الباحث القرآني
فَلَمّا تَمَّ الثَّناءُ عَلى فِعْلِهِمْ؛ وقَوْلِهِمْ؛ ذَكَرَ ما سَبَّبَهُ لَهم ذَلِكَ مِنَ الجَزاءِ؛ فَقالَ ﴿فَآتاهُمُ اللَّهُ﴾؛ المُحِيطُ عِلْمًا؛ وقُدْرَةً؛ ﴿ثَوابَ الدُّنْيا﴾؛ أيْ: بِأنْ قَبِلَ دُعاءَهم بِالنَّصْرِ؛ والغِنى بِالغَنائِمِ؛ وغَيْرِها؛ وحُسْنِ الذِّكْرِ؛ وانْشِراحِ الصَّدْرِ؛ وزَوالِ شُبَهاتِ الشَّرِّ.
ولَمّا كانَ ثَوابُ الدُّنْيا؛ كَيْفَما كانَ؛ لا بُدَّ أنْ يَكُونَ بِالكَدَرِ مَشُوبًا؛ وبِالبَلاءِ مَصْحُوبًا؛ لِأنَّها دارُ الأكْدارِ؛ أعْراهُ مِن وصْفِ الحُسْنِ؛ وخَصَّ الآخِرَةَ بِهِ؛ فَقالَ: ﴿وحُسْنَ ثَوابِ الآخِرَةِ﴾؛ أيْ: مَجازًا؛ بِتَوْفِيقِهِمْ إلى الأسْبابِ في الدُّنْيا؛ وحَقِيقَةً في الآخِرَةِ؛ فَإنَّهم أحْسَنُوا في هَذا الفِعالَ؛ والمَقالَ؛ لِكَوْنِهِمْ لَمْ يَطْلُبُوا بِعِبادَتِهِمْ غَيْرَ وجْهِ اللَّهِ؛ فَأحَبَّهم (p-٨٩)لِإحْسانِهِمْ؛ ﴿واللَّهُ﴾؛ المُحِيطُ بِصِفاتِ الكَمالِ؛ ﴿يُحِبُّ المُحْسِنِينَ﴾؛ كُلَّهُمْ؛ فَهو جَدِيرٌ بِأنْ يَفْعَلَ بِهِمْ كُلَّ جَمِيلٍ؛ ولِذَلِكَ رَفَعَ مَنزِلَتَهُمْ؛ ولَمْ يَجْعَلْ ثَوابَهم بَعْضًا؛ كَما فَعَلَ بِمَن عَبَدَ لِإرادَةِ الثَّوابِ؛ فَقالَ: ﴿نُؤْتِهِ مِنها﴾ [آل عمران: ١٤٥]؛ فَقَدْ بانَ أنَّ هَذِهِ الآيَةَ مُنْعَطِفَةٌ عَلى ما أُمِرَ بِهِ الصَّحابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم - عَلى طَرِيقَةِ اللَّفِّ والنَّشْرِ المُشَوَّشِ؛ فَنَفْيُ الوَهْنِ تَعْرِيضٌ بِمَن أُشِيرَ إلَيْهِ في آيَةِ: ﴿ولَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ المَوْتَ﴾ [آل عمران: ١٤٣]؛ ومَحَبَّةُ الصّابِرِينَ تَعْرِيضٌ بِمَن لَمْ يَصْبِرْ؛ وقَوْلُهُ: ﴿ويَعْلَمَ الصّابِرِينَ﴾ [آل عمران: ١٤٢]؛ ونَحْوُ ذَلِكَ؛ والثَّناءُ عَلى قَوْلِهِمْ؛ حَثٌّ عَلى مِثْلِ ما نَدَبَهم إلَيْهِ في قَوْلِهِ: ﴿ذَكَرُوا اللَّهَ فاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ﴾ [آل عمران: ١٣٥]؛ وثَباتُ الأقْدامِ إشارَةٌ إلى: ﴿وأنْتُمُ الأعْلَوْنَ إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: ١٣٩]؛ وإلى أنَّ ثَباتَ القَدَمِ لِلنَّصْرِ عَلى أعْداءِ اللَّهِ؛ كانَ شاغِلًا لَهم عَنْ الِالتِفاتِ إلى غَيْرِهِ؛ وتَعْرِيضٌ بِمَن أقْبَلَ عَلى الغَنائِمِ؛ وتَرَكَ طَلَبَ العَدُوِّ؛ لِتَمامِ النَّصْرِ؛ المُشارِ إلَيْهِمْ بِآيَةِ ﴿ومَن يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنها﴾ [آل عمران: ١٤٥]؛ وإيتاءُ الثَّوابِ ناظِرٌ إلى النَّهْيِ عَنِ الرِّبا؛ وما انْتَظَمَ في سِلْكِهِ؛ وداناهُ؛ وإلى الأمْرِ بِالمُسارَعَةِ إلى الجَنَّةِ؛ وما والاهُ؛ وإيماءً إلى أنَّ مَن فَعَلَ فِعْلَهم نالَ ما نالُوا؛ ومَن تَرَكَ شَيْئًا لِلَّهِ عَوَّضَهُ اللَّهُ خَيْرًا مِنهُ؛ لِأنَّ عِلْمَهُ مُحِيطٌ؛ وكَرْمَهُ لا يُحَدُّ؛ وخَزائِنَهُ لا تَنْفَدُ؛ بَلْ (p-٩٠)لا تَنْقُصُ؛ ثُمَّ خَتَمَها بِما خَتَمَ بِهِ؛ لِلْحَثِّ عَلى التَّخَلُّقِ بِأوْصافِ المُتَّقِينَ؛ فَقَدِ اتَّضَحَ بِغَيْرِ لَبْسٍ أنَّ المُرادَ بِهَذِهِ الآيَةِ - وهي الإخْبارُ عَنْ إيتائِهِمُ الثَّوابَ - التَّنْبِيهُ عَلى أنَّ أهَمَّ الأُمُورِ؛ وأحَقَّها بِالبَداءَةِ؛ التَّخَلُّقُ بِما وُعِظُوا بِهِ قَبْلَ قَصِّ القِصَّةِ؛ ولا رَيْبَ أنَّ في مَدْحِ مَن سِواهم تَهْيِيجًا زائِدًا لِانْبِعاثِ نُفُوسِهِمْ؛ وتَحَرُّكِ هِمَمِهِمْ؛ وتَنْبِيهِ نَشاطِهِمْ؛ وثَوَرانِ عَزائِمِهِمْ؛ غَيْرَةً مِنهم أنْ يَكُونَ أحَدٌ - وهم خَيْرُ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ - أعْلى هِمَّةً؛ وأقْوى عَزِيمَةً؛ وأشَدَّ شَكِيمَةً؛ وأصْلَبَ عُودًا؛ وأثْبَتَ عَمُودًا؛ وأرْبَطَ جَأْشًا؛ وأذْكَرَ لِلَّهِ؛ وأرْغَبَ فِيما عِنْدَهُ؛ وأزْهَدَ فِيما أعْرَضَ عَنْهُ؛ مِنهم.
{"ayah":"فَـَٔاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ ثَوَابَ ٱلدُّنۡیَا وَحُسۡنَ ثَوَابِ ٱلۡـَٔاخِرَةِۗ وَٱللَّهُ یُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِینَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق