قوله تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ﴾ الآية، كانت اليهود تقول: ﴿لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا﴾ [البقرة: 111]، وقالوا أيضًا: ﴿نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ﴾ [المائدة: 18]، فقيل لهم: إن كنتم عند أنفسكم صادقين فتمنوّا الموتَ، فإنّ مَنْ كان لا يشكّ في أنه صائرٌ إلى الجنة، فالجنة آثرُ عنده من الدنيا [["معاني القرآن" للزجاج 1/ 177، وينظر في هذا: "تفسير الطبري" 1/ 422 - 423 عن قتادة وأبي العالية والربيع، ابن أبي حاتم في "تفسيره" 1/ 284، "معاني القرآن" للفراء 1/ 62، "تفسير الثعلبي" 1/ 1036، "البحر المحيط" 1/ 310.]].
والمعنى: إن كانَتْ لكم نعمة الدار الآخرة، فحذف لدلالة الكلام عليه.
وقوله تعالى: ﴿خَالِصَةً﴾ يجوز أن يكون فاعلةً من الخُلوص، فيكون انتصابها على خبر كان، ويجوز أن يكون مصدرًا، كالكاذبة والصافية والخائنَة، فيكون المعنى: خلصتْ خالِصَةً، ويكون انتصابها على المصدر [[ذكر أبو حيان في "البحر المحيط" 1/ 310 الخلاف في إعراب خالصة فقيل: نصب على الحال، ولم يحك الزمخشري غيره، وقيل: خبر كان، فيجوز في (لكم) أن يتعلق بـ (كانت)، ويجوز أن يتعلق بـ (خالصة) ويجوز أن تكون للتبيين، فيتعلق بمحذوف تقديره: لكم أعني، ولم يذكر الانتصاب على المصدرية، وكذا القرطبي في "تفسيره" 2/ 33.]]. ومعنى الخالصة: الصافية من الشائبة.
ومعنى قوله: ﴿مِّن دُونِ النَّاسِ﴾ الاختصاص كقولك: هذا لي دونك، أي: أنا مختص به [[ينظر: "البحر المحيط" 1/ 310.]].
وقوله تعالى: ﴿فَتَمَنَّوُا المَوْتَ﴾ معنى التمني: هو قولٌ يقدر فيه معنًى يحبه الطبع، وذكرنا ما فيه عند قوله: ﴿إِلَّا أَمَانِىَّ﴾ وَيُدَلّ على التمني بأداةٍ تميِّزُه من الإخبار، كقولك: ليت الله غفر لي، (وليت) أصل في التمني [[ينظر: "مغني اللبيب" 1/ 285.]]، وقد يقام مقامها الاستفهام، كقوله: ﴿فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ﴾ [[كذا أورده في مقام التمني: "القرطبي" 7/ 218.]] [الأعراف: 53]، وقولك: ألا ماءَ فأشربَه [[ينظر: "مغني اللبيب" 1/ 69.]].
{"ayah":"قُلۡ إِن كَانَتۡ لَكُمُ ٱلدَّارُ ٱلۡـَٔاخِرَةُ عِندَ ٱللَّهِ خَالِصَةࣰ مِّن دُونِ ٱلنَّاسِ فَتَمَنَّوُا۟ ٱلۡمَوۡتَ إِن كُنتُمۡ صَـٰدِقِینَ"}