الباحث القرآني
﴿إذْ تَمْشِي أُخْتُكَ﴾ ظَرْفٌ لِتُصْنَعَ كَما قالَ الحُوفِيُّ وغَيْرُهُ عَلى أنَّ المُرادَ بِهِ وقْتُ وقَعَ فِيهِ مَشْيُ الأُخْتِ وما تَرَتَّبَ عَلَيْهِ مِنَ القَوْلِ والرَّجْعِ إلى أُمِّها وتَرْبِيَتِها لَهُ بِالحُنُوِّ وهو المِصْداقُ لِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي﴾ إذْ لا شَفَقَةَ أعْظَمُ مِن شَفَقَةِ الأُمِّ وصَنِيعِها عَلى مُوجَبِ مُراعاتِهِ تَعالى. وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ ظَرْفًا لِألْقَيْتُ وأنْ يَكُونَ بَدَلًا مِن ﴿إذْ أوْحَيْنا﴾ عَلى أنَّ المُرادَ بِها وقْتٌ مُتَّسِعٌ فَيَتَّحِدُ الظَّرْفانِ وتَصِحُّ البَدَلِيَّةُ ولا يَكُونُ مِن إبْدالِ أحَدُ المُتَغايِرَيْنِ الَّذِي لا يَقَعُ في فَصِيحِ الكَلامِ.
ورَجَّحَ هَذا صاحِبُ الكَشْفِ فَقالَ: هو الأوْفَقُ لِمَقامِ الِامْتِنانِ لِما فِيهِ مِن تَعْدادِ المِنَّةِ عَلى وجْهٍ أبْلَغَ ولِما في تَخْصِيصِ الإلْقاءِ أوِ التَّرْبِيَةِ بِزَمانِ مَشْيِ الأُخْتِ مِنَ العُدُولِ إلى الظّاهِرِ، فَقَبْلَهُ كانَ عَلَيْهِ السَّلامُ مَحْبُوبًا مَحْفُوظًا، ثُمَّ أوْلى الوَجْهَيْنِ جَعْلُهُ ظَرْفًا (لِتُصْنَعَ)، وأمّا النَّصْبُ بِإضْمارِ اذْكُرْ فَضَعِيفٌ ا هـ. وأنْتَ تَعْلَمُ أنَّ الظّاهِرَ كَوْنُهُ ظَرْفًا لِتُصْنَعَ والتَّقْيِيدُ بِعَلى عَيْنِي يُسْقِطُ التَّرْبِيَةَ قَبْلُ في غَيْرِ حِجْرِ الأُمِّ عَنِ العَيْنِ.
واعْتَرَضَ أبُو حَيّانَ وجْهَ البَدَلِيَّةِ بِأنَّ كُلًّا مِنَ الظَّرْفَيْنِ ضَيِّقٌ لَيْسَ بِمُتَّسِعٍ لِتَخْصِيصِهِ بِما أُضِيفَ إلَيْهِ ولَيْسَ ذَلِكَ كالسَّنَةِ في الِامْتِدادِ وفِيهِ تَأمُّلٌ، واسْمُ أُخْتِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ مَرْيَمُ، وقِيلَ: كُلْثُومُ وصِيغَةُ المُضارِعِ لِحِكايَةِ (p-191)الحالِ الماضِيَةِ، وكَذا يُقالُ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَتَقُولُ هَلْ أدُلُّكم عَلى مَن يَكْفُلُهُ﴾ أيْ يَضُمُّهُ إلى نَفْسِهِ ويُرَبِّيهِ.
﴿فَرَجَعْناكَ إلى أُمِّكَ﴾ الفاءُ فَصِيحَةٌ أيْ فَقالُوا: دُلِّينا عَلى ذَلِكَ فَجاءَتْ بِأُمِّكَ فَرَجَعْناكَ إلَيْها ﴿كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها﴾ بِلِقائِكَ. وقُرِئَ (تَقِرُّ) بِكَسْرِ القافِ. وقَرَأ جَناحُ بْنُ حُبَيْشٍ (تُقَرَّ) بِالبِناءِ لِلْمَفْعُولِ ﴿ولا تَحْزَنَ﴾ أيْ لا يَطْرَأ عَلَيْها الحُزْنُ بِفِراقِكَ بَعْدَ ذَلِكَ وإلّا فَزَوالُ الحُزْنِ مُقَدَّمٌ عَلى السُّرُورِ المُعَبَّرِ عَنْهُ بِقُرَّةِ العَيْنِ فَإنَّ التَّخْلِيَةَ مُقَدَّمَةٌ عَلى التَّحْلِيَةِ.
وقِيلَ: الضَّمِيرُ المُسْتَتِرُ في (تَحْزَنَ) لِمُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ أيْ ولا تَحْزَنَ أنْتَ بِفَقْدِ إشْفاقِها، وهَذا وإنْ لَمْ يَأْبَهُ النَّظْمُ الكَرِيمُ إلّا أنَّ حُزْنَ الطِّفْلِ غَيْرُ ظاهِرٍ، وما في سُورَةِ القَصَصِ يَقْتَضِي الأوَّلَ والقُرْآنُ يُفَسِّرُ بَعْضُهُ بَعْضًا.
أخْرَجَ جَماعَةٌ مِن خَبَرٍ طَوِيلٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما أنَّ آسِيَةَ حِينَ أخْرَجَتْ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ مِنَ التّابُوتِ واسْتَوْهَبَتْهُ مِن فِرْعَوْنَ فَوَهَبَهُ لَها أرْسَلَتْ إلى مَن حَوْلَها مِن كُلِّ امْرَأةٍ لَها لَبَنٌ لِتَخْتارَ لَها ظِئْرًا فَلَمْ يَقْبَلْ ثَدْيَ واحِدَةٍ مِنهُنَّ حَتّى أشْفَقَتْ أنْ يَمْتَنِعَ مِنَ اللَّبَنِ فَيَمُوتَ فَأحْزَنَها ذَلِكَ فَأمَرَتْ بِهِ فَأُخْرِجَ إلى السُّوقِ مَجْمَعِ النّاسِ تَرْجُو أنْ تَجِدَ لَهُ ظِئْرًا يَأْخُذُ ثَدْيَها فَلَمْ يَفْعَلْ وأصْبَحَتْ أُمُّهُ والِهَةً فَقالَتْ لِأُخْتِهِ: قُصِّي أثَرَهُ واطْلُبِيهِ هَلْ تَسْمَعِينَ لَهُ ذِكْرًا، أحَيًّا ابْنِي أمْ قَدْ أكَلَتْهُ الدَّوابُّ؟ ونَسِيَتِ الَّذِي كانَ وعَدَها اللَّهُ تَعالى فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ فَقالَتْ مِنَ الفَرَحِ: أنا أدُلُّكم عَلى أهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكم وهم لَهُ ناصِحُونَ، فَأخَذُوها فَقالُوا: وما يُدْرِيكِ ما نُصْحُهم لَهُ؟ هَلْ يَعْرِفُونَهُ؟ وشَكُّوا في ذَلِكَ، فَقالَتْ: نُصْحُهم لَهُ وشَفَقَتُهم عَلَيْهِ لِرَغْبَتِهِمْ في رِضا المَلِكِ والتَّقَرُّبِ إلَيْهِ، فَتَرَكُوها وسَألُوها الدَّلالَةَ، فانْطَلَقَتْ إلى أُمِّهِ فَأخْبَرَتْها الخَبَرَ، فَجاءَتْ فَلَمّا وضَعَتْهُ في حِجْرِها نَزا إلى ثَدْيِها فَمَصَّهُ حَتّى امْتَلَأ جَنْباهُ رِيًّا وانْطَلَقَ البُشْرى إلى امْرَأةِ فِرْعَوْنَ يُبَشِّرُونَها إنّا قَدْ وجَدْنا لِابْنِكَ ظِئْرًا، فَأرْسَلَتْ إلَيْها فَأُتِيَتْ بِها وبِهِ، فَلَمّا رَأتْ ما يَصْنَعُ بِها قالَتْ لَها: امْكُثِي عِنْدِي أرْضِعِي ابْنِي هَذا، فَإنِّي لَمْ أُحِبَّ حُبَّهُ شَيْئًا قَطُّ، قالَتْ: لا أسْتَطِيعُ أنْ أدَعَ بَيْتِي ووَلَدِي فَيَضِيعَ، فَإنْ طابَتْ نَفْسُكِ أنْ تُعْطِيَنِيهِ فَأذْهَبَ بِهِ إلى بَيْتِي فَيَكُونَ مَعِي لا آلُوهُ خَيْرًا فَعَلْتُ، وإلّا فَإنِّي غَيْرُ تارِكَةٍ بَيْتِي ووَلَدِي، فَذَكَرَتْ أُمُّ مُوسى ما كانَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ وعَدَها فَتَعاسَرَتْ عَلى امْرَأةِ فِرْعَوْنَ لِذَلِكَ وأيْقَنَتْ أنَّ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ مُنْجِزٌ وعْدَهُ، فَرَجَعَتْ بِابْنِها إلى بَيْتِها مِن يَوْمِها فَأنْبَتَهُ اللَّهُ تَعالى نَباتًا حَسَنًا وحَفِظَهُ لِما قَدْ قَضى فِيهِ، فَلَمّا تَرَعْرَعَ قالَتِ امْرَأةُ فِرْعَوْنَ لِأُمِّهِ: أرِينِي ابْنِي فَوَعَدَتْها يَوْمًا تَزُورُها بِهِ فِيهِ، فَقالَتْ لِخُزّانِها وقَهارِمَتِها: لا يَبْقَ مِنكم أحَدٌ إلّا اسْتَقْبَلَ ابْنِي بِهَدِيَّةٍ وكَرامَةٍ أرى ذَلِكَ فِيهِ، وأنا باعِثَةٌ أمِينًا يُحْصِي ما صَنَعَ كُلُّ إنْسانٍ مِنكُمْ، فَلَمْ تَزَلِ الهَدايا والنِّحَلُ والكَرامَةُ تَسْتَقْبِلُهُ مِن حِينِ خَرَجَ مِن بَيْتِ أُمِّهِ إلى أنْ دَخَلَ عَلَيْها، فَلَمّا دَخَلَ أكْرَمَتْهُ ونَحَلَتْهُ وفَرِحَتْ بِهِ ونَحَلَتْ أُمَّهُ لِحُسْنِ أثَرِها عَلَيْهِ، ثُمَّ انْطَلَقَتْ بِهِ إلى فِرْعَوْنَ لِيُنْحِلَهُ ولِيُكْرِمَهُ فَكانَ ما تَقَدَّمَ مِن جَذْبِ لِحْيَتِهِ.
ومِن هَذا الخَبَرِ يُعْلَمُ أنَّ المُرادَ إذْ تَمْشِي أُخْتُكَ في الطَّرِيقِ لِطَلَبِكَ وتَحْقِيقِ أمْرِكَ فَتَقُولُ لِمَن أنْتَ بِأيْدِيهِمْ يَطْلُبُونَ لَكَ ظِئْرًا تُرْضِعُكَ: هَلْ أدُلُّكم إلَخْ.
وفِي رِوايَةٍ أنَّهُ لَمّا أُخِذَ مِنَ التّابُوتِ فَشا الخَبَرُ بِأنَّ آلَ فِرْعَوْنَ وجَدُوا غُلامًا مِنَ النِّيلِ لا يَرْتَضِعُ ثَدْيَ امْرَأةٍ واضْطُرُّوا إلى تَتَبُّعِ النِّساءِ، فَخَرَجَتْ أُخْتُهُ لِتَعْرِفَ خَبَرَهُ فَجاءَتْهم مُتَنَكِّرَةً فَقالَتْ ما قالَتْ، وقالُوا ما قالُوا، فالمُرادُ عَلى هَذا إذْ تَمْشِي أُخْتُكَ إلى بَيْتِ فِرْعَوْنَ فَتَقُولُ لِفِرْعَوْنَ وآسِيَةَ أوْ لِآسِيَةَ ﴿هَلْ أدُلُّكُمْ﴾ إلَخْ.
(p-192)﴿وقَتَلْتَ نَفْسًا﴾ هي نَفْسُ القِبْطِيِّ واسْمُهُ قانُونُ الَّذِي اسْتَغاثَهُ عَلَيْهِ الإسْرائِيلِيُّ واسْمُهُ مُوسى بْنُ ظَفَرٍ وهو السّامِرِيُّ، وكانَ سِنُّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ حِينَ قَتَلَ عَلى ما في البَحْرِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، وفي الخَبَرِ عَنِ الحَبْرِ ابْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما أنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ حِينَ قَتَلَ القِبْطِيَّ كانَ مِنَ الرِّجالِ وكانَ قَتْلُهُ إيّاهُ بِالوَكْزِ كَما يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَوَكَزَهُ مُوسى فَقَضى عَلَيْهِ﴾ وكانَ المُرادُ وقَتَلْتَ نَفْسًا فَأصابَكَ غَمٌّ ﴿فَنَجَّيْناكَ مِنَ الغَمِّ﴾ وهو الغَمُّ النّاشِئُ مِنَ القَتْلِ وقَدْ حَصَلَ لَهُ مِن وجْهَيْنِ: خَوْفِ عُقابِ اللَّهِ تَعالى حَيْثُ لَمْ يَقَعِ القَتْلُ بِأمْرِهِ سُبْحانَهُ، وخَوْفِ اقْتِصاصِ فِرْعَوْنَ وقَدْ نَجّاهُ اللَّهُ تَعالى مِن ذَلِكَ بِالمَغْفِرَةِ حِينَ قالَ: ﴿رَبِّ إنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فاغْفِرْ لِي﴾ وبِالمُهاجَرَةِ إلى مَدْيَنَ، وقِيلَ: هو غَمُّ التّابُوتِ، وقِيلَ: غَمُّ البَحْرِ وكِلا القَوْلَيْنِ لَيْسَ بِشَيْءٍ، والغَمُّ في الأصْلِ سَتْرُ الشَّيْءِ ومِنهُ الغَمامُ لِسَتْرِهِ ضَوْءَ الشَّمْسِ، ويُقالُ: لِما يَغُمُّ القَلْبَ بِسَبَبِ خَوْفٍ أوْ فَواتِ مَقْصُودٍ، وفَرَّقَ بَيْنَهُ وبَيْنَ الهَمِّ بِأنَّهُ مِن أمْرٍ ماضٍ والهَمُّ مِن أمْرٍ مُسْتَقْبَلٍ، وظاهِرُ كَلامِ كَثِيرٍ عَدَمُ الفَرْقِ وشُمُولُ كُلِّ ما يَكُونُ مِن أمْرٍ ماضٍ وأمْرٍ مُسْتَقْبَلٍ ﴿وفَتَنّاكَ فُتُونًا﴾ أيِ ابْتَلَيْناكَ ابْتِلاءً عَلى أنَّ (فُتُونًا) مَصْدَرٌ عَلى فُعُولٍ في المُتَعَدِّي كالثُّبُورِ والشُّكُورِ والكُفُورِ، والأكْثَرُ في هَذا الوَزْنِ أنْ يَكُونَ مَصْدَرَ اللّازِمِ أوْ فُتُونًا مِنَ الِابْتِلاءِ عَلى أنَّهُ جَمْعُ فِتَنٍ كالظُّنُونِ جَمْعُ ظَنٍّ أوْ جَمْعُ فِتْنَةٍ عَلى تَرْكِ الِاعْتِدادِ بِالتّاءِ لِأنَّها في حُكْمِ الِانْفِصالِ كَما قالُوا في حُجُوزٍ جَمْعُ حُجْزَةٍ وبِدُوُرٍ جَمْعُ بُدْرَةٍ، ونَظْمُ الِابْتِلاءِ في سَلْكِ المِنَنِ قِيلَ: بِاعْتِبارِ أنَّ المُرادَ ابْتَلَيْناكَ واخْتَبَرْناكَ بِإيقاعِكَ في المِحَنِ وتَخْلِيصِكَ مِنها، وقِيلَ: إنَّ المَعْنى أوْقَعْناكَ في المِحْنَةِ وهو ما يَشُقُّ عَلى الإنْسانِ، ونَظْمُ ذَلِكَ في ذَلِكَ السَّلْكِ بِاعْتِبارِ أنَّهُ مُوجِبٌ لِلثَّوابِ فَيَكُونُ مِن قَبِيلِ النِّعَمِ ولَيْسَ بِشَيْءٍ، وقِيلَ: إنَّ (فَتَنّاكَ) بِمَعْنى خَلَّصْناكَ مِن قَوْلِهِمْ: فَتَنْتُ الذَّهَبَ بِالنّارِ إذا خَلَّصْتَهُ بِها مِنَ الغِشِّ ولا يَخْفى حُسْنُهُ، والمُرادُ سَواءٌ اعْتُبِرَ الفُتُونُ مَصْدَرًا أوْ جَمْعًا خَلَّصْناكَ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرى وهو ظاهِرٌ عَلى اعْتِبارِ الجَمْعِيَّةِ، وأمّا عَلى اعْتِبارِ المَصْدَرِيَّةِ فَلِاقْتِضاءِ السِّياقِ ذَلِكَ، وهَذا إجْمالُ ما نالَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ في سَفَرِهِ مِنَ الهِجْرَةِ عَنِ الوَطَنِ ومُفارَقَةِ الآلافِ والمَشْيِ راجِلًا وفَقْدِ الزّادِ.
وقَدْ رَوى جَماعَةٌ أنَّ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ سَألَ ابْنَ عَبّاسٍ عَنِ الفُتُونِ فَقالَ لَهُ: اسْتَأْنِفِ النَّهارَ يا ابْنَ جُبَيْرٍ فَإنَّ لَها خَبَرًا طَوِيلًا فَلَمّا أصْبَحَ غَدًا عَلَيْهِ فَأخَذَ ابْنُ عَبّاسٍ يَذْكُرُ ذَلِكَ فَذَكَرَ قِصَّةَ فِرْعَوْنَ وقَتْلِهِ أوْلادَ بَنِي إسْرائِيلَ ثُمَّ قِصَّةَ إلْقاءِ مُوسى عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ في اليَمِّ والتِقاطِ آلِ فِرْعَوْنَ إيّاهُ وامْتِناعِهِ مِنَ الِارْتِضاعِ مِنَ الأجانِبِ وإرْجاعِهِ إلى أُمِّهِ ثُمَّ قِصَّةَ أخْذِهِ بِلِحْيَةِ فِرْعَوْنَ وغَضَبِ فِرْعَوْنَ مِن ذَلِكَ وإرادَتِهِ قَتْلَهُ ووَضْعِ الجَمْرَةِ والجَوْهَرَةِ بَيْنَ يَدَيْهِ وأخْذِهِ الجَمْرَةَ، ثُمَّ قِصَّةَ قَتْلِهِ القِبْطِيَّ ثُمَّ هَرَبِهِ إلى مَدْيَنَ وصَيْرُورَتِهِ أجِيرًا لِشُعَيْبٍ عَلَيْهِ السَّلامُ ثُمَّ عَوْدِهِ إلى مِصْرَ وإخْطاءِ الطَّرِيقِ في اللَّيْلَةِ المُظْلِمَةِ وتَفَرُّقِ غَنَمِهِ فِيها، وكانَ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُ عِنْدَ تَمامِ كُلِّ واحِدَةٍ يَقُولُ هَذِهِ مِنَ الفُتُونِ يا ابْنَ جُبَيْرٍ، ولَكِنْ قِيلَ: الَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظْمُ الكَرِيمُ أنْ لا يُعَدَّ إجارَةُ نَفْسِهِ وما بَعْدَها مِن تِلْكَ الفُتُونِ ضَرُورَةَ أنَّ المُرادَ بِها ما وقَعَ قَبْلَ وُصُولِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ إلى مَدْيَنَ بِقَضِيَّةِ الفاءِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَلَبِثْتَ سِنِينَ في أهْلِ مَدْيَنَ﴾ إذْ لا رَيْبَ في أنَّ الإجارَةَ المَذْكُورَةَ وما بَعْدَها مِمّا وقَعَ بَعْدَ الوُصُولِ إلَيْهِمْ وقَدْ أُشِيرَ بِذِكْرِ لُبْثِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ فِيهِمْ دُونَ وُصُولِهِ إلَيْهِمْ إلى جَمِيعِ ما قاساهُ عَلَيْهِ السَّلامُ (p-193)مِن فُنُونِ الفِتُونِ في تَضاعِيفِ مُدَّةِ اللُّبْثِ وهي فِيما قِيلَ عَشْرُ سِنِينَ، وقالَ وهْبٌ: ثَمانٌ وعِشْرُونَ سَنَةً أقامَ في عَشْرٍ مِنها يَرْعى غَنَمَ شُعَيْبٍ عَلَيْهِ السَّلامُ مَهْرًا لِابْنَتِهِ وفي ثَمانِيَ عَشْرَةَ مَعَ زَوْجَتِهِ ووُلِدَ لَهُ فِيها وهو الأوْفَقُ بِكَوْنِهِ عَلَيْهِ السَّلامُ نُبِّئَ عَلى رَأْسِ الأرْبَعِينَ إذا قُلْنا بِأنَّ سِنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ حِينَ خَرَجَ إلى مَدْيَنَ اثْنَتا عَشْرَةَ سَنَةً، ومَدَيْنُ بَلْدَةُ شُعَيْبٍ عَلَيْهِ السَّلامُ عَلى ثَمانِ مَراحِلَ مِن مِصْرَ.
﴿ثُمَّ جِئْتَ﴾ أيْ إلى المَكانِ الَّذِي نادَيْتُكَ فِيهِ، وفي كَلِمَةِ التَّراخِي إيذانٌ بِأنَّ مَجِيئَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ كانَ بَعْدَ اللَّتَيا والَّتِي مِن ضَلالِ الطَّرِيقِ وتَفَرُّقِ الغَنَمِ في اللَّيْلَةِ المُظْلِمَةِ الشّاتِيَةِ وغَيْرِ ذَلِكَ ﴿عَلى قَدَرٍ﴾ أيْ: تَقْدِيرٍ والمُرادُ بِهِ المُقَدَّرُ أيْ جِئْتَ عَلى وفْقِ الوَقْتِ الَّذِي قَدَّرْتُهُ وعَيَّنْتُهُ لِتَكْلِيمِكَ واسْتِنْبائِكَ بِلا تَقَدُّمٍ ولا تَأخُّرٍ عَنْهُ، وقِيلَ: هو بِمَعْنى المِقْدارِ أيْ جِئْتَ عَلى مِقْدارٍ مِنَ الزَّمانِ يُوحى فِيهِ إلى الأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ وهو رَأْسُ أرْبَعِينَ سَنَةً.
وضُعِّفَ بِأنَّ المَعْرُوفَ في هَذا المَعْنى القَدْرُ بِالسُّكُونِ لا التَّحْرِيكِ، وقِيلَ: المُرادُ عَلى مَوْعِدٍ وعَدْناكَهُ ورُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مُجاهِدٍ وهو يَقْتَضِي تَقَدُّمَ الوَعْدِ عَلى لِسانِ بَعْضِ الأنْبِياءِ عَلَيْهِمُ السَّلامُ وهو كَما تَرى، وقَوْلُهُ تَعالى ﴿يا مُوسى﴾ تَشْرِيفٌ لَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ وتَنْبِيهٌ عَلى انْتِهاءِ الحِكايَةِ الَّتِي هي تَفْصِيلُ المَرَّةِ الأُخْرى الَّتِي وقَعَتْ قَبْلَ المَرَّةِ المَحْكِيَّةِ أوَّلًا،
{"ayah":"إِذۡ تَمۡشِیۤ أُخۡتُكَ فَتَقُولُ هَلۡ أَدُلُّكُمۡ عَلَىٰ مَن یَكۡفُلُهُۥۖ فَرَجَعۡنَـٰكَ إِلَىٰۤ أُمِّكَ كَیۡ تَقَرَّ عَیۡنُهَا وَلَا تَحۡزَنَۚ وَقَتَلۡتَ نَفۡسࣰا فَنَجَّیۡنَـٰكَ مِنَ ٱلۡغَمِّ وَفَتَنَّـٰكَ فُتُونࣰاۚ فَلَبِثۡتَ سِنِینَ فِیۤ أَهۡلِ مَدۡیَنَ ثُمَّ جِئۡتَ عَلَىٰ قَدَرࣲ یَـٰمُوسَىٰ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق