الباحث القرآني

* الإعراب: (وَقالُوا: مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ) كلام مستأنف مسوق للشروع في بيان قبائحهم التي أرجفوا بها في شأن الرسول وهي ستة كما سيأتي. وقالوا فعل وفاعل وما اسم استفهام مبتدأ ولهذا خبره والرسول بدل من اسم الاشارة وجملة يأكل الطعام حالية وهي الفرية الاولى، ويأكل الطعام فعل وفاعل مستتر ومفعول به وجملة يمشي في الأسواق عطف عليها وهي الفرية الثانية وسيأتي معنى أكل الطعام والمشي في الأسواق في باب البلاغة. (لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً) لولا حرف تحضيض وأنزل فعل ماض مبني للمجهول وعليه متعلقان بأنزل وملك نائب فاعل والفاء فاء السببية ويكون فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد فاء السببية لأنها جواب التحضيض واسمها مستتر تقديره هو أي الملك ومعه ظرف مكان متعلق بمحذوف حال ونذيرا خبر يكون أي فهما يتساندان في الإنذار والتخويف وهذه هي الفرية الثالثة. (أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها) أو حرف عطف ويلقى فعل مضارع مبني للمجهول وكنز نائب فاعل واليه متعلقان بيلقى، أو تكون له جنة عطف على ما تقدم وجملة يأكل منها صفة لجنة وهذان الفعلان معطوفان على أنزل لأنه بمعنى ينزل ولا يجوز أن يعطفا على «فيكون» المنصوب في الجواب لأنهما مندرجان في التحضيض فيعطفان على جوابه، وهاتان هما الفريتان الرابعة والخامسة. (وَقالَ الظَّالِمُونَ: إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً) الواو عاطفة وقال الظالمون فعل وفاعل وإن نافية وتتبعون فعل مضارع وفاعل وإلا أداة حصر ورجلا مفعول به ومسحورا صفة وهذه هي الفرية السادسة والأخيرة. (انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا) انظر فعل أمر وفاعل مستتر تقديره أنت وكيف اسم استفهام في محل نصب حال ولك متعلقان بضربوا والأمثال مفعول به، فضلوا الفاء عاطفة وضلوا فعل ماض وفاعل، فلا الفاء عاطفة ويستطيعون سبيلا فعل مضارع وفاعل ومفعول به. (تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ) كلام مستأنف مسوق لتقرير تساميه سبحانه وتعاليه عما يقولون. وتبارك الذي فعل وفاعل وقدر الزمخشري والجلال وغيرهما مضافا محذوفا أي خير الذي، وان شرطية وشاء فعل ماض في محل جزم فعل الشرط وجعل جواب الشرط والجملة الشرطية صلة الموصول ولك مفعول جعل الثاني وخيرا مفعول جعل الأول ومن ذلك متعلقان بخيرا والاشارة إلى الذي اقترحوه من الكنز والبستان. (جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً) جنات بدل من خيرا وجملة تجري صفة لجنات ومن تحتها متعلقان بتجري والأنهار فاعل تجري ويجعل فعل مضارع معطوف على محل جعل الواقع جوابا للشرط وسيأتي بحث هام عن فعل الشرط وجوابه في باب الفوائد ولك مفعول ثان وقصورا مفعول أول. (بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيراً) بل حرف للاضراب فقد أضرب عن توبيخهم بحكاية أراجيفهم السابقة إلى حكاية تكذيبهم بالساعة، وكذبوا فعل وفاعل وبالساعة متعلقان بكذبوا وأعتدنا فعل وفاعل ولمن متعلقان بأعتدنا وجملة كذب بالساعة صلة من وسعيرا مفعول به، والمعنى: هيأنا لهؤلاء المكذبين نارا عظيمة، ووضع الموصول موضع الضمير ووضع الساعة موضع ضميرها للمبالغة في التوبيخ وقد مرت نظائره في أبواب البلاغة ونون سعيرا للتكثير أي نارا عظيمة كما ذكرنا. (إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَزَفِيراً) هذه الجملة الشرطية في محل نصب صفة لسعيرا لأنه مؤنث بمعنى النار. وإذا ظرف مستقبل متضمن معنى الشرط وجملة رأتهم في محل جر باضافة إذا إليها ومن مكان متعلقان بمحذوف حال وجملة سمعوا جواب الشرط ولها حال لأنه كان في الأصل صفة وتغيظا مفعول به وزفيرا عطف عليه وسيأتي في باب البلاغة فصل مسهب عن هذا التعبير. * البلاغة: 1- كنايتان بديعتان: في قوله تعالى «وَقالُوا مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ» كناية عن الحدث لأنه ملازم أكل الطعام، وقد مر تقريره مفصلا في سورة المائدة فجدد به عهدا، وفي يمشي في الأسواق كناية عن طلب المعاش، وانظر بعد هاتين الكنايتين البديعتين إلى حكاية خطراتهم الملتاثة وهواجسهم المحمومة كيف اقترحوا أولا بأن يكون ملكا إلى اقتراح أن يكون إنسانا معه ملك حتى يتساندا في الإنذار والتخويف، ثم نزلوا أيضا فقالوا: وان لم يكن مرفودا بملك فليكن مرفودا بكنز يلقى اليه من السماء يستظهر به ولا يحتاج إلى تحصيل المعاش، ثم نزلوا فاقتنعوا بأن يكون رجلا له بستان يأكل منه ويرتزق كما يرتزق المياسير، فانظر كيف صور خطرات النفس الملتاثة وحالات ترددها. 2- وضع الظاهر موضع المضمر: في قوله «وقال الظالمون» وضع الظاهر موضع الضمير وقد تقدمت الاشارة اليه مع أمثلته، فقد أراد بالظالمين إياهم بأعيانهم فهم القائلون الأولون، وإنما وضع المظهر موضع المضمر تسجيلا عليهم بوصف الظلم وتجاوز الحد. 3- الاستعارة: اثبات الرؤية لجهنم والتغيظ المسموع والزفير المتصاعد، أمر شغل العلماء كثيرا، فأما أهل السنة فيجعلون ذلك كله حقيقة ولا يحملونه على المجاز، فإن رؤية جهنم جائزة وقدرة الله تعالى صالحة، وقد تظاهرت الظواهر على وقوع هذا الجائز وعلى أن الله تعالى يخلق لها إدراكا حسيا وعقليا، ألا ترى إلى قوله تعالى «سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً» والى محاجتها مع الجنة والى قولها «هل من مزيد» والى اشتكائها إلى ربها فأذن لها في نفسين، إلى غير ذلك من الظواهر التي لا سبيل إلى تأويلها إذ لا محوج اليه، قالوا: «ولو فتح باب التأويل والمجاز في أحوال المعاد لتطوح الذي يسلك ذلك إلى وادي الضلالة» أما بصدد سمع التغيظ وهو لا يسمع فقد أجاب عنه أهل السنة بثلاثة أجوبة ندرجها فيما يلي: آ- انه على حذف مضاف أي صوت تغيظها. ب- انه على حذف فعل تقديره سمعوا ورأوا تغيظا وزفيرا فيرجع كل واحد إلى ما يليق به أي رأوا تغيظا وسمعوا زفيرا. ج- أن يضمن سمعوا معنى يشمل الشيئين أي أدركوا لها تغيظا وزفيرا. أما بصدد قوله رأتهم فقال بعضهم انه من باب القلب أي رأوها، أو على حذف تقديره رأتهم زبانيتها. أما المعتزلة فهم يحملون ذلك كله على المجاز ويجعلون رؤية جهنم من باب قولهم دور بني فلان تتراءى وتتناظر فتدخل عندئذ في باب الاستعارة المكنية وقد تقدم القول فيها كثيرا. وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله «إذا رأتهم من مكان بعيد» من مسيرة مائة عام، وذلك إذا أتى بجهنم تقاد بسبعين ألف زمام يشد بكل زمام سبعون ألف ملك لو تركت لأتت على كل بر وفاجر «سمعوا لها تغيظا وزفيرا» تزفر زفرة لا تبقى قطرة من دمع إلا ندرت ثم تزفر الثانية فتقطع القلوب من أماكنها، تقطع اللهوات والحناجر. 4- حسن الاتباع: هذا وقد رمق الشعراء سماء هذه التعابير البليغة مما يدخل في باب حسن الاتباع، وهو أن يأتي المتكلم إلى معنى اخترعه غيره فيحسن اتباعه فيه بحيث يستحقه ويحكم له به دون الاول، وهذا الباب مما يخص كلام المخلوقين ومما أخذ بعضهم من بعض ولا مدخل لشيء من القرآن العزيز فيه فإن القرآن متبع لا مبتع إلا أن الشعراء حين يرمقون سماءه ويحسنون اتباعه صار كأنه داخل في سلك هذا الفن فقال الفرزدق: يكاد يمسكه عرفان راحته ... ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم فأسند أفعال من يعقل إلى مالا يعقل وجرى على منواله أبو تمام فقال: لو يعلم الركن من قد جاء يلثمه ... لخرّ يلثم منه موطىء القدم وحذا البحتري حذو أبي تمام فقال: فلو أن مشتاقا تكلف فوق ما ... في وسعه لسعى إليك المنبر واتبع المتنبي البحتري في ذلك فقال: لو تعقل الشجر التي قابلتها ... مدّت محيية إليك الأغصنا وهذا باب واسع سيأتي الكثير من أمثاله. * الفوائد: فعل الشرط والجواب: لا يشترط في الشرط والجواب أن يكونا من نوع واحد بل تارة: 1- يكونان مضارعين نحو «وإن تعودوا نعد» 2- يكونان ماضيين نحو «وإن عدتم عدنا» . 3- يكونان مختلفين ماضيا فمضارعا نحو «من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه» وانما حسن ذلك لأن الاعتماد في المعنى على خبر كان وهو مضارع فكأنه قال: من يرد نزد له. 4- يكونان عكسه مضارعا فماضيا وهو قليل، وخصه بعضهم بالشعر وورد منه في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم «من يقم ليلة القدر احتسابا غفر له» رواه البخاري. هذا وإذا وقع فعل الشرط ماضيا جاز في جزائه الجزم والرفع كقول زهير: وإن أتاه خليل يوم مسغبة ... يقول لا غائب مالي ولا حرم برفع يقول، قال ابن مالك «وبعد ماض رفعك الخبر أحسن» والذي حسن ذلك أن الأداة لما لم تعمل في لفظ الشرط لكونه ماضيا مع قربه فلا تعمل في الجزاء مع بعده ولذلك قرىء «ويجعل لك قصورا» برفع يجعل عطفا على جعل وقد أراد بعضهم تخطئة شوقي في قوله: إن رأتني تميل عني كأن لم ... يك بيني وبينها أشياء وفاتتهم القاعدة المتقدمة.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب