الباحث القرآني
﴿وحَسِبُوا ألّا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وصَمُّوا ثُمَّ تابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وصَمُّوا كَثِيرٌ مِنهم واللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ﴾ .
عُطِفَ عَلى قَوْلِهِ (كَذَّبُوا) و(يَقْتُلُونَ) لِبَيانِ فَسادِ اعْتِقادِهِمُ النّاشِئِ عَنْهُ فاسِدُ أعْمالِهِمْ، أيْ فَعَلُوا ما فَعَلُوا مِنَ الفَظائِعِ عَنْ تَعَمُّدٍ بِغُرُورٍ، لا عَنْ فَلْتَةٍ أوْ ثائِرَةِ نَفْسٍ حَتّى يُنِيبُوا ويَتُوبُوا. والضَّمائِرُ البارِزَةُ عائِدَةٌ مِثْلُ الضَّمائِرِ المُتَقَدِّمَةِ في قَوْلِهِ (كَذَّبُوا) و(يَقْتُلُونَ) . وظَنُّوا أنَّ فِعْلَهم لا تَلْحَقُهم مِنهُ فِتْنَةٌ.
(p-٢٧٦)والفِتْنَةُ مَرْجُ أحْوالِ النّاسِ، واضْطِرابُ نِظامِهِمْ مِن جَرّاءِ أضْرارٍ ومَصائِبَ مُتَوالِيَةٍ، وقَدْ تَقَدَّمَ تَحْقِيقُها عِنْدَ قَوْلِهِ ﴿إنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ﴾ [البقرة: ١٠٢] في سُورَةِ البَقَرَةِ. وهي قَدْ تَكُونُ عِقابًا مِنَ اللَّهِ لِلنّاسِ جَزاءً عَنْ سُوءِ فِعْلِهِمْ أوْ تَمْحِيصًا لِصادِقِ إيمانِهِمْ لِتَعْلُوَ بِذَلِكَ دَرَجاتُهم ﴿إنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا المُؤْمِنِينَ والمُؤْمِناتِ﴾ [البروج: ١٠] الآيَةَ. وسَمّى القُرْآنُ هارُوتَ ومارُوتَ فِتْنَةً، وسَمّى النَّبِيءُ ﷺ الدَّجّالَ فِتْنَةً، وسَمّى القُرْآنُ مَزالَّ الشَّيْطانِ فِتْنَةً (لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ) . فَكانَ مَعْنى الِابْتِلاءِ مُلازِمًا لَها.
والمَعْنى: وظَنُّوا أنَّ اللَّهَ لا يُصِيبُهم بِفِتْنَةٍ في الدُّنْيا جَزاءً عَلى ما عامَلُوا بِهِ أنْبِياءَهم، فَهُنالِكَ مَجْرُورٌ مُقَدَّرٌ دالٌّ عَلَيْهِ السِّياقُ، أيْ ظَنُّوا أنْ لا تَنْزِلَ بِهِمْ مَصائِبُ في الدُّنْيا فَأمِنُوا عِقابَ اللَّهِ في الدُّنْيا بَعْدَ أنِ اسْتَخَفُّوا بِعَذابِ الآخِرَةِ، وتَوَهَّمُوا أنَّهم ناجُونَ مِنهُ، لِأنَّهم أبْناءُ اللَّهِ وأحِبّاؤُهُ، وأنَّهم لَنْ تَمَسَّهُمُ النّارُ إلّا أيّامًا مَعْدُودَةً.
فَمِن بَدِيعِ إيجازِ القُرْآنِ أنْ أوْمَأ إلى سُوءِ اعْتِقادِهِمْ في جَزاءِ الآخِرَةِ وأنَّهم نَبَذُوا الفِكْرَةَ فِيهِ ظِهْرِيًّا وأنَّهم لا يُراقِبُونَ اللَّهَ في ارْتِكابِ القَبائِحِ، وإلى سُوءِ غَفْلَتِهِمْ عَنْ فِتْنَةِ الدُّنْيا وأنَّهم ضالُّونَ في كِلا الأمْرَيْنِ.
ودَلَّ قَوْلُهُ ﴿وحَسِبُوا ألّا تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾ عَلى أنَّهم لَوْ لَمْ يَحْسَبُوا ذَلِكَ لارْتَدَعُوا، لِأنَّهم كانُوا أحْرَصَ عَلى سَلامَةِ الدُّنْيا مِنهم عَلى السَّلامَةِ في الآخِرَةِ لِانْحِطاطِ إيمانِهِمْ وضَعْفِ يَقِينِهِمْ.
وهَذا شَأْنُ الأُمَمِ إذا تَطَرَّقَ إلَيْها الخُذْلانُ أنْ يَفْسُدَ اعْتِقادُهم ويَخْتَلِطَ إيمانُهم ويَصِيرَ هَمُّهم مَقْصُورًا عَلى تَدْبِيرِ عاجِلَتِهِمْ، فَإذا ظَنُّوا اسْتِقامَةَ العاجِلَةِ أغْمَضُوا أعْيُنَهم عَنِ الآخِرَةِ، فَتَطَلَّبُوا السَّلامَةَ مِن غَيْرِ أسْبابِها، فَأضاعُوا الفَوْزَ الأبَدِيَّ وتَعَلَّقُوا بِالفَوْزِ العاجِلِ فَأساءُوا العَمَلَ فَأصابَهُمُ العَذابانِ العاجِلُ بِالفِتْنَةِ والآجِلُ.
واسْتُعِيرَ (عَمُوا وصَمُّوا) لِلْإعْراضِ عَنْ دَلائِلِ الرَّشادِ مِن رُسُلِهِمْ وكُتُبِهِمْ (p-٢٧٧)لِأنَّ العَمى والصَّمَمَ يُوقِعانِ في الضَّلالِ عَنِ الطَّرِيقِ وانْعِدامِ اسْتِفادَةِ ما يَنْفَعُ. فالجَمْعُ بَيْنَ العَمى والصَّمَمِ جَمْعٌ في الِاسْتِعارَةِ بَيْنَ أصْنافِ حِرْمانِ الِانْتِفاعِ بِأفْضَلِ نافِعٍ، فَإذا حَصَلَ الإعْراضُ عَنْ ذَلِكَ غَلَبَ الهَوى عَلى النُّفُوسِ، لِأنَّ الِانْسِياقَ إلَيْهِ في الجِبِلَّةِ، فَتَجَنُّبُهُ مُحْتاجٌ إلى الوازِعِ، فَإذا انْعَدَمَ الوازِعُ جاءَ سُوءُ الفِعْلِ، ولِذَلِكَ كانَ قَوْلُهُ (فَعَمُوا وصَمُّوا) مُرادًا مِنهُ مَعْناهُ الكِنائِيُّ أيْضًا، وهو أنَّهم أساءُوا الأعْمالَ وأفْسَدُوا، فَلِذَلِكَ اسْتَقامَ أنْ يَعْطِفَ عَلَيْهِ قَوْلَهَ ﴿ثُمَّ تابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾ . وقَدْ تَأكَّدَ هَذا المُرادُ بِقَوْلِهِ في تَذْيِيلِ الآيَةِ ﴿واللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ﴾ .
وقَوْلِهِ ﴿ثُمَّ تابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾ أيْ بَعْدَ ذَلِكَ الضَّلالِ والإعْراضِ عَنِ الرُّشْدِ وما أعْقَبَهُ مِن سُوءِ العَمَلِ والفَسادِ في الأرْضِ.
وقَدِ اسْتُفِيدَ مِن قَوْلِهِ ﴿ألّا تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾ وقَوْلِهِ ﴿ثُمَّ تابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾ أنَّهم قَدْ أصابَتْهُمُ الفِتْنَةُ بَعْدَ ذَلِكَ العَمى والصَّمَمِ، وما نَشَأ عَنْها عُقُوبَةٌ لَهم، وأنَّ اللَّهَ لَمّا تابَ عَلَيْهِمْ رَفَعَ عَنْهُمُ الفِتْنَةَ، (ثُمَّ عَمُوا وصَمُّوا) أيْ عادُوا إلى ضَلالِهِمُ القَدِيمِ وعَمَلِهِمُ الذَّمِيمِ، لِأنَّهم مُصِرُّونَ عَلى حُسْبانِ أنْ لا تَكُونَ فِتْنَةٌ فَأصابَتْهم فِتْنَةٌ أُخْرى.
وقَدْ وقَفَ الكَلامُ عِنْدَ هَذا العَمى والصَّمَمِ الثّانِي ولَمْ يُذْكَرْ أنَّ اللَّهَ تابَ عَلَيْهِمْ بَعْدَهُ، فَدَلَّ عَلى أنَّهم أعْرَضُوا عَنِ الحَقِّ إعْراضًا شَدِيدًا مَرَّةً ثانِيَةً فَأصابَتْهم فِتْنَةٌ لَمْ يَتُبِ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بَعْدَها.
ويَتَعَيَّنُ أنَّ ذَلِكَ إشارَةً إلى حادِثَيْنِ عَظِيمَيْنِ مِن حَوادِثِ عُصُورِ بَنِي إسْرائِيلَ بَعْدَ مُوسى عَلَيْهِ السَّلامُ، والأظْهَرُ أنَّهُما حادِثُ الأسْرِ البابِلِيِّ إذْ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ (بُخْتُنَصَّرَ) مَلِكَ أشُورَ فَدَخَلَ بَيْتَ المَقْدِسِ مَرّاتٍ سَنَةَ ٦٠٦ وسَنَةَ ٥٩٨ وسَنَةَ ٥٨٨ قَبْلَ المَسِيحِ. وأتى في ثالِثَتِها عَلى مَدِينَةِ أُورْشَلِيمَ فَأحْرَقَها وأحْرَقَ المَسْجِدَ وحَمَلَ جَمِيعَ بَنِي إسْرائِيلَ إلى بابِلَ أُسارى، وأنَّ تَوْبَةَ اللَّهِ عَلَيْهِمْ كانَ مَظْهَرُها حِينَ غَلَبَ كُورَشُ مَلِكُ فارِسَ عَلى الآشُورِيِّينَ واسْتَوْلى عَلى بابِلَ سَنَةَ ٥٣٠ قَبْلَ المَسِيحِ فَأُذِنَ لِلْيَهُودِ أنْ يَرْجِعُوا إلى بِلادِهِمْ ويُعَمِّرُوها فَرَجَعُوا وبَنَوْا مَسْجِدَهم.
(p-٢٧٨)وحادِثُ الخَرابِ الواقِعُ في زَمَنِ (تِيطَسَ) القائِدِ الرُّومانِيِّ وهو ابْنُ الإمْبِراطُورِ الرُّومانِيِّ (وسَبَسْيانُوسَ) فَإنَّهُ حاصَرَ (أُورْشَلِيمَ) حَتّى اضْطَرَّ اليَهُودُ إلى أكْلِ الجُلُودِ وأنْ يَأْكُلَ بَعْضُهم بَعْضًا مِنَ الجُوعِ، وقَتَلَ مِنهم ألْفَ ألْفِ رَجُلٍ، وسَبى سَبْعَةً وتِسْعِينَ ألْفًا، عَلى ما في ذَلِكَ مِن مُبالَغَةٍ، وذَلِكَ سَنَةَ ٦٩ لِلْمَسِيحِ. ثُمَّ قَفّاهُ الإمْبِراطُورُ (أدْرِيانُ) الرُّومانِيُّ مِن سَنَةِ ١١٧ إلى سَنَةِ ١٣٨ لِلْمَسِيحِ فَهَدَمَ المَدِينَةَ وجَعَلَها أرْضًا وخَلَطَ تُرابَها بِالمِلْحِ. فَكانَ ذَلِكَ انْقِراضَ دَوْلَةِ اليَهُودِ ومَدِينَتِهِمْ وتَفَرُّقَهم في الأرْضِ.
وقَدْ أشارَ القُرْآنُ إلى هَذَيْنِ الحَدَثَيْنِ بِقَوْلِهِ ﴿وقَضَيْنا إلى بَنِي إسْرائِيلَ في الكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ في الأرْضِ مَرَّتَيْنِ ولَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا﴾ [الإسراء: ٤] ﴿فَإذا جاءَ وعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكم عِبادًا لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وكانَ وعْدًا مَفْعُولًا﴾ [الإسراء: ٥] ﴿ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وأمْدَدْناكم بِأمْوالٍ وبَنِينَ وجَعَلْناكم أكْثَرَ نَفِيرًا﴾ [الإسراء: ٦] ﴿إنْ أحْسَنْتُمْ أحْسَنْتُمْ لِأنْفُسِكم وإنْ أسَأْتُمْ فَلَها فَإذا جاءَ وعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكم ولِيَدْخُلُوا المَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أوَّلَ مَرَّةٍ ولِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيرًا﴾ [الإسراء: ٧] ﴿عَسى رَبُّكم أنْ يَرْحَمَكُمْ﴾ [الإسراء: ٨] وهَذا هو الَّذِي اخْتارَهُ القَفّالُ. وفي الآيَةِ أقْوالٌ أُخَرُ اسْتَقْصاها الفَخْرُ.
وقَدْ دَلَّتْ (ثُمَّ) عَلى تَراخِي الفِعْلَيْنِ المَعْطُوفَيْنِ بِها عَنِ الفِعْلَيْنِ المَعْطُوفِ عَلَيْهِما وأنَّ هُنالِكَ عَمَيَيْنِ وصَمَمَيْنِ في زَمَنَيْنِ سابِقٍ ولاحِقٍ، ومَعَ ذَلِكَ كانَتِ الضَّمائِرُ المُتَّصِلَةُ بِالفِعْلَيْنِ المَعْطُوفَيْنِ عَيْنَ الضَّمائِرِ المُتَّصِلَةِ بِالفِعْلَيْنِ المَعْطُوفِ عَلَيْهِما، والَّذِي سَوَّغَ ذَلِكَ أنَّ المُرادَ بَيانُ تَكَرُّرِ الأفْعالِ في العُصُورِ وادِّعاءُ أنَّ الفاعِلَ واحِدٌ؛ لِأنَّ ذَلِكَ شَأْنُ الأخْبارِ والصِّفاتِ المُثْبَتَةِ لِلْأُمَمِ والمُسَجَّلِ بِها عَلَيْهِمْ تَوارُثُ السَّجايا فِيهِمْ مِن حَسَنٍ أوْ قَبِيحٍ، وقَدْ عُلِمَ أنَّ الَّذِينَ عَمُوا (p-٢٧٩)وصَمُّوا ثانِيَةً غَيْرُ الَّذِينَ عَمُوا وصَمُّوا أوَّلَ مَرَّةٍ، ولَكِنَّهم لَمّا كانُوا خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ، وكانُوا قَدْ أوْرَثُوا أخْلاقَهم أبْناءَهُمُ اعْتُبِرُوا كالشَّيْءِ الواحِدِ، كَقَوْلِهِمْ: بَنُو فُلانٍ لَهم تُراثٌ مَعَ بَنِي فُلانٍ.
وقَوْلُهُ (كَثِيرٌ مِنهم) بَدَلٌ مِنَ الضَّمِيرِ في قَوْلِهِ (﴿ثُمَّ عَمُوا وصَمُّوا﴾)، قُصِدَ مِنهُ تَخْصِيصُ أهْلِ الفَضْلِ والصَّلاحِ مِنهم في كُلِّ عَصْرٍ بِأنَّهم بُرَآءُ مِمّا كانَ عَلَيْهِ دَهْماؤُهم صَدْعًا بِالحَقِّ وثَناءً عَلى الفَضْلِ. وإذْ قَدْ كانَ مَرْجِعُ الضَّمِيرَيْنِ الأخِيرَيْنِ في قَوْلِهِ (ثُمَّ عَمُوا وصَمُّوا) هو عَيْنَ مَرْجِعِ الضَّمِيرَيْنِ الأوَّلَيْنِ في قَوْلِهِ فَعَمُوا وصَمُّوا كانَ الإبْدالُ مِنَ الضَّمِيرَيْنِ الأخِيرَيْنِ المُفِيدُ تَخْصِيصًا مِن عُمُومِهِما، مُفِيدًا تَخْصِيصًا مِن عُمُومِ الضَّمِيرَيْنِ اللَّذَيْنِ قَبْلَهُما بِحُكْمِ المُساواةِ بَيْنَ الضَّمائِرِ، إذْ قَدِ اعْتُبِرَتْ ضَمائِرُ أُمَّةٍ واحِدَةٍ، فَإنَّ مَرْجِعَ تِلْكَ الضَّمائِرِ هو قَوْلُهُ بَنِي إسْرائِيلَ. ومِنَ الضَّرُورِيِّ أنْ لا تَخْلُوَ أُمَّةٌ ضالَّةٌ في كُلِّ جِيلٍ مِن وُجُودِ صالِحِينَ فِيها، فَقَدْ كانَ في المُتَأخِّرِينَ مِنهم أمْثالُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ، وكانَ في المُتَقَدِّمِينَ يُوشَعُ وكالِبُ اللَّذَيْنِ قالَ اللَّهُ في شَأْنِها ﴿قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِما ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ البابَ﴾ [المائدة: ٢٣] .
وقَوْلُهُ ﴿واللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ﴾ تَذْيِيلٌ. والبَصِيرُ مُبالَغَةٌ في المُبْصِرِ، كالحَكِيمِ بِمَعْنى المُحْكِمِ، وهو هُنا بِمَعْنى العَلِيمِ بِكُلِّ ما يَقَعُ في أفْعالِهِمُ الَّتِي مِن شَأْنِها أنْ يُبْصِرَها النّاسُ سَواءً ما أبْصَرَهُ النّاسُ مِنها أمْ ما لَمْ يُبْصِرُوهُ، والمَقْصُودُ مِن هَذا الخَبَرِ لازِمُ مَعْناهُ، وهو الإنْذارُ والتَّذْكِيرُ بِأنَّ اللَّهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ، فَهو وعِيدٌ لَهم عَلى ما ارْتَكَبُوهُ بَعْدَ أنْ تابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ.
وقَرَأ نافِعٌ، وابْنُ كَثِيرٍ، وابْنُ عامِرٍ، وعاصِمٌ، وأبُو جَعْفَرٍ أنْ لا تَكُونَ بِفَتْحِ نُونِ تَكُونَ عَلى اعْتِبارِ (أنْ) حَرْفَ مَصْدَرٍ ناصِبًا لِلْفِعْلِ. وقَرَأ أبُو عَمْرٍو، وحَمْزَةُ، ويَعْقُوبُ، وخَلَفٌ بِضَمِّ النُّونِ عَلى اعْتِبارِ (أنْ) مُخَفَّفَةً مِن (أنَّ) أُخْتِ (إنَّ) المَكْسُورَةِ الهَمْزَةِ. وأنَّ إذا خُفِّفَتْ يَبْطُلُ عَمَلُها المُعْتادُ وتَصِيرُ داخِلَةً عَلى جُمْلَةٍ. وزَعَمَ بَعْضُ النُّحاةِ أنَّها مَعَ ذَلِكَ عامِلَةٌ، وأنَّ اسْمَها مُلْتَزِمُ الحَذْفِ، وأنَّ خَبَرَها مُلْتَزِمٌ كَوْنُهُ جُمْلَةً.
(p-٢٨٠)وهَذا تَوَهُّمٌ لا دَلِيلَ عَلَيْهِ. وزادَ بَعْضُهم فَزَعَمَ أنَّ اسْمَها المَحْذُوفَ ضَمِيرُ الشَّأْنِ. وهَذا أيْضًا تَوَهُّمٌ عَلى تَوَهُّمٍ، ولَيْسَ مِن شَأْنِ ضَمِيرِ الشَّأْنِ أنْ يَكُونَ مَحْذُوفًا لِأنَّهُ مُجْتَلَبٌ لِلتَّأْكِيدِ، عَلى أنَّ عَدَمَ ظُهُورِهِ في أيِّ اسْتِعْمالٍ يُفَنِّدُ دَعْوى تَقْدِيرِهِ.
{"ayah":"وَحَسِبُوۤا۟ أَلَّا تَكُونَ فِتۡنَةࣱ فَعَمُوا۟ وَصَمُّوا۟ ثُمَّ تَابَ ٱللَّهُ عَلَیۡهِمۡ ثُمَّ عَمُوا۟ وَصَمُّوا۟ كَثِیرࣱ مِّنۡهُمۡۚ وَٱللَّهُ بَصِیرُۢ بِمَا یَعۡمَلُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق