الباحث القرآني
قوله تعالى: ﴿إِنَّ الذين يُلْحِدُونَ في آيَاتِنَا﴾ الآية لما بين أن الدعوة إلى دين الله تعالى أعظم المناصب، وأشرف المراتب، ثم بين أن الدعوة إنما تحصُلُ بذكر دلائل التوحيد العدل وصحة البعث والقيامة عاد إلى تهديد من ينازع في تلك الآيات، ويجادل بإبقاء الشُّبهات فيها فقال: إن الذين يُلحدون في آياتنا لا يخفون علينا، يقال: ألحدَ الحافِرُ وَلَحَدَ إذ مال عن الاستقامة فحفر في شقِّ فالمُلحِدُ، هو المُنْنحَرِفُ، ثم اختص في العرف بالمُنْحرِفِ عن الحق إلى الباطل قال مجاهد: يلحدون في آياتنا بالمُكَاءِ والتصدية واللغو واللَّغط. وقال قتادة: يكذبون في آياتنا. قوال السدي: يعاندون ويشاقون ﴿لاَ يَخْفَوْنَ عَلَيْنَآ﴾ وهو كقول الملك المهيب: إنَّ الذين ينازعون في ملكي أعرفهم فإنت ذلك (لا) لا يكون تهديداً. ثم قال: ﴿أَفَمَن يلقى فِي النار خَيْرٌ أَم مَّن يأتي آمِناً يَوْمَ القيامة﴾ وهذا استفهام بمعنى التقدير، والغرض منه التنبيه على أن المُلحِدِين في الآيات يُلْقَون في النار، وأن المؤمنين بالآيات يأتون آمنين يوم القيامة. قال المفسرون: المراد حمزة، وقيلأ: عثمان، وقيل: عمار بن ياسر. ثم قال: ﴿اعملوا مَا شِئْتُمْ﴾ وهذا أمر تهديد ووعيد أيضاً، ﴿إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ أي عالم بأعمالكم فيجازيكم.
قوله: ﴿إِنَّ الذين كَفَرُواْ﴾ في خبرها ستةُ أوجه:
أحدها: أنه مذكور، وهو قوله «أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ» وقد سئل بلال بنُ أبي بُرْدَة عن ذلك في مجسله فقال: لا أجد لها معاداً، فقال له أبو عمرو بن العلاء: إنه منك لقريب أولئك ينادون. وقد استبعد هذا من وجهين:
أحدهما: كثرة الفواصل.
والثاني: تقدم من يصح الإشارة إليه بقوله: «أُولَئِكَ» وهو قوله: «وَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ» واسم الإشارة يعود على أقرب مذكور.
الثاني: أنه محذوف لفهم المعنى فقدر: مُعَذَّبُونَ، أو مُهْلَكُونَ، أو مُعَانِدُونَ. وقال الكسائي: سد مسده ما تقدم من الكلام قبل «إنَّ» وهو قوله {أَفَمَن يلقى فِي النار} . يعني في الدلالة عليه، والتقدير يُخلَّدُونَ في النار، وقال البغوي: يَجَازَوْنَ بكُفْرِهِمْ. وسأل عيسى بن عمر عَمْرَو بن عبيدٍ عن ذلك فقال معناه في التفسير: إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم كفروا به، فقدر الخبر من جنس الصِّلة. وفيه نظر من حيث اتّحاد الخبر والمُخبر عنه في المعنى من غير زيادة فائدة، نحو: سيِّدُ الجارِية مَالِكُها.
الثالث: أن «إنَّ الَّذِينَ» الثانية بدل من «إِنَّ الَّذِين» الأولى المحكوم به على البدل محكوم به على المبدل منه فيلزم أن يكون الخبر ﴿يَخْفَوْنَ عَلَيْنَآ﴾ وهو منتزع من كلام الزمخشري.
الرابع: أنَّ الخير قوله: ﴿لاَّ يَأْتِيهِ الباطل مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ﴾ والعائد محذوف تقديره لا يأتيه الباطل منهم، نحو: «السَّمْنُ منوان بِدرهَم» أي منوان منه أو يكون «أل» عوضاً من الضمير في رأي الكوفيين، تقديره: «إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بالِّكْرِ لاَ يَأتِيهِ بَاطِلُهُمْ» .
الخامس: أن الخبر قوله تعالى: ﴿مَّا يُقَالُ لَكَ﴾ والعائد محذوف أيضاً تقديره: إنَّ الَّذِين كَفَرُوا بالذِّكْرِ مَا يقال لك في شأنهم إلاَّ ما قد قيل للرسل من قبلك. وهذان الوجهان ذهب إليهما أن أبو حيَّان.
والسادس: قال بعض الكوفيين: إنه قوله: ﴿وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ﴾ وهذا غير متعقَّلٍ.
قوله: ﴿وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ﴾ جملة حالية، وقوله ﴿لاَّ يَأْتِيهِ الباطل﴾ صفة «الكتاب» ، و «تَنْزِيلٌ» خبر مبتدأ محذوف، أو صفة لكتاب على أنَّ «لاَ يأْتِيهِ» معترف أو صفة كما تقدم على رأي من يجوز تقديم غير الصريح من الصفات على الصريح، وتقدم تحقيقه في المائدة. و «مِنْ حَكِيم» صفة «لتنزيل» أو متعلق به و «الباطل» اسم فاعل، وقيل: مصدر كالعاصِفةِ والعاقِبةِ.
فصل
لما بلغ في تهديد المُلحدين في آيات القرآن أتبعه تعظيم القرآن فقال: ﴿وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ﴾ قال الكلبي عن أبن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم: أي كريم على الله. وقال قتادة: أعزة الله تعالى لا يجد الباطل إليه سبيلا. قال قتادة والسدي: الباطل هو الشيطان لا يستطيع أن يغيره أو يزيل فيه أو ينقص منه. وقال الزجاج: معناه أنه محفوظ من أن يُنْقَصُ منه فيأتيه الباطل من بين يديه أو يُزَادُ فيه فيأتيه الباطل من خلفه، وعلى هذا فمعنى الباطل هو الزيادة والنقصان. وقال مقاتل: لا يأتيه التكذيب من الكتب التي قبله، ولا يأتي بعده كتاب فيُبطلُهُ (و) قال الزمخشري هذا تمثيل والمقصود أن الباطل لا يتطرطُ إليه ولا يجد إليثه سبيلاً من جهة من الجهات حين يصل إليه.
فصل
اعلم أنَّ لأبي مسلم الأصفهاني أن يحتج بهذه الآية على أنه لم يوجد النسخ فيه؛ لأن النسخ إبطال، فلو دخل النسخ فيه لكان قد أتاه الباطل من خلفه وهذا خلاف الآية.
ثم قال: ﴿تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ أي حكيم في جميع أفعاله حميد إلى جميع خلقه بسبب كثرة نعمه.
قوله تعالى: ﴿مَّا يُقَالُ لَكَ إِلاَّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ﴾ ... . الآية لما هدَّ الملحدين في آيات الله ثم بين شرف آيات الله وعلو درجة كتاب الله تعالى رجع إلى أمر رسوله بأن يصبر على أذى قومه، وأن لا يضيق قلبه بسبب ما حكاه عنهم في أول السورة وهو قولهم: ﴿قُلُوبُنَا في أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ﴾ [فصلت: 5] إلى قوله: ﴿فاعمل إِنَّنَا عَامِلُونَ﴾ [فصلت: 5] فقال: ﴿ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك﴾ أي إنهم قالوا للأنبياء قبلك: ساحرٌ، وكذبوهم كما كُذِّبت. وقيل: المراد ما قال لك إلا مثل ما قال لسائر الرسل وهو أنه أمرك وأمرهم بالصبر على سفاهة الأقوام.
قوله: ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةَ﴾ قيل: هو مفسر للمقول كأنه قيل: قيل للرسل إن ربك لذو مغفرة وقيل: هو مستأنف ومعناه لذو مغفرة لمن تاب وآمن بك، وذُو عِقَابٍ أليمٍ لمن أصر على التكذيب.
{"ayahs_start":40,"ayahs":["إِنَّ ٱلَّذِینَ یُلۡحِدُونَ فِیۤ ءَایَـٰتِنَا لَا یَخۡفَوۡنَ عَلَیۡنَاۤۗ أَفَمَن یُلۡقَىٰ فِی ٱلنَّارِ خَیۡرٌ أَم مَّن یَأۡتِیۤ ءَامِنࣰا یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِۚ ٱعۡمَلُوا۟ مَا شِئۡتُمۡ إِنَّهُۥ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِیرٌ","إِنَّ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ بِٱلذِّكۡرِ لَمَّا جَاۤءَهُمۡۖ وَإِنَّهُۥ لَكِتَـٰبٌ عَزِیزࣱ","لَّا یَأۡتِیهِ ٱلۡبَـٰطِلُ مِنۢ بَیۡنِ یَدَیۡهِ وَلَا مِنۡ خَلۡفِهِۦۖ تَنزِیلࣱ مِّنۡ حَكِیمٍ حَمِیدࣲ","مَّا یُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدۡ قِیلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبۡلِكَۚ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغۡفِرَةࣲ وَذُو عِقَابٍ أَلِیمࣲ"],"ayah":"لَّا یَأۡتِیهِ ٱلۡبَـٰطِلُ مِنۢ بَیۡنِ یَدَیۡهِ وَلَا مِنۡ خَلۡفِهِۦۖ تَنزِیلࣱ مِّنۡ حَكِیمٍ حَمِیدࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق