الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿وَلَن يَنفَعَكُمُ ٱلْيَوْمَ إِذ ظَّلَمْتُمْ﴾ - إلى قوله: - ﴿فَلَمَّا جَآءَهُم بِآيَاتِنَآ إِذَا هُم مِّنْهَا يَضْحَكُونَ﴾، أي: ولن ينفعكم اشتراككم في العذاب، (أي: لن يخفف) عنكم ما أنتم فيه من العذاب لاشتراككم فيه، بل كل واحد منكم يناله نصيبه من العذاب. فَحَرَمَ الله عز وجل أهل النار هذا المقدار من التأسي فلا راحة لهم في شيء، حتى في التأسي لا راحة لهم فيه.
* * *
ثم قال تعالى: ﴿أَفَأَنتَ تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ أَوْ تَهْدِي ٱلْعُمْيَ وَمَن كَانَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ﴾، أي: أفأنت يا محمد تسمع من أصمه الله عن سماع الهدى على شريطه الانتفاع به، أو تهدي من أعمى الله قلبه وبصره على أن يرى ما يهتدي به، أو تهدي من هو في جور عن الحق بعيد عن الصواب، ليس ذلك إليك يا محمد إنما هو إلى الله عز وجل الذي يوفق من يشاء فيهتدي بتوفيقه إياه، ويخذل من يشاء فيضل بخذلانه إياه.
* * *
ثم قال تعالى: ﴿فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُم مُّنتَقِمُونَ﴾.
قال الحسن: هي في أهل الإسلام ممن بقي بعد النبي ﷺ قال: لقد كانت بعد نبي الله ﷺ نقمة شديدة فأكرم الله عز وجل نبيه ﷺ أن يريه في أمته ما كان من النقمة بعده.
وقال قتادة: لم تقع النقمة، بل قد أذهب الله نبيه ولم ير في أمته إلا الذي تقر به عينه. قال وليس من نبي إلا وقد رأى في أمته ما لا يشتهي.
قال قتادة: ذُكر لنا أن النبي ﷺ أُرِيَ ما يصيب أمته بعده، فما زال منقبضاً ما استبسط ضاحكاً حتى لقي الله جل ذكره.
وقال السدي: هذه الآية عُني بها أهل الشرك من قومه ﷺ، وقد أراه النقمة فيهم وأظهره عليهم.
فالمعنى: فإن نذهب بك يا محمد من بين أظهر هؤلاء المشركين، فإنا منهم منتقمون كما فعلنا ذلك بالأمم المكذبة قبلهم، أو نريك الذي وعدناهم من النقمة منهم وإظهارك عليهم، فإنا عليهم مقتدرون.
ومعنى: الذي وعدناهم: الذي وعدناك فيهم من النصر.
وقيل: هو راجع إلى قوله: ﴿وَٱلآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [الزخرف: ٣٥].
فيكون المعنى: أو نريك الذي وعدنا المتقين من النصر.
* * *
ثم قال تعالى: ﴿فَٱسْتَمْسِكْ بِٱلَّذِيۤ أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ يعني القرآن، أي: الزمه واعمل بما فيه أنت ومن آمن بك.
* * *
ثم قال: ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ﴾، أي: وإن هذا القرآن لشرفٌ لك ولقومك، يعني: قريشاً، وسوف تسألون عن الشكر على ما فضلكم به من إنزال كتابه عليكم.
وقيل: المعنى: وسوف تسألون عما عملتم فيه من قبولكم لأوامره ونواهيه.
* * *
ثم قال تعالى: ﴿وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ أَجَعَلْنَا مِن دُونِ ٱلرَّحْمَـٰنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ﴾، يعني: اسأل يا محمد أهل الكتابين عن ذلك. فالتقدير: وأسال من أرسلنا إليهم قبلك رسلنا. و "من" زائدة.
وفي قراءة ابن مسعود: وسئل الذين ارسلنا من قبلك من رسلنا، هذا قول مجاهد والسدي، وقال قتادة: معناه: سل يا محمد أهل التوراة والإنجيل هل جاءتهم الرسل إلا بالتوحيد. وقال الضحاك، أمر النبي ﷺ أن يسأل مؤمني أهل الكتاب.
وقال ابن زيد: أمر النبي ﷺ أن يسأل الأنبياء عن ذلك ليلة جُمُعوا له في الإسراء إلى بيت المقدس. فكان النبي ﷺ أشد إيماناً ويقيناً أن الله عز وجل لم يأمر بعبادة غيره من أن يحتاج أن يسأل احداً. "فمن" على هذا القول غير زائدة.
ويروى أن النبي ﷺ لما نزل عليه ذلك قال له جبريل: سل يا محمد الأنبياء الذين أريتهم في الإسراء قال: "لاَ أَسْأَلُ قَدِ اكْتَفَيْتُ"
فالمعنى: على هذا القول: (إنه يا محمد) سيسري بك ربك فأسأل الرسل هل أمر الله عز وجل أن يُعْبَدَ غيره.
وقيل: تقدير الآية: واسأل يا محمد أمم من أرسلنا قبلك (من رسلنا)، ثم حذف المضاف.
فيكون المسؤول أهل الكتابين وغيرهم من جميع الأمم، أي: سلهم هل وجدوا في كتبهم أن الله عز وجل أمر أن يعبد معه غيره.
والتقدير في الآية عند ابن قتيبة: واسأل من أرسلنا إليه قبلك رسلا من رسلنا، فحذف "إليه" لأن في الكلام ما يدل عليه فالخطاب عنده للنبي ﷺ والمراد: المشركون. وحذف رسلاً لأن ﴿مِن رُّسُلِنَآ﴾ يدل عليه كما قال:
؎ كَأَنَّكَ مِنْ جِمَالِ بَنِي أُقَيْشٍ.
أي: كأنك جَمَلٌ من جمال بني أقيش، وحذف "إليه" عند أهل العربية بعيد في القياس.
وقيل: المعنى: "سلنا عن الأنبياء الذين أرسلناهم قبلك".
ويتم الكلام على "رسلنا" و "عن" محذوفة، ثم ابتدأ بالاستفهام على طريق الإنكار، أي: ما جعلنا آلهة تعبد من دون الله.
وأخبر الآلهة كما يخبر عمن يعقل، فقال: "يعبدون" ولم يقل "تعبد" ولا "يعبدون"، لأن الآلهة جرت عندهم مجرى من يعقل فعظموها كما يعظمون الملوك فأجرى الخبر عنها مجرى الخبر عن من يعقل.
* * *
ثم قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَـٰتِنَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلإِيْهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ﴾، أي: ولقد أرسلنا موسى بالحجج والآيات إلى أشراف قوم فرعون وآل فرعون كما أرسلناك يا محمد إلى قومك. فقال لهم موسى: إني رسول رب العالمين.
فلما جاءهم موسى بآياتنا وأدلتنا إذا هم منها يضحكون، أي: يهزءون ويسخرون كما فعل بك قومك يا محمد.
وهذا كله تسلية وتصبير للنبي ﷺ على ما ناله من قومه، فأعلمه أن ما نزل به من قومه قد نزل بمن كان قبله من الأنبياء فندبه تعالى إلى الصبر فقال: ﴿فَٱصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلْعَزْمِ مِنَ ٱلرُّسُلِ﴾ [الأحقاف: ٣٥].
{"ayahs_start":39,"ayahs":["وَلَن یَنفَعَكُمُ ٱلۡیَوۡمَ إِذ ظَّلَمۡتُمۡ أَنَّكُمۡ فِی ٱلۡعَذَابِ مُشۡتَرِكُونَ","أَفَأَنتَ تُسۡمِعُ ٱلصُّمَّ أَوۡ تَهۡدِی ٱلۡعُمۡیَ وَمَن كَانَ فِی ضَلَـٰلࣲ مُّبِینࣲ","فَإِمَّا نَذۡهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنۡهُم مُّنتَقِمُونَ","أَوۡ نُرِیَنَّكَ ٱلَّذِی وَعَدۡنَـٰهُمۡ فَإِنَّا عَلَیۡهِم مُّقۡتَدِرُونَ","فَٱسۡتَمۡسِكۡ بِٱلَّذِیۤ أُوحِیَ إِلَیۡكَۖ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَ ٰطࣲ مُّسۡتَقِیمࣲ","وَإِنَّهُۥ لَذِكۡرࣱ لَّكَ وَلِقَوۡمِكَۖ وَسَوۡفَ تُسۡـَٔلُونَ","وَسۡـَٔلۡ مَنۡ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ مِن رُّسُلِنَاۤ أَجَعَلۡنَا مِن دُونِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ءَالِهَةࣰ یُعۡبَدُونَ","وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا مُوسَىٰ بِـَٔایَـٰتِنَاۤ إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ وَمَلَإِی۟هِۦ فَقَالَ إِنِّی رَسُولُ رَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ","فَلَمَّا جَاۤءَهُم بِـَٔایَـٰتِنَاۤ إِذَا هُم مِّنۡهَا یَضۡحَكُونَ"],"ayah":"وَسۡـَٔلۡ مَنۡ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ مِن رُّسُلِنَاۤ أَجَعَلۡنَا مِن دُونِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ءَالِهَةࣰ یُعۡبَدُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق