الباحث القرآني
﴿وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ﴾ [البقرة: 92]
قوله: ﴿وَلَقَدْ جَاءَكُمْ﴾ اللام هذه موطئة للقسم، وقد للتحقيق، وقد مر علينا أن قد إذا دخلت على الماضي فهي للتحقيق، وإذا دخلت على المضارع فهي للتقليل، ولكنها قد تكون أيضًا للتحقيق مثل قوله تعالى: ﴿قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ﴾ [النور ٦٤]، ومثل قوله: ﴿قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ﴾ [الأحزاب ١٨]، فإن هذه بلا ريب للتحقيق، وليست للتقليل، وإذا قلنا: اللام للتوكيد، وقد للتحقيق، وهي موطئة للقسم، فالجملة مؤكدة بثلاثة مؤكدات.
﴿وَلَقَدْ جَاءَكُمْ﴾ الخطاب لليهود ﴿وَلَقَدْ جَاءَكُمْ﴾، والدليل أنه لليهود قوله: ﴿مُوسَى﴾؛ لأن موسى نبيهم، وهنا خاطبهم باعتبار الجنس لا باعتبار الشخص، إذ إن موسى لم يأت هؤلاء الذين كانوا في عهد الرسول ﷺ، لكنه أتى بني إسرائيل اللي هو منهم.
وقوله: ﴿بِالْبَيِّنَاتِ﴾ الباء للمصاحبة أو للتعدية، يعني: جاءكم مصحوبًا بالبينات، أو أن البينات هي التي أتي بها؟ فتكون للتعدية، والمراد بالبينات هي صفة لموصوف محذوف، أي: بالآيات البينات، أي: بالعلامات الدالة على رسالته، ومنها: اليد، والعصا، والحجر، وفلق البحر، والجراد اللي أرسل على آل فرعون، والسنين وأشياء كثيرة، الجراد، والقمل، والضفادع، والدم.
وقوله: ﴿بِالْبَيِّنَاتِ﴾ البين بمعنى: الظاهر، أي: أنها آيات ظاهرة على رسالته، ومع هذا يقول: ﴿ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ﴾ و(ثم) تفيد المهلة، الترتيب بمهلة، يعني: ثم بعد أن مضى عليكم وقت أمكنكم أن تتأملوا في هذه الآيات وأن تعرفوها، الذي حصل أنكم لم ترفعوا بها رأسًا: ﴿اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ﴾ ﴿اتَّخَذْتُمُ﴾ هذه مرت علينا قريبًا وأيش من أفعاله؟ التصيير، من أفعاله التصيير، ﴿اتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا﴾ [النساء ١٢٥] يعني: صيره، إذن هي تنصب مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر، المفعول الأول: العجل ﴿اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ﴾ أين المفعول الثاني؟
* طالب: إلهًا.
* الشيخ: محذوف تقديره: إلهًا، وحذف ما يعلم جائز.
وقوله: ﴿الْعِجْلَ﴾ هو ولد البقرة، وليس عجلًا من حيوان، ولكنه عجل من حلي صنعوا من الحلي عجلًا، وأغواهم السامري وأضلهم، وصار لهذا العجل خوار، قيل: إنه خوار حقيقي، وقيل: إنه خوار صوت الريح، تدخل من دبره وتخرج من فيه، لكنه -والعياذ بالله- قال لهم: إن ﴿هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ﴾ [طه ٨٨]؛ لأن موسى كان قد ذهب منهم لميقات ربه على أنه ثلاثون يومًا، فزاده الله تعالى عشرًا، فصار أربعين يومًا، فقال لهم: إن موسى ضل عن إلهه؛ ولهذا تخلف ما رجع، فهو قد ضل ولم يهتد إلى إلهه، فهذا إلهكم وإله موسى -والعياذ بالله- فاتخذوه إلهًا، وهذا مما يدل على غباوة بني إسرائيل؛ لأنهم هم الذين صنعوا هذا الحلي بأيديهم، فكيف يكون إلهًا؟ لكن هم على كل حال اتخذوه إلهًا بعد أن ذهب موسى.
وقوله: ﴿مِنْ بَعْدِهِ﴾ أي: من بعد موته؟ ولا من بعد ذهابه لميقات ربه؟
* الطلبة: من بعد ذهابه.
* الشيخ: من بعد ذهابه لميقات ربه، يتعين هذا؛ لأن موسى رجع إليهم وقال للسامري في إلهه: ﴿لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا﴾ [طه ٩٧]، وجرى هذا، فحرقه موسى عليه الصلاة والسلام ونسفه في اليم في البحر.
﴿وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ﴾ ﴿ظَالِمُونَ﴾ أي: معتدون، وأصل الظلم النقص، وسمي العدوان ظلمًا؛ لأنه نقص في حق المعتدى عليه، قلت: إن أصل الظلم النقص؛ لقوله تعالى: ﴿كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا﴾ [الكهف ٣٣] أي: لم تنقص، وجملة ﴿وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ﴾ حال في موضع النصب، حال من أين؟ من فاعل ﴿اتَّخَذْتُمُ﴾ يعني: والحال أنكم ظالمون، وأيهما أبلغ في القبح أن يتخذ الإنسان العمل القبيح وهو ظالم يعرف أنه ظالم؟ أو أن يتخذه وهو جاهل؟ الأول أشد، إي نعم.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: لا، أكثر من هذا؛ لأن قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ﴾ [الإسراء ١٠١] ما يقتضي الحصر، ما قال مثلًا: الآيات التي هي التسع، وحتى لو قالها لكان (...).
* طالب: ما ميزة هذه التسع؟
* الشيخ: ميزة هذه التسع أنها صارت حجة على بني إسرائيل لما فيها من إهلاك عدوهم وإظهاره بهم، فهي أقوى من غيرها وأكبر.
قال: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ﴾ ﴿إِذْ﴾ وأيش إعرابها؟ هذه تأتي في القرآن كثيرًا، والعلماء يعربونها بأنها مفعول لفعل محذوف، تقديره: اذكر، أو إذا كان الخطاب لأكثر من واحد يقدر: اذكروا، اذكروا إذ أخذنا ميثاقكم، الميثاق العهد، وسمي العهد ميثاقًا؛ لأنه يتوثق به (...).
من الأخذ بالتوراة، وجعلوا يشاهدونه، لما شاهدوا الطور فوقهم كأنه ظلة سجدوا، سجدوا خوفًا من الله عز وجل، وجعلوا ينظرون إلى الجبل وهم يتضرعون إلى الله سبحانه وتعالى بأن يرفعه عنهم؛ ولهذا ذكر بعض أهل العلم أنهم يرون أن أفضل سجدة يسجدون لله بها أن يسجدوا وعيونهم إلى السماء، يقولون: هذه السجدة أنجانا الله بها، فهي أشرف سجدة عندنا، فإذا سجد يكون رافع رأسه كذا.
﴿وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ﴾ تهديدًا لهم، ﴿خُذُوا﴾ فعل أمر، وهو في محل نصب مقولًا لقول محذوف، أي: قلنا ﴿خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ﴾ ما أعطيناكم، ﴿بِقُوَّةٍ﴾ أي: بجد ونشاط، فالجد: العزيمة الثابتة، والنشاط: القوة في التنفيذ، والمراد بما آتيناكم شو المراد به؟
* الطلبة: التوراة.
* الشيخ: التوراة.
﴿وَاسْمَعُوا﴾ أمر بالسمع، وليس سمع الأذن ولكنه سمع الانقياد والاستجابة، فأمروا بأن يأخذوا بالتوراة بقوة، وأن يسمعوا: يستجيبوا وينقادوا. وكان الجواب: ﴿قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا﴾ -أعوذ بالله- سمعنا بآذاننا وعصينا بأفعالنا، فما سمعوا السمع الذي طلب منهم ولكنهم استكبروا عنه.
وقوله تعالى: ﴿قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا﴾ ظاهر الآية الكريمة أنهم قالوا ذلك لفظًا ﴿سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا﴾، وقال بعضهم: ﴿قَالُوا سَمِعْنَا﴾ بألسنتهم، وعصوا بأفعالهم، فيكون التعبير بالعصيان هو عبارة عن أفعالهم، وأنهم لم يقولوا بألسنتهم: عصينًا، لم يقولوا: عصينًا، ولكننا نقول -ردًّا لهذا القول-: ما المانع من أن يقولوا ﴿سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا﴾ وهم الذين قالوا لموسى: ﴿لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَة﴾ [البقرة ٥٥] وأيش المانع؟ الذين تجرؤوا أن يقولوا: ﴿لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَة﴾ يتجرؤون أن يقولوا: ﴿سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا﴾، وكأن الذين قالوا: إن المراد بالمعصية هنا فعل المعصية، وليس معناه أنهم قالوا بألسنتهم عصينا، كأنهم قالوا: إنهم التزموا بهذا والجبل فوق رؤوسهم، ومن كان هذه حاله لا يمكن أن يحصل منه هذا الأمر، اللي فوقه جبل ما يمكن أن يقول: ﴿سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا﴾، ولكننا نقول: لا مانع من أن تكون النية الجازمة التي أظهروها بعد أن رفع عنهم هذا التهديد، لا مانع أن يكون حقيقة في الموضوع.
وما هو العصيان؟ العصيان هو مخالفة الأمر، وإن شئت فقل: الخروج عن الطاعة، هذا العصيان هو الخروج عن الطاعة، سواء كان ذلك في مخالفة المأمور أو في فعل المحظور، أفهمتم؟ المعصية تكون في ترك المأمور وفي فعل المحظور، فمن ترك جماعة وهي واجبة عليه، فهو عاص، يصلح أن نقول: هذا عصى الله ورسوله، ومن زنا أو سرق أو شرب الخمر، فهو أيضًا عاص لله ورسوله.
﴿قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ﴾ -أعوذ بالله- ﴿أُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ﴾ قال بعضهم: إنه على تقدير مضاف، أي: أشربوا في قلوبهم حب العجل؛ لأن العجل نفسه لا يمكن أن يشرب القلب، ومعنى ﴿أُشْرِبُوا﴾ أنه جعل هذا الحب كأنه ماء سقي به القلب، إذن امتزج بالقلب ولَّا لا؟ امتزج به، كما يمتزج الماء بالمدر إذا أشرب إياه، تعرفون المدر؟ من يعرفه؟
* طالب: السكر والليمون.
* الشيخ: لا، المدر هذه الطين اليابسة، يسمونها عندنا الناس (الجمح)، ما أدري هي لغة عربية ولَّا عامية، إنما الطين اليابس يسمى مدرًا.
* طالب: المدر الطينة الحمرة يا شيخ؟
* الشيخ: لا، ما هو شرط أن تكون حمرة، يعني من الفخار قصدك؟
* الطالب: لا، عندنا الطين الحمرة يسمونه مدر غير الطين هذه.
* الشيخ: لا، كل طين يابس يسمى مدر، المهم أنه -والعياذ بالله- أن هذا القلب أشرب به العجل، ولكن عبر بالعجل عن حبه؛ لأنه أبلغ كأن نفس العجل دخل في قلوبهم، وهذا أبلغ والعياذ بالله.
وقوله: ﴿أُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ﴾ من الذي أشرب هذا في قلوبهم؟ الله سبحانه وتعالى، ولكن من بلاغة القرآن أن ما يكرهه الله يعبر عنه غالبًا بالبناء للمجهول؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول: «وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ»[[أخرجه مسلم (٧٧١ / ٢٠١) من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه.]]، قال الله تعالى عن الجن: ﴿وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا﴾ [الجن ١٠] الشر قالوا: ﴿أُرِيدَ﴾، ما نسبوه إلى الله، والرشد نسبوه إلى الله، المهم أن هؤلاء -والعياذ بالله- أشربوا في قلوبهم العجل، وهذه فتنة أن يشرب في قلب المرء ما لا يرضاه الله والعياذ بالله، فإن هذا من أعظم الفتن، سواء كان حب معبود أو حب مطلوب، فحب المال قد يشرب في قلب المرء حتى ينسى به مصالح دينه ودنياه، حب النكاح قد يشرب في قلب المرء حتى يوقعه أحيانًا في الحرام -والعياذ بالله- وعلى هذا فقس.
فالله سبحانه وتعالى قد يبتلي العبد بالبلاء؛ لأنه أهل لأن يبتلى بذلك؛ ولهذا قال: ﴿أُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ﴾ والباء هنا للسببية، أي: بسبب كفرهم بالله السابق على عبادة العجل؛ لأنهم -والعياذ بالله- قد نووا الإثم قبل أن يقعوا فيه، فصاروا كفارًا به، ثم أشربوا في قلوبهم العجل حتى صاروا لا يمكن أن يتحولوا عنه، قال لهم هارون عليه الصلاة والسلام: ﴿يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي﴾ [طه ٩٠] مع أن هارون كان وكيلًا وخليفة لموسى، لكن ماذا كان جوابهم لهارون؟ ﴿لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى﴾ [طه ٩١] أصروا -والعياذ بالله- لأنهم أشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم.
﴿قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ﴾ (قل) يخاطب الله من؟ موسى؟
* طالب: النبي ﷺ.
* الشيخ: يخاطب النبي ﷺ، أو يخاطب كل من يصح توجيه الخطاب إليه أي: قل أيها المخاطب، أو قل أيها النبي.
﴿بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ ﴿بِئْسَ﴾ هنا فعل ماض جامد ولَّا متصرف؟
* الطلبة: جامد.
* الشيخ: جامد، تعرف الجامد من غير الجامد؟
* طالب: إي نعم.
* الشيخ: وأيش هو الجامد؟
* الطالب: الجامد الذي لا يتصرف.
* الشيخ: مثل؟
* الطالب: بئس، (...).
* الشيخ: عسى؟
* الطالب: عسى جامد.
* الشيخ: بعضهم يقول: قد يعسو أو يعسي، ولكن الأصح أنه جامد.
* الشيخ: وليس؟
* طالب: جامد.
* الشيخ: جامد.
فعل ماض جامد يراد به إنشاء الذم.
وقوله: ﴿بِئْسَمَا﴾ وأيش إعراب ﴿مَا﴾؟ هذه نكرة في محل نصب مبنية على السكون في محل نصب تمييز، يعني: بئس شيئًا يأمركم به إيمانكم، وبئس ونعم وما أشبههما تحتاج إلى مخصوص، وين المخصوص؟ المخصوص محذوف دل عليه السياق، أي: بئس شيئًا يأمركم به إيمانكم عبادة العجل، يعني: إذا كان عبادة العجل هو مقتضى إيمانكم، فهل إيمانكم أمركم بأمر رشد ولَّا بأمر قبيح؟ بأمر قبيح، يعني: أين إيمانكم وأنتم قد أشرب في قلوبكم العجل، وأن هذا الإيمان الذي زعمتموه هو الذي حبب إليكم عبادة العجل وعبدتموه.
إسناد الأمر إلى الإيمان حقيقي ولَّا لا؟ إي نعم حقيقي؛ لأنه سبق أنه لا يوجد في القرآن كلمة مجازية، بناء على أن الكلمات نفسها ليس لها معان ذاتية، وأن معانيها تفهم من السياق وقرائن الأحوال، فأمر الإيمان لهم، يعني معناه: ما يقتضيه الإيمان، مثلًا أنت تحب هذا الشيء، حبك إياه وأيش يقتضي؟ الميل إليه والحرص على الحصول عليه، تكره هذا الشيء، كرهك إياه يقتضي النفرة منه والبعد عنه، وأن لا تتوصل إليه بأي سبب من الأسباب، فإيمانهم هذا الذي يزعمونه أنهم مؤمنون أمرهم بأمر لا يقتضيه الإيمان وهو عبادة العجل.
وقوله: ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ هذه شرطية للجنس، والمقصود بها التحدي، يعني: إن كنتم مؤمنين حقيقة، فكيف يأمركم إيمانكم بهذا العمل القبيح؟ وإنما قال سبحانه وتعالى: ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾؛ لأنه ذكر عنهم حين سبق: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا﴾، فهل الذي أنزل عليهم أن يعبدوا العجل؟ لا، ما أنزل عليهم ذلك، فإذا كنتم مؤمنين حقيقة، فلماذا يأمركم الإيمان بهذا الفعل القبيح الذي هو عبادة العجل.
* طالب: شيخ، إعراب ﴿مَا﴾؟
* الشيخ: إعراب ﴿مَا﴾ نقول: إنها نكرة مبنية على السكون في محل نصب على أنها تمييز.
* الطالب: تمييز (...)؟
* الشيخ: تمييز للفاعل المحذوف.
* الطالب: فاعل بئس؟
* الشيخ: فاعل بئس المحذوف.
* طالب: (...).
* الشيخ: ما هي بعيدة؛ ولهذا نحن رجحنا أن القول هذا حقيقة، ما هو المراد به ترك العمل، والذين ذهبوا إلى أنه عبارة عن ترك العمل قالوا: ما يمكن أن يقولوا ﴿سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا﴾ والجبل فوق رؤوسهم، فلا بد أن هذا المراد به، ولكن نقول: هذا ما هو مانع؛ لأنهم يقولون ذلك إذا ارتفع عنهم قالوا هذا الكلام ما يهمهم، ما يذكرون الذي حصل لهم من قبل.
* طالب: شيخ تقدير (ما) نقصد بئس الشيء الذي يأمركم به؟
* الشيخ: لا، بئس شيئًا؛ لأن التمييز لا بد أن يكون نكرة ما يأتي معرفة.
قال الله تبارك وتعالى: ﴿قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ﴾
﴿قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً﴾ هل كان هنا تامة ولَّا ناقصة؟
* الطلبة: ناقصة، تامة.
* الشيخ: تامة؟
* طالب: ناقصة.
* الشيخ: ناقصة، وأين خبرها؟ يجوز أن يكون خبرها الجار والمجرور في قوله: ﴿لَكُمُ الدَّارُ﴾، وتكون ﴿خَالِصَةً﴾ حالًا من ﴿الدَّارُ﴾، يعني: حالة كونها ﴿خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ﴾، ويجوز أن تكون الخبر ﴿خَالِصَةً﴾: قل إن كانت لكمُ الدارُ الآخرةُ خالصةً من دونِ الناسِ، والمعنى واحد.
يقول الله: ﴿قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ﴾ والمراد بالدار الآخرة: الجنة، وإنما قال ذلك أو أمر أن يقول ذلك؛ لأنهم قالوا: ﴿لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً﴾ [البقرة ٨٠] وبعدها تخلفوننا في النار ونكون نحن في الجنة، هذا كلام اليهود، الذي يقول هذا الكلام وأيش يدعي؟ يدعي أن الدار الآخرة له من دون الناس؛ ولهذا اليهود يدعون أنهم شعب الله المختار، يقولون: إن الله فضلنا على العالمين، ويدعون أن الآخرة لهم من دون الناس، والمستحق للنار منهم يدخلها أيامًا معدودة ثم يخرج إلى الجنة، فالله يقول: ﴿قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً﴾ فسروها بأنها خاصة؛ لأن معنى ﴿خَالِصَةً﴾ أي: خاصة، ويحتمل أن المراد بالخالصة معناه: التي لا يشوبها شيء، بمعنى لا يشارككم فيها أحد، والمعنيان مؤداهما واحد.
وقوله: ﴿فَتَمَنَّوُا﴾ الفاء؟ وأيش إعراب الفاء؟
* طالب: (...).
* الشيخ: جواب أيش؟
* الطالب: الشرط.
* الشيخ: وهو؟
* الطالب: قل.
* الشيخ: إن كانت، رابطة. وإنما احتيج إلى ربط الجواب بها؛ لأن الفعل الذي بعدها فعل أمر، وقد قالوا: إنه يجب ربط الجواب بالفاء في سبعة مواضع.
* طالب: ستة.
* الشيخ: ستة مواضع؟ ؎اسْــــــــــمِيَّةٌ طَلَـــــــــبِيَّةٌوَبِجَـــــــــامِدٍ ∗∗∗ وَبِمَا وَقَدْ وَبِلَنْ وَبِالتَّنْفِيس
سبعة مواضع، أنه يجب أن تقترن بها الفاء.
وقوله: ﴿تَمَنَّوُا الْمَوْتَ﴾ أي: اطلبوا حصوله، والتمني أيضًا طلب حصول المحبوب ولَّا لا؟ كيف ذلك؟ لأنه إذا ﴿كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ﴾، فالدار الآخرة خير من الدنيا والإنسان وأيش يتمنى؟ أن ينتقل إلى ما هو خير، لو كنت في بيت قديم متهدم تخشى منه أن يسقط عليك، هل تقول: ليتني أسكن في بيت جديد؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: تقول ذلك، هؤلاء يقولون: الآخرة لنا، وإذا كانت الآخرة لهم، فالآخرة بلا شك خير من الدنيا، فإذا كنت ترى أن الآخرة لك، فإنك يلزمك أن تتمنى الموت لتصل إلى ما هو خير، عرفتم؟ وهذا تحد لهم؛ ولهذا قال الله تعالى هنا: ﴿وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا﴾، وكذلك في سورة الجمعة قال: ﴿وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا﴾ [الجمعة ٧]؛ لأن الله يعلم أنهم لن يتمنوه فتحداهم به؛ لأنه ما يمكن يتمنوه، إذ إنهم يحبون الدنيا أكثر من الآخرة كما سيأتي فيما بعد، وظاهر الآية الكريمة على ما شرحنا الآن: أن الله أمر نبيه أن يتحداهم بأنه إن كانت الدار الآخرة لكم -كما تزعمون- فتمنوا الموت لتصلوا إليها، وهذا لا شك هو ظاهر الآية الكريمة، وهو الذي رجحه ابن جرير وكثير من المفسرين.
وذهب بعض العلماء إلى أن المراد بقوله: ﴿فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ﴾ أي: فباهلونا وتمنوا الموت لمن هو كاذبٌ منا، فيكون هذه كقوله تعالى في سورة آل عمران: ﴿فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ﴾ [آل عمران ٦١] وأيش يكون معنى تمني الموت؟ عن طريق أيش؟ عن طريق المباهلة، ورجح هذا ابن كثير، وضعف الأول بأنه لو كان المراد: أن يتمنوا حصول الموت؛ لكانوا يحتجون أيضًا علينا نحن ويقولون: أنتم أيضًا إن كنتم تقولون: إن الدار الآخرة لنا فتمنوا الموت؛ لأن التحدي يكون إيانا بذلك ليس بأولى من تحدينا إياكم به، فهم يقدرون يقولون: نحن ما نتمنى الموت؛ لأنكم أنتم أيضًا تقولون: إن الدار الآخرة لكم، وإن اليهود بعد بعثة الرسول ﷺ في النار، فتمنوا الموت أنتم أيضًا؟ وهذا ما يصح، وهذا لا يصح؛ لأننا نحن لا نتمنى الموت، ولا يشرع لنا أن نتمنى الموت، فإن خير الناس من طال عمره وحسن عمله، والإنسان يتمنى أن الله يمد في عمره على زيادة عمل صالح يستفيد به، ولا يتمنى الموت، لو هو من أتقى الناس ما تمنى الموت.
وهذا المعنى الذي نحا إليه ابن كثير قوي جدًّا في الحقيقة، وإن كان يخالف ظاهر السياق لكنه قوي، قوي جدًّا، والذين أخذوا بظاهر السياق قالوا: نحن نأخذ به؛ لأن المقام مقام تحدٍّ قد علم الله أنهم لن يفعلوا، وهم ما متمنين الموت ولا هم برادين علينا بقولهم: تمنوه أنتم، فهم المدعون، وقد علم الله أنهم لن يتمنوه، ولن يقولوا أيضًا: لنا تمنوه، كما قلنا: هذه القضية قضية خاصة تحدث الله عنها وأخبرنا ماذا تكون النتيجة بدون أن يقع الأمر، الله يقول: ﴿وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ﴾، ولكن الثاني هو: ﴿وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا﴾ [الجمعة ٧] فأيهما نأخذ؟ نأخذ بما يقتضيه ظاهر القرآن، ونقول: هذه قضية معينة أخبر الله أنها لن تكون، أو نأخذ بما يؤيده المعنى العام الذي ذهب إليه ابن كثير.
* طالب: (...) سبب النزول يبين المعنى؟
* الشيخ: ما ذكروا سبب نزول، ابن عباس ظاهر كلامه أنه في المباهلة، ومن المعلوم أن ابن عباس رضي الله عنه يرجع إليه في التفسير؛ لأنه صحابي ومعتنٍ بالتفسير، وقد دعا له النبي عليه الصلاة والسلام أن يعلمه الله التأويل[[أخرجه البخاري (٧٥)، وأحمد (٢٣٩٧) من حديث ابن عباس رضي الله عنه.]].
* طالب: (...)؟
* الشيخ: إي نعم، إي تكون مباهلة بطريق آخر؛ لأن مباهلة النصارى التي في سورة آل عمران مباهلة للنصارى الذين ذكروا في عيسى ما ذكروا، فطلب منهم المباهلة، ولكنهم أبوا واستسلموا ورضوا بالجزية، أما هؤلاء فهي المباهلة مع اليهود.
* طالب: ما يجوز تمني الموت؟
* الشيخ: يقول النبي عليه الصلاة والسلام: «لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا لِي، وَتَوَفْنِي مَا عَلِمْتَ الْوَفَاةَ خَيْرًا لِي»[[متفق عليه؛ أخرجه البخاري (٦٣٥١)، ومسلم (٢٦٨٠ / ١٠) من حديث أنس رضي الله عنه.]].
* الطالب: وإذا خشي الفتنة؟
* الشيخ: أما إذا خشي الفتنة، فهو يقول: «اللَّهُمَّ إِنْ أَرَدْتَ بِعِبَادِكَ فِتْنَةً فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ غَيْرَ مَفْتُونٍ»[[أخرجه الترمذي (٣٢٣٣) من حديث ابن عباس رضي الله عنه.]]، ولا يقول: أمتني؛ لأنه ما يدري قد يكون بقاؤه في الفتنة خيرًا له ولغيره، قد ينقذ الله على أيديه أناسًا لولا وجوده بينهم ما أنقذوا، يقول: «فَاقْبِضْنِي إِلَيْكَ غَيْرَ مَفْتُونٍ».
* طالب: إذا يعرف ضعفه مثلًا؟
* الشيخ: يقول هذا الكلام: «اقْبِضْنِي إِلَيْكَ غَيْرَ مَفْتُونٍ»، فيقيد طلب الموت بكونه غير مفتون، سواء الآن ولا بعد زمان.
* طالب: المباهلة (...)؟
* الشيخ: المباهلة مثل ما قال الله: ﴿نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ﴾ [آل عمران ٦١]، يجتمعون هؤلاء الفريقين ويدعون الله سبحانه وتعالى بأن الكاذب عليه لعنة الله، أو الكاذب يموت، أو الكاذب يكون عليه كذا وكذا، وهي في الحقيقة المباهلة عرضة للبلاء؛ ولذلك ما ينبغي للإنسان أن يباهل، إلا إذا كان ذلك في مصلحة الإسلام، إذا كان ذلك في مصلحة الإسلام نعم لا بأس؛ ولهذا ابن عباس رضي الله عنه أنكر مسألة العول وقال: من شاء باهلته[[أخرجه سعيد بن منصور (٣٧) ولفظه: فليجتمعوا فلنضع أيدينا على الركن، ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين، ما حكم الله بما قالوا.]]. هذا إن صح ما نقل عنه.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: إحنا قلنا: سياق الآية واللي بعده تدل على أن المراد أنهم يتمنون الموت بدون مباهلة، ظاهر اللفظ بلا شك، لكن معنى الذي ذكره ابن كثير وهو أنهم قد يحتجون علينا ويقولون: أنتم أيضًا تقولون: إن الدار الآخرة لنا فتمنوا.
* طالب: في قوله: ﴿إِنْ كَانَتْ﴾ ﴿فَتَمَنَّوُا﴾ هذا فيه فعل الشرط وجواب الشرط وابن كثير قدر شيئًا بين الفعل والجواب يعني: فنبتهل ثم يتمنى؟
* الشيخ: إيه، فتمنوا الموت عن طريق المباهلة.
* الطالب: يعني التمني بعد المباهلة.
* الشيخ: التمني هو من صيغة المباهلة، من صيغة المباهلة التمني، تقول مثلًا: اللهم من كان منا كاذبًا فأمته -مثلًا- أو فيموت، هذا من المباهلة، فقوله: ﴿فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ﴾ يعني: فباهلونا بتمني الموت.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: وعلى كل حال عندنا الآن ظاهر اللفظ والمعنى، فهل نأخذ بظاهر اللفظ ونقول: إن الإيراد الذي ذكره ابن كثير مدفوع بأن الله أخبرنا بأنهم لن يتمنوه ولن يقولوا: لنا تمنوه، ما قال: فسيقولوا لكم تمنوه، فهم لن يقولوا ذلك، لن يلهموا إياه؛ لأنهم يعلمون اليهود -لاحظوا- اليهود لو يعلمون أنهم لو قالوا للمسلمين تمنوا الموت في هذا المقام يتمنون ولَّا لا؟
* طالب: يتمنون.
* الشيخ: يتمنون ولا يهمهم؛ فلذلك لن يقولوا للمسلمين: تمنوا الموت، ولن يتمنوه أيضًا هم، فيكون البقاء على ظاهر اللفظ يكون أولى، والعلم عند الله.
* الطالب: (...) التمني والمباهلة يعني أن النبي ﷺ قال: «لَوْ تَمَنَّى الْيَهُودُ لَمَاتُوا (...) وَلَوْ خَرَجَ الَّذِينَ يُبَاهِلُونَ لَرَجَعُوا»[[أخرجه أحمد برقم (٢٢٢٥) والنسائي في السنن الكبرى (١٠٩٩٥) عن ابن عباس موقوفًا من قوله.]]..
* الشيخ: ولم يجدوا أهلهم، ما أدري هذا حديث ولَّا، ما أدري، إن صحيح يدل على ظاهر اللفظ أن المراد ﴿فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ﴾ يعني: حقيقة بدون مباهلة، إي نعم.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: لا، غيب، إن الشهادة غيب؛ لأن تمني الشهادة أن يموت الإنسان على صفة معينة، ما هو بأن يستعجل الموت.
* الطالب: إذا علمنا أن ظاهر اللفظ (...)؟
* الشيخ: إي، لكن مثلًا نعلم (...) تمني الشهادة ما يستلزم تمني الموت، وإنما معنى تمني الشهادة أن تموت على صفة معينة، إي نعم.
* الطالب: (...)؟
* الشيخ: في سبيل الله، هذا من جنس تمام الشهادة.
* الطالب: (...).
* الشيخ: إي نعم، على كل حال إذن نرجح ظاهر القرآن، ونقول: إيرادهم علينا لن يكون؛ لأنهم يعلمون أنهم لو أوردوا ذلك علينا لتمنيناه؛ لأن المقصود إقامة الحجة، لكن هم لن يفعلوا؛ لأنهم يعلمون حقيقة الأمر أن الآخرة لمن؟
* طالب: للمؤمنين.
* الشيخ: للمسلمين، يعلمون أن الآخرة للمسلمين؛ لأنهم يعرفون النبي عليه الصلاة والسلام كما يعرفون أبناءهم، وأنه رسول رب العالمين، وأنه جاء بالحق، فهم يعلمون ذلك، ويعلمون أنهم هم أيضًا على باطل، لكنهم حسدًا كما قال الله تعالى في آية أخرى: ﴿بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾ [البقرة ٩٠].
قال الله تعالى: ﴿فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ هذا شرط في شرط، ﴿إِنْ كَانَتْ﴾ فتمنوا ﴿إِنْ كُنْتُمْ﴾، هذا شرط في شرط، أيهما السابق؟ الأول ولَّا الثاني؟
* الطلبة: الثاني.
* الشيخ: الثاني هو الأول؟ ﴿صَادِقِينَ﴾؛ لأن الصادق يكون الصدق أولًا في دعواهم، ثم إثبات أن الآخرة لهم، ثم تمني الموت، وهكذا كلما دخل شرط في شرط، فإن الثاني هو الأول، مثل قول الشاعر: ؎إِنْ تَسْتَغِيثُوا بِنَا إِنْ تُذْعَرُوا تَجِدُوا ∗∗∗ مِـــــــــــــنَّا مَعَــــــــــاقِلَعِــــــــــــــزٍّ زَانَهَا كَرَمُ وين الشرط والشرط؟ إن تستغيثوا بنا إن تذعروا، قطعًا الذعر قبل الاستغاثة ولَّا لا؟ فيصير المعنى: أنكم إذا ذعرتم فاستغثتم بنا وجدتم معاقل عز زانها كرم.
* طالب: (...)؟
* الشيخ: لا، الشرط الثاني على الصحيح ما يحتاج إلى جواب في مثل هذا التركيب.
* * *
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تعالى: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [البقرة ٩١].
* يستفاد من هذه الآية الكريمة: عتو اليهود وعنادهم؛ لأنهم يقولون: لا نؤمن إلا بما أنزل علينا.
* الفائدة الثانية: أن من خالف الحق من أجل متبوع من المقلدين، فإن فيه شبهًا من اليهود الذين ﴿قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ﴾، فإذا قيل للشخص مثلًا: هذا هو حكم الله، وقال: أنا مذهبي كذا، قلنا له: إن فيه مشابهة من؟ من اليهود، سواء كان مذهبه حنفيًّا أو حنبليًّا أو شافعيًّا أو مالكيًّا أو ظاهريًّا، كل من بين له الحق وقال: أنا لا أتبعه به شبه منهم.
* الفائدة الثالثة: ذم من لا يؤمن بالحق.
* والفائدة الرابعة: وجوب قبول الحق من كل من جاء به.
* والفائدة الخامسة: إفحام الخصم بإقامة الحجة عليه من فعله، وجه ذلك؟ أن الله أقام على هؤلاء اليهود الحجة من فعلهم؛ لأنهم قالوا: نؤمن بما أنزل علينا، وهم قد قتلوا أنبياء الله الذين جاؤوا بالكتاب إليهم، فهل قولهم حق نؤمن بما أنزل علينا ولَّا لا؟ ليس بحق؛ لأنهم لو كانوا مؤمنين حقيقة ما قتلوا هؤلاء؛ ولهذا قال: ﴿فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾.
* ومن الفوائد أيضًا: أن الرسول يطلق عليه النبي؛ لأن قوله: ﴿تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ﴾ يعني: رسله؛ إذ إنهم قتلوا من بلغهم الرسالة.
* وفيه أيضًا: دليل على أن الإيمان يقتضي قبول الحق من كل من جاء به؛ لقوله: ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾، فإن الواجب عليكم أن لا تقتلوهم بل تقبلوا منهم.
ثم قال الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ﴾ [البقرة: 92].
* في هذه الآية أيضًا: إقامة البرهان على عناد اليهود، وجه ذلك؟
* طالب: (...) اتخذوا العجل.
* الشيخ: جاءهم موسى بالبينات.
* الطالب: بعدما جاءهم موسى بالبينات.
* الشيخ: اتخذوا العجل إلهًا.
* الفائدة الثانية: سفاهة هؤلاء اليهود، لماذا؟
* طالب: (...) لأنهم رأوا الحق ثم زاغوا عنه.
* الشيخ: هذا دليل على عتوهم، لكن على سفاهتهم وأنهم ما عندهم رشد؟
* طالب: اتخاذهم العجل إلهًا.
* الشيخ: صح، اتخاذهم العجل إلهًا، إن هذا ما في شك إنه سفه، عجل تتخذه إلهًا.
* الفائدة الثالثة: أن هؤلاء اليهود عبدوا العجل عن ظلم ما هو عن جهل بل هم ظالمون.
* طالب: (...).
* الشيخ: وأيش محلها من الإعراب الجملة؟
* طالب: حال.
* الشيخ: حال، من فاعل ﴿اتَّخَذْتُمُ﴾.
* الفائدة الرابعة: أن هؤلاء اليهود اغتنموا فرصة غياب موسى، مما يدل على هيبتهم له لقوله؟ اغتنموا فرصة غيابه لأنهم يهابونه؟
* طالب: ﴿وَلَقَدْ جَاءَكُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ﴾ يعني: عند غيابه..
* الشيخ: من أين أخذتها من الآية؟
* الطالب: أخذتها من آية غيرها.
* الشيخ: آية غير هذه.
* طالب: ﴿ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ﴾ (...).
* الشيخ: ﴿مِنْ بَعْدِهِ﴾، لقوله: ﴿مِنْ بَعْدِهِ﴾ يعني: من بعد موسى.
ثم قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [البقرة ٩2].
* يستفاد من هذه الآية: أن الله أخذ الميثاق على بني إسرائيل بالإيمان، تؤخذ من أين؟
* طالب: (...).
* الشيخ: * الفائدة الثانية: أن بني إسرائيل ما آمنوا إلا عن كره ورغمًا على آنافهم؟
* طالب: من قوله: ﴿وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ﴾.
* الشيخ: من قوله: ﴿وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ﴾.
* الفائدة الثالثة: بيان قدرة الله عز وجل؟
* طالب: (...).
* الشيخ: فوقهم.
* الفائدة الرابعة: دليل على أن أمر الكون كله بيد الله عز وجل، وأنه سبحانه وتعالى قادر على خرق العادات؟
* طالب: من قوله: ﴿وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ﴾.
* الشيخ: من قوله: ﴿وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ﴾؛ لأن هذا خارق للعادة مما يدل على أن الأمر كله أمر الكون بيد الله عز وجل.
* ومن فوائد الآية: وجوب تلقي شريعة الله بالقوة دون الكسل والفتور، من أين نأخذها؟
* طالب: ﴿خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ﴾.
* الشيخ: ﴿خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ﴾، فإن الواجب أن يتلقى الإنسان شريعة الله بالقوة والعزيمة لا بالفتور والكسل.
* طالب: شيخ، الله أعطاهم القوة ولّا هم اللي أخذوا بقوة؟
* الشيخ: لا، ﴿خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ﴾ يعني معناه: تقبلوا شريعة الله بالقوة والنشاط.
* ومن فوائد هذه الآية: بيان عتو بني إسرائيل، ما تجد آية إلا فيها هذه الفائدة، من أين نأخذ؟ عتو بني إسرائيل؟
* طالب: ﴿بِقُوَّةٍ﴾.
* الشيخ: ﴿بِقُوَّةٍ﴾؟ لا يا أخي.
* طالب: ﴿سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا﴾.
* الشيخ: ﴿قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا﴾، وهذا أبلغ ما يكون في العتو والعياذ بالله لو ما سمعوا كان يقال: عذروا بجهلهم، لكن ﴿قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا﴾.
* ومن فوائد الآية: أن السمع نوعان: سمع استجابة، وسمع إدراك، من أين نأخذ أن السمع نوعان: سمع استجابة، وسمع إدراك؟
* طالب: قوله: ﴿وَاسْمَعُوا قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا﴾.
* الشيخ: أيهما: سمع الإدراك ولَّا الإجابة؟
* الطالب: من قولهم: ﴿سَمِعْنَا﴾ سمع الإدراك.
* الشيخ: نعم، وين سمع الإجابة؟
ومن فوائد الآية أيضًا: أن المؤمن حقًّا لا يأمره إيمانه بالمعاصي.
* طالب: لقوله: ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾.
* الشيخ: ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ يعني فلو كنتم مؤمنين حقًّا ما اتخذتم العجل إلهًا.
* ومن فوائد الآية أيضًا: أن الشر لا يسنده الله تعالى إلى نفسه، بل يذكره بصيغة المبني للمجهول، من أين نأخذها؟
* الطالب: ﴿يَأْمُرُكُمْ﴾.
* الشيخ: لا، أنتم فاهمين السؤال؟ أن من فوائد الآية: أن الشر أو ما أشبه ذلك لا يسنده الله إلى نفسه يسنده للبناء للمجهول. من قوله: ﴿وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ﴾ لم يقل الله تعالى: وألقى الله في قلوبهم حب العجل، بل قال: ﴿أُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ﴾، هل لها نظير من القرآن؟ وهي؟
* الطالب: ﴿وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا﴾ [الجن ١٠].
* الشيخ: ﴿وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا﴾.
* الطالب: الفائدة يا شيخ؟
* الشيخ: الفائدة أن الشر وما يُشتق منه لا يضيفه الله إلى نفسه بالبناء للفاعل، بل بالبناء للمفعول؛ لأن النبي ﷺ يقول: «الشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ»[[أخرجه مسلم (٧٧١ / ٢٠١) من حديث علي بن أبي طالب.]] مفهوم يا جماعة؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: وقد مر علينا هذا في باب القضاء والقدر في العقيدة، وذكرنا أن الشر في المفعول لا في الفعل. تقدير الله عز وجل، كل شيء فهو بقضاء الله وقدره حتى كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام: «حَتَّى الْعَجْزِ وَالْكَيْسِ»[[أخرجه مسلم (٢٦٥٥ / ١٨) من حديث عبد الله بن عمر. ]]، والخير والشر، لكن الشر بالنسبة لفعل الله له خير ليس بشر، هو خير؛ لأن الله ما أوجده إلا لحكمة بالغة وغاية محمودة وإن كان شرًّا، وأظن أننا ذكرنا حوالي ثمان فوائد لإيجاد المكروهات والشرور، ولعلكم- إن شاء الله- على ذكر منها أو (...)؟
* طالب: البعض..
* الشيخ: على كل حال هذه الفائدة يجب أن نعلمها أن فعل الله ليس بشر مهما كان فهو كله خير؛ لأن الله حكيم لكن الشر في أيش؟ في المفعولات، والمخلوقات، وأما نفس الفعل فهو ليس بشر، ونحن ضربنا مثلًا في الرجل يكوي ابنه بالنار، والنار مؤلمة محرقة، لكنه يريد أن يُشفى، فهذا المفعول الواقع من الفاعل شر مؤلم محرق، لكن الكي نفسه من أجل غايته المحمودة يكون أيش؟
* طالب: يكون خيرًا.
* الشيخ: يكون خيرًا.
ثم قال الله تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِين﴾ في هذه الآية تكذيب لليهود الذين قالوا: لنا الآخرة ولكم الدنيا ﴿لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً﴾ ما وجهه؟ أيش وجهه؟
* الطالب: ﴿قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ﴾.
* الشيخ: لا وجه تكذيب اليهود في هذا؟
* الطالب: فتمنوا الموت.
* الشيخ: إيه، ﴿فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ﴾ وقد قال الله: ﴿لَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ﴾.
* الفائدة الثانية -وهي مبنية على خلاف في تفسير الآية-: جواز المباهلة لإثبات الحق، لكنها مبنية على خلاف في تفسير الآية، من أين نأخذها؟
* الطالب: من قوله: ﴿فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ﴾.
* الشيخ: إيه، من قوله: ﴿فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ﴾ وأيش هذا الرأي اللي أشرنا إليه وقلنا بناء على أنها من باب المباهلة؟
* الطالب: إن تفسيرهم بأن قوله: ﴿فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ﴾ على (...) إذا كنتم تدعون أن الآخرة خالصة لكم.
* الشيخ: نعم، هذا قول، والقول الثاني: أن المراد بالآية ظاهرها ولا تكون من باب المباهلة، وذكرنا لكم أن ابن كثير ضعَّفه، وقال: إنه لو كان الأمر كذلك لكانوا هم أيضًا يلزموننا بذلك، وبينا أن ما ذكره ابن كثير رحمه الله ليس بلازم؛ إذ أنهم لو ردوا الأمر إلى النبي عليه الصلاة والسلام لتمنوه، ولكنهم لم يردوه؛ لأنه هم المدعون، فكانوا هم الذي يلزمهم.
* فيها أيضًا دليل يأتي هذا الدليل على كذب اليهود فيما يدعون، وهذه ذكرناها. وفيه أيضًا دليل ﴿وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾ على أن الكافر يكره الموت لما يعلم من سوء العاقبة؟
* الطالب: ﴿وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ﴾؟ قوله: ﴿وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ﴾.
* الشيخ: لا، قلنا: بما يكره من سوء العاقبة؟
* الطالب: ﴿وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ﴾.
* طالب آخر: ﴿وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ﴾.
* الشيخ: الشاهد يؤخذ ﴿بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ﴾ يعني أنهم يعلمون أنهم يعاقبون على الذنوب فلا يمكن أن يتمنوا الموت فيصلوا إلى العقاب. وفي الآية دليل على إثبات السببية، من أين نأخذها؟
* الطالب: من الباء.
* الشيخ: من الباء في قوله: ﴿بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ﴾ مَنِ الذي ينكر الأسباب من أهل البدع؟
* الطالب: القدرية.
* الشيخ: القدرية لا.
* الطالب: الأشاعرة.
* الشيخ: ومَن؟ والجهمية، الأشاعرة والجهمية، المعتزلة بالعكس يوجبون أن يكون في الأصل العلة، ويوجبون العلة موجبة، ولهذا يرون أنه يجب على الله- كما مر- فعل الصلاح أو الأصلح على خلاف بينهم.
وفيه إثبات العلم لله عز وجل، من أين نأخذها؟
* الطالب: من قوله: ﴿وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ﴾.
* الشيخ: وأيش وجه الدلالة من قوله: ﴿وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ﴾؟
* الطالب: (...).
* الشيخ: إذن وأيش الدليل أن هذه تفيد علم الله؟ وأيش وجه الدلالة من إفادتها لعلم الله؟
* الطالب: ﴿وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ﴾.
* الشيخ: الظاهر أنها رمية من غير رامي، ﴿وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ﴾ تقول فيها إثبات علم الله، ما وجهه؟
* الطالب: إثبات فيها علم الله، يكون السؤال ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾ قوله: ﴿عَلِيمٌ﴾.
* الشيخ: لا، هو صحيح فيها ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾ فيها إثبات العلم، لكن حتى ﴿وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ﴾ فيها إثبات العلم؟
* الطلبة: يعني ﴿وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ﴾ يعني أن الله عليم.. علمه بأنهم لن يتمنوه.
* الشيخ: لأنهم ما تمنوه، قال الله: ﴿وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ﴾ فعلًا وقع ما تمنوه، فوقع الأمر كما أخبر به فدل على أن معلومه مطابق لعلمه ولَّا لا؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: لو تمنوه حاشا من ذلك لكان الأمر ما يدل على هذا، لكنهم لن يتمنوه، فعلًا ما تمنوا الموت، ولو تمنوه لماتوا.
* وفيها أيضًا إثبات العلم في جملة أخرى من الآية في قوله: ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾.
* وفيه أيضًا دليل على جواز تخصيص العموم للتهديد، أو لغرض أحسن أعم، تخصيص العموم لغرض.
* الطالب: في قوله: ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ﴾ والله عليم بكل أحد (...).
* الشيخ: في الظالمين وغيرهم، ولكنه خصهم هنا للتهديد، أفهمتم الآن؟ إحنا ما نقول: العلم فقط، كل العمومات يجوز أن تُقيد بخصوص من أفرادها لغرض؟
{"ayahs_start":92,"ayahs":["۞ وَلَقَدۡ جَاۤءَكُم مُّوسَىٰ بِٱلۡبَیِّنَـٰتِ ثُمَّ ٱتَّخَذۡتُمُ ٱلۡعِجۡلَ مِنۢ بَعۡدِهِۦ وَأَنتُمۡ ظَـٰلِمُونَ","وَإِذۡ أَخَذۡنَا مِیثَـٰقَكُمۡ وَرَفَعۡنَا فَوۡقَكُمُ ٱلطُّورَ خُذُوا۟ مَاۤ ءَاتَیۡنَـٰكُم بِقُوَّةࣲ وَٱسۡمَعُوا۟ۖ قَالُوا۟ سَمِعۡنَا وَعَصَیۡنَا وَأُشۡرِبُوا۟ فِی قُلُوبِهِمُ ٱلۡعِجۡلَ بِكُفۡرِهِمۡۚ قُلۡ بِئۡسَمَا یَأۡمُرُكُم بِهِۦۤ إِیمَـٰنُكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِینَ","قُلۡ إِن كَانَتۡ لَكُمُ ٱلدَّارُ ٱلۡـَٔاخِرَةُ عِندَ ٱللَّهِ خَالِصَةࣰ مِّن دُونِ ٱلنَّاسِ فَتَمَنَّوُا۟ ٱلۡمَوۡتَ إِن كُنتُمۡ صَـٰدِقِینَ","وَلَن یَتَمَنَّوۡهُ أَبَدَۢا بِمَا قَدَّمَتۡ أَیۡدِیهِمۡۚ وَٱللَّهُ عَلِیمُۢ بِٱلظَّـٰلِمِینَ"],"ayah":"قُلۡ إِن كَانَتۡ لَكُمُ ٱلدَّارُ ٱلۡـَٔاخِرَةُ عِندَ ٱللَّهِ خَالِصَةࣰ مِّن دُونِ ٱلنَّاسِ فَتَمَنَّوُا۟ ٱلۡمَوۡتَ إِن كُنتُمۡ صَـٰدِقِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق