الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا﴾ أيْ: بِحُجَجِنا وأعْلامِنا الَّتِي تَدُلُّ عَلى تَوْحِيدِ اللَّهِ ونُبُوَّةِ الأنْبِياءِ، وتَكَبَّرُوا عَنِ الإيمانِ بِها ﴿لا تُفَتَّحُ لَهم أبْوابُ السَّماءِ﴾ قَرَأ ابْنُ كَثِيرٍ، ونافِعٌ، وعاصِمٌ، وابْنُ عامِرٍ: "تُفَتَّحُ"؛ بِالتّاءِ، وشَدَّدُوا التّاءَ الثّانِيَةَ. وقَرَأ أبُو عَمْرٍو: "لا تَفْتَحُ" بِالتّاءِ خَفِيفَةً. ساكِنَةَ الفاءِ. وقَرَأ حَمْزَةُ، والكِسائِيُّ: "لا يَفْتَحُ" بِالياءِ مَضْمُومَةً خَفِيفَةً. وقَرَأ اليَزِيدِيُّ عَنِ اخْتِيارِهِ: "لا تَفْتَحُ" بِتاءٍ مَفْتُوحَةٍ ﴿أبْوابُ السَّماءِ﴾ بِنَصْبِ الباءِ، فَكَأنَّهُ أشارَ إلى أفْعالِهِمْ. وقَرَأ الحَسَنُ: بِياءٍ مَفْتُوحَةٍ، مَعَ نَصْبِ الأبْوابِ، كَأنَّهُ يُشِيرُ إلى اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ. وفي مَعْنى الكَلامِ أرْبَعَةُ أقْوالٍ.
أحَدُها: لا تَفْتَحُ لِأرْواحِهِمْ أبْوابُ السَّماءِ، رَواهُ الضَّحّاكُ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، وهو قَوْلُ أبِي مُوسى الأشْعَرِيِّ، والسُّدِّيِّ في آَخَرِينَ، والأحادِيثُ تَشْهَدُ بِهِ.
والثّانِي: لا تَفْتَحُ لِأعْمالِهِمْ، رَواهُ العَوْفِيُّ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ.
والثّالِثُ: لا تَفْتَحُ لِأعْمالِهِمْ ولا لَدُعائِهِمْ، رَواهُ عَطاءٌ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ.
والرّابِعُ: لا تَفْتَحُ لِأرْواحِهِمْ ولا لِأعْمالِهِمْ، قالَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ، ومُقاتِلٌ. (p-١٩٧)وَفِي السَّماءِ قَوْلانِ.
أحَدُهُما: أنَّها السَّماءُ المَعْرُوفَةُ، وهو المَشْهُورُ.
والثّانِي: أنَّ لِمَعْنى: لا تُفَتَّحُ لَهم أبْوابُ الجَنَّةِ ولا يَدْخُلُونَها، لِأنَّ الجَنَّةَ في السَّماءِ، ذَكَرَهُ الزَّجّاجُ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿حَتّى يَلِجَ الجَمَلُ في سَمِّ الخِياطِ﴾ الجُمَلُ: هو الحَيَوانُ المَعْرُوفُ. فَإنْ قالَ قائِلٌ: كَيْفَ خَصَّ الجُمَلَ دُونَ سائِرِ الدَّوابِّ، وفِيها ما هو أعْظَمُ مِنهُ؟ فَعَنْهُ جَوابانِ.
أحَدُهُما: أنَّ ضَرْبَ المَثَلِ بِالجَمَلِ يَحْصُلُ المَقْصُودُ؛ والمَقْصُودُ أنَّهم لا يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ، كَما لا يَدْخُلُ الجُمَلُ في ثُقْبِ الإبْرَةِ، ولَوْ ذَكَرَ أكْبَرَ مِنهُ أوْ أصْغَرَ مِنهُ، جازَ، والنّاسُ يَقُولُونَ: فُلانٌ لا يُساوِي دِرْهَمًا، وهَذا لا يُغْنِي عَنْكَ فَتِيلًا، وإنْ كُنّا نَجِدُ أقَلَّ مِنَ الدِّرْهَمِ والفَتِيلِ.
والثّانِي: أنَّ الجَمَلَ أكْبَرُ شَأْنًا عِنْدَ العَرَبِ مِن سائِرِ الدَّوابِّ، فَإنَّهم يُقَدِّمُونَهُ في القُوَّةِ عَلى غَيْرِهِ، لِأنَّهُ يُوَقَّرُ بِحَمْلِهِ فَيَنْهَضُ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ مِنَ الدَّوابِّ، ولِهَذا عَجَّبَهم مِن خَلْقِ الإبِلِ، فَقالَ: ﴿أفَلا يَنْظُرُونَ إلى الإبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ﴾ [الغاشِيَةِ:١٧]، فَآَثَرَ اللَّهُ ذِكْرَهُ عَلى غَيْرِهِ لِهَذا المَعْنى. ذَكَرَ الجَوابَيْنِ ابْنُ الأنْبارِيِّ. قالَ: وقَدْ رَوى شَهْرُ بْنُ حَوْشَبَ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ قَرَأ: "حَتّى يَلِجَ الجُمَلُ" بِضَمِّ الجِيمِ وتَشْدِيدِ المِيمِ، وقالَ: هو القَلْسُ الغَلِيظُ.
قالَ المُصَنِّفُ: وهي قِراءَةُ أبِي رَزِينٍ، ومُجاهِدٌ، وابْنِ مُحَيْصِنٍ، وأبِي مِجْلَزٍ، وابْنِ يَعْمُرَ، وأبانَ عَنْ عاصِمٍ. قالَ: ورَوى مُجاهِدٌ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: "حَتّى يَلِجَ الجُمَلُ" بِضَمِّ الجِيمِ وفَتْحِ المِيمِ وتَخْفِيفِها. (p-١٩٨)قُلْتُ: وهي قِراءَةُ قَتادَةَ، وقَدْ رُوِيَتْ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وأنَّهُ قَرَأ: "حَتّى يَلِجَ الجُمْلُ" بِضَمِّ الجِيمِ وتَسْكِينِ المِيمِ. قُلْتُ: وهي قِراءَةُ عِكْرِمَةَ.
قالَ ابْنُ الأنْبارِيِّ: فالجُمْلُ يَحْتَمِلُ أمْرَيْنِ: يَجُوزُ أنْ يَكُونَ بِمَعْنى الجُمَّلِ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ بِمَعْنى جُمْلَةٍ مِنَ الجِمالِ، قِيلَ في جَمْعِها: جُمَلٌ، كَما يُقالُ حُجْرَةٌ، وحُجَرٌ، وظُلْمَةٌ، وظُلِمٌ. وكَذَلِكَ مَن قَرَأ: "الجُمْلَ" يَسُوغُ لَهُ أنْ يَقُولَ: الجُمَلُ، بِمَعْنى الجُمَّلِ، وأنْ يَقُولَ: الجُمْلُ، جَمْعُ جُمْلَةٍ، مِثْلُ بُسْرَةٍ، وبُسْرٌ. وأصْحابُ هَذِهِ القِراءاتِ يَقُولُونَ: الحَبْلُ والحِبالُ، أشْبَهُ بِالإبْرَةِ والخُيُوطِ مِنَ الجِمالِ. ورَوى عَطاءُ بْنُ يَسارٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ قَرَأ: "الجُمُلُ" بِضَمِّ الجِيمِ والمِيمِ، وبِالتَّخْفِيفِ، وهي قِراءَةُ الضَّحّاكِ، والجَحْدَرِيُّ. وقَرَأ أبُو المُتَوَكِّلِ، وأبُو الجَوْزاءِ: "الجُمَلُ" بِفَتْحِ الجِيمِ، وبِسُكُونِ المِيمِ خَفِيفَةً.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فِي سَمِّ الخِياطِ﴾ السُّمُّ في اللُّغَةِ: الثُّقْبُ. وفِيها ثَلاثُ لُغاتٍ: فَتْحُ السِّينِ، وبِها قَرَأ الأكْثَرُونَ، وضَمَّها، وبِهِ قَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ، وأبُو رَزِينٍ، وقَتادَةُ، وابْنُ مُحَيْصِنٍ، وطَلْحَةُ بْنُ مُصَرِّفٍ، وكَسَرَها، وبِهِ قَرَأ أبُو عِمْرانَ الجَوْنِيُّ، وأبُو نَهْيِكٍ، والأصْمَعِيُّ عَنْ نافِعٍ. قالَ ابْنُ القاسِمِ: والخَيّاطُ: المِخْيَطُ، بِمَنزِلَةِ اللِّحافِ والمِلْحَفِ، والقِرامِ والمِقْرَمِ. وقَدْ قَرَأ ابْنُ مَسْعُودٍ، وأبُو رَزِينٍ، وأبُو مِجْلَزٍ: في "سَمِّ المَخِيطِ" وقالَ الزَّجّاجُ: الخِياطُ: الإبْرَةُ، وسُمُّها: ثُقْبُها. والمَعْنى: أنَّهم لا يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ. أبَدًا قالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ: هَذا كَما يُقالُ: لا يَكُونُ ذَلِكَ حَتّى يَشِيبَ الغُرابُ، ويَبْيَضَّ القارُ.
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَكَذَلِكَ نَجْزِي المُجْرِمِينَ﴾ أيْ: مِثْلُ ذَلِكَ نَجْزِي الكافِرِينَ أنَّهم لا يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ.
{"ayah":"إِنَّ ٱلَّذِینَ كَذَّبُوا۟ بِـَٔایَـٰتِنَا وَٱسۡتَكۡبَرُوا۟ عَنۡهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمۡ أَبۡوَ ٰبُ ٱلسَّمَاۤءِ وَلَا یَدۡخُلُونَ ٱلۡجَنَّةَ حَتَّىٰ یَلِجَ ٱلۡجَمَلُ فِی سَمِّ ٱلۡخِیَاطِۚ وَكَذَ ٰلِكَ نَجۡزِی ٱلۡمُجۡرِمِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق