنا منهم حتى خافوا أن يقع عليهم، فأخذوا الكتاب بأيمانهم وهم مُصْغُون ينظرون الأرض، والكتاب الذي أخذوه بأيديهم، وهم ينظرون إلى الجبل مخافةَ أن يقع عليهم. ثم مَضَوْا حتى أتَوُا الأرضَ المقدسة، فوجدوا فيها مدينةَ جبّارين؛ خَلْقُهمُ خلقٌ مُنكَر، وذكروا مِن ثمارهم أمرًا عجيبًا مِن عِظَمِها! فقالوا: يا موسى، إنّ فيها قوم جبارين لا طاقة لنا اليوم بهم، ولا ندخلها ما داموا فيها، فإن يخرجوا منها فإنا داخلون. قال رجلان من الجبارين آمنا بموسى فخرجا إليه، فقالا: نحن أعلم بقومنا، إن كنتم تخافون ما رأيتم مِن أجسامهم وعددهم، فإنهم ليس لهم قلوب، ولا مَنَعَة عندهم، فادخلوا عليهم الباب، فإذا دخلتموه فإنكم غالبون. -ويقول أناس: إنهما من قوم موسى، وزعم سعيد: أنّهما مِن الجبارين آمنا بموسى، يقول: ﴿من الذين يخافون أنعم الله عليهما﴾ [المائدة:٣٣]، وإنما يعني بذلك: الذين يخافهم بنو إسرائيل-. فقالوا: ﴿يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون﴾ [المائدة:٢٤]. فأغضبوا موسى، فدعا عليهم، فسماهم: فاسقين، ولم يدعُ عليهم قبل ذلك؛ لِما رأى فيهم مِن المعصية وإساءتهم حتى كان يومئذ، فدعا عليهم، فاستجاب الله له، وسماهم كما سماهم موسى: فاسقين، فحرمها عليهم أربعين يتيهون في الأرض، يُصْبِحون كل يوم فيسيرون ليس لهم قرار. ثم ظَلَّل عليهم في التِّيه بالغمام، وأنزل عليهم المنَّ والسلوى، وجعل لهم ثيابًا لا تبلى ولا تَتَّسِخ، وجعل بين ظهرانيهم حجرًا مُرَبَّعًا، وأمر موسى فضربه بعصاه، فانفجرت منه اثنتا عشرة عينًا، في كل ناحية ثلاث عيون، وأَعْلَم كُلَّ سِبْطٍ عينَهم التي يشربون منها، لا يرتحلون من مَنقَلَة[[المَنقَلَة: المرحلة من مراحل السفر. لسان العرب (نقل).]] إلا وجدوا ذلك الحجر منهم بالمكان الذي كان منهم بالمنزل الأول. رفع ابنُ عباس هذا الحديث عن النبي ﷺ، وصدق ذلك عندي أنّ معاوية بن أبي سفيان سمع من ابن عباس هذا الحديث، فأنكر عليه أن يكون الفرعونيُّ هو الذي أفشى على موسى أمر القتيل، وقال: إنما أفشى عليه الإسرائيليُّ. فأخذ ابنُ عباس بيده، فانطلق إلى سعد بن مالك الزُّهري، فقال: أرأيتَ يوم حدَّثنا النبيُّ ﷺ عن قتيل موسى من آل فرعون، مَن أفشى عليه الإسرائيليُّ أو الفرعونيُّ؟ قال: أفشى عليه الفرعونيُّ بما سمع مِن الإسرائيلي الذي شهد ذلك وحضره[[أخرجه النسائي في الكبرى ١٠/١٧٢-١٨٣ (١١٢٦٣)، وأبو يعلى ٥/١٠-٢٩ (٢٦١٨)، وابن جرير ١٦/٦٤-٦٩، وابن أبي حاتم ٥/١٥٥٦ (٨٩١٨)، ٥/١٥٦٧-١٥٦٨ (٨٩٨٦)، ٥/١٦١٠ (٨٥١٥)، ٨/٢٧٥٢ (١٥٥٤٨)، ٩/٢٩٤٢ (١٦٦٨٧)، ٩/٢٩٤٣ (١٦٦٨٩)، ٩/٢٩٤٤ (١٦٦٩٨)، ٩/٢٩٥٠ (١٦٧٣٥)، ٩/٢٩٥٤ (١٦٧٦٥)، ٩/٢٩٥٨ (١٦٧٨٨)، ٩/٢٩٦٤ (١٦٨٢٥)، ٩/٢٩٦٧ (١٦٨٤٩). وعزاه السيوطي إلى ابن مردويه. قال الهيثمي في المجمع ٧/٥٦-٦٦ (١١١٦٦): «رجاله رجال الصحيح، غير أصبغ بن زيد والقاسم بن أبي أيوب، وهما ثقتان». وقال ابن كثير في البداية والنهاية ٢/١٩٦: «والأشبه -والله أعلم- أنه موقوف، وكونه مرفوعًا فيه نظر، وغالبه مُتَلَقًّى مِن الإسرائيليات، وفيه شيء يسير مُصَرَّح برفعه في أثناء الكلام، وفي بعض ما فيه نظر ونكارة، والأغلب أنه من كلام كعب الأحبار، وقد سمعت شيخنا الحافظ أبا الحجاج المزي يقول ذلك».]]. (١٠/١٨٨)
﴿فَلَبِثۡتَ سِنِینَ فِیۤ أَهۡلِ مَدۡیَنَ﴾ - تفسير
٤٧٧٣٦- قال وهب بن مُنَبِّه: لبِث عند شعيب ﵇ ثمانيًا وعشرين سنة؛ عشر سنين منها مهر ابنته صفيرا بنت شعيب، وثمان عشرة سنة أقام عنده حتى وُلِدَ له[[تفسير الثعلبي ٦/٢٤٤، وتفسير البغوي ٥/٢٧٣.]]. (ز)
٤٧٧٣٧- عن قتادة بن دعامة، في قوله: ﴿فلبثت سنين في أهل مدين﴾، قال: عشر سنين[[أخرجه عبد الرزاق ٢/١٧. وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.]]. (١٠/٢٠٦)
٤٧٧٣٨- قال مقاتل بن سليمان: ﴿فلبثت سنين﴾ يعني: عشر سنين، ﴿في أهل مدين﴾ حين كان مع شعيب ﵉[[تفسير مقاتل بن سليمان ٣/٢٧.]]. (ز)
٤٧٧٣٩- قال يحيى بن سلّام: قوله: ﴿فلبثت سنين في أهل مدين﴾ عشرين سنة؛ أقام عشرًا ثَمَّ آخر الأجلين، ثم أقام بعد ذلك عشرًا[[تفسير يحيى بن سلّام ١/٢٦٠.]]. (ز)
﴿ثُمَّ جِئۡتَ عَلَىٰ قَدَرࣲ یَـٰمُوسَىٰ ٤٠﴾ - تفسير
٤٧٧٤٠- عن عبد الله بن عباس -من طريق العوفي- في قوله: ﴿ثم جئت على قدر﴾، قال: لميقات[[أخرجه ابن جرير ١٦/٧١.]]. (١٠/٢٠٦)
٤٧٧٤١- عن مجاهد بن جبر -من طريق ابن أبي نَجِيح- في قوله: ﴿ثم جئت على قدر﴾، قال: على موعد[[أخرجه ابن جرير ١٦/٧٢. وعلقه يحيى بن سلّام ١/٢٦٠، والبخاري ٤/١٧٦٤. وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.]]. (١٠/٢٠٧)
٤٧٧٤٢- عن قتادة بن دعامة -من طريق معمر- في قوله: ﴿ثم جئت على قدر يا موسى﴾، قال: على قدر الرسالة والنبوة[[أخرجه عبد الرزاق ٢/١٧، وابن جرير ١٦/٧٢. وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.]]٤٢٦٢. (١٠/٢٠٦)
٤٧٧٤٣- قال محمد بن كعب القرظي: جئت على القدر الذي قدَّرتُ أنك تجيء[[تفسير الثعلبي ٦/٢٤٤، وتفسير البغوي ٥/٢٧٤.]]. (ز)
٤٧٧٤٤- قال محمد بن السائب الكلبي: وافق الكلام عند الشجرة[[تفسير الثعلبي ٦/٢٤٥.]]. (ز)
٤٧٧٤٥- قال مقاتل بن سليمان: ﴿ثم جئت على قدر﴾ يعني: ميقات، ﴿يا موسى﴾[[تفسير مقاتل بن سليمان ٣/٢٧.]]. (ز)
﴿ثُمَّ جِئۡتَ عَلَىٰ قَدَرࣲ یَـٰمُوسَىٰ ٤٠﴾ - آثار متعلقة بالآية
٤٧٧٤٦- عن إبراهيم النخعي -من طريق مغيرة- قال: كانوا يكرهون أن يتأولوا شيئًا من القرآن عندما يعرض مِن أحاديث الدنيا. قيل لهشيم: نحو قوله: ﴿جئت على قدر يا موسى﴾؟ قال: نعم[[أخرجه سعيد بن منصور في سننه (ت: سعد آل حميد) ٩٧/٣١٨ (٩٢).]]. (ز)
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.