الباحث القرآني
قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وأنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أنْ يُحْشَرُوا إلى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهم مِن دُونِهِ ولِيٌّ ولا شَفِيعٌ لَعَلَّهم يَتَّقُونَ﴾
(p-١٩٢)اعْلَمْ أنَّهُ تَعالى لَمّا وصَفَ الرُّسُلَ بِكَوْنِهِمْ مُبَشِّرِينَ ومُنْذِرِينَ، أمَرَ الرَّسُولَ في هَذِهِ الآيَةِ بِالإنْذارِ فَقالَ: ﴿وأنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أنْ يُحْشَرُوا﴾ وفي الآيَةِ مَسائِلُ:
المَسْألَةُ الأُولى: ”الإنْذارُ“ الإعْلامُ بِمَوْضِعِ المَخافَةِ وقَوْلُهُ: ”بِهِ“ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ والزَّجّاجُ بِالقُرْآنِ. والدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالى قَبْلَ هَذِهِ الآيَةِ ﴿إنْ أتَّبِعُ إلّا ما يُوحى إلَيَّ﴾ وقالَ الضَّحّاكُ: ﴿وأنْذِرْ بِهِ﴾ أيْ بِاللَّهِ، والأوَّلُ أوْلى، لِأنَّ الإنْذارَ والتَّخْوِيفَ إنَّما يَقَعُ بِالقَوْلِ وبِالكَلامِ لا بِذاتِ اللَّهِ تَعالى.
* * *
وأمّا قَوْلُهُ: ﴿الَّذِينَ يَخافُونَ أنْ يُحْشَرُوا إلى رَبِّهِمْ﴾ فَفِيهِ أقْوالٌ:
الأوَّلُ: أنَّهُمُ الكافِرُونَ الَّذِينَ تَقَدَّمَ ذِكْرُهم، وذَلِكَ لِأنَّهُ ﷺ كانَ يُخَوِّفُهم مِن عَذابِ الآخِرَةِ، وقَدْ كانَ بَعْضُهم يَتَأثَّرُ مِن ذَلِكَ التَّخْوِيفِ، ويَقَعُ في قَلْبِهِ أنَّهُ رُبَّما كانَ الَّذِي يَقُولُهُ مُحَمَّدٌ حَقًّا، فَثَبَتَ أنَّ هَذا الكَلامَ لائِقٌ بِهَؤُلاءِ، لا يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلى المُؤْمِنِينَ لِأنَّ المُؤْمِنِينَ يَعْلَمُونَ أنَّهم يُحْشَرُونَ إلى رَبِّهِمْ، والعِلْمُ خِلافُ الخَوْفِ والظَّنِّ. ولِقائِلٍ أنْ يَقُولَ: إنَّهُ لا يَمْتَنِعُ أنْ يَدْخُلَ فِيهِ المُؤْمِنُونَ، لِأنَّهم وإنْ تَيَقَّنُوا الحَشْرَ فَلَمْ يَتَيَقَّنُوا العَذابَ الَّذِي يُخافُ مِنهُ، لِتَجْوِيزِهِمْ أنْ يَمُوتَ أحَدُهم عَلى الإيمانِ والعَمَلِ الصّالِحِ وتَجْوِيزِ أنْ لا يَمُوتُوا عَلى هَذِهِ الحالَةِ، فَلِهَذا السَّبَبِ كانُوا خائِفِينَ مِنَ الحَشْرِ، بِسَبَبِ أنَّهم كانُوا مُجَوِّزِينَ لِحُصُولِ العَذابِ وخائِفِينَ مِنهُ.
والقَوْلُ الثّانِي: أنَّ المُرادَ مِنهُ المُؤْمِنُونَ؛ لِأنَّهم هُمُ الَّذِينَ يُقِرُّونَ بِصِحَّةِ الحَشْرِ والنَّشْرِ والبَعْثِ والقِيامَةِ فَهُمُ الَّذِينَ يَخافُونَ مِن عَذابِ ذَلِكَ اليَوْمِ.
والقَوْلُ الثّالِثُ: أنَّهُ يَتَناوَلُ الكُلَّ؛ لِأنَّهُ لا عاقِلَ إلّا وهو يَخافُ الحَشْرَ، سَواءٌ قَطَعَ بِحُصُولِهِ أوْ كانَ شاكًّا فِيهِ؛ لِأنَّهُ بِالِاتِّفاقِ غَيْرُ مَعْلُومِ البُطْلانِ بِالضَّرُورَةِ فَكانَ هَذا الخَوْفُ قائِمًا في حَقِّ الكُلِّ، ولِأنَّهُ عَلَيْهِ السَّلامُ كانَ مَبْعُوثًا إلى الكُلِّ، وكانَ مَأْمُورًا بِالتَّبْلِيغِ إلى الكُلِّ، وخُصَّ في هَذِهِ الآيَةِ الَّذِينَ يَخافُونَ الحَشْرَ، لِأنَّ انْتِفاعَهم بِذَلِكَ الإنْذارِ أكَمَلُ، بِسَبَبِ أنَّ خَوْفَهم يَحْمِلُهم عَلى إعْدادِ الزّادِ لِيَوْمِ المَعادِ.
المَسْألَةُ الثّانِيَةُ: المُجَسِّمَةُ تَمَسَّكُوا بِقَوْلِهِ تَعالى: ﴿أنْ يُحْشَرُوا إلى رَبِّهِمْ﴾ وهَذا يَقْتَضِي كَوْنَ اللَّهِ تَعالى مُخْتَصًّا بِمَكانٍ وجِهَةٍ لِأنَّ كَلِمَةَ ”إلى“ لِانْتِهاءِ الغايَةِ.
والجَوابُ: المُرادُ إلى المَكانِ الَّذِي جَعَلَهُ رَبُّهم لِاجْتِماعِهِمْ ولِلْقَضاءِ عَلَيْهِمْ.
المَسْألَةُ الثّالِثَةُ: قَوْلُهُ: ﴿لَيْسَ لَهم مِن دُونِهِ ولِيٌّ ولا شَفِيعٌ﴾ قالَ الزَّجّاجُ: مَوْضِعُ ”لَيْسَ“ نَصْبٌ عَلى الحالِ كَأنَّهُ قِيلَ: مُتَخَلِّينَ مِن ولِيٍّ ولا شَفِيعٍ، والعامِلُ فِيهِ يَخافُونَ. ثُمَّ هَهُنا بَحْثٌ: وذَلِكَ لِأنَّهُ إنْ كانَ المُرادُ مِن ﴿الَّذِينَ يَخافُونَ أنْ يُحْشَرُوا إلى رَبِّهِمْ﴾ الكُفّارَ، فالكَلامُ ظاهِرٌ، لِأنَّهم لَيْسَ لَهم عِنْدَ اللَّهِ شُفَعاءُ، وذَلِكَ لِأنَّ اليَهُودَ والنَّصارى كانُوا يَقُولُونَ: ﴿نَحْنُ أبْناءُ اللَّهِ وأحِبّاؤُهُ﴾ [المائدة: ١٨] واللَّهُ كَذَّبَهم فِيهِ وذَكَرَ أيْضًا في آيَةٍ أُخْرى فَقالَ ﴿ما لِلظّالِمِينَ مِن حَمِيمٍ ولا شَفِيعٍ يُطاعُ﴾ [غافر: ١٨] وقالَ أيْضًا ﴿فَما تَنْفَعُهم شَفاعَةُ الشّافِعِينَ﴾ [المدثر: ٤٨] وإنْ كانَ المُرادُ المُسْلِمِينَ، فَنَقُولُ: قَوْلُهُ: ﴿لَيْسَ لَهم مِن دُونِهِ ولِيٌّ ولا شَفِيعٌ﴾ لا يُنافِي مَذْهَبَنا في إثْباتِ الشَّفاعَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ؛ لِأنَّ شَفاعَةَ المَلائِكَةِ والرُّسُلِ لِلْمُؤْمِنِينَ، إنَّما تَكُونُ بِإذْنِ اللَّهِ تَعالى لِقَوْلِهِ: ﴿مَن ذا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إلّا بِإذْنِهِ﴾ [البقرة: ٢٥٥] فَلَمّا كانَتْ تِلْكَ الشَّفاعَةُ بِإذْنِ اللَّهِ كانَتْ في الحَقِيقَةِ مِنَ اللَّهِ تَعالى. (p-١٩٣)المَسْألَةُ الرّابِعَةُ: قَوْلُهُ: ﴿لَعَلَّهم يَتَّقُونَ﴾ قالَ ابْنُ عَبّاسٍ: مَعْناهُ وأنْذِرْهم لِكَيْ يَخافُوا في الدُّنْيا ويَنْتَهُوا عَنِ الكُفْرِ والمَعاصِي. قالَتِ المُعْتَزِلَةُ: وهَذا يَدُلُّ عَلى أنَّهُ تَعالى أرادَ مِنَ الكُفّارِ التَّقْوى والطّاعَةَ، والكَلامُ عَلى هَذا النَّوْعِ مِنَ الِاسْتِدْلالِ قَدْ سَبَقَ مِرارًا.
{"ayah":"وَأَنذِرۡ بِهِ ٱلَّذِینَ یَخَافُونَ أَن یُحۡشَرُوۤا۟ إِلَىٰ رَبِّهِمۡ لَیۡسَ لَهُم مِّن دُونِهِۦ وَلِیࣱّ وَلَا شَفِیعࣱ لَّعَلَّهُمۡ یَتَّقُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق