الباحث القرآني
ثم قال الله تعالى مبينًا ما ترتب على حسن حالهم ومقالهم قال: ﴿فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ﴾ [آل عمران ١٤٨]، ﴿آتَاهُمُ﴾ بمعنى؟
* طالب: أعطاهم.
* الشيخ: وأتاهم؟
* الطالب: جاءهم.
* الشيخ: جاءهم، (أتى) بغير مد بمعنى جاء، و(آتى) بالمد بمعنى أعطى، وهنا المراد الثاني: ﴿فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا﴾، ﴿آتَاهُمُ﴾ أي: أعطاهم الله، و(آتى) تنصب مفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخبر؛ لأنها من باب أيش؟ (كسا) و(أعطى)، ﴿آتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا﴾ المفعول الأول هنا الهاء في (آتاهم)، والثاني: ثواب، ﴿آتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا﴾ أي جزاءها، وذلك بالنصر على أعدائهم والغنيمة فيمن تحل له الغنيمة، ومعروف أنها لا تحل غنيمة إلا لهذه الأمة، لكن المراد النصر على الأعداء والعزة والغلبة عليهم.
﴿وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ﴾ ولم يقل: ثواب الآخرة، بل قال: حُسنه؛ لأن ثواب الآخرة الحسنة بعشر أمثالها إلى سبع مئة ضعف إلى أضعاف كثيرة، وليس ثواب مكافأة فقط؛ إذ لو كان ثواب مكافأة فقط لكانت الحسنة أيش؟ بمثلها، لكنه ثواب حُسن وفضل، ولهذا قال: ﴿وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ﴾ هذا وجه، الوجه الثاني: أنه لم يعبر عن ثواب الدنيا بالحُسن؛ لأن الدنيا مهما كانت فهي دار شقاء وعناء وكدر، لا يمكن أن يخلو صفوها من كدر، ولهذا لم يقل: حُسن ثواب الدنيا؛ إذ إنه في الحقيقة ليس له حُسن، وهو وإن كان حَسنًا فهو حسن نسبي وإلا ففيه حُسن لا شك، ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً﴾ [البقرة ٢٠١]، لكنه أمر نسبي، حتى المنعمون بالنعمة تجدهم أحيانًا يأتيهم ما ينغّص هذه النعمة.
يقول: ﴿وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ﴾ يعني يوم القيامة، وذلك برفعة الدرجات في جنات النعيم والنجاة من دركات الجحيم.
﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ يعني أنهم هم محسنون فأحبهم الله عز وجل، وكان من مقتضى محبته لهم هذا الثواب الحاصل في الدنيا وفي الآخرة، وقوله: ﴿يُحِبُّ﴾ المحبة صفة من صفات الله حقيقية، فهو يحب عز وجل حقيقة، وليس محبته بمعنى الثواب أو الجزاء كما قاله بعض أهل التحريف الذين ينكرون من الصفات ما ينكرون، ومنها المحبة فإنهم ينكرونها، ويقولون: إن الله لا يحب بل ولا يُحَب، وتعليلهم أن الحب لا يكون إلا بين أيش؟ متجانسين؛ مخلوق ومخلوق، ولكن نقول لهم: هذا باطل، فالحب قد يكون بين شيئين متباعدين، ومنه قول الرسول ﷺ: «أُحُدٌ جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ»[[متفق عليه؛ البخاري (١٨٨٩)، ومسلم (١٣٦٥ / ٤٦٢) من حديث أنس بن مالك.]]، وهو جماد، ومن الأشياء المحسوسة الملموسة أن الإنسان يحب أثاثه وأمتعته ورواحله وسياراته ودوره، يحبها محبة ظاهرة ملموسة محسوسة، وهي ليست من جنسه، بل هي من جنس آخر، بل هي أيضًا دونه؛ لأنها ملكه، فهذا التعليل الذين نفوا به صفة المحبة لله تعليل باطل.
وقوله: ﴿يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ المحسنين في عبادة الله أو إلى عباد الله؟
* طلبة: يشمل.
* الشيخ: نعم يشمل، يشمل المحسنين في عبادة الله والمحسنين إلى عباد الله، أما المحسنون في عبادة الله فقد بيّن الرسول ﷺ كيف يكون الإحسان، فقال حين سأله جبريل عن الإحسان قال: «أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ»[[متفق عليه؛ البخاري (٥٠)، ومسلم (٩ / ٥) من حديث أبي هريرة.]]، يعني أن تعبد الله تعالى طلبًا مع اليقين التام، فإن لم تصل إلى هذه الدرجة فلا أقل من الدرجة الثانية وهي أن تعبد الله هربًا، تعبده كأنه يراك فتهرب من عقابه لتقوم بطاعته، فالإحسان في الحقيقة يشير فيه الرسول ﷺ إلى أنه نوعان: إحسان بطلب، وإحسان بهرب؛ الأول: أن تعبد الله كأنك تراه فتطلبه وترغب الوصول إليه، والثاني: كأنه يراك فتخافه وتخشاه وتعظمه، والأول أكمل من الثاني، هذا هو القول الراجح في معنى الحديث، وإن كان بعضهم يقول: إنه مرتبة واحدة وأن المعنى: إن لم تكن تراه فإنه يراك، قريب من المعنى الأول، فالجملتان قريبتان من الترادف؛ ولكن الصواب ما قلناه أولًا.
وإذا كان يحب المحسنين فإنه يترتب على محبة الله سبحانه وتعالى أشياء كثيرة، منها ما يكون في الدنيا ومنها ما يكون في الآخرة؛ فمما يكون في الدنيا أن الله إذا أحب الإنسان سدد أعماله وخطواته وأقواله وأفعاله، كما جاء في الحديث الصحيح: «مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُهُ عَلَيْهِ، وَلَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَلَئِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ»[[أخرجه البخاري (٦٥٠٢) من حديث أبي هريرة.]]، هذا من فوائد محبة الله.
* ومن فوائد محبة الله عز وجل: تيسير فعل الطاعة وترك المعصية، وذلك لأن الإنسان إذا أحب شيئًا طلب الوصول إليه، فإذا كان يحب المال طلب الوصول إلى المال بالبيع والشراء والتأجير وغير ذلك.
فمما يكون في الدنيا أن الله إذا أحب الإنسان سدّد أعماله وخطواته وأقواله وأفعاله، كما جاء في الحديث الصحيح: «مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُهُ عَلَيْهِ، وَلَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَلَئِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ»[[أخرجه البخاري (٦٥٠٢) من حديث أبي هريرة.]] هذا من فوائد محبة الله.
ومن فوائد محبة الله عز وجل: تيسير فعل الطاعة وترك المعصية؛ وذلك لأن الإنسان إذا أحب شيئًا طلب الوصول إليه، فإذا كان يحب المال طلب الوصول إلى المال بالبيع والشراء والتأجير وغير ذلك، إذا أحب شخصًا طلب الوصول إليه بمصاحبته ومصادقته، إذا أحب أيّ شيء فإنه يطلب أيش؟ الوصول إليه، فإذا أحب الله العبد أحبه العبد، فطلب الوصول إليه.
ومن فوائد محبة الله للعبد: أن الله تعالى يلقي في قلوب العباد محبته، كما قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا﴾ [مريم ٩٦]، وجاء في الحديث: «أَنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا نَادَى جِبْرِيلَ: إِنِّي أُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي فِي أَهْلِ السَّمَاءِ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ. فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ فَيَكُونُ مَقْبُولًا عِنْدَ النَّاسِ»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٢٠٩)، ومسلم (٢٦٣٧ / ١٥٧) من حديث أبي هريرة. ]].
* في هذه الآية الكريمة من الفوائد: أن الله سبحانه وتعالى أثاب هؤلاء الذين أحسنوا في مقالهم وفِعالهم، بماذا؟ بثواب الدنيا وثواب الآخرة.
* ومن فوائدها: أن رحمة الله تعالى سبقت غضبه، فهو يثيب الطائع ثوابين؛ ثواب في الدنيا، وثواب في الآخرة، بخلاف العقوبة فإن الله تعالى لا يجمع بين عقوبتين، فإذا شرع عقوبة في الدنيا على ذنب فإنه لا يُعاقب به في الآخرة كما جاء في الحديث أن: «الْحُدُود كَفَّارَة»[[متفق عليه؛ البخاري (٣٨٩٢)، ومسلم (١٧٠٩ / ٤١) من حديث عبادة بن الصامت بمعناه. ]] الحدود: يعني العقوبات كحدّ الزنا والسرقة؛ أنها كفارة لأصحابها، وقال النبي عليه الصلاة والسلام في المتلاعِنين قال لهما: «عَذَابُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ»[[أخرجه مسلم (١٤٩٣ / ٤) من حديث عبد الله بن عمر.]]، بل إن الله تعالى قال: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾ [الشورى ٣٠]، فلن يجمع الله للإنسان عقوبتين على معصية؛ عقوبة في الدنيا وعقوبة في الآخرة، لكن يجمع له بين ثوابين في الطاعة؛ ثوابًا في الدنيا وثوابًا في الآخرة؛ لأن رحمة الله سبقت غضبه.
* ومن فوائد هذه الآية: الإشارة إلى خِفة شأن الدنيا بالنسبة للآخرة، من أين تؤخذ؟
* طلبة: ﴿وَحُسْنَ ثَوَابِ﴾.
* الشيخ: من قوله: ﴿ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ﴾ كأن الدنيا ليست بشيء حتى يكون فيها حسن كما قرّرنا، ففيه إشارة إلى أن العاقل ينبغي له أن يعتني بماذا؟
* طلبة: بالآخرة.
* الشيخ: بثواب الآخرة الذي هو الحسن.
* ومن فوائد الآية: إثبات البعث والجزاء؛ لقوله: ﴿ثَوَابِ الْآخِرَةِ﴾.
* ومن فوائدها: إثبات المحبة لله؛ وهي صفة حقيقية ثابتة لله على وجه اللائق به. طيب الرضا ثابت لله؟
* الطلبة: نعم.
* الشيخ: ثابت لله، الفرح ثابت لله، العجب ثابت لله، وهكذا جميع الصفات التي جاءت في الكتاب والسنة يجب علينا أن نؤمن بها على أنها حق على حقيقتها؛ لأن الله خاطبنا بالقرآن بلسان عربي مبين، ولم يأتِ عن الصحابة ولا عن الأئمة أنهم حرّفوا هذه النصوص عن ظواهرها، وهذا يدل على أنهم أقرّوا بها كما جاءت على ما هي عليه، وهذا مذهب السلف ومذهب أهل السّنة والجماعة، وفيه الراحة والطمأنينة؛ لأن الإنسان إذا لاقى ربه وقد أثبت له الصفة التي دل عليه القرآن والسنة فإنه يوافيه بحجة أو بغير حجة؟ يوافيه بحجة، لكن إذا وافى ربه وقد حرف وقال معنى: ﴿يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ أي: يثيبهم ليس له حجة، ليس له حجة عند الله.
ونحن نتكلم دائمًا على أن الذين أنكروا شيئًا من صفات الله بحجة عقلية أننا نجيبهم على سبيل الإجمال بأن نقول:
أولًا: أن هذا خلاف لطريق السلف؛ لأن السلف لم يستدلوا بالعقل على إثبات الصفات أو نفيها.
ثانيًا: أن العقل لا مجال له في باب صفات الله؛ لأن صفات الله خبر محض، والأخبار المحضة ليس للعقول فيها مجال إطلاقًا.
ثم لو قال قائل: ألا يمكن أن نقيس الغائب على الشاهد؟
قلنا: لا يمكن القياس؛ لأن الله نفى هذا القياس ونهى عنه، نفاه ونهى عنه، فقال: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى ١١] وقال: ﴿لَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ﴾ [النحل ٧٤] أنا ربما أقيس شخصًا لم أعلم به على شخص أعلم به وأشاهده، لكنني لا يمكن أن أقيس الخالق على المخلوق؛ لأن الله نفى ذلك، بل نهى عنه.
ثالثًا: أن نقول لهم: إن نفيكم لما نفيتم بحجّة أن العقل لا يدل عليه غير صحيح في الاستدلال عند العقلاء، وذلك لأننا لو قدّرنا أن العقل لا يدل عليه فقد دل عليه السمع، ونفي أو انتفاء الدليل المعين لا يستلزم انتفاء المدلول؛ يعني إذا قلنا: هذا لا يدل على كذا قلنا: لكن عندنا دليل آخر، هبْ أن العقل لا يدل على ما نفيتم من الصفات، لكن السمع دلّ عليه، وهذا كما أنه في الأمور المعقولات فهو أيضًا بالأمور المحسوسات، لو قلت: إن هذا الطريق لا يؤدي إلى مكة، هل معناه أنه لا يمكن أن نصل إلى مكة أو لا؟
يمكن أن نصل من طريق آخر، فهبْ أن العقل لا يدل على ثبوت ما نفيتم فإننا نستدل عليه بأيش؟ بالسمع.
رابعًا: أن نقول: بل إن العقل يدل عليه وأولى مما ذكرتم، يعني أنا نثبت ما نفيتم بدلالة العقل، نثبته بدلالة العقل إثباتًا على وجه يكون أظهر مما ذكرتم، فمثلًا هم يقولون: إن الإرادة ثابتة لله دل عليها العقل، والكلام هنا مع الأشعرية، يقولون: إن الإرادة ثابتة لله عز وجل؛ لأن العقل دل عليها، عرفتم؟ ما هو دلالة العقل على الإرادة؟
* الطلبة: التخصيص.
* الشيخ: التخصيص؛ يعني كون السماء سماءً والأرض أرضًا هذا تخصيص، ما الذي خصص أن يكون السماء سماءً والأرض أرضًا؟ الإرادة، أراد الله أن يكون السماء سماء فكانت، وأن تكون الأرض أرضًا فكانت، إذن هذا دليل عقلي على ثبوت الإرادة لله.
نقول: أنتم نفيتم الرحمة ونحن نستدل لها بالعقل، ألم تكن نِعم الله عليكم لا تُحصى؟ سيقولون؟
* الطلبة: بلى.
* الشيخ: بلى، لا تحصى، إذن هل هي آثار رحمة ولا آثار غضب؟ آثار رحمة، ولهذا حتى العامة إذا جاء المطر وانتشر الخصب يقول: هذه من رحمة الله، من رحمة الله أن الله أنزل علينا المطر وانتشر الخصب، بل يقولون: مُطرنا بفضل الله ورحمته، فيثبتون الرحمة لله بدليل عقلي، كذلك أيضًا الرضا يمكن أن نثبته بدليل العقل، إثابة الطائعين تدل على رضا الله عنهم ولَّا على غضبه؟ لو غضب لانتقم، لكنه رضي فأثاب، فهذا دليل عقلي.
فصار الذين ينكرون ما ينكرون من الصفات بحجة أن العقل لا يدل عليها محجوجين من أربعة أوجه ذكرناها الآن؛ وهي أن هذا الاستدلال مخالف لطريق السلف، فالسلف لا يستدلون بإثبات الصفات أو نفيها بالعقل وإنما بأيش؟ بالسمع.
ثانيًا: أنه لا مجال للعقل فيها، وإذا ادعوا القياس قلنا: القياس ممنوع؛ لأن الله نفاه ونهى عنه.
* طالب: نفي (...) العقل؟
* الشيخ: ثالثًا: يقولون: إن العقل لا يدل عليها، نقول: هبْ أن العقل لا يدل عليها فقد دل عليها أيش؟ السمع، فوجب ثبوتها بالسمع؛ لأن انتفاء الدليل المعيّن الذي هو العقل لا يستلزم انتفاء المدلول؛ إذ قد يثبت بدليل آخر.
رابعًا: أن نقول: إننا لا نُسلّم لكم أن العقل لم يدل عليها بل العقل قد دل عليها، ثم نأتي بالمثال الذي تتضح به الحجة.
* من فوائد الآية الكريمة: الحثّ على الإحسان؛ لأن الإحسان سبب لغاية، هي غاية كل إنسان؛ وهي محبة الله، فإذا كان سببًا لهذه الغاية العظيمة كان مأمورًا به محثوثًا عليه.
ويدلكم على أن محبة الله هي الغاية أن الله قال في كتابه: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي﴾ [آل عمران ٣١] أيش؟ ﴿يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾ ولم يقل: فاتبعوني تصدقوا فيما ادعيتم، بل قال: ﴿يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾ لأن الثمرة العظيمة هي أن الله يحبك، مع أننا نضمن أن من أحب الله حقًّا فسيحبه الله؛ لأن الله يقول: «مَنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً، وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ شِبْرًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ ذِرَاعًا، وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا»[[متفق عليه؛ البخاري (٧٤٠٥)، ومسلم (٢٦٧٥ / ٢) من حديث أبي هريرة.]] فإذا كانت محبتك لله صادقة، فإن محبة الله لك مضمونة، لكن البلاء كلّ البلاء أن تدّعي المحبة وليست محبتك صادقة، هذا البلاء، يكون قلبك مشغولًا بمحابّ أخرى: كمحبة المال، محبة الأولاد، محبة القصور، محبة المراكب، محبة النساء، وهكذا، هذه المحاب تُضايق محبة الله في القلب، إلا إذا كانت تابعة لمحبته، حطوا بالكم لهذا، يعني لا تقولوا: أنت تسد علينا باب محبة ما جبلت النفوس على محبته، نقول: محبة هذه الأشياء إذا كانت تابعة لمحبة الله صارت من محبة الله، لو أحبّ المال من أجل أن ينفقه في سبيل الله كانت هذه المحبة تزاحم محبة الله أو لا؟
لا تزاحمها، بل تزيدها؛ لو أحب النساء من أجل تكثير الأمة، ومن أجل تحصين فرجه، ومن أجل الفوائد التي رُتّبت عليه؛ على النكاح، كان هذا من محبة الله، لكن لمجرد قضاء الوطر تجده يتعلق قلبه بكل امرأة، ما يستقرّ على شيء، حينئذٍ يكون هناك مزاحمة فتضعف محبة الله سبحانه وتعالى في القلب، المهم أن الشأن كلّ الشأن هو أن الله يحبك هذا هو المهم.
* ومن فوائد هذه الآية الكريمة: إثبات الصفات الاختيارية لله عز وجل؛ يعني التي تتعلق بأيش؟ بمشيئته، فإذا علّق الله الصفة على فعل علمنا أنها من الصفات الاختيارية المتعلقة بمشيئته، كيف ذلك؟ لأن الإحسان فعل العبد، وفعل العبد حادث أو أزلي؟ حادث، إذا كان الإحسان سببًا لمحبة الله وهو فعل العبد وهو حادث لزم من ذلك ثبوت المحبة المعلقة بأيش؟ بالإحسان. واضح؟
والصفات الاختيارية أيضًا أنكرها الأشاعرة ونحوهم، وقالوا: لا يمكن أن يقوم بالله صفات حادثة اختيارية، لماذا؟ قالوا: لأننا لو أثبتنا لله صفات حادثة لزم قيام الحوادث به، والحوادث لا تقوم إلا بحادث، والله عز وجل أزلي، أزلي أبدي.
فيقال: ويلكم، هذا كذب؛ أن الحوادث لا تقوم إلا بحادث، أليس الله يقول: ﴿وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ﴾ [إبراهيم ٢٧]؟ والله يفعل ما يريد؟ يفعل ما يريد، أليس الإنسان منا إرادته ليست تابعة لوجوده، بل للإنسان إرادات تتجدّد ولا يلزم أن يكون هذا المريد لم يوجد إلا عند وجود أيش؟ الإرادة، بل هو سابق عليها، أليس كذلك؟ نحن سابقون على إرادتنا؛ يعني أن الإنسان موجود قبل أن يريد، فلا يلزم تساوي الإرادة مثلًا أو الأفعال الاختيارية مع الوجود، فالإنسان يفعل أفعالًا كثيرة متجددة لم تكن معه حين وجوده، فكذلك الرب عز وجل يفعل ما يريد أفعالًا لم تكن معه سبحانه وتعالى أزليّة بل هي حادثة، لكن قد تكون حادثة النوع وقد تكون حادثة الآحاد، ويكون نوعها قديمًا أزليًّا، فالكلام مثلًا أيش؟
* طلبة: أزلي.
* الشيخ: قديم أزلي، لم يزل الله سبحانه وتعالى متكلمًا، لكن آحاده حادثة لا شك ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ﴾ [يس ٨٢] ونحن نعلم أن مرادات الله عز وجل تقع: ﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ﴾ [الرحمن ٢٩] يُحيي ويميت ويعز ويذل ويرزق ويمنع، وكل هذه الأشياء بإرادة مقرونة بالقول: ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ ومع ذلك لا يلزم منه أن يكون سبحانه وتعالى حادثًا، فتعليلهم هذا النفي الذي سلكوه تعليل عليل، والله لو قلنا: إن الله لا يفعل، لو قام به فعل لزم أن يكون حادثًا، كيف إذن هو عاجز عن الفعل؟! وهذا نقص ولَّا كمال؟
* الطلبة: نقص.
* الشيخ: نقص وأيّ نقص! فانظر كيف كان أهل الباطل يفرّون مما يعتقدونه باطلًا فيقعون في شيء هو أبطل منه وأشر منه، مع تطاولهم على تحريف النصوص وتعطيل الله عز وجل عما وصف به نفسه، فهم مُحرِّفة مُعطِّلة واقعون في شر مما فروا منه.
* طالب: شيخ، جزاك الله خيرًا، المجاهدون في سبيل الله إذا نالوا من الغنيمة في الحديث الصحيح: «أَنَّهُمْ تَعَجَّلُوا ثُلُثَيْ الْأَجْرِ»[[أخرجه مسلم (١٩٠٦ / ١٥٣) من حديث عبد الله بن عمرو. ]] ما أدري كيف ذكروا الحديث هذا (...)؟
* الشيخ: لا بد أن يكون هناك سبب، قال النبي عليه الصلاة والسلام هذا من أجله فيحتاج إلى النظر في هذا الحديث وسياقه.
* الطالب: يعني ما يؤثّر هذا على الثواب الأخروي؟
* الشيخ: ما يؤثّر إذا خلصت النية أن يكون القصد أن تكون كلمة الله هي العليا، لكن قد يكون بعض المجاهدين يُغلّب جانب الغنيمة، فمن هنا ينقص الأجر كثيرًا حسب التغليب الذي قام في قلبه، فالحديث يحتاج إلى نظر في سببه ربما يكون سببه يدل على أن لهم إرادة للدنيا.
* طالب: ذكر الله عز وجل يا شيخ في بعض الآيات مثل من حارب الله عز وجل قُطّاع الطرق في آخر الآية، رتّب عليه عذابين، ذلك ..؟
* الشيخ: أيش لون؟
* الطالب: ذكر الله عز وجل في هذا لو جعل هذا محاربة الله وقُطّاع الطرق رتّب عليها عذابين في الدنيا والآخرة؟
* الشيخ: نعم، مثل؟
* طالب: مثل قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا﴾ الآية، ثم ذكر في النهاية: ﴿ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [المائدة ٣٣].
* الشيخ: إي نعم، هذا الخزي صحيح أنه خزي يخزون به في الدنيا، ولكن لعل هذا لعِظم أفعالهم صار لهم الحدّ في الدنيا والعذاب في الآخرة، وإلا فقد ثبت في الصحيحين وغيرهما:« «أَنَّ مَنْ أَصَابَ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الذُّنُوبِ وَالْمَعَاصِي فَأُقِيمَ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا فَإِنَّهُ كَفَّارَةٌ لَهُ» »[[متفق عليه؛ البخاري (٤٨٩٤)، ومسلم (١٧٠٩ / ٤١) من حديث عبادة بن الصامت.]]، وسمعت الآية: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾ [الشورى ٣٠] وأن الله لا يجمع للإنسان عقوبتين، فإما أن يقال: هذا لشدة جرمهم وذنبهم، يُجمع لهم بين هذا وهذا.
{"ayah":"فَـَٔاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ ثَوَابَ ٱلدُّنۡیَا وَحُسۡنَ ثَوَابِ ٱلۡـَٔاخِرَةِۗ وَٱللَّهُ یُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق