﴿قُلۡ إِن كَانَتۡ لَكُمُ ٱلدَّارُ ٱلۡـَٔاخِرَةُ عِندَ ٱللَّهِ خَالِصَةࣰ مِّن دُونِ ٱلنَّاسِ فَتَمَنَّوُا۟ ٱلۡمَوۡتَ إِن كُنتُمۡ صَـٰدِقِینَ﴾ [البقرة ٩٤]
﴿قُلۡ إِن كَانَتۡ لَكُمُ ٱلدَّارُ ٱلۡـَٔاخِرَةُ عِندَ ٱللَّهِ خَالِصَةࣰ﴾ - تفسير
٢٩٤٧- عن عبد الله بن عباس -من طريق أبي رَوْق، عن الضحاك- في قوله: ﴿قل إن كانت لكم الدار الآخرة﴾، قال: ﴿قل﴾ يا محمد لهم -يعني: اليهود-: ﴿إن كانت لكم الدار الآخرة﴾ يعني: الجنة(١) ﴿خالصة﴾ خاصَّة لكم(٢). (١/٤٧٢)
قال ابنُ جرير (٢/٢٧١ بتصرف): «وأَمّا تأويل قوله: ﴿خالصة﴾ فإنه يعني به: صافية، كما يقال: خلص لي فلان. بمعنى: صار لي وحدي، وصَفا لي. وقد روي عن ابن عباس أنه كان يتأول قوله: ﴿خالصة﴾: خاصة. وذلك تأويل قريب من معنى التأويل الذي قلناه في ذلك».
٢٩٤٨- عن عبد الله بن عباس -من طريق الكلبي، عن أبي صالح- في هذه الآية، قال: ﴿قل﴾ لهم، يا محمد: ﴿إن كانت لكم الدار الآخرة﴾ يعني: الجنة، كما زعمتم(٣). (١/٤٧٢)
٢٩٤٩- عن أبي العالية -من طريق الربيع بن أنس- قال: قالوا: ﴿لن يدخل الجنة إلا من كان هودًا أو نصارى﴾ [البقرة:١١١]، وقالوا: ﴿نحن أبناء الله وأحباؤه﴾ [المائدة:١٨]، فقال الله: ﴿قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين﴾. فلم يفعلوا(٤). (١/٤٧٢)
٢٩٥٠- عن قتادة بن دعامة -من طريق سعيد-، مثله(٥). (١/٤٧٢)
٢٩٥١- عن الربيع بن أنس -من طريق أبي جعفر- قوله: ﴿قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله﴾ الآية، وذلك بأنهم قالوا: ﴿لن يدخل الجنة إلا من كان هودًا أو نصارى﴾ [البقرة:١١١]، وقالوا: ﴿نحن أبناء الله وأحباؤه﴾ [المائدة:١٨](٦). (ز)
٢٩٥٢- قال مقاتل بن سليمان: ثم أخبر أنه حين رفع الجبل عليهم والبحر من ورائهم خافوا الهَلَكَة، فقَبِلُوا التوراة، ﴿قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة﴾ يعني: الجنة، وذلك أن اليهود قالوا: ﴿نحن أبناء الله وأحباؤه﴾ [المائدة:١٨]، وأنّ الله لن يُعَذِّبَنا. فقال الله ﷿ للنبي ﷺ: ﴿قل﴾ لهم: ﴿إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين﴾(٧). (ز)
﴿مِّن دُونِ ٱلنَّاسِ﴾ - تفسير
٢٩٥٣- عن عبد الله بن عباس -من طريق أبي رَوْق، عن الضحاك- في قوله: ﴿من دون الناس﴾، يقول: من دون محمد ﷺ وأصحابه الذين استهزأتم بهم، وزعمتم أن الحق في أيديكم، وأن الدار الآخرة لكم دونَهم(٨). (ز)
٢٩٥٤- عن عبد الله بن عباس -من طريق الكلبي، عن أبي صالح- ﴿خالصة من دون الناس﴾، يعني: المؤمنين(٩). (١/٤٧٢)
ابنُ جرير (٢/٢٧١) العمومَ في معنى ﴿الناس﴾ بظاهر التنزيل، فقال: «الذي يَدُلُّ عليه ظاهرُ التنزيل أنهم قالوا: لنا الدار الآخرة عند الله خالصة من دون جميع الناس، ويبين أن ذلك كان قولهم من غير استثناء منهم من ذلك أحدًا من بني آدم إخبار الله عنهم أنهم قالوا: ﴿لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى﴾، إلا أنّه رُوِي عن ابن عباس قول غير ذلك».
وذكر ابنُ عطية (١/٢٨٧) احتمال ﴿الناس﴾ العمومَ والخصوصَ دون ترجيح، فقال: «يحتمل أن يراد بالنّاسِ محمد ﷺ ومن تبعه، ويحتمل أن يراد العموم التام، وهو قول اليهود فيما حُفِظَ عنهم».
﴿فَتَمَنَّوُا۟ ٱلۡمَوۡتَ إِن كُنتُمۡ صَـٰدِقِینَ ٩٤﴾ - تفسير
٢٩٥٥- عن عبد الله بن عباس -من طريق ابن إسحاق بسنده- في قوله: ﴿فَتَمَنَّوُا المَوْتَ إنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾، أي: ادعوا بالموت على أي الفريقين أكذب، فأبوا ذلك على رسول الله ﷺ، يقول الله لنبيه: ﴿ولَنْ يَتَمَنَّوْهُ أبَدًا بِما قَدَّمَتْ أيْدِيهِمْ﴾(١٠). (١/٤٧٣)
اختلف أهل التأويل في الوجه الذي أُمِرُوا أن يتمنوا الموت به، على قولين: الأول: الدعاء على الفريق الكاذب منهم أو من المسلمين على وجه المباهلة. الثاني: تشهي الموت وإرادته لا على وجه المباهلة.
و ابن جرير (٢/٢٦٧-٢٦٨) الأوّلَ للنّصارى، والثّاني لليهود، فقال: «وهذه الآية مما احتج الله بها لنبيه محمد ﷺ على اليهود الذين كانوا بين ظهراني مُهاجَرِه، وفضح بها أحْبارَهم وعلماءَهم، وذلك أن الله -جَلَّ ثناؤُه- أمر نبيه ﷺ أن يدعوهم إلى قضية عادلة بينه وبينهم فيما كان بينه وبينهم من الخلاف، كما أمره الله أن يدعوَ الفريقَ الآخر من النصارى -إذ خالفوه في عيسى صلوات الله عليه، وجادلوه فيه- إلى فاصلة بينه وبينهم من المباهلة، وقال لفريق اليهود: إن كنتم مُحِقِّين فتَمَنَّوُا الموت، فإن ذلك غير ضارِّكم إن كنتم مُحِقِّين فيما تَدَّعون من الإيمان وقرب المنزلة من الله، بل إن أُعْطِيتُم أمنيتكم من الموت إذا تمنيتم فإنما تصيرون إلى الراحة من تعب الدنيا ونَصَبها وكَدَر عيشها، والفوزِ بجِوار الله في جنانه إن كان الأمر كما تزعمون مِن أنّ الدار الآخرة لكم خالصة دوننا، وإن لم تعطوها علم الناسُ أنكم المبطلون، ونحن المحقون في دعوانا، وانكشف أمرنا وأمركم لهم. فامتنعت اليهود من إجابة النبي ﷺ إلى ذلك، لعلمها أنَّها إن تمنت الموت هلكت، فذهبت دنياها، وصارت إلى خزي الأبد في آخرتها، كما امتنع فريق النصارى -الذين جادلوا النبي ﷺ في عيسى؛ إذْ دُعُوا إلى المباهلة- من المباهلة».
و ابنُ كثير (١/٤٩٦-٤٩٧) على كلام ابن جرير، بقوله: «هذا الكلام منه أوله حسن، وأما آخره فيه نظر؛ وذلك أنه لا تظهر الحجة عليهم على هذا التأويل؛ إذ يقال: إنه لا يلزم من كونهم يعتقدون أنهم صادقون في دعواهم أنهم يتمنون الموت؛ فإنه لا ملازمة بين وجود الصلاح وتمني الموت، وكم من صالح لا يتمنى الموت، بل يود أن يعمر ليزداد خيرًا، وترتفع درجته في الجنة، كما جاء في الحديث: «خيركم من طال عمره، وحسن عمله». ولهم مع ذلك أن يقولوا على هذا: فها أنتم تعتقدون -أيها المسلمون- أنكم أصحاب الجنة، وأنتم لا تتمنون في حال الصحةِ الموتَ؛ فكيف تلزمونا بما لا نلزمكم؟ وهذا كله إنما نشأ من تفسير الآية على هذا المعنى، فأمّا على تفسير ابن عباس فلا يلزم عليه شيء من ذلك، بل قيل لهم كلام نَصَف: إن كنتم تعتقدون أنكم أولياء الله من دون الناس، وأنكم أبناء الله وأحباؤه، وأنكم من أهل الجنة، ومن عداكم من أهل النار، فباهلوا على ذلك، وادعوا على الكاذبين منكم أو من غيركم، واعلموا أنّ المباهلة تستأصل الكاذب لا محالة، وسُمِّيَت هذه المباهلة تمنّيًا لأنّ كل مُحِقٍّ يود لو أهلك الله المبطل المناظر له، ولا سيّما إذا كان في ذلك حجة له فيها بيان حقه وظهوره، وكانت المباهلة بالموت؛ لأن الحياة عندهم عزيزة عظيمة لما يعلمون من سوء مآلهم بعد الموت».
٢٩٥٦- عن عبد الله بن عباس -من طريق أبي رَوْق عن الضحاك- في قوله: ﴿فتمنوا الموت﴾، قال: فسَلُوا الموت ﴿إن كنتم صادقين﴾(١١). (١/٤٧٣)
بيَّنَ ابن جرير (٢/٢٧٢) أنّ التمني بمعنى المسألة لا يُعرَفُ في كلام العرب، ثم تفسير ابن عباس بقوله: «أحسب أن ابن عباس وجَّه معنى الأمنية -إذ كانت محبة النفس وشهوتها- إلى معنى الرغبة والمسألة؛ إذ كانت المسألة هي رغبة السائل إلى الله فيما سأله».
٢٩٥٧- عن عبد الله بن عباس -من طريق الكلبي، عن أبي صالح- ﴿فتمنوا الموت إن كنتم صادقين﴾ أنّها لكم خالصة من دون المؤمنين(١٢). (١/٤٧٢)
٢٩٥٨- قال مقاتل بن سليمان: ﴿فتمنوا الموت إن كنتم صادقين﴾، يقول: فأَحِبُّوا الموتَ إن كنتم أولياء الله وأحباءَه، وأنكم في الجنة، قال الله ﷿ للنبي ﷺ: ﴿واسئلهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت﴾ [الأعراف:١٦٣] ألم أمسخهم قِرَدة بمعصيتهم؟(١٣). (ز)
(١) كذا في الدر، وفي تفسير ابن جرير: الخير. قال محققوه: كذا في النسخ.
(٢) أخرجه ابن جرير ٢/٢٧١.
(٣) أخرجه البيهقي في الدلائل ٦/٢٧٤.
(٤) أخرجه ابن جرير ٢/٢٧٠، وابن أبي حاتم ١/١٧٦-١٧٧ وزاد: (إن كنتم صادقين) بما تقولون أنه كما تقولون. وعزاه السيوطي إلى ابن جرير بلفظ: فأنزل الله. بدل: فقال الله.
(٥) أخرجه ابن جرير ٢/٢٧٠. وعلقه ابن أبي حاتم ١/١٧٧.
(٦) أخرجه ابن جرير ٢/٢٧٠. وعلقه ابن أبي حاتم ١/١٧٧.
(٧) تفسير مقاتل بن سليمان ١/١٢٤-١٢٥.
(٨) أخرجه ابن جرير ٢/٢٧٢.
(٩) أخرجه البيهقي في الدلائل ٦/٢٧٤.
(١٠) أخرجه ابن إسحاق -كما في سيرة ابن هشام ١/٥٤٢-، وابن جرير ٢/٢٧٣، وابن أبي حاتم ١/١٧٧.
(١١) أخرجه ابن جرير ٢/٢٧١-٢٧٢.
(١٢) أخرجه البيهقي في الدلائل ٦/٢٧٤.
(١٣) تفسير مقاتل بن سليمان ١/١٢٤-١٢٥