الباحث القرآني
﴿وقالُوا مالِ هَذا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ ويَمْشِي في الأسْواقِ لَوْلا أُنْزِلَ إلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا﴾ ﴿أوْ يُلْقى إلَيْهِ كَنْزٌ أوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنها﴾ [الفرقان: ٨] .
انْتِقالٌ مِن حِكايَةِ مَطاعِنِهِمْ في القُرْآنِ وبَيانِ إبْطالِها إلى حِكايَةِ مَطاعِنِهِمْ في الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ.
والضَّمِيرُ عائِدٌ إلى الَّذِينَ كَفَرُوا، فَمَدْلُولُ الصِّفَةِ مُراعًى كَما تَقَدَّمَ.
(p-٣٢٧)وقَدْ أوْرَدُوا طَعْنَهم في نُبُوءَةِ النَّبِيءِ ﷺ بِصِيغَةِ الِاسْتِفْهامِ عَنِ الحالَةِ المُخْتَصَّةِ بِهِ إذْ أوْرَدُوا اسْمَ الِاسْتِفْهامِ ولامَ الِاخْتِصاصِ، والجُمْلَةُ الحالِيَّةُ الَّتِي مَضْمُونُها مَثارُ الِاسْتِفْهامِ.
والِاسْتِفْهامُ تَعَجِيبِيٌّ مُسْتَعْمَلٌ في لازِمِهِ وهو بُطْلانُ كَوْنِهِ رَسُولًا بِناءً عَلى أنَّ التَّعَجُّبَ مِنَ الدَّعْوى يَقْتَضِي اسْتِحالَتَها أوْ بُطْلانَها. وتَرْكِيبُ (ما لِهَذا) ونَحْوُهُ يُفِيدُ الِاسْتِفْهامَ عَنْ أمْرٍ ثابِتٍ لَهُ، فاسْمُ الِاسْتِفْهامِ مُبْتَدَأٌ و (لِهَذا) خَبَرٌ عَنْهُ، فَمَثارُ الِاسْتِفْهامِ في هَذِهِ الآيَةِ هو ثُبُوتُ حالِ أكْلِ الطَّعامِ والمَشْيِ في الأسْواقِ لِلَّذِي يَدَّعِي الرِّسالَةَ مِنَ اللَّهِ.
فَجُمْلَةُ (يَأْكُلُ الطَّعامَ) جُمْلَةُ حالٍ. وقَوْلُهم: (لِهَذا الرَّسُولِ) أجْرَوْا عَلَيْهِ وصْفَ الرِّسالَةِ مُجاراةً مِنهم لِقَوْلِهِ وهم لا يُؤْمِنُونَ بِهِ، ولَكِنَّهم بَنَوْا عَلَيْهِ لِيَتَأتّى لَهُمُ التَّعَجُّبُ، والمُرادُ مِنهُ الإحالَةُ والإبْطالُ.
والإشارَةُ إلى حاضِرٍ في الذِّهْنِ، وقَدْ بَيَّنَ الإشارَةَ ما بَعْدَها مِنَ اسْمٍ مُعَرَّفٍ بِلامِ العَهْدِ وهو الرَّسُولُ.
وكَنَّوْا بِأكْلِ الطَّعامِ والمَشْيِ في الأسْواقِ عَنْ مُماثَلَةِ أحْوالِهِ لِأحْوالِ النّاسِ تَذَرُّعًا مِنهم إلى إبْطالِ كَوْنِهِ رَسُولًا لِزَعْمِهِمْ أنَّ الرَّسُولَ عَنِ اللَّهِ تَكُونُ أحْوالُهُ غَيْرَ مُماثِلَةٍ لِأحْوالِ النّاسِ، وخَصُّوا أكْلَ الطَّعامِ والمَشْيَ في الأسْواقِ؛ لِأنَّهُما مِنَ الأحْوالِ المُشاهَدَةِ المُتَكَرِّرَةِ. ورَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَوْلَهم هَذا بِقَوْلِهِ: (﴿وما أرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ المُرْسَلِينَ إلّا إنَّهم لَيَأْكُلُونَ الطَّعامَ ويَمْشُونَ في الأسْواقِ﴾ [الفرقان: ٢٠]) . ثُمَّ انْتَقَلُوا إلى اقْتِراحِ أشْياءَ تُؤَيِّدُ رِسالَتَهُ فَقالُوا: (﴿لَوْلا أُنْزِلَ إلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا﴾) . وخَصُّوا مِن أحْوالِ الرَّسُولِ حالَ النِّذارَةِ؛ لِأنَّها الَّتِي أنْبَتَتْ حِقْدَهم عَلَيْهِ.
و(لَوْلا) حَرْفُ تَحْضِيضٍ مُسْتَعْمَلٌ في التَّعْجِيزِ، أيْ لَوْ أُنْزِلَ إلَيْهِ مَلَكٌ لاتَّبَعْناهُ.
وانْتَصَبَ (فَيَكُونَ) عَلى جَوابِ التَّحْضِيضِ.
و(أوْ) لِلتَّخْيِيرِ في دَلائِلِ الرِّسالَةِ في وهْمِهِمْ.
(p-٣٢٨)ومَعْنى (﴿يُلْقى إلَيْهِ كَنْزٌ﴾ [الفرقان: ٨]) أيْ: يَنْزِلُ إلَيْهِ كَنْزٌ مِنَ السَّماءِ، إذْ كانَ الغِنى فِتْنَةً لِقُلُوبِهِمْ. والإلْقاءُ: الرَّمْيُ، وهو هُنا مُسْتَعارٌ لِلْإعْطاءِ مِن عِنْدِ اللَّهِ؛ لِأنَّهم يَتَخَيَّلُونَ اللَّهَ تَعالى في السَّماءِ.
والكَنْزُ تَقَدَّمَ في قَوْلِهِ تَعالى: (﴿أنْ يَقُولُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ﴾ [هود: ١٢]) في سُورَةِ هُودٍ. وجَعَلُوا إعْطاءَ جَنَّةٍ لَهُ عَلامَةً عَلى النُّبُوءَةِ؛ لِأنَّ وُجُودَ الجَنَّةِ في مَكَّةَ خارِقٌ لِلْعادَةِ.
وقَرَأ الجُمْهُورُ (﴿يَأْكُلُ مِنها﴾ [الفرقان: ٨]) بِياءِ الغائِبِ، والضَّمِيرُ المُسْتَتِرُ عائِدٌ إلى (هَذا الرَّسُولِ) .
وقَرَأ حَمْزَةُ، والكِسائِيُّ، وخَلَفٌ (﴿نَأْكُلُ مِنها﴾ [المائدة: ١١٣]) بِنُونِ الجَماعَةِ. والمَعْنى: لِيَتَيَقَّنُوا أنَّ ثَمَرَها حَقِيقَةٌ لا سِحْرٌ.
ذَكَرَ أصْحابُ السِّيَرِ أنَّ هَذِهِ المَقالَةَ صَدَرَتْ مِن كُبَراءِ المُشْرِكِينَ وفي مَجْلِسٍ لَهم مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ جَمَعَ عَتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وشَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وأبا سُفْيانَ بْنَ حَرْبٍ، وأبا البَخْتَرِيِّ، والأسْوَدَ بْنَ عَبْدِ المُطَّلِبِ، وزَمْعَةَ بْنَ الأسْوَدِ، والوَلِيدَ بْنَ المُغِيرَةِ، وأبا جَهِلِ بْنَ هِشامٍ، وأُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ، وعَبْدَ اللَّهِ بْنَ أبِي أُمَيَّةَ، والعاصَ بْنَ وائِلٍ، ونُبَيْهَ بْنَ الحَجّاجِ، ومُنَبِّهَ بْنَ الحَجّاجِ، والنَّضْرَ بْنَ الحارِثِ، وأنَّ هَذِهِ الأشْياءَ الَّتِي ذَكَرُوها تَداوَلها أهَّلُ المَجْلِسِ؛ إذْ لَمْ يُعَيِّنْ أهْلُ السِّيَرِ قائِلَها.
قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وأشاعُوا ذَلِكَ في النّاسِ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ في ذَلِكَ. وقَدْ تَقَدَّمَ شَيْءٌ مِن هَذا في سُورَةِ الإسْراءِ.
وكُتِبَتْ لامُ (ما لِـ هَذا) مُنْفَصِلَةً عَنِ اسْمِ الإشارَةِ الَّذِي بَعْدَها في المُصْحَفِ الإمامِ فاتَّبَعَتْهُ المَصاحِفُ؛ لِأنَّ رَسْمَ المُصْحَفِ سُنَّةٌ فِيهِ، كَما كُتِبَ (﴿ما لِـ هَذا الكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً ولا كَبِيرَةً﴾ [الكهف: ٤٩]) في سُورَةِ الكَهْفِ، وكَما كُتِبَ (﴿مالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ﴾ [المعارج: ٣٦]) في سُورَةِ سَألَ سائِلٌ، كَما كُتِبَ (﴿فَما لِـ هَؤُلاءِ القَوْمِ﴾ [النساء: ٧٨]) في سُورَةِ النِّساءِ. ولَعَلَّ وجْهَ هَذا الِانْفِصالِ أنَّهُ طَرِيقَةُ رَسْمٍ قَدِيمٍ كانَتِ الحُرُوفُ تُكْتَبُ مُنْفَصِلًا بَعْضُها عَنْ بَعْضٍ ولا سِيَّما حُرُوفُ المَعانِي فَعامَلُوا (p-٣٢٩)ما كانَ عَلى حَرْفٍ واحِدٍ مُعامَلَةَ ما كانَ عَلى حَرْفَيْنِ، فَبَقِيَتْ عَلى يَدِ أحَدِ كُتّابِ المُصْحَفِ أثارَةٌ مِن ذَلِكَ، وأصْلُ حُرُوفِ الهِجاءِ كُلِّها الِانْفِصالُ، وكَذَلِكَ هي في الخُطُوطِ القَدِيمَةِ لِلْعَرَبِ وغَيْرِهِمْ. وكانَ وصْلُ حُرُوفِ الكَلِمَةِ الواحِدَةِ تَحْسِينًا لِلرَّسْمِ وتَسْهِيلًا لِتَبادُرِ المَعْنى، وأمّا ما كانَ مِن كَلِمَتَيْنِ فَوَصْلُهُ اصْطِلاحٌ. وأكْثَرُ ما وصَلُوا مِنهُ الكَلِمَةُ المَوْضُوعَةُ عَلى حَرْفٍ واحِدٍ مِثْلُ حُرُوفِ القَسَمِ أوْ كالواحِدِ مِثْلُ (ألْ) .
{"ayah":"وَقَالُوا۟ مَالِ هَـٰذَا ٱلرَّسُولِ یَأۡكُلُ ٱلطَّعَامَ وَیَمۡشِی فِی ٱلۡأَسۡوَاقِ لَوۡلَاۤ أُنزِلَ إِلَیۡهِ مَلَكࣱ فَیَكُونَ مَعَهُۥ نَذِیرًا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق