الباحث القرآني

القَوْلُ في تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعالى: [٤٠] ﴿إذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أدُلُّكم عَلى مَن يَكْفُلُهُ فَرَجَعْناكَ إلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها ولا تَحْزَنَ وقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْناكَ مِنَ الغَمِّ وفَتَنّاكَ فُتُونًا فَلَبِثْتَ سِنِينَ في أهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى﴾ . ﴿إذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أدُلُّكم عَلى مَن يَكْفُلُهُ﴾ أيْ: يَضْمَنُ حَضانَتَهُ ورَضاعَتَهُ. (p-٤١٨٠)فَقَبِلُوا قَوْلَها. وذَلِكَ لِأنَّهُ لَمّا اسْتَقَرَّ عِنْدَ آلِ فِرْعَوْنَ، عَرَضُوا عَلَيْهِ المَراضِعَ فَأباها كَما قالَ تَعالى: ﴿وحَرَّمْنا عَلَيْهِ المَراضِعَ﴾ [القصص: ١٢] فَجاءَتْ أُخْتُهُ فَقالَتْ: ﴿هَلْ أدُلُّكم عَلى أهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكم وهم لَهُ ناصِحُونَ﴾ [القصص: ١٢] فَجاءَتْ بِأُمِّهِ كَما قالَ: ﴿فَرَجَعْناكَ إلى أُمِّكَ﴾ أيْ: مَعَ كَوْنِكَ بِيَدِ العَدُوِّ: ﴿كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها﴾ أيْ: بِرُؤْيَتِكَ: ﴿ولا تَحْزَنَ﴾ أيْ: بِفِراقِكَ. فَهَذِهِ مِنَنٌ زائِدَةٌ عَلى النَّجاةِ مِنَ القَتْلِ. ثُمَّ أشارَ إلى ما مَنَّ عَلَيْهِ بِالنَّجاةِ مِنَ القَتْلِ الَّذِي لا يُدْفَعُ بِتَلْبِيسٍ، بِقَوْلِهِ: ﴿وقَتَلْتَ نَفْسًا﴾ أيْ: مِن آلِ فِرْعَوْنَ، وهو القِبْطِيُّ الَّذِي اسْتَغاثَهُ عَلَيْهِ الإسْرائِيلِيُّ، إذْ وكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ. أيْ: فاغْتَمَمْتَ لِلْقَصاصِ: ﴿فَنَجَّيْناكَ مِنَ الغَمِّ﴾ أيْ: غَمِّ القَتْلِ بِأنْ صَرَفْنا عَنْكَ ما تَخْشاهُ. وذَلِكَ أنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ فَرَّ مِن آلِ فِرْعَوْنَ حَتّى ورَدَ ماءَ مَدْيَنَ. وقالَ لَهُ ذَلِكَ الرَّجُلُ الصّالِحُ: ﴿لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ القَوْمِ الظّالِمِينَ﴾ [القصص: ٢٥] ﴿وفَتَنّاكَ فُتُونًا﴾ أيِ: ابْتَلَيْناكَ ابْتِلاءً. عَلى أنَّ (الفُتُونَ) مَصْدَرٌ كالشَّكُورِ، أوْ ضُرُوبًا مِنَ الفِتَنِ عَلى أنَّهُ جَمْعُ (فِتْنَةٍ) أيْ: فَجَعَلْنا لَكَ فَرَجًا ومَخْرَجًا مِنها. وهو إجْمالٌ لِما سَبَقَ ذِكْرُهُ. ﴿فَلَبِثْتَ سِنِينَ في أهْلِ مَدْيَنَ﴾ أيْ: مُعَزَّزَ الجانِبِ مَكْفِيَّ المَؤُونَةِ في عِشْرَةِ أتْقى رَجُلٍ مِنهم وأصْلَحِهِمْ، وهو نَبِيُّهم عَلَيْهِ السَّلامُ: ﴿ثُمَّ جِئْتَ عَلى قَدَرٍ يا مُوسى﴾ أيْ: بَعْدَ أنْ قَضَيْتَ الأجَلَ المَضْرُوبَ بَيْنَكَ وبَيْنَ شُعَيْبٍ مِنَ الإجارَةِ،جِئْتَ بِأهْلِكَ عَلى وفْقِ ما سَبَقَ في قَضائِي وقَدَرِي؛ أنْ أُكَلِّمَكَ وأسْتَنْبِئَكَ في وقْتٍ يُعَيِّنُهُ قَدْ وقَّتَهُ لِذَلِكَ. فَما جِئْتَ إلّا عَلى ذَلِكَ القَدْرِ، غَيْرَ مُسْتَقْدِمٍ ولا مُسْتَأْخِرٍ. فالأمْرُ لَهُ تَعالى. وهو المُسَيِّرُ عِبادَهُ وخَلْقَهُ فِيما يَشاءُ. قالَ أبُو السُّعُودِ: وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿يا مُوسى﴾ تَشْرِيفٌ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ، وتَنْبِيهٌ عَلى انْتِهاءِ الحِكايَةِ الَّتِي هي تَفْصِيلُ المَرَّةِ الأُخْرى الَّتِي وقَعَتْ قَبْلَ المَرَّةِ المَحْكِيَّةِ أوَّلًا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب