الباحث القرآني
الجمهور على نصب ﴿قَوْلِهِمْ﴾ خبراً مقدَّماً، والاسم «أنْ» وما في حيزها، تقديره: وما كان قولهم [إلا هذا الدعاء، أي: هو دأبهم وديدنهم] .
وقرأ ابن كثيرٍ وعاصم - في رواية عنهما - برفع «قولُهم» على أنه اسم «كان» والخبر «أن» وما في حيزها. وقراءة الجمهور أوْلَى؛ لأنه إذا اجتمع معرفتانِ فالأولى أن تَجْعَل الأعرف اسماً، و «أن» وما في حيزها أعْر أعْرَف؛ قالوا: لأنها تُشْبِه المُضْمَر من حيثُ إنها لا تُضْمَر، ولا تُوصَف، ولا يُوصَف بها، و «قولهم» مضافٌ لمُضْمَرٍ، فَهُوَ في رُتْبَةِ العَلَمِ، فهو أقلُّ تعريفاً.
ورَجَّحَ أبو البقاء قراءة الجمهور بوجهين:
أحدهما: هذا، والآخر: أن ما بعد «إلاَّ» مُثبَت، والمعنى: كان قولَهُمْ: ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا دَأبَهم في الدعاء، وهو حَسَنٌ.
والمعنى: وما كان قولهم شيئاً من الأقوالِ إلا هذا القول الخاصّ.
فصل
معنى الآية: وما كان قولهم عند قَتْل نبيِّهم إلا أن قالوا: رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذنوبنَا، والغرض مِنْهُ تحريضُ هذه الأمة بالاقتداء بهم.
قال القاضي: إنما قدموا طلب المغفرة للذنوب والإسراف؛ لأنه - تعالى - لما ضَمِن النُّصرةَ للمؤمنين، فإذا لم تحصل النصرة، وظهر أمارات استيلاء العدو، دلَّ ذلك ظاهراً - على صدور ذنب وتقصير من المؤمنين، فلهذا المعنى يجب عليهم تقديمَ التوبةِ والاستغفارِ على طلب النُّصْرَة، فبيَّن - تعالى - أنهم بدءوا بالتوبة عن كل المعاصي، فقالوا: ﴿ربَّنَا اغفر لَنَا ذُنُوبَنَا﴾ أي: الصغائر ﴿وَإِسْرَافَنَا في أَمْرِنَا﴾ أي: الكبائر؛ لأن الإسراف في كل شيء هو الإفراط فيه؛ قال تعالى: ﴿قُلْ ياعبادي الذين أَسْرَفُواْ على أَنفُسِهِمْ﴾ [الزمر: 53] وقال ﴿فَلاَ يُسْرِف فِّي القتل﴾ [الإسراء: 33] وقال: ﴿وَلاَ تسرفوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المسرفين﴾ [الأعراف: 31] ويقال: فلان مُسْرِف - إذا كان مكثراً في النفقة.
قوله: ﴿في أَمْرِنَا﴾ يَجُوز فيه وجهانِ:
الأول: أنه متعلق بالمصدر قبله، يقال: أسرفتُ في كذا.
الثاني: أن يتعلق بمحذوف على أنَّه حَالٌ منه، أي: حال كونه مستقراً في أمرنا. والأول أوجهُ. ثم سألوا - بعد ذلك - أن يثبت أقدامهم، وذلك بإزالة الخوفِ عن قلوبهم، وهذا يدلُّ على أن فعل العبد مخلوقٌ للهِ، والمعتزلة يحملونه على الألطاف. ثم سألوا أن ينصرهم على القوم الكافرين، وهذه النصرة لا بد فيها من أمر زائدٍ على ثبات أقدامهم.
قال القاضي: وهذا تأديبٌ من الله - تعالى - في كيفية الطلب بالأدعية عند النوائب والمِحَن، سواء كان في الجهادِ أو غيره.
قوله: «فآتاهم الله» يقتضي أن اللهَ - تَعَالَى - أعطاهم [الأمْرَين] أما ثوابُ الدُّنْيَا فَهُوَ: النصرة والغنيمة، وقهر العدو، والثناء الجميل، وانشراح الصدرِ بنور الإيمان، وأما ثوابُ الآخرة فلا شك أنه ثواب الجنة.
وقرأ الجَحْدَرِيُّ فأثابهم - من لفظ الثواب - وخَصَّ - تعالى - ثواب الآخرة بالحُسْنِ؛ تنبيهاً على جلالةِ ثوابِهِم، وذلك لأنّ ثوابَ الآخرةِ كُلَّه في غاية الحُسْنِ.
ويجوز أن يُحْمَل قوله: «فآتاهم» على أنه سيؤتيهم، كقوله تعالى: ﴿أتى أَمْرُ الله فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ﴾ [النحل: 1] أي: سيأتي أمرُ اللهِ.
قيل: ولا يمتنع أن تكون هذه الآية مختصة بالشهداءِ - وقد أخبرَ - تَعَالَى - عن بعضهم أنهم أحياءٌ، عند ربِّهِم يرزقونَ - فيكون حالُ هؤلاء - أيضاً - كذلك.
فصل
قال فيما تقدم: ﴿وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدنيا نُؤْتِهِ مِنْهَا﴾ [آل عمران: 145] فأتى بلفظ «من» الدالة على التبعيض، وقال هنا: ﴿فَآتَاهُمُ الله ثَوَابَ الدنيا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخرة﴾ ولم يذكر كلمة «من» لأن الذين يُريدون ثوابَ الآخرةِ إنما اشتغلوا بالعبادة لطلب الثوابِ، فكانت مرتبتهم في العبودية نازلةً عن مرتبة هؤلاء؛ لأنهم لم يذكروا من أنفسهم إلا الذنبَ والتقصيرَ، ولم يذكروا التدبيرَ والنصرةَ والإعانة إلا من ربّهم، فكان مقامهم في العبودية في غاية الكمالِ؛ لأنَّهم أرادوا خدمة مولاهم، وأما أولئك فإنما أرادوا الثواب.
{"ayahs_start":147,"ayahs":["وَمَا كَانَ قَوۡلَهُمۡ إِلَّاۤ أَن قَالُوا۟ رَبَّنَا ٱغۡفِرۡ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسۡرَافَنَا فِیۤ أَمۡرِنَا وَثَبِّتۡ أَقۡدَامَنَا وَٱنصُرۡنَا عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡكَـٰفِرِینَ","فَـَٔاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ ثَوَابَ ٱلدُّنۡیَا وَحُسۡنَ ثَوَابِ ٱلۡـَٔاخِرَةِۗ وَٱللَّهُ یُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِینَ"],"ayah":"فَـَٔاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ ثَوَابَ ٱلدُّنۡیَا وَحُسۡنَ ثَوَابِ ٱلۡـَٔاخِرَةِۗ وَٱللَّهُ یُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق