الباحث القرآني
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿لا يَأْتِيهِ الباطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ ولا مِن خَلْفِهِ﴾ صِفَةٌ أُخْرى لِكِتابٍ، وما بَيْنَ يَدَيْهِ وما خَلْفَهُ كِنايَةٌ عَنْ جَمِيعِ الجِهاتِ كالصَّباحِ والمَساءِ كِنايَةٌ عَنِ الزَّمانِ كُلِّهِ أيْ لا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ الباطِلُ مِن جَمِيعِ جِهاتِهِ، وفِيهِ تَمْثِيلٌ لِتَشْبِيهِهِ بِشَخْصٍ حُمِيَ مِن جَمِيعِ جِهاتِهِ فَلا يُمَكِّنُ أعْداءَهُ الوُصُولَ إلَيْهِ لِأنَّهُ في حِصْنٍ حَصِينٍ مِن حِمايَةِ الحَقِّ المُبِينِ، وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ المَعْنى لا يَأْتِيهِ الباطِلُ مِن جِهَةِ ما أخْبَرَ بِهِ مِنَ الأخْبارِ الماضِيَةِ والأُمُورِ الآتِيَةِ. وقِيلَ: الباطِلُ بِمَعْنى المُبْطِلِ كَوارِسٍ بِمَعْنى مُورِسٍ أوْ هو مَصْدَرٌ كالعافِيَةِ بِمَعْنى مُبْطِلٍ أيْضًا وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿تَنْزِيلٌ مِن حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ أيْ مَحْمُودٌ عَلى ما أسْدى مِنَ النِّعَمِ الَّتِي مِنها تَنْزِيلُ الكِتابِ، وحَمْدُهُ سُبْحانَهُ: بِلِسانِ الحالِ مُتَحَقَّقٌ مِن كُلِّ مُنْعَمٍ عَلَيْهِ وبِلِسانِ القالِ مُتَحَقَّقٌ مِمَّنْ وُفِّقَ لِذَلِكَ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أوْ صِفَةٌ أُخْرى لِكِتابٍ مُفِيدَةٌ لِفَخامَتِهِ الإضافِيَّةِ كَما أنَّ الصِّفَتَيْنِ السّابِقَتَيْنِ مُفِيدَتانِ لِفَخامَتِهِ الذّاتِيَّةِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿لا يَأْتِيهِ﴾ .. إلَخْ. اعْتِراضٌ عِنْدَ مَن لا يُجَوِّزُ تَقْدِيمَ غَيْرِ الصَّرِيحِ مِنَ الصِّفاتِ عَلى الصَّرِيحِ كُلُّ ذَلِكَ لِتَأْكِيدِ بُطْلانِ الكُفْرِ بِالقُرْآنِ، واخْتَلَفُوا في خَبَرِ ( إنَّ ) أمَذْكُورٌ هو أوْ مَحْذُوفٌ (p-128)فَقِيلَ: مَذْكُورٌ وهو قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أُولَئِكَ يُنادَوْنَ مِن مَكانٍ بَعِيدٍ﴾ وهو قَوْلُ أبِي عَمْرِو بْنِ العَلاءِ في حِكايَةٍ جَرَتْ بَيْنَهُ وبَيْنَ بِلالِ بْنِ أبِي بَرْدَةَ سُئِلَ بِلالٌ في مَجْلِسِهِ عَنْ هَذا فَقالَ: لَمْ أجِدْ لَها نَفاذًا فَقالَ لَهُ أبُو عَمْرٍو: إنَّهُ مِنكَ لَقَرِيبٌ ﴿أُولَئِكَ يُنادَوْنَ مِن مَكانٍ بَعِيدٍ﴾ وذَهَبَ إلَيْهِ الحَوْفِيُّ وهو في مَكانٍ بَعِيدٍ، وذَهَبَ أبُو حَيّانَ إلى أنَّهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لا يَأْتِيهِ الباطِلُ﴾ بِحَذْفِ العائِدِ أيِ الكافِرُونَ وحالُهُ أنَّهُ كِتابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الباطِلُ مِنهم أيْ مَتى رامُوا إبْطالًا لَهُ لَمْ يَصِلُوا إلَيْهِ أوْ بِجَعْلِ ألْ في الباطِلِ عِوَضًا مِنَ الضَّمِيرِ بِهِ عَلى قَوْلِ الكُوفِيِّينَ أيْ لا يَأْتِيهِ باطِلُهم أوْ قَوْلُهُ سُبْحانَهُ: ﴿ما يُقالُ لَكَ﴾ .. إلَخْ. والعائِدُ أيْضًا مَحْذُوفٌ أيْ ما يُقالُ لَكَ في شَأْنِهِمْ أوْ فِيهِمْ إلّا ما قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ أيْ أوْحى إلَيْكَ في شَأْنِ هَؤُلاءِ المُكَذِّبِينَ لَكَ ولِما جِئْتَ بِهِ مِثْلَ ما أوْحى إلى مَن قَبْلَكَ مِنَ الرُّسُلِ وهو أنَّهم عاقِبَتُهم سَيِّئَةٌ في الدُّنْيا بِالهَلاكِ وفي الآخِرَةِ بِالعَذابِ الدّائِمِ ثُمَّ قالَ: وغايَةُ ما في هَذَيْنِ التَّوْجِيهَيْنِ حَذْفُ الضَّمِيرِ العائِدِ وهو مَوْجُودٌ نَحْوَ السَّمْنُ مَنَوانِ بِدِرْهَمٍ والبُرُّ كُرٌّ بِدِرْهَمٍ أيْ مِنهُ.
ونُقِلَ عَنْ بَعْضِ نُحاةِ الكُوفَةِ أنَّ الخَبَرَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وإنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ﴾ وتَعَقَّبَهُ بِأنَّهُ لا يُتَعَقَّلُ، وقِيلَ: هو مَحْذُوفٌ وخَبَرُ ( إنَّ ) يُحْذَفُ لِفَهْمِ المَعْنى، وسَألَ عِيسى بْنُ عُمَرَ عَمْرَو بْنَ عُبَيْدٍ عَنْ ذَلِكَ فَقالَ عَمْرٌو: مَعْناهُ في التَّفْسِيرِ أنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمّا جاءَهم كَفَرُوا بِهِ وإنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ فَقالَ عِيسى: أجَدْتَ يا أبا عُثْمانَ. وقالَ قَوْمٌ: تَقْدِيرُهُ مُعانِدُونَ أوْ هالِكُونَ، وقالَ الكِسائِيُّ: قَدْ سَدَّ مَسَدَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنَ الكَلامِ قَبْلُ وهو قَوْلُهُ تَعالى: ﴿أفَمَن يُلْقى﴾ وكَأنَّهُ يُرِيدُ أنَّهُ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ ما قَبْلَهُ فَيُمْكِنُ أنْ يُقَدَّرَ يَخْلُدُونَ في النّارِ، ويُقَدَّرَ الخَبَرُ عَلى ما اسْتَحْسَنَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ بَعْدَ ( حَمِيدٍ ) وفي الكَشّافِ أنَّهُ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ﴾ بَدَلٌ مِن قَوْلِهِ تَعالى: ﴿إنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ في آياتِنا﴾ قالَ في البَحْرِ: ولَمْ يَتَعَرَّضْ بِصَرِيحِ الكَلامِ إلى خَبَرِ ( إنَّ ) أمَذْكُورٌ هو أوْ مَحْذُوفٌ لَكِنَّهُ قَدْ يَدَّعِي أنَّهُ أشارَ إلى ذَلِكَ فَإنَّ المَحْكُومَ بِهِ عَلى المُبْدَلِ مِنهُ هو المَحْكُومُ بِهِ عَلى البَدَلِ فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ إنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ في آياتِنا إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمّا جاءَهم لا يَخْفَوْنَ عَلَيْنا. وفي الكَشْفِ فائِدَةُ هَذا الإبْدالِ التَّنْبِيهُ عَلى أنَّهُ ما يَحْمِلُهم عَلى الإلْحادِ إلّا مُجَرَّدُ الكُفْرِ، وفِيهِ إمْدادُ التَّحْذِيرِ مِن وُجُوهِ ما ذَكَرَ مِنَ التَّنْبِيهِ ووَضْعُ الذِّكْرِ مَوْضِعَ الضَّمِيرِ الرّاجِعِ إلى الآياتِ زِيادَةُ تَحْسِيرٍ لَهم، وما في ( لَمّا ) مِن مَعْنى مُفاجَأتِهِمْ بِالكُفْرِ أوَّلَ ما جاءَ، وما فِيهِ مِنَ التَّعْظِيمِ لِشَأْنِ الآياتِ والتَّمْهِيدِ لِلْحَدِيثِ عَنْ كَمالِ الكِتابِ الدّالِّ عَلى سُوءِ مَغَبَّةِ المُلْحِدِ فِيهِ، ثُمَّ الأشْبَهُ أنْ يُحْمَلَ كَلامُ الكَشّافِ عَلى أنَّ الخَبَرَ مَحْذُوفٌ لِدَلالَةِ السّابِقِ عَلَيْهِ ولِزِيادَةِ التَّهْوِيلِ لِذَهابِ الوَهْمِ كُلَّ مَذْهَبٍ وتَكُونُ الجُمْلَةُ بَدَلًا عَنِ الجُمْلَةِ لِأنَّ البَدَلَ بِتَكْرِيرِ العامِلِ إنَّما جُوِّزَ في المَجْرُورِ لِشِدَّةِ الِاتِّصالِ. انْتَهى. فَتَأمَّلْ واللَّهُ تَعالى المُوَفِّقُ ما
{"ayah":"لَّا یَأۡتِیهِ ٱلۡبَـٰطِلُ مِنۢ بَیۡنِ یَدَیۡهِ وَلَا مِنۡ خَلۡفِهِۦۖ تَنزِیلࣱ مِّنۡ حَكِیمٍ حَمِیدࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق