الباحث القرآني

ثم قال الله عز وجل: ﴿وَأَنذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ﴾ [الأنعام ٥١]، ﴿أَنذِرْ بِهِ﴾ أي: بالقرآن، والإنذار الإعلام بالشيء على وجه التخويف. ﴿الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ﴾، يعني: يؤمنون بالبعث، ويخافون من اليوم الذي يُبْعَثُون فيه، كما قال عز وجل في الأبرار: ﴿وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا﴾ [الإنسان ٧]. ﴿لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ﴾ [الأنعام ٥١] أي: لا يتولاهم أحد من دون الله عز وجل، ولا يشفع لهم أحد من دون الله، فالولي أن يتولاهم أحد بدون شفاعة، يعني هو يقوم بكشف الضر عنهم، أو جلب النفع لهم، والشفاعة أن يتوسط لهم إلى الله عز وجل؛ لأن الشفاعة التوسط للغير لجلب منفعة، أو دفع مضرة، هذه هي الشفاعة، فشفاعة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأهل الموقف أن يقضى بينهم، هذه من أي النوعين؟ من دفع الضرر، أو من حصول المنفعة؟ من دفع الضرر؛ لأن الناس يلحقهم من الغم والكرب ما لا يطيقون، وشفاعته لأهل الجنة أن يدخلوا الجنة، من أيّ؟ من جلب النفع. ومثاله في الواقع لو أن إنسانًا شفع لشخص إلى مدير أن يوظفه في عمله، فهذا أيش؟ هذا جلب نفع، ولو شفع في شخص إلى مدير من أجل أن يرفع عنه التعزير، سواء بالمال أو بالحبس، فهذا من دفع الضرر، هؤلاء الذين أمر الله أن ينذر النبي ﷺ بالقرآن إياهم، نقول: ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع. ﴿وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ﴾ ﴿لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ [الأنعام ٥١]، (لعل) تعليل، يعني: لأجل أن يتقوا، ويتقون مَن؟ يتقون الله عز وجل، أو يتقون اليوم الذي يُحْشَرون فيه إلى الله، وهما متلازمان. والتقوى مأخوذة من الوقاية، وتتكرر كثيرًا في القرآن الكريم، ومعناها اتخاذ وقاية من عذاب الله؛ بفعل أوامره، واجتناب نواهيه، وتصديق أخباره على علم وبصيرة. ومنهم من قال: التقوى أن تعمل بطاعة الله، على نور من الله، ترجو ثواب الله، وأن تترك ما نهى الله، على نور من الله، تخشى عقاب الله. وبعضهم قال التقوى في أبيات: ؎خَلِّ الذُّنُوبَ صَغِيرَهَــــــا ∗∗∗ وَكَبِيرَهَـــــــــــا ذَاكَالتُّــــــــــقَـــــــــى؎وَاعْمَلْ كَمَاشٍ فَوْقَ أَرْ ∗∗∗ ضِ الشَّوْكِ يَحْذَرُ مَا يَرَى؎لَا تَحْـــــــــــــــقِرَنَّ صَــــــــــغِيرَةً ∗∗∗ إِنَّ الْجِبَالَ مِنَ الْحَصَـــــــــى ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ * في هذه الآية الكريمة فوائد: وجوب الإنذار بالقرآن. * ويتفرع من هذا: أن خير ما يُنْذَر به هو القرآن؛ لأنه أبلغ المواعظ في الإنذار، لكن كما قال الله عز وجل: ﴿لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ﴾ [ق ٣٧]. * ومن الفوائد: أنه لا ينتفع بالإنذار بالقرآن إلا الذين يؤمنون باليوم الآخر؛ لقوله: ﴿أَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ﴾. * ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات الحشر إلى الله عز وجل، وهذا يكون يوم القيامة، تُحْشَر الخلائق إلى ربها عز وجل ليقضي بينهم قضاء دائرًا بين العدل والفضل؛ العدل لمن؟ للكفار، والفضل للمؤمنين. * ومن فوائد الآية الكريمة: أنه لا أحد يمنع من الله؛ لقوله: ﴿لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ﴾. * ومن فوائدها: إثبات الشفاعة؛ لأنه لولا وجودها ما صح نفيها، والشفاعة أنواع: الشفاعة العظمى ليُقْضَى بين الناس، هذه خاصة بالرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، يعتذر أولو العزم عنها، وتستقر للرسول ﷺ، ولم ينكرها أحد من طوائف الملة، يُقِرُّون بها. والنوع الثاني: الشفاعة في أهل الكبائر من المؤمنين أن يخرجوا من النار، وهذه ينازع فيها طائفتان من أهل الملة حسب انتسابهم، وهم الخوارج والمعتزلة؛ لأن هاتين الطائفتين يرون أن فاعل الكبيرة مخلَّد في النار -والعياذ بالله- وإذا كان الله قد قضى عليه أن يُخَلَّد في النار فإن الشفاعة لا تنفعه. وهناك شفاعات أخرى ليس هذا موضع ذكرها. * ومن فوائد الآية الكريمة: إثبات العلل والأسباب؛ لقوله: ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾، وهذا أمر شرحناه كثيرًا، فلا حاجة إلى الإعادة، وكل إنسان يعرف أن الأمور لها أسباب ولها علل.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب