الباحث القرآني
ثم قال عز وجل: ﴿وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾: ﴿حَسِبُوا﴾ بمعنى: ظنوا ﴿أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾ فيها قراءتان: القراءة الأولى: ضم النون، والقراءة الثانية: فتح النون، فعلى قراءة الضم تكون (أن) مخففة من الثقيلة، على قراءة أيش؟ ضم النون، ويكون اسمها ضمير الشأن محذوفًا، وجملة (لا تكون) في محل رفع خبرها، وعلى قراءة النصب تكون (أن) مصدرية و(لا) نافية، و(تكون) فعلا مضارعًا منصوب بـ (أن) المصدرية.
* الشيخ: أقول: فيها قراءتان: ﴿أَلَّا تَكُونُ﴾ بالضم بضم النون، ﴿أَلَّا تَكُونَ﴾ بفتح النون، فعلى قراءة الضم تكون (أن) مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن محذوف، و(تكون) خبرها، جملة (تكون) خبرها، وعلى قراءة النصب تكون (أن) مصدرية و(لا) نافية، و(تكون) فعل مضارع منصوب بـ (أن)، فهنا سلط العامل على ما بعده مع الفصل بـ (لا) النافية.
حينئذٍ يسوغ لنا، أو ينبغي لنا أن نتكلم على (أن): (أن) إذا كان ما قبلها علمًا فإنه يجب الرفع، وإذا كان ما قبلها يفيد الظن جاز الوجهان، وإذا كان ما قبلها ليس علمًا ولا ظنًّا وجب النصب، فمثلا تقول: يعجبني من الطالب ألا يجادل، كيف نقرأ اللام؟
* طالب: (ألا يجادل) بالنصب.
* الشيخ: (ألا يجادل) بالنصب يتعين، إذا صار (ظن) تقول: علمت ألا يكونوا كذا، وتكون (أن) مخففة من الثقيلة، إذا كان (ظن) جاز فيها وجهان.
في الآية الكريمة: ﴿حَسِبُوا﴾ ظنوا، ولذلك جاز الوجهان: النصب والرفع: ﴿حَسِبُوا أَلَّا تَكُونُ فِتْنَةٌ﴾ ﴿وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾ أي: حسبوا ألا يكون من جراء فعلهم هذا -وهو التكذيب والقتل- ألا تكون فتنة؛ أي: ألا يفتنوا بتسليط الأعداء عليهم، فاستمروا في طغيانهم.
﴿فَعَمُوا وَصَمُّوا﴾ عموا عن الحق فلا يرونه، وصموا عنه فلا يسمعونه.
﴿ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾ بعد أن أراهم شيئًا من العذاب تاب الله عليهم، ثم رجعوا لكن لم يرجعوا كلهم، بل بعضهم انتفى بهذه الفتنة التي تاب الله عليهم بعدها، وبعضهم استمر، ولهذا قال: ﴿ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ﴾ فصار بنو إسرائيل أولًا: عموا وصموا جميعًا، ثم أيش؟ تاب الله عليهم، ثم رجعوا، لكن ليس كلهم رجع ولكن أيش؟ البعض، ﴿عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ﴾، والذين لم يعموا ولم يصموا قليل.
﴿كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ﴾ قال بعض العلماء: إن هذا هو ما ذكره الله تعالى في سورة الإسراء ﴿وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (٤) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا (٥) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ﴾ هذا بعد التوبة ﴿وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (٦) إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا﴾ [الإسراء ٤ - ٧].
لكن سياق الآية في الإسراء لا يناسب ما في هذه السورة، فالذي في هذه السورة أنهم قتلوا وكذبوا وظنوا ألا يكون لها أثر، ولكن كان لها أثر، ما هذا الأثر؟ لا ندري، الله أعلم. بعد هذا الأثر ما الذي حصل منهم؟ عموا وصموا كثير منهم في هذه الفتنة، يعني عموا عن الحق وصموا عنه، وليس المراد عميت أعينهم الباصرة وآذانهم السامعة، ثم تاب الله عليهم ووفقهم للهداية ثم عموا وصموا بعد ذلك كثير منهم، وليس بلازم أن نعرف ما أبهم الله في القرآن، ما أبهمه الله في القرآن قد يكون فيه مصلحة والمقصود معرفة القصة من حيث هي.
﴿ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ﴾: ﴿كَثِيرٌ مِنْهُمْ﴾ قال بعض الناس: إنها فاعل: (عمي وصم)، وإن الواو في (عموا وصموا) حرف دال على الجمع فقط، كهو في قولك: عليكم، عليهم، فهو حرف دال على الجمع، فالواو في (عموا وصموا) حرف دال على الجمع، وهو خلاف المشهور من لغة العرب، ويعبر عن هذه اللغة بأيش؟ بـ (أكلوني البراغيث) وقيل: إن الواو فاعل في (عموا وصموا) وإن (كثير) بدل من الواو بدل بعض من كل، وهذا هو الأقرب؛ أن الله تعالى عمم أولًا ثم أبدل من هذا التعميم بأيش؟ بأنهم كثير، ولّا كلهم؟ كثير، وحينئذ نقول: القرآن الكريم لم يكن على لغة أيش؟ (أكلوني البراغيث).
﴿ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ﴾، قوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ بَصِيرٌ﴾ البصير هنا تحتمل، يعني تشمل معنيين: المعنى الأول: البصير بالعين عز وجل، والثاني: البصير بالعلم، وقد اجتمع المعنيان في حق الله عز وجل، هو بصير بما يعملون، يراه ولا يخفى عليه، وبصير بما يعملون، يعلمه، أفهمتم؟ لأن المعمول قد يكون ذا جسد فيرى أو غير جسد فلا يرى، وكلاهما يعلم أو لا؟ يعلم؛ فإذن نقول: بصير يشمل معنيين، بصير بمعنى الرؤية، بصير بمعنى العلم. أيهما أعم؟
* طلبة: العلم.
* الشيخ: الثاني أعم.
* في هذه الآية الكريمة: أن من غباوة بني إسرائيل أنهم يظنون ألا تقع فتنة مع كونهم يقتلون الرسل ويكذبون فريقًا منهم، وهذا يدل على الغباوة وعلى أن قلوبهم قد طُبع عليها -والعياذ بالله- فلا تميز بين الأشياء.
* ومن فوائدها: التحذير من الأمن من مكر الله، وأن ذلك من خلق اليهود: أن يأمن الإنسان من مكر الله ويظن أنه بمعصيته لا يعقبها عقاب؛ لقوله تعالى: ﴿وَحَسِبُوا أَلَّا تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الله تعالى قد يتوب على المرء بعد عماه وصممه، من أين تؤخذ يا أخ؟
* طالب: ﴿ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾.
* الشيخ: ﴿ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾ بعد أن ذكر أنهم عموا وصموا.
* ومن فوائد الآية الكريمة: رأفة الله تعالى بعباده، وأنه يتوب على من تاب، وإن شئت فقل: يتوب على من شاء من عباده تفضلًا منه وكرمًا.
* ومن فوائد الآية الكريمة: أن الإنسان بعد التوبة ورفع الفتنة عنه قد لا يشكر هذه النعمة ويعود إلى عماه وصممه؛ لقوله: ﴿ثُمَّ عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ﴾، وهذا يشبه قوله تعالى: ﴿فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [الأنعام ٤٣].
* ومنها: الحذر من بطر النعمة بالعود إلى الفسوق والكفران؛ لأن الله هددهم بقوله: ﴿وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ﴾.
* ومن فوائد الآية الكريمة: بيان عموم علم الله عز وجل بكل عمل؛ فإن كلمة (ما) في ﴿مَا يَعْمَلُونَ﴾ موصولة تفيد العموم.
{"ayah":"وَحَسِبُوۤا۟ أَلَّا تَكُونَ فِتۡنَةࣱ فَعَمُوا۟ وَصَمُّوا۟ ثُمَّ تَابَ ٱللَّهُ عَلَیۡهِمۡ ثُمَّ عَمُوا۟ وَصَمُّوا۟ كَثِیرࣱ مِّنۡهُمۡۚ وَٱللَّهُ بَصِیرُۢ بِمَا یَعۡمَلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق