الباحث القرآني
ولَمّا أبْطَلَ سُبْحانَهُ إلَهِيَّةَ غَيْرِهِ الَّتِي أدّى إلَيْها الجَهْلُ، واسْتَمَرَّ إلى أنْ خَتَمَ بِالعِلْمِ المُوجِبِ لِمَعْرِفَةِ الحَقِّ، فَكانَ التَّقْدِيرُ إبْطالًا لَشُبْهَتِهِمُ الوَهْمِيَّةِ القائِلَةِ ﴿لَوْ شاءَ الرَّحْمَنُ ما عَبَدْناهُمْ﴾ [الزخرف: ٢٠] فاسْتَحْضَرَ جَمِيعَ ما أوْحى إلَيْكَ وتَأمَّلْهُ غايَةَ التَّأمُّلِ، هَلْ تَرى فِيهِ خَفاءً في الإلَهِيَّةِ لِشَيْءٍ دُونَ اللَّهِ، عَطَفَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ نَفْيًا لِدَلِيلٍ سَمْعِيٍّ كَما أُشِيرَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ ﴿أمْ آتَيْناهم كِتابًا﴾ [الزخرف: ٢١] ﴿واسْألْ مَن أرْسَلْنا﴾ أيْ عَلى ما لَنا مِنَ العَظَمَةِ. ولَمّا كانَ المُمْكِنُ تَعَرُّفَهُ مِن آثارِ الرُّسُلِ إنَّما هو لِمُوسى وعِيسى ومِن بَيْنِهِما مِن أنْبِياءِ بَنِي (p-٤٣٨)إسْرائِيلَ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ الحافِظُ لِسُنَّتِهِمْ مِنَ التَّوْراةِ والإنْجِيلِ والزَّبُورِ وسِفْرِ الأنْبِياءِ، قالَ مُثْبِتًا لِلْجارِّ المُفْهِمِ لِبَعْضِ الزَّمانِ: ﴿مِن قَبْلِكَ﴾
ولَمّا كانَ أتْباعُهم قَدْ غَيَّرُوا وبَدَّلُوا فَلَمْ تَكُنْ بِهِمْ ثِقَةٌ، عَبَّرَ بِالرُّسُلِ فَقالَ: ﴿مِن رُسُلِنا﴾ أيْ بِقِراءَةِ أتْباعِهِمْ لِكُتُبِهِمُ الَّتِي حَرَّفُوا بَعْضَها، وجَعَلْتَ كِتابَكَ مُهَيْمِنًا عَلَيْها فَإنَّهم إذا قَرَءُوها بَيْنَ يَدَيْكَ وعَرَضُوها عَلَيْكَ عَلِمْتَ مَعانِيَها وفَضَحْتَ تَحْرِيفَهم وبَيَّنْتَ اتِّفاقَ الكُتُبِ كُلِّها بِرَدِّ ما ألْبَسَ عَلَيْهِمْ مِن مُتَشابِهِها إلى مُحَكِّمِها، فالمُرادُ مِن هَذا نَحْوُ المُرادِ مِن آيَةِ يُونُسَ ﴿فاسْألِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الكِتابَ مِن قَبْلِكَ﴾ [يونس: ٩٤] ومِن آيَةِ الأنْبِياءِ ﴿هَذا ذِكْرُ مَن مَعِيَ وذِكْرُ مَن قَبْلِي﴾ [الأنبياء: ٢٤] مَعَ زِيادَةِ الإشارَةِ إلى تَحْرِيفِهِمْ، فالمَسْؤُولُ في الحَقِيقَةِ القُرْآنُ المُعْجِزُ عَلى لِسانِ الرَّسُولِ الَّذِي شَهِدَتْ لَهُ جَمِيعُ الرُّسُلِ الَّذِينَ أخَذَ عَلَيْهِمُ العَهْدَ بِالإيمانِ بِهِ والمُتابَعَةِ لَهُ، وبِهَذا التَّقْرِيرِ ظَهَرَ ضَعْفُ قَوْلِ مَن قالَ: إنَّ المُرادَ سُؤالُ الرُّسُلِ حَقِيقَةً لِما جَمَعُوا لَهُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ في بَيْتِ المَقْدِسِ لَيْلَةَ الإسْراءِ، فَإنَّهُ لَيْسَ المُرادُ مِن هَذا إلّا تَبْكِيتُ الكُفّارِ مِنَ العَرَبِ ومِمَّنْ عَزَّهم مِن أهْلِ الكِتابِ بِقَوْلِهِمْ: دِينُكم خَيْرٌ مِن دِينِهِ وأنْتُمْ أهْدى سَبِيلًا مِنهُ، فَإنَّهم (p-٤٣٩)إذا أحْضَرُوا كُتُبَهم عَلِمْتَ دَلالَتَها القَطْعِيَّةَ عَلى اخْتِصاصِهِ سُبْحانَهُ بِالعِبادَةِ كَما بَيَّنْتُهُ في كِتابِي هَذا يَرُدُّ المُتَشابِهَ مِنها إلى المُحْكَمِ، وجَعَلَها ابْنُ جَرِيرٍ مِثْلَ قَوْلِهِ تَعالى ﴿فَإنْ تَنازَعْتُمْ في شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلى اللَّهِ والرَّسُولِ إنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ واليَوْمِ الآخِرِ﴾ [النساء: ٥٩] وقالَ: ومَعْلُومٌ أنَّ مَعْنى ذَلِكَ: فَرَدُّوهُ إلى كِتابِ اللهِ وسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، قالَ: فاسْتَغْنى بِذِكْرِ الرُّسُلِ عَنْ ذِكْرِ الكُتُبِ. وهو عَيْنُ ما قُلْتُهُ، ولَوْ كانَ المُرادُ حَقِيقَةَ السُّؤالِ وسُؤالُ جَمِيعِ الرُّسُلِ لَقالَ ”قَبْلَكَ“ بِإسْقاطِ ”مَن“ لِيَسْتَغْرِقَ الكُلَّ - واللهُ أعْلَمُ.
ولَمّا ذَكَرَ المَسْؤُولُ مُفَخِّمًا لَهُ بِما اقْتَضَتْهُ العِبارَةُ مِنَ الإرْسالِ والإضافَةِ إلَيْهِ، ذَكَرَ المَسْؤُولُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿أجَعَلْنا﴾ أيْ أبَحْنا وأمَرْنا ورَضِينا عَلى ما لَنا مِنَ العَظَمَةِ والقُدْرَةِ التّامَّةِ، مِمّا يُنافِي ذَلِكَ، وقَرَّرَ حَقارَةَ ما سِواهُ بِقَوْلِهِ: ﴿مِن دُونِ﴾ وزادَ بِقَوْلِهِ: ﴿الرَّحْمَنِ﴾ أيِ الَّذِي رَحْمَتُهُ عَمَّتْ جَمِيعَ المَوْجُوداتِ ﴿آلِهَةً﴾ ولَمّا كانَ قَدْ جُعِلَ لِكُلِّ قَوْمٍ وجِهَةٌ يَتَوَجَّهُونَ في عِبادَتِهِمْ إلَهًا، وشَيْئًا مَحْسُوسًا بِغَلَبَةِ الأوْهامِ عَلى الأفْهامِ يَشْهَدُونَهُ وكانَ رُبَّما تَعَنَّتَ بِهِ مُتَعَنِّتٌ، قالَ مُحْتَرِزًا: ﴿يُعْبَدُونَ﴾ أيْ مِن عابِدٍ ما بِوَجْهٍ ما. (p-٤٤٠)ولَمّا كانَ المُتْرَفُونَ مُولَعِينَ بِأنْ يَزْدَرُوا مَن جاءَهم بِالرَّدِّ عَنْ أغْراضِهِمُ الفاسِدَةِ بِنَوْعٍ مِنَ الِازْدِراءِ كَما قالَ كُفّارُ قُرَيْشٍ ﴿لَوْلا نُـزِّلَ هَذا القُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ القَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾ [الزخرف: ٣١] ولا يَزالُونَ يَرُدُّونَ هَذا وأمْثالَهُ مِنَ الضَّلالِ حَتّى يَقْهَرَهم ذُو الجَلالِ بِما أتَتْهم بِهِ رُسُلَهُ إمّا بِإهْلاكِهِمْ أوْ غَيْرِهِ وإنْ كانُوا في غايَةِ القُوَّةِ، أوْرَدَ سُبْحانَهُ قِصَّةَ مُوسى عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ شاهِدَةً عَلى ذَلِكَ بِما قالَ فِرْعَوْنُ لِمُوسى عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ مِن نَحْوِ ذَلِكَ ومِن إهْلاكِهِ عَلى قُوَّتِهِ وإنْجاءِ بَنِي إسْرائِيلَ عَلى ضَعْفِهِمْ، وتَسْلِيَةً لِلنَّبِيِّ صَلّى عَلَيْهِ وسَلَّمَ وتَرْجِيَةً.
{"ayah":"وَسۡـَٔلۡ مَنۡ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ مِن رُّسُلِنَاۤ أَجَعَلۡنَا مِن دُونِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ءَالِهَةࣰ یُعۡبَدُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق