الباحث القرآني

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ زَيْدٍ: لَمَّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى- وَهُوَ مَسْجِدُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ- بَعَثَ اللَّهُ لَهُ آدَمَ وَمَنْ وُلِدَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ، وَجِبْرِيلُ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ، فَأَذَّنَ جِبْرِيلُ ﷺ ثُمَّ أَقَامَ الصَّلَاةَ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ تَقَدَّمْ فَصَلِّ بِهِمْ، فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قال لَهُ جِبْرِيلُ ﷺ:] سَلْ يَا مُحَمَّدُ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:] لَا أَسْأَلُ قَدِ اكْتَفَيْتُ [. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَكَانُوا سَبْعِينَ نَبِيًّا مِنْهُمْ إِبْرَاهِيمُ وَمُوسَى وَعِيسَى عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، فَلَمْ يَسْأَلْهُمْ لِأَنَّهُ كَانَ أَعْلَمُ بِاللَّهِ مِنْهُمْ. فِي غَيْرِ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَصَلُّوا خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ سَبْعَةَ صُفُوفٍ، الْمُرْسَلُونَ ثَلَاثَةُ صُفُوفٍ وَالنَّبِيُّونَ أَرْبَعَةٌ، وَكَانَ يَلِي ظَهْرَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ اللَّهِ، وَعَلَى يَمِينِهِ إِسْمَاعِيلُ وَعَلَى يَسَارهِ إِسْحَاقُ ثُمَّ مُوسَى ثُمَّ سَائِرُ الْمُرْسَلِينَ فَأَمَّهُمْ رَكْعَتَيْنِ، فَلَمَّا انْفَتَلَ [[انفتل عن الصلاة: إذا انصرف عنها.]] قَامَ فَقَالَ:] إِنَّ رَبِّي أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ أَسْأَلَكُمْ هَلْ أُرْسِلَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يَدْعُو إِلَى عِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ [؟ فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّا نَشْهَدُ إِنَّا أُرْسِلْنَا أَجْمَعِينَ بِدَعْوَةٍ وَاحِدَةٍ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ بَاطِلٌ وَأَنَّكَ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَسَيِّدُ الْمُرْسَلِينَ، قَدِ اسْتَبَانَ ذَلِكَ لَنَا بِإِمَامَتِكَ إِيَّانَا، وَأَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَكَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إلا عيسى بن مَرْيَمَ فَإِنَّهُ مَأْمُورٌ أَنْ يَتَّبِعَ أَثَركَ (. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: "وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا" قَالَ: لَقِيَ الرُّسُلَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ. وَقَالَ الْوَلِيدُ بن مسلم في قوله تعالى "وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا" قَالَ: سألت عن ذلك خليد بْنَ دَعْلَجٍ فَحَدَّثَنِي عَنْ قَتَادَةَ قَالَ سَأَلَهُمْ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ، لَقِيَ الْأَنْبِيَاءَ وَلَقِيَ آدَمَ ومالك خَازِنَ النَّارِ. قُلْتُ: هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي تفسير هذه الآية. و "من" الَّتِي قَبْلَ "رُسُلِنا" عَلَى هَذَا الْقَوْلِ غَيْرُ زَائِدَةٍ. وَقَالَ الْمُبَرِّدُ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ: إِنَّ الْمَعْنَى وَاسْأَلْ أُمَمَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا. وَرُوِيَ أَنَّ فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ "وَاسْأَلِ الَّذِينَ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ رسلنا". وَهَذِهِ قِرَاءَةٌ مُفَسِّرَةٌ، فَ "مِنْ" عَلَى هَذَا زَائِدَةٌ، وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَالسُّدِّيِّ وَالضَّحَّاكِ وَقَتَادَةَ وَعَطَاءٍ وَالْحَسَنِ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا أَيْ وَاسْأَلْ مُؤْمِنِي أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى سَلْنَا يَا مُحَمَّدُ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ، فَحُذِفَتْ "عَنْ"، وَالْوَقْفُ عَلَى "رُسُلِنَا" عَلَى هَذَا تَامٌّ، ثُمَّ ابْتَدَأَ بِالِاسْتِفْهَامِ عَلَى طَرِيقِ الْإِنْكَارِ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى وَاسْأَلْ تُبَّاعَ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا، فَحَذَفَ الْمُضَافَ. وَالْخِطَابُ لِلنَّبِيِّ ﷺ وَالْمُرَادُ أُمَّتُهُ. "أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ" أَخْبَرَ عَنِ الْآلِهَةِ كَمَا أَخْبَرَ عَمَّنْ يَعْقِلُ فَقَالَ "يُعْبَدُونَ" وَلَمْ يَقُلْ تُعْبَدُ وَلَا يُعْبَدْنَ، لِأَنَّ الْآلِهَةَ جَرَتْ عِنْدَهُمْ مَجْرَى مَنْ يَعْقِلُ فَأَجْرَى الْخَبَرَ عَنْهُمْ مَجْرَى الْخَبَرِ عَمَّنْ يَعْقِلُ. وَسَبَبُ هَذَا الْأَمْرِ بِالسُّؤَالِ أَنَّ الْيَهُودَ وَالْمُشْرِكِينَ قَالُوا لِلنَّبِيِّ ﷺ: إِنَّ مَا جِئْتَ بِهِ مُخَالِفٌ لِمَنْ كَانَ قَبْلَكَ، فَأَمَرَهُ اللَّهُ بِسُؤَالِهِ الْأَنْبِيَاءَ عَلَى جِهَةِ التَّوْقِيفِ وَالتَّقْرِيرِ، لَا لِأَنَّهُ كَانَ فِي شَكٍّ مِنْهُ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي سُؤَالِ النَّبِيِّ ﷺ لَهُمْ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا- أَنَّهُ سَأَلَهُمْ فَقَالَتِ الرُّسُلُ بُعِثْنَا بِالتَّوْحِيدِ، قَالَهُ الْوَاقِدِيُّ. الثَّانِي- أَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْهُمْ لِيَقِينِهِ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، حَتَّى حَكَى ابْنُ زَيْدٍ أَنَّ مِيكَائِيلَ قَالَ لِجِبْرِيلَ: (هَلْ سَأَلَكَ مُحَمَّدٌ عَنْ ذَلِكَ؟ فَقَالَ جِبْرِيلُ: هُوَ أَشَدُّ إِيمَانًا وَأَعْظَمُ يَقِينًا مِنْ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ ذَلِكَ (. وَقَدْ تَقَدَّمَ هذا المعنى في الروايتين حسبما ذكرناه.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب