الباحث القرآني
وَقالَ بَعْضُهُمْ: الصّادِقُ الَّذِي يَتَهَيَّأُ لَهُ أنْ يَمُوتَ ولا يَسْتَحْيِيَ مِن سِرِّهِ لَوْ كُشِفَ، قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿فَتَمَنَّوُا المَوْتَ إنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾.
قُلْتُ: هَذِهِ الآيَةُ فِيها لِلنّاسِ كَلامٌ مَعْرُوفٌ.
قالُوا: إنَّها مُعْجِزَةُ النَّبِيِّ ﷺ. أعْجَزَ بِها اليَهُودَ. ودَعاهم إلى تَمَنِّي المَوْتِ. وأخْبَرَ أنَّهم لا يَتَمَنَّوْنَهُ أبَدًا. وهَذا عَلَمٌ مِن أعْلامِ نُبُوَّتِهِ ﷺ، إذْ لا يُمْكِنُ الِاطِّلاعُ عَلى بَواطِنِهِمْ إلّا بِأخْبارِ الغَيْبِ. ولَمْ يُنْطِقِ اللَّهُ ألْسِنَتَهم بِتَمَنِّيهِ أبَدًا.
وَقالَتْ طائِفَةٌ: لَمّا ادَّعَتِ اليَهُودُ أنَّ لَهُمُ الدّارَ الآخِرَةَ عِنْدَ اللَّهِ، خالِصَةً مِن دُونِ النّاسِ، وأنَّهم أبْناؤُهُ وأحِبّاؤُهُ وأهْلُ كَرامَتِهِ، كَذَّبَهُمُ اللَّهُ في دَعْواهم. وقالَ: إنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ فَتَمَنَّوُا المَوْتَ. لِتَصِلُوا إلى الجَنَّةِ دارِ النَّعِيمِ، فَإنَّ الحَبِيبَ يَتَمَنّى لِقاءَ حَبِيبِهِ. ثُمَّ أخْبَرَ سُبْحانَهُ: أنَّهم لا يَتَمَنَّوْنَهُ أبَدًا بِما قَدَّمَتْ أيْدِيهِمْ مِنَ الأوْزارِ والذُّنُوبِ الحائِلَةِ بَيْنَهم وبَيْنَ ما قالُوهُ. فَقالَ ﴿وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أبَدًا بِما قَدَّمَتْ أيْدِيهِمْ﴾ [البقرة: ٩٥].
وَقالَتْ طائِفَةٌ - مِنهم مُحَمَّدُ بْنُ إسْحاقَ وغَيْرُهُ - هَذِهِ مِن جِنْسِ آيَةِ المُباهَلَةِ، وأنَّهم لَمّا عانَدُوا، ودَفَعُوا الهُدى عَيانًا. وكَتَمُوا الحَقَّ: دَعاهم إلى أمْرٍ يَحْكُمُ بَيْنَهم وبَيْنَهُ. وهو أنْ يَدْعُوا بِالمَوْتِ عَلى الكاذِبِ المُفْتَرِي. والتَّمَنِّي سُؤالٌ ودُعاءٌ، فَتَمَنَّوُا المَوْتَ، وادْعُوا بِهِ عَلى المُبْطِلِ الكاذِبِ المُفْتَرِي.
وَعَلى هَذا فَلَيْسَ المُرادُ: تَمَنُّوهُ لِأنْفُسِكم خاصَّةً كَما قالَهُ أصْحابُ القَوْلَيْنِ الأوَّلَيْنِ. بَلْ مَعْناهُ: ادْعُوا بِالمَوْتِ وتَمَنُّوهُ لِلْمُبْطِلِ. وهَذا أبْلَغُ في إقامَةِ الحُجَّةِ وبُرْهانِ الصِّدْقِ، وأسْلَمُ مِن أنْ يُعارِضُوا رَسُولَ اللَّهِ بِقَوْلِهِمْ: فَتَمَنُّوهُ أنْتُمْ أيْضًا. إنْ كُنْتُمْ مُحِقِّينَ أنَّكم أهْلُ الجَنَّةِ. لِتَقْدَمُوا عَلى ثَوابِ اللَّهِ وكَرامَتِهِ. وكانُوا أحْرَصَ شَيْءٍ عَلى مُعارَضَتِهِ، فَلَوْ فَهِمُوا مِنهُ ما ذَكَرَهُ أُولَئِكَ لَعارَضُوهُ بِمِثْلِهِ.
وَأيْضًا فَإنّا نُشاهِدُ كَثِيرًا مِنهم يَتَمَنّى المَوْتَ لِضُرِّهِ وبَلائِهِ، وشِدَّةِ حالِهِ. ويَدْعُو بِهِ. وهَذا بِخِلافِ تَمَنِّيهِ والدُّعاءِ بِهِ عَلى الفِرْقَةِ الكاذِبَةِ. فَإنَّ هَذا لا يَكُونُ أبَدًا. ولا وقَعَ مِن أحَدٍ مِنهم في حَياةِ النَّبِيِّ ﷺ ألْبَتَّةَ. وذَلِكَ لِعِلْمِهِمْ بِصِحَّةِ نُبُوَّتِهِ وصِدْقِهِ، وكُفْرِهِمْ بِهِ حَسَدًا وبَغْيًا. فَلا يَتَمَنَّوْهُ أبَدًا. لِعِلْمِهِمْ أنَّهم هُمُ الكاذِبُونَ.
وَهَذا القَوْلُ هو الَّذِي نَخْتارُهُ. واللَّهُ أعْلَمُ بِما أرادَ مِن كِتابِهِ.
* وقال في (بدائع الفوائد)
وفي ضمن هذه المناظرة معجزة باهرة للنبي وهي أنه في مقام المناظرة مع الخصوم الذين هم أحرص الناس على عداوته وتكذيبه وهو يخبرهم خبرا جزما أنهم لن يتمنوا الموت أبدا ولو علموا من نفوسهم أنهم يتمونه لوجدوا طريقا إلى الرد عليه بل ذلوا وغلبوا وعلموا صحة قوله وإنما منعهم من تمنى الموت معرفته بما لهم عند الله تعالى من الخزي والعذاب الأليم بكفرهم بالأنبياء وقتلهم لهم وعداوتهم لرسول الله.
فإن قيل فهلا أظهروا التمني وإن كانوا كاذبين فقالوا فنحن نتمناه؟
قيل وهذا أيضا معجزة أخرى وهي أن الله تعالى حبس عن تمنيه قلوبهم وألسنتهم فلم ترده قلوبهم ولم تنطق به ألسنتهم تصديقا لقوله: ﴿وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أبَدًا﴾ .
{"ayah":"قُلۡ إِن كَانَتۡ لَكُمُ ٱلدَّارُ ٱلۡـَٔاخِرَةُ عِندَ ٱللَّهِ خَالِصَةࣰ مِّن دُونِ ٱلنَّاسِ فَتَمَنَّوُا۟ ٱلۡمَوۡتَ إِن كُنتُمۡ صَـٰدِقِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق