الباحث القرآني

قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَقالُوا ما لِهَذا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ ويَمْشِي في الأسْواقِ﴾ . ذَكَرَ جَلَّ وعَلا في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ أنَّ الكُفّارَ قالُوا في نَبِيِّنا ﷺ: ما لِهَذا الَّذِي يَدَّعِي أنَّهُ رَسُولٌ، وذَلِكَ كَقَوْلِ فِرْعَوْنَ في مُوسى: ﴿إنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إلَيْكم لَمَجْنُونٌ﴾ [الشعراء: ٢٧] أيْ: ما لَهُ يَأْكُلُ الطَّعامَ كَما نَأْكُلُهُ، فَهو مُحْتاجٌ إلى الأكْلِ كاحْتِياجِنا إلَيْهِ، ويَمْشِي في الأسْواقِ أيْ لِاحْتِياجِهِ إلى البَيْعِ والشِّراءِ، لِيُحَصِّلَ بِذَلِكَ قُوتَهُ، يَعْنُونَ أنَّهُ لَوْ كانَ رَسُولًا مِن عِنْدِ اللَّهِ لَكانَ مَلَكًا مِنَ المَلائِكَةِ لا يَحْتاجُ إلى الطَّعامِ، ولا إلى المَشْيِ في الأسْواقِ، وادِّعاءُ الكَفّارِ أنَّ الَّذِي يَأْكُلُ كَما يَأْكُلُ النّاسُ، ويَحْتاجُ إلى المَشْيِ في الأسْواقِ، لِقَضاءِ حاجَتِهِ مِنها، لا يُمْكِنُ أنْ يَكُونَ رسولًا، وأنَّ اللَّهَ لا يُرْسِلُ إلّا مَلَكًا لا يَحْتاجُ لِلطَّعامِ ولا لِلْمَشْيِ في الأسْواقِ، جاءَ مُوَضَّحًا في آياتٍ كَثِيرَةٍ، وجاءَ في آياتٍ أيْضًا تَكْذِيبُ الكُفّارِ في دَعْواهم هَذِهِ الباطِلَةِ. (p-١٨)فَمِنَ الآياتِ الدّالَّةِ عَلى قَوْلِهِمْ مِثْلَ ما ذُكِرَ عَنْهم في هَذِهِ الآيَةِ، قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَقالَ المَلَأُ مِن قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وكَذَّبُوا بِلِقاءِ الآخِرَةِ وأتْرَفْناهم في الحَياةِ الدُّنْيا ما هَذا إلّا بَشَرٌ مِثْلُكم يَأْكُلُ مِمّا تَأْكُلُونَ مِنهُ ويَشْرَبُ مِمّا تَشْرَبُونَ﴾ ﴿وَلَئِنْ أطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكم إنَّكم إذًا لَخاسِرُونَ﴾ [المؤمنون: ٣٣ - ٣٤] وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَما مَنَعَ النّاسَ أنْ يُؤْمِنُوا إذْ جاءَهُمُ الهُدى إلّا أنْ قالُوا أبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولًا﴾ [الإسراء: ٩٤] وقَوْلُهُ تَعالى عَنْهم: ﴿فَقالُوا أنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا﴾ الآيَةَ [المؤمنون: ٤٧] وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿أبَشَرًا مِنّا واحِدًا نَتَّبِعُهُ﴾ الآيَةَ [القمر: ٢٤] وقَوْلُهُ: ﴿فَقالُوا أبَشَرٌ يَهْدُونَنا فَكَفَرُوا وتَوَلَّوْا واسْتَغْنى اللَّهُ﴾ الآيَةَ [التغابن: ٦] وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿قالُوا إنْ أنْتُمْ إلّا بَشَرٌ مِثْلُنا تُرِيدُونَ أنْ تَصُدُّونا عَمّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا﴾ [إبراهيم: ١٠] . ومِنَ الآياتِ الَّتِي كَذَّبَهُمُ اللَّهُ بِها في دَعْواهم هَذِهِ الباطِلَةِ، وبَيَّنَ فِيها أنَّ الرُّسُلَ يَأْكُلُونَ ويَمْشُونَ في الأسْواقِ ويَتَزَوَّجُونَ ويُولَدُ لَهم، وأنَّهم مِن جُمْلَةِ البَشَرِ، إلّا أنَّهُ فَضَّلَهم بِوَحْيِهِ ورِسالَتِهِ، وأنَّهُ لَوْ أرْسَلَ لِلْبَشَرِ مَلَكًا لَجَعَلَهُ رَجُلًا، وأنَّهُ لَوْ كانَتْ في الأرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ، لَنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مَلَكًا رَسُولًا، لِأنَّ المُرْسَلَ مِن جِنْسِ المُرْسَلِ إلَيْهِمْ، قَوْلُهُ تَعالى في هَذِهِ السُّورَةِ الكَرِيمَةِ: ﴿وَما أرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ المُرْسَلِينَ إلّا إنَّهم لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ ويَمْشُونَ في الأسْواقِ﴾ [الفرقان: ٢٠] وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلَقَدْ أرْسَلْنا رُسُلًا مِن قَبْلِكَ وجَعَلْنا لَهم أزْواجًا وذُرِّيَّةً﴾ [الرعد: ٣٨] وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿أرْسَلْنا مِن قَبْلِكَ إلّا رِجالًا نُوحِي إلَيْهِمْ مِن أهْلِ القُرى﴾ [يوسف: ١٠٩] أيْ ولَمْ نَجْعَلْهم مَلائِكَةً، لِأنَّ كَوْنَهم رِجالًا وكَوْنَهم مِن أهْلِ القُرى، صَرِيحٌ في أنَّهم لَيْسُوا مَلائِكَةً، وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكًا لَجَعَلْناهُ رَجُلًا ولَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ﴾ [الأنعام: ٩] وقَدْ أمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ ﷺ أنْ يَقُولَ لِلْكُفّارِ: إنَّهُ بَشَرٌ، وإنَّهُ رَسُولٌ. وذَلِكَ لِأنَّ البَشَرِيَّةَ لا تُنافِي الرِّسالَةَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إلّا بَشَرًا رَسُولًا﴾ [الإسراء: ٩٣] • وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿قُلْ إنَّما أنا بَشَرٌ مِثْلُكم يُوحى إلَيَّ أنَّما إلَهُكم إلَهٌ واحِدٌ فَمَن كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحًا ولا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أحَدًا﴾ [الكهف: ١١٠] • وقَوْلِهِ تَعالى: ﴿قُلْ إنَّما أنا بَشَرٌ مِثْلُكم يُوحى إلَيَّ أنَّما إلَهُكم إلَهٌ واحِدٌ فاسْتَقِيمُوا إلَيْهِ واسْتَغْفِرُوهُ﴾ الآيَةَ [فصلت: ٦] . وبَيَّنَ جَلَّ وعَلا أنَّ الرُّسُلَ قالُوا مِثْلَ ذَلِكَ في قَوْلِهِ: ﴿لَهم رُسُلُهم إنْ نَحْنُ إلّا بَشَرٌ مِثْلُكم ولَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلى مَن يَشاءُ مِن عِبادِهِ﴾ الآيَةَ [إبراهيم: ١١] وقالَ تَعالى: ﴿قُلْ لَوْ كانَ في الأرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكًا رَسُولًا﴾ [الإسراء: ٩٥] وقَوْلُهُ تَعالى: ﴿وَيَمْشِي في الأسْواقِ﴾ (p-١٩)[الفرقان: ٧] جَمْعُ سُوقٍ وهي مُؤَنَّثَةٌ، وقَدْ تُذَكَّرُ. والعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى. * * * قَوْلُهُ تَعالى: ﴿لَوْلا أُنْزِلَ إلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا﴾ ﴿أوْ يُلْقى إلَيْهِ كَنْزٌ أوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنها﴾ . اعْلَمْ أوَّلًا أنَّ لَوْلا في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ حَرْفُ تَحْضِيضٍ عَلى التَّحْقِيقِ، والتَّحْضِيضُ. هو الطَّلَبُ بِحَثٍّ وشِدَّةٍ، وإلَيْهِ أشارَ في الخُلاصَةِ بِقَوْلِهِ: ؎وَبِهِما التَّحْضِيضُ مِزْ وهَلّا ألّا ألا وأوْلِيَنْها الفِعْلا وَبِهِ تَعْلَمُ أنَّ المُضارِعَ في قَوْلِهِ: فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا مَنصُوبٌ بِأنْ مُسْتَتِرَةٍ وُجُوبًا، لِأنَّ الفاءَ في جَوابِ الطَّلَبِ المَحْضِ الَّذِي هو التَّحْضِيضُ، كَما أشارَ لَهُ في الخُلاصَةِ بِقَوْلِهِ: ؎وَبَعْدَ فا جَوابُ نَفْيٍ أوْ طَلَبْ ∗∗∗ مَحْضَيْنِ أنْ وسَتْرُها حَتْمٌ نَصَبْ وَنَظِيرُ هَذا مِنَ النَّصْبِ بِأنِ المُسْتَتِرَةِ بَعْدَ الفاءِ الَّتِي هي جَوابُ التَّحْضِيضِ. قَوْلُهُ تَعالى: ﴿فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أخَّرْتَنِي إلى أجَلٍ قَرِيبٍ فَأصَّدَّقَ وأكُنْ مِنَ الصّالِحِينَ﴾ [المنافقون: ١٠] لِأنَّ قَوْلَهُ: لَوْلا أخَّرْتَنِي طَلَبٌ مِنهُ لِلتَّأْخِيرِ بَحَثٍّ وشِدَّةٍ، كَما دَلَّ عَلَيْهِ حَرْفُ التَّحْضِيضِ الَّذِي هو لَوْلا، ونَظِيرُهُ مِن كَلامِ العَرَبِ قَوْلُ الشّاعِرِ: ؎لَوْلا تَعُوجِينَ يا سَلْمى عَلى دَنَفٍ ∗∗∗ فَتُخْمِدِي نارَ وجْدٍ كادَ يُفْنِيهِ فَقَوْلُهُ تَعالى في الآيَةِ الكَرِيمَةِ: فَأصَّدَّقَ بِالنَّصْبِ، وقَوْلُ الشّاعِرِ: فَتُخْمِدِي مَنصُوبٌ أيْضًا، بِحَذْفِ النُّونِ، لِأنَّ الفاءَ في جَوابِ الطَّلَبِ المَحْضِ الَّذِي هو التَّحْضِيضُ. واعْلَمْ أنَّ جَزْمَ الفِعْلِ المَعْطُوفِ عَلى الفِعْلِ المَنصُوبِ أعْنِي قَوْلَهُ: ﴿وَأكُنْ مِنَ الصّالِحِينَ﴾ إنَّما ساغَ فِيهِ الجَزْمُ، لِأنَّهُ عَطْفٌ عَلى المَحَلِّ؛ لِأنَّ الفاءَ لَوْ حُذِفَتْ مَعَ قَصْدِ جَوابِ التَّحْضِيضِ لَجُزِمَ الفِعْلُ، وجَوازُ الجَزْمِ المَذْكُورِ عِنْدَ الحَذْفِ المَذْكُورِ، هو الَّذِي سَوَّغَ عَطْفَ المَجْزُومِ عَلى المَنصُوبِ، وقَدْ أشارَ إلى ذَلِكَ في الخُلاصَةِ بِقَوْلِهِ: ؎وَبَعْدَ غَيْرِ النَّفْيِ جَزْمًا اعْتُمِدْ ∗∗∗ إنْ تُسْقِطِ الفا والجَزاءُ قَدْ قُصِدْ وَبِما ذَكَرْنا تَعْلَمُ أنَّ ما ذَكَرَهُ القُرْطُبِيُّ وغَيْرُهُ، وأشارَ لَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ مِن أنَّ لَوْلا في الآيَةِ لِلِاسْتِفْهامِ، لَيْسَ بِصَحِيحٍ. (p-٢٠)واعْلَمْ أنَّ الكُفّارَ في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ اقْتَرَحُوا بِحَثٍّ وشِدَّةٍ عَلَيْهِ ﷺ ثَلاثَةَ أُمُورٍ: الأوَّلُ: أنْ يَنْزِلَ إلَيْهِ مَلَكٌ، فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا، أيْ يَشْهَدُ لَهُ بِالصِّدْقِ، ويُعِينُهُ عَلى التَّبْلِيغِ. الثّانِي: أنْ يُلْقى إلَيْهِ كَنْزٌ، أيْ يَنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ مِنَ المالِ يُنْفِقُ مِنهُ ويَسْتَغْنِي بِهِ عَنِ المَشْيِ في الأسْواقِ. الثّالِثُ: أنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنها، والجَنَّةُ في لُغَةِ العَرَبِ البُسْتانُ ومِنهُ قَوْلُ زُهَيْرٍ: ؎كَأنَّ عَيْنِيَ في غَرْبِي مُقَتَّلَةٌ ∗∗∗ مِنَ النَّواضِحِ تَسْقِي جَنَّةً سُحْقًا فَقَوْلُهُ: تَسْقِي جَنَّةً أيْ بُسْتانًا، وقَوْلُهُ: سُحْقًا يَعْنِي أنَّ نَخْلَهُ طِوالٌ. وَهَذِهِ الأُمُورُ الثَّلاثَةُ المَذْكُورَةُ في هَذِهِ الآيَةِ الكَرِيمَةِ الَّتِي اقْتَرَحَها الكُفّارُ وطَلَبُوها بِشِدَّةٍ وحَثٍّ، تَعَنُّتًا مِنهم وعِنادًا، جاءَتْ مُبَيَّنَةً في غَيْرِ هَذا المَوْضِعِ، فَبَيَّنَ جَلَّ وعَلا في سُورَةِ هُودٍ اقْتِراحَهم لِنُزُولِ الكَنْزِ، ومَجِيءِ المَلَكِ مَعَهُ، وأنَّ ذَلِكَ العِنادَ والتَّعَنُّتَ قَدْ يَضِيقُ بِهِ صَدْرُهُ ﷺ وذَلِكَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إلَيْكَ وضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أنْ يَقُولُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إنَّما أنْتَ نَذِيرٌ﴾ [هود: ١٢] وبَيَّنَ جَلَّ وعَلا في سُورَةِ بَنِي إسْرائِيلَ اقْتِراحَهُمُ الجَنَّةَ، وأوْضَحَ أنَّهم يَعْنُونَ بِها بُسْتانًا مِن نَخِيلٍ وعِنَبٍ، وذَلِكَ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الأرْضِ يَنْبُوعًا﴾ ﴿أوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِن نَخِيلٍ وعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأنْهارَ خِلالَها تَفْجِيرًا﴾ [الإسراء: ٩٠ - ٩١] واقْتِراحُهم هَذا شَبِيهٌ بِقَوْلِ فِرْعَوْنَ في مُوسى: ﴿فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أسْوِرَةٌ مِن ذَهَبٍ أوْ جاءَ مَعَهُ المَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ﴾ [الزخرف: ٥٣] تَشابَهَتْ قُلُوبُهم فَتَشابَهَتْ أقْوالُهم. وَقَدْ قَدَّمْنا في الكَلامِ عَلى آيَةِ سُورَةِ بَنِي إسْرائِيلَ، هَذِهِ الآياتِ الدّالَّةَ عَلى كَثْرَةِ اقْتِراحِ الكُفّارِ وشِدَّةِ تَعَنُّتِهِمْ وعِنادِهِمْ، وأنَّ اللَّهَ لَوْ فَعَلَ لَهم كُلَّ ما اقْتَرَحُوا لَما آمَنُوا كَما قالَ تَعالى: ﴿وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتابًا في قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأيْدِيهِمْ لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إنْ هَذا إلّا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ [الأنعام: ٧] وقالَ تَعالى: ﴿وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ بابًا مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ﴾ ﴿لَقالُوا إنَّما سُكِّرَتْ أبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ﴾ [الحجر: ١٤ - ١٥] وقالَ تَعالى: ﴿وَلَوْ أنَّنا نَزَّلْنا إلَيْهِمُ المَلائِكَةَ وكَلَّمَهُمُ المَوْتى وحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إلّا أنْ يَشاءَ اللَّهُ﴾ (p-٢١)الآيَةَ [الأنعام: ١١١] وقالَ تَعالى: ﴿إنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ ولَوْ جاءَتْهم كُلُّ آيَةٍ﴾ الآيَةَ [يونس: ٩٦ - ٩٧] . إلى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الآياتِ كَما تَقَدَّمَ. وَقالَ الزَّمَخْشَرِيُّ في تَفْسِيرِ آيَةِ الفُرْقانِ هَذِهِ: يَأْكُلُ الطَّعامَ كَما نَأْكُلُ، ويَتَرَدَّدُ في الأسْواقِ كَما نَتَرَدَّدُ. يَعْنُونَ أنَّهُ كانَ يَجِبُ أنْ يَكُونَ مَلَكًا مُسْتَغْنِيًا عَنِ الأكْلِ والتَّعَيُّشِ، ثُمَّ نَزَلُوا عَنِ اقْتِراحِهِمْ أنْ يَكُونَ مَلَكًا إلى اقْتِراحِ أنْ يَكُونَ إنسانًا مَعَهُ مَلَكٌ، حَتّى يَتَساعَدا في الإنْذارِ والتَّخْوِيفِ، ثُمَّ نَزَلُوا أيْضًا فَقالُوا: إنْ لَمْ يَكُنْ مَرْفُودًا بِذَلِكَ، فَلْيُكَنْ مَرْفُودًا بِكَنْزٍ يُلْقى إلَيْهِ مِنَ السَّماءِ يَسْتَظْهِرُ بِهِ، ولا يَحْتاجُ إلى تَحْصِيلِ المَعاشِ، ثُمَّ نَزَلُوا فاقْتَنَعُوا بِأنْ يَكُونَ لَهُ بُسْتانٌ يَأْكُلُ مِنهُ، ويَرْتَزِقُ كالدَّهاقِينِ أوْ يَأْكُلُونَ هم مِن ذَلِكَ البُسْتانِ، فَيَنْتَفِعُونَ بِهِ في دُنْياهم ومَعاشِهِمْ. انْتَهى مِنهُ، وكُلُّ تِلْكَ الِاقْتِراحاتِ لِشِدَّةِ تَعَنُّتِهِمْ وعِنادِهِمْ. وقَرَأ هَذا الحَرْفَ عامَّةُ السَّبْعَةِ غَيْرَ حَمْزَةَ والكِسائِيِّ (يَأْكُلُ مِنها) بِالمُثَنّاةِ التَّحْتِيَّةِ، وقَرَأ حَمْزَةُ والكِسائِيُّ: (جَنَّةٌ نَأْكُلُ مِنها) بِالنُّونِ، وهَذِهِ القِراءَةُ هي مُرادُ الزَّمَخْشَرِيِّ بِقَوْلِهِ: أوْ يَأْكُلُونَ هم مِن ذَلِكَ البُسْتانِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب