قوله: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَٰتِنَا وَٱسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا﴾، الآية.
المعنى: إن الذين كذبوا بآيات الله وتكبروا عن الإيمان بها، ﴿لاَ تُفَتَّحُ﴾، لأرواحهم إذا خرجت من أجسادهم، ﴿أَبْوَابُ ٱلسَّمَآءِ﴾، ولا يصعد لهم في حياتهم [إلى الله] قول ولا عمل، قاله ابن عباس.
وقال أبو موسى الأشعري في قوله: ﴿لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ ٱلسَّمَآءِ﴾ إن روح المؤمن تخرج وريحها أطيب من ريح المسك فتصعد بها الملائكة الذين يتوفونها، فتتلقاهم ملائكة آخرون دون سماء الدنيا فيقولون: من هذا؟ فيقولون: هذا فلان كان يعمل كيت وكيت، وتذكر محاسن عمله: فيقولون مرحباً بكم وبه فيقبضونه، ويصعدون به من بابه الذي كان يصعد منه عمله، فيشرق في السموات حتى ينتهي إلى العرش، وله برهان كبرهان الشمس، ويخرج روح الكافر أنتن من الجيفة، فتصعد به الملائكة الذين يتوفونه فتتلقاهم ملائكة آخرون من دون السماء فيقولون: من هذا؟ [فيقولون: هذا] فلان بن فلان، كان يعمل كيت وكيت، تذكر مساوئ عمله، فيقولون: لا مرحباً به ردوه، قال فيرد إلى واد يقال له برهوت، أسفل الثرى، من الأرضين السبع.
وعن ابن عباس نحوه.
وروى البراء بن عازب: أن النبي، عليه السلام، ذكر عذاب القبر في حديث طويل، فقال فيه: إن الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة، أتاه ملك الموت فينزع نفسه، كما ينزع الصوف المبلول من السُّفُود، فتأخذها الملائكة فيصعدون بها، فتستفتح لها أبواب السماء فلا تفتح لها، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه (وسلم)،: ﴿لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ ٱلسَّمَآءِ﴾، الآية. فيقول لِهم (الله)، تبارك وتعالى،: اكتبوا كتابه في سجين، وأعيدوه إلى الأرض. قال: فيطرح روحه طرحاً [قال:] ثم قرأ رسول الله ﷺ: ﴿وَمَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ ٱلسَّمَآءِ﴾، الآية
وقال السدي: إن الكافر إذا أُخذ روحه، ضربته ملائكة الأرض حتى يرتفع إلى السماء، فإذا بلغ السماء الدنيا ضربته ملائكة السماء فهبط إلى أسفل الأرضين. وإذا كان مؤمناً رفع روحه، وفتحت له أبواب السماء فلا يمر بملك إلا حياه وسلم عليه، حتى ينتهي إلى الله، فيعطيه حاجته، ثم يقول: ردوا روح عبدي فيه إلى الأرض، فإني قضيت من التراب خلقته، وإلى التراب يعود، ومنه يخرج.
وقال ابن جبير، معناه: لا يرفع لهم عمل ولا دعاء.
وأكثرهم على أن المعنى: ﴿لاَ تُفَتَّحُ﴾ أي: لأرواحهم ولا لأعمالهم.
وقيل المعنى: لا تفتح لهم أبواب الجنة؛ لأن الجنة في السماء، ودل على ذلك قوله: ﴿وَلاَ يَدْخُلُونَ ٱلْجَنَّةَ﴾. بعقبه.
* * *
وقوله: ﴿حَتَّىٰ يَلِجَ ٱلْجَمَلُ فِي سَمِّ ٱلْخِيَاطِ﴾.
أي: لا يدخل هؤلاء المكذبون الجنة حتى يدخل ﴿ٱلْجَمَلُ﴾: زوج الناقة، في ثقب الإبرة، وهو لا يدخلها أبداً، وكذلك هؤلاء لا يدخلون الجنة أبداً.
وكل ثقب في عين أو أنف أو أذن أو غير ذلك. فالعرب تسميه "سَمّاً" و "سُمّاً"، بفتح السين وضمها، وجمعه "سُمُوم" وجمع السم القاتل "سِمَامٌ".
وقرأ ابن سيرين "في سُمِ الْخِيَاطِ" بضم السين.
وقرأ ابن عباس، وعكرمة، وابن جبير: "الجُمَّل" بضم "الجِيم" وتشديد "الميم"، وهو حبل السفينة الغليظ.
وقيل: هو الحبل الذي يصعد به في النخل.
[وعن سعيد بن جبير] أنه قرأ "الجُمَل" بضم [الجيم] والتخفيف جعله جمع "جُمْلَةٍ" من الحبال، كـ "ظُلْمَةٍ" و "ظُلَمٍ".
ومن شدَّد فهو اسم واحد، وهو الحبل الغليظ.
وقرأ أحمد بن يحيى "الجُمَّل"، وهو جمع "جملة"، وهي الحبال المجموعة.
فالمعنى: لا يدخلون الجنة حتى يدخل هذا الحبل الغليظ في ثقب الإبرة، فكما (أنه) لا يدخل في ثقب الإبرة، (كذلك هؤلاء لا يدخلون الجنة) أبداً.
* * *
ثم قال تعالى: ﴿وَكَذٰلِكَ نَجْزِي ٱلْمُجْرِمِينَ﴾، نثيبهم بما اكتسبوا في الدنيا.
{"ayah":"إِنَّ ٱلَّذِینَ كَذَّبُوا۟ بِـَٔایَـٰتِنَا وَٱسۡتَكۡبَرُوا۟ عَنۡهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمۡ أَبۡوَ ٰبُ ٱلسَّمَاۤءِ وَلَا یَدۡخُلُونَ ٱلۡجَنَّةَ حَتَّىٰ یَلِجَ ٱلۡجَمَلُ فِی سَمِّ ٱلۡخِیَاطِۚ وَكَذَ ٰلِكَ نَجۡزِی ٱلۡمُجۡرِمِینَ"}