الباحث القرآني

قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا﴾. قال أبو إسحاق: (أي: كذبوا بحججنا [[في (أ): (بحجتنا).]] وأعلامنا التي تدل على نبوة الأنبياء وتوحيد الله عز وجل) [["معاني الزجاج" 2/ 337، وانظر: "تفسير الطبري" 8/ 175، والسمرقندي 1/ 540.]]. ﴿وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا﴾، معنى الاستكبار [[الكبر -بكسر الكاف وسكون الباء- والتكبر والاستكبار تتقارب: وهو العظمة والإعجاب بالنفس وأعظمه الامتناع عن قبول الحق معاندة وبطرًا. انظر: "العين" 5/ 361، و"الجمهرة" 1/ 327، و"تهذيب اللغة" 4/ 3091، و"الصحاح" 2/ 801، و"المجمل" 3/ 776، و"المفردات" ص 696، و"اللسان" 6/ 3808 (كبر).]]: طلب الترفع بالباطل، وصفة مستكبر صفة ذم في جميع العباد، ومعنى ﴿وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا﴾ ترفعوا [[في (ب): (وقفوا).]] عن الإيمان بها والانقياد لأحكامها. وقوله تعالى: ﴿لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ﴾ قرأ [[قرأ أبو عمرو: ﴿تُفَتَّحُ﴾ بالتاء مع إسكان الفاء وتخفيف التاء الثانية، وقرأ حمزة والكسائي مثلها إلا أنه بالياء: ﴿يُفَتَّحُ﴾، وقرأ الباقون: ﴿تُفَتَّحُ﴾ بالتاء مع فتح الفاء وتشديد التاء الثانية. انظر: "السبعة" ص 280، و"المبسوط" ص 180، و"التذكرة" 2/ 418 - 419، و"التيسير" ص 110، و"النشر" 2/ 269.]] أكثر القراء ﴿تُفَتَّحُ﴾ بالتاء والتشديد، ووجهها قوله ﴿مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ﴾ [ص: 50] فقياس ﴿مُفَتَّحَةً﴾ تُفَتَّح، وقرأ أبو عمرو ﴿تُفَتَّحُ﴾ خفيفة، وحجته قوله: ﴿فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [الأنعام: 44] ﴿فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ﴾ [القمر: 11]، [وقرأ حمزة والكسائي ﴿يُفَتَّحُ﴾ بالياء خفيفة، لتقدم الفعل. ومعنى: ﴿لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ﴾] [[ما بين المعقوفين ساقط من (ب).]] لا تصعد أعمالهم إليها [[ما تقدم هو قول أبي علي في "الحجة" 4/ 18 - 19، وانظر: "معاني القراءات" 1/ 405، و"إعراب القراءات" 1/ 180، و"الحجة" لابن زنجلة ص 282، و"الكشف" 1/ 462.]]. قال ابن عباس: (يريد: لا تفتح لأعمالهم ولا لدعائهم ولا لشيء مما يريدون به الله) [[أخرجه سفيان الثوري في "تفسيره" ص 112، والطبري 8/ 176، وابن أبي حاتم 5/ 1477 من عدة طرق جيدة]]، وهذا قول أكثر المفسرين [[ومنهم الفراء في "معانيه" 1/ 379، وأخرجه الطبري 8/ 176، من طرق عن مجاهد وإبراهيم النخعي وسعيد بن جبير.]]. وقال السدي [[أخرجه الطبري 8/ 175، وابن أبي حاتم 5/ 1476 بسند جيد.]] وغيره [[أخرجه الطبري 8/ 175، 176، وابن أبي حاتم 5/ 1476 بسند ضعيف عن الضحاك عن ابن عباس.]]: (لا تفتح لأرواحهم أبواب السماء، وتفتح لأرواح المؤمنين). يدل على صحة هذا التأويل ما روي في حديث طويل: "أن روح المؤمن يعرج بها إلى السماء فيستفتح لها فيقال: مرحبًا بالنفس الطيبة التي كانت في الجسد الطيب، فيقال لها ذلك حتى تنتهي إلى السماء السابعة، ويستفتح لروح الكافر فيقال لها: ارجعي ذميمة فإنه لا يفتح لك أبواب السماء" [[أخرجه ابن ماجه في "سننه" رقم (4262) كتاب الزهد، باب: ذكر الموت والاستعداد له، بسند جيد عن أبي هريرة، وأخرج أبو داود الطيالسي في "مسنده" ص 102 - 103، وعبد الرزاق في "المصنف" 3/ 580، وأحمد في "المسند" 4/ 287 - 288، وأبو داود رقم (4753) كتاب السنة، باب: في المساءلة في القبر، والطبري 8/ 177، والحاكم في "المستدرك" 1/ 37 - 40 ، من عدة طرق عن البراء بن عازب -رضي الله عنه- مطولًا نحوه، وقال الحاكم: (هذا حديث صحيح على شرط الشيخين) أهـ. وله شواهد وطرق أخرى ذكرها السيوطي في "الدر" 3/ 155، وانظر: مرويات الإِمام أحمد في "التفسير" 2/ 106 - 107 و175 - 178، وص 434 - 435.]]. وأجمل الزجاج كل هذا فقال: (أي: لا تصعد أرواحهم ولا أعمالهم إلى السماء؛ لأن أعمال المؤمنين وأرواحهم تصعد إلى السماء) [["معاني القرآن" 2/ 337، وهذا القول هو الظاهر واختيار جمهور المفسرين ومنهم الطبري 8/ 176، وابن عطية 5/ 502، وابن كثير 2/ 238، ولا مانع من حمل الآية على ما يعم الأرواح والدعاء والأعمال ولا ينافيه ورود ما ورد من أنها لا تفتح أبواب السماء لواحد من هذه فإن ذلك لا يدل على فتحها لغيره مما يدخل تحت عموم الآية، أفاده الشوكاني في "فتح القدير" 2/ 299، وانظر: "معاني النحاس" 3/ 34، و"تفسير القرطبي" 7/ 206، و"بدائع التفسير" 2/ 212.]]. وقوله تعالى: ﴿وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ﴾؛ الولوج معناه: الدخول، والإيلاج: الإدخال [[انظر: "الجمهرة" 1/ 493، و"تهذيب اللغة" 4/ 3949، و"الصحاح" 1/ 347، و"المجمل" 4/ 937، و"المفردات" ص 882، و"اللسان" 8/ 4913 (ولج).]]، وسئل ابن مسعود عن الجمل فقال: (الجمل: زوج الناقة) [[أخرجه عبد الرزاق في "تفسيره" 1/ 2/ 229، والطبري 8/ 178، من عدة طرق جيدة إلا أنه مرسل؛ لأنه من طريق إبراهيم النخعي ومجاهد وهما لم يسمعا من ابن مسعود، انظر: "المراسيل" لابن أبي حاتم ص 9 وص 205، والأثر ذكره السيوطي في "الدر" 5/ 157: (وزاد نسبته إلى سعيد بن منصور والفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وأبي الشيخ والطبراني في "الكبير") وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" 7/ 23 وقال: (رواه الطبراني من طريقين ورجال أحدهما رجال الصحيح إلا أن إبراهيم النخعي لم يدرك ابن مسعود والأخرى ضعيفة) اهـ. (والجمل) -بالفتح وتخفيف الميم-: معروف وهو زوج الناقة وهو الظاهر وقول جمهور المفسرين وذكر أثر ابن مسعود الزجاج في "معانيه" 2/ 338، والنحاس في "معانيه" 3/ 35 وقالا: (كأنه استجهل من سأله عما يعرفه الناس جميعًا). وانظر: "معاني الفراء" 1/ 379، و"تفسير السمرقندي" 1/ 540، و"تفسير الماوردي" 2/ 2231.]]. قال الليث [["تهذيب اللغة" 1/ 655، وانظر "العين" 6/ 141، و"الجمهرة" 1/ 491، و"الصحاح" 4/ 1661، و"المجمل" 1/ 198، و"المفردات" ص 203، و"اللسان" 2/ 683 (جمل).]]: (وإنما يستحق هذا الاسم إذا بزل) [[بَزَل البعير يَبْزُل بُزُولًا فطر نابه أي: انشق وطلع. انظر: "اللسان" 1/ 276 (بزل).]]. والسم [[السَّمُّ -بفتح السين وضمها لغتان- قال أبو عبيدة في "مجاز القرآن" 1/ 214: (كل ثقب فهو سَمٌّ والجميع سموم) وانظر: "الجمهرة" 1/ 135، و"تهذيب اللغة" 2/ 1761، و"الصحاح" 5/ 1953، و"المجمل" 2/ 455، و"المفردات" ص 424، و"اللسان" 4/ 2102 (سمم).]]: ثقب الإبرة، ويقال أيضًا: بالضم، وبه قرأ [[ذكرها النحاس في "معانيه" 3/ 36، وابن عطية 5/ 503، والرازي 14/ 76، والقرطبي 7/ 207، وهي قراءة جماعة منهم ابن مسعود وأبو رزين وأبو السمال وقتادة وابن محيصن وطلحة بن مصرف، انظر: "مختصر الشواذ" ص 49، و"زاد المسير" 3/ 198، و"البحر" 4/ 297.]] ابن سيرين، وكل ثقب في البدن لطيف فهو سم، وجمعه سموم. وقال الفرزدق: فَنَفَّسْتُ عَنْ سَمَّيْهِ حَتى تَنَفَّسَا ... وقُلتُ لَهُ لاَ تَخْشَ شَيْئًا وَرَائِيا [[ليس في "ديوانه"، وهو في "تفسير الطبري" 8/ 178، و"الدر المصون" 5/ 318، وصدره بلا نسبة في "تهذيب اللغة" 2/ 1763، و"اللسان" 8/ 2103 (سمم) ويعني بسميه: ثقبي أنفه، أفاده الطبري.]] ومنه قيل: السم القاتل؛ لأنه ينفذ بلطفه في مسام البدن حتى يصل إلى القلب، و ﴿الْخِيَاطِ﴾ [[الخَيْط، بفتح الخاء وسكون الياء: واحد الخيوط معروف وهو السلك والخياط والمِخْيَط: الإبرة وما يخيط به. انظر: "العين" 4/ 293، و"الجمهرة" 1/ 611، و"تهذيب اللغة" 1/ 964، == و"الصحاح" 3/ 1125، و"مجمل اللغة" 2/ 308، و"المفردات" ص 302، و"اللسان" 3/ 1302 (خيط).]]: ما يخاط به، قال الفراء: (ويقال: خِيَاط ومِخْيَط كما يقال إزار ومِئْزر ولحِاف ومِلْحف وقِناع ومِقْنع) [["معاني الفراء" 1/ 379، ومثله ذكر الطبري 8/ 178.]] قال الزجاج: (والمعنى: لا يدخلون الجنة أبدًا) [["معاني القرآن" 2/ 338، وهو قول عامة المفسرين. انظر: "الطبري" 8/ 178، و"معاني النحاس" 3/ 35، والسمرقندي 1/ 540، والماوردي 2/ 222.]]. قال ابن الأنباري: (وإنما خص الجمل من بين الحيوان بالذكر إذ كان أكثر شأنًا عند العرب من سائر الدواب، والعرب تقدمه في القوة علي سائرها من أجل أنه يوقر بحمله وهو بارك فينهض به، ولم تر العرب أعظم منها [[كذا في النسخ: "منها" أي الجمال، والأولى (منه) أي الجمل.]] جسمًا فيما رأت من الحيوان) [[ذكره ابن الجوزي في "زاد المسير" 3/ 197.]]. وقال أهل المعاني [[ذكره الخازن 2/ 229 عن بعض أهل المعاني.]]: علق الله تعالى [[لفظ: (تعالى) ساقط من (ب).]] دخولهم الجنة بولوج الجمل في سم الخياط. فكان ذلك نفيًا لدخولهم الجنة على التأبيد، وذلك أن العرب إذا علقت ما يجوز كونه بما لا يجوز كونه استحال كون [[في (ب): (استحال دون).]] ذلك الجائز الكون؛ كما يقال: لا يكون هذا حتى يَشِيبَ الغُرَاب، وحتى يَبْيَض القار [[ذكره ابن قتيبة في "تفسير غريب القرآن" ص 177، وقولهم: (لا يكون هذا حتى يشيب الغراب ويبيض القار) يتمثل به في اليأس عن الشيء. انظر: "جمهرة الأمثال" 1/ 363، و"المستقصى" للزمخشري 2/ 59.]] وكما قال الشاعر: إذا شَابَ الغُرابُ أَتَيْتُ أهْلي ... وصارَ القارُ كاللَّبنِ الحليبِ [[الشاهد في "تفسير الماوردي" 2/ 223، و"وضح البرهان" للغزنوي 2/ 73، و"تفسير الخازن" 2/ 229، و"الدر المصون" 5/ 320 من غير نسبة، وفي حاشية وضح البرهان أفاد أنه للقارظ العنزي ونسب لتميم الداري.]] وقوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ﴾. قال الزجاج: (أي: ومثل الذي وصفنا ﴿نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ﴾ [[لفظ: (نجزي المجرمين). ساقط من (أ).]]، قال: والمجرمون -والله أعلم- هاهنا الكافرون؛ لأن الذي ذكر من قصتهم التكذيب بآيات الله والاستكبار عنها) [["معاني القرآن" 2/ 338، ومثله ذكر النحاس في "معانيه" 3/ 36، والسمرقندي 1/ 541، وقال الطبري 8/ 181: (يقول: وكذلك نثيب الذين أجرموا في الدنيا ما استحقوا به من الله العذاب الأليم في الآخرة) أهـ.]].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب